الوراثة بين الأمم المتمدنة
المؤلف:
محمد حسين الطباطبائي
المصدر:
تفسير الميزان
الجزء والصفحة:
ج4 , ص 190-192
5-10-2014
2077
من خواص الروم أنهم كانوا يرون للبيت في نفسه استقلالا مدنيا يفصله عن المجتمع العام و يصونه عن نفوذ الحكومة العامة في جل ما يرتبط بأفراده من الحقوق الاجتماعية، فكان يستقل في الأمر و النهي و الجزاء و السياسة و نحو ذلك.
و كان رب البيت هو معبودا لأهله من زوجة و أولاد و عبيد، و كان هو المالك من بينهم و لا يملك دونه أحد ما دام أحد أفراد البيت، و كان هو الولي عليهم القيم بأمرهم باختياره المطلق النافذ فيهم، و كان هو يعبد رب البيت السابق من أسلافه.
و إذا كان هناك مال يرثه البيت كما إذا مات بعض الأبناء فيما ملكه بإذن رب البيت اكتسابا أو بعض البنات فيما ملكته بالازدواج صداقا و أذن لها رب البيت أو بعض الأقارب فإنما كان يرثه رب البيت لأنه مقتضى ربوبيته و ملكه المطلق للبيت و أهله.
و إذا مات رب البيت فإنما كان يرثه أحد أبنائه أو إخوانه ممن في وسعه ذلك و ورثه الأبناء فإن انفصلوا و أسسوا بيوتا جديدة كانوا أربابها و إن بقوا في بيتهم القديم كان نسبتهم إلى الرب الجديد أخيهم مثلا هي النسبة السابقة إلى أبيهم من الورود تحت قيمومته و ولايته المطلقة.
و كذا كان يرثه الأدعياء لأن الادعاء و التبني كان دائرا عندهم كما بين العرب في الجاهلية.
و أما النساء كالزوجة و البنت و الأم فلم يكن يرثن لئلا ينتقل مال البيت بانتقالهن إلى بيوت أخرى بالازدواج فإنهم ما كانوا يرون جواز انتقال الثروة من بيت إلى آخر، و هذا هو الذي ربما ذكره بعضهم فقال: إنهم كانوا يقولون بالملكية الاشتراكية الاجتماعية دون الانفرادية الفردية و أظن أن مأخذه شيء آخر غير الملك الاشتراكي فإن الأقوام الهمجية المتوحشة أيضا من أقدم الأزمنة كانوا يمتنعون من مشاركة غيرهم من الطوائف البدوية فيما حازوه من المراعي و الأراضي الخصبة و حموه لأنفسهم و كانوا يحاربون عليه و يدفعون عن محمياتهم و هذا نوع من الملك العام الاجتماعي الذي مالكه هيئة المجتمع الإنساني دون أفراده، و هو مع ذلك لا ينفي أن يملك كل فرد من المجتمع شيئا من هذا الملك العام اختصاصا.
و هذا ملك صحيح الاعتبار غير أنهم ما كانوا يحسنون تعديل أمره و الاستدرار منه، و قد احترمه الإسلام كما ذكرناه فيما تقدم، قال تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } [البقرة: 29] فالمجتمع الإنساني و هو المجتمع الإسلامي و من هو تحت ذمته هو المالك لثروة الأرض بهذا المعنى ثم المجتمع الإسلامي هو المالك لما في يده من الثروة و لذلك لا يرى الإسلام إرث الكافر من المسلم.
و لهذا النظر آثار و نماذج في بعض الملل الحاضرة حيث لا يرون جواز تملك الأجانب شيئا من الأراضي و الأموال غير المنقولة من أوطانهم و نحو ذلك.
و لما كان البيت في الروم القديم ذا استقلال و تمام في نفسه كان قد استقر فيه هذه العادة القديمة المستقرة في الطوائف و الممالك المستقلة.
و كان قد أنتج استقرار هذه العادة أو السنة في بيوت الروم مع سنتهم في التزويج من منع الازدواج بالمحارم أن القرابة انقسمت عندهم قسمين: أحدهما القرابة الطبيعية و هي الاشتراك في الدم، و كان لازمها منع الازدواج في المحارم و جوازه في غيرهم، و الثاني القرابة الرسمية و هي القانونية و لازمها الإرث و عدمه و النفقة و الولاية و غير ذلك فكان الأبناء أقرباء ذوي قرابة طبيعية و رسمية معا بالنسبة إلى رب البيت و رئيسه و في ما بينهم، أنفسهم و كانت النساء جميعا ذوات قرابة طبيعية لا رسمية فكانت المرأة لا ترث والدها و لا ولدها و لا أخاها و لا بعلها و لا غيرهم.
هذه سنة الروم القديم.
و أما اليونان فكان وضعهم القديم في تشكل البيوت قريبا من وضع الروم القديم، و كان الميراث فيهم يرثه أرشد الأولاد الذكور، و يحرم النساء جميعا من زوجة و بنت و أخت، و يحرم صغار الأولاد و غيرهم غير أنهم كالروميين ربما كانوا يحتالون لإيراث الصغار من أبنائهم و من أحبوها و أشفقوا عليها من زوجاتهم و بناتهم و أخواتهم بحبل متفرقة تسهل الطريق لإمتاعهن بشيء من الميراث قليل أو كثير بوصية أو نحوها و سيجيء الكلام في أمر الوصية.
و أما الهند و مصر و الصين فكان أمر الميراث في حرمان النساء منه مطلقا و حرمان ضعفاء الأولاد أو بقاؤهم تحت الولاية و القيمومة قريبا مما تقدم من سنة الروم و اليونان.
و أما الفرس فإنهم كانوا يرون نكاح المحارم و تعدد الزوجات كما تقدم و يرون التبني، و كانت أحب النساء إلى الزوج ربما قامت مقام الابن بالادعاء و ترث كما يرث الابن و الدعي بالسوية و كانت تحرم بقية الزوجات، و البنت المزوجة لا ترث حذرا من انتقال المال إلى خارج البيت، و التي لم تزوج بعد ترث نصف سهم الابن، فكانت الزوجات غير الكبيرة و البنت المزوجة محرومات، و كانت الزوجة الكبيرة و الابن و الدعي و البنت غير المزوجة بعد مرزوقين.
و أما العرب فقد كانوا يحرمون النساء مطلقا و الصغار من البنين و يمتعون أرشد الأولاد ممن يركب الفرس و يدفع عن الحرمة، فإن لم يكن فالعصبة.
هذا حال الدنيا يوم نزلت آيات الإرث، ذكرها و تعرض لها كثير من تواريخ آداب الملل و رسومهم و الرحلات و كتب الحقوق و أمثالها من أراد الاطلاع على تفاصيل القول أمكنه أن يراجعها.
و قد تلخص من جميع ما مر أن السنة كانت قد استقرت في الدنيا يومئذ على حرمان النساء بعنوان أنهن زوجة أو أم أو بنت أو أخت إلا بعناوين أخرى مختلفة، و على حرمان الصغار و الأيتام إلا في بعض الموارد تحت عنوان الولاية و القيمومة الدائمة غير المنقطعة.
الاكثر قراءة في قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة