1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

النحو

اقسام الكلام

الكلام وما يتالف منه

الجمل وانواعها

اقسام الفعل وعلاماته

المعرب والمبني

أنواع الإعراب

علامات الاسم

الأسماء الستة

النكرة والمعرفة

الأفعال الخمسة

المثنى

جمع المذكر السالم

جمع المؤنث السالم

العلم

الضمائر

اسم الإشارة

الاسم الموصول

المعرف بـ (ال)

المبتدا والخبر

كان وأخواتها

المشبهات بـ(ليس)

كاد واخواتها (أفعال المقاربة)

إن وأخواتها

لا النافية للجنس

ظن وأخواتها

الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل

الأفعال الناصبة لمفعولين

الفاعل

نائب الفاعل

تعدي الفعل ولزومه

العامل والمعمول واشتغالهما

التنازع والاشتغال

المفعول المطلق

المفعول فيه

المفعول لأجله

المفعول به

المفعول معه

الاستثناء

الحال

التمييز

الحروف وأنواعها

الإضافة

المصدر وانواعه

اسم الفاعل

اسم المفعول

صيغة المبالغة

الصفة المشبهة بالفعل

اسم التفضيل

التعجب

أفعال المدح والذم

النعت (الصفة)

التوكيد

العطف

البدل

النداء

الاستفهام

الاستغاثة

الندبة

الترخيم

الاختصاص

الإغراء والتحذير

أسماء الأفعال وأسماء الأصوات

نون التوكيد

الممنوع من الصرف

الفعل المضارع وأحواله

القسم

أدوات الجزم

العدد

الحكاية

الشرط وجوابه

الصرف

موضوع علم الصرف وميدانه

تعريف علم الصرف

بين الصرف والنحو

فائدة علم الصرف

الميزان الصرفي

الفعل المجرد وأبوابه

الفعل المزيد وأبوابه

أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)

اسناد الفعل الى الضمائر

توكيد الفعل

تصريف الاسماء

الفعل المبني للمجهول

المقصور والممدود والمنقوص

جمع التكسير

المصادر وابنيتها

اسم الفاعل

صيغة المبالغة

اسم المفعول

الصفة المشبهة

اسم التفضيل

اسما الزمان والمكان

اسم المرة

اسم الآلة

اسم الهيئة

المصدر الميمي

النسب

التصغير

الابدال

الاعلال

الفعل الصحيح والمعتل

الفعل الجامد والمتصرف

الإمالة

الوقف

الادغام

القلب المكاني

الحذف

المدارس النحوية

النحو ونشأته

دوافع نشأة النحو العربي

اراء حول النحو العربي واصالته

النحو العربي و واضعه

أوائل النحويين

المدرسة البصرية

بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في البصرة وطابعه

أهم نحاة المدرسة البصرية

جهود علماء المدرسة البصرية

كتاب سيبويه

جهود الخليل بن احمد الفراهيدي

كتاب المقتضب - للمبرد

المدرسة الكوفية

بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الكوفة وطابعه

أهم نحاة المدرسة الكوفية

جهود علماء المدرسة الكوفية

جهود الكسائي

الفراء وكتاب (معاني القرآن)

الخلاف بين البصريين والكوفيين

الخلاف اسبابه ونتائجه

الخلاف في المصطلح

الخلاف في المنهج

الخلاف في المسائل النحوية

المدرسة البغدادية

بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في بغداد وطابعه

أهم نحاة المدرسة البغدادية

جهود علماء المدرسة البغدادية

المفصل للزمخشري

شرح الرضي على الكافية

جهود الزجاجي

جهود السيرافي

جهود ابن جني

جهود ابو البركات ابن الانباري

المدرسة المصرية

بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو المصري وطابعه

أهم نحاة المدرسة المصرية

جهود علماء المدرسة المصرية

كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك

جهود ابن هشام الانصاري

جهود السيوطي

شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك

المدرسة الاندلسية

بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الاندلس وطابعه

أهم نحاة المدرسة الاندلسية

جهود علماء المدرسة الاندلسية

كتاب الرد على النحاة

جهود ابن مالك

اللغة العربية

لمحة عامة عن اللغة العربية

العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)

العربية الجنوبية (العربية اليمنية)

اللغة المشتركة (الفصحى)

فقه اللغة

مصطلح فقه اللغة ومفهومه

اهداف فقه اللغة وموضوعاته

بين فقه اللغة وعلم اللغة

جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة

جهود القدامى

جهود المحدثين

اللغة ونظريات نشأتها

حول اللغة ونظريات نشأتها

نظرية التوقيف والإلهام

نظرية التواضع والاصطلاح

نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح

نظرية محاكات أصوات الطبيعة

نظرية الغريزة والانفعال

نظرية محاكات الاصوات معانيها

نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية

نظريات تقسيم اللغات

تقسيم ماكس مولر

تقسيم شليجل

فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)

لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية

موطن الساميين الاول

خصائص اللغات الجزرية المشتركة

اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية

تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)

اللغات الشرقية

اللغات الغربية

اللهجات العربية

معنى اللهجة

اهمية دراسة اللهجات العربية

أشهر اللهجات العربية وخصائصها

كيف تتكون اللهجات

اللهجات الشاذة والقابها

خصائص اللغة العربية

الترادف

الاشتراك اللفظي

التضاد

الاشتقاق

مقدمة حول الاشتقاق

الاشتقاق الصغير

الاشتقاق الكبير

الاشتقاق الاكبر

اشتقاق الكبار - النحت

التعرب - الدخيل

الإعراب

مناسبة الحروف لمعانيها

صيغ اوزان العربية

الخط العربي

الخط العربي وأصله، اعجامه

الكتابة قبل الاسلام

الكتابة بعد الاسلام

عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه

أصوات اللغة العربية

الأصوات اللغوية

جهود العرب القدامى في علم الصوت

اعضاء الجهاز النطقي

مخارج الاصوات العربية

صفات الاصوات العربية

المعاجم العربية

علم اللغة

مدخل إلى علم اللغة

ماهية علم اللغة

الجهود اللغوية عند العرب

الجهود اللغوية عند غير العرب

مناهج البحث في اللغة

المنهج الوصفي

المنهج التوليدي

المنهج النحوي

المنهج الصرفي

منهج الدلالة

منهج الدراسات الانسانية

منهج التشكيل الصوتي

علم اللغة والعلوم الأخرى

علم اللغة وعلم النفس

علم اللغة وعلم الاجتماع

علم اللغة والانثروبولوجيا

علم اللغة و الجغرافية

مستويات علم اللغة

المستوى الصوتي

المستوى الصرفي

المستوى الدلالي

المستوى النحوي

وظيفة اللغة

اللغة والكتابة

اللغة والكلام

تكون اللغات الانسانية

اللغة واللغات

اللهجات

اللغات المشتركة

القرابة اللغوية

احتكاك اللغات

قضايا لغوية أخرى

علم الدلالة

ماهية علم الدلالة وتعريفه

نشأة علم الدلالة

مفهوم الدلالة

جهود القدامى في الدراسات الدلالية

جهود الجاحظ

جهود الجرجاني

جهود الآمدي

جهود اخرى

جهود ابن جني

مقدمة حول جهود العرب

التطور الدلالي

ماهية التطور الدلالي

اسباب التطور الدلالي

تخصيص الدلالة

تعميم الدلالة

انتقال الدلالة

رقي الدلالة

انحطاط الدلالة

اسباب التغير الدلالي

التحول نحو المعاني المتضادة

الدال و المدلول

الدلالة والمجاز

تحليل المعنى

المشكلات الدلالية

ماهية المشكلات الدلالية

التضاد

المشترك اللفظي

غموض المعنى

تغير المعنى

قضايا دلالية اخرى

نظريات علم الدلالة الحديثة

نظرية السياق

نظرية الحقول الدلالية

النظرية التصورية

النظرية التحليلية

نظريات اخرى

النظرية الاشارية

مقدمة حول النظريات الدلالية

أخرى

علوم اللغة العربية : علم اللغة : تكون اللغات الانسانية : احتكاك اللغات :

الصراع اللغوي (العامل الثاني: تجاور شعبين مختلفي اللغة)

المؤلف:  د. علي عبد الواحد وافي

المصدر:  علم اللغة

الجزء والصفحة:  ص240- 247

14-2-2019

1571


العامل الثاني: تجاور شعبين مختلفي اللغة
يتيح تجاور شعبين مختلفي اللغة فرصًا كثيرة لاحتكاك لغتيهما، فتشتبكان في صراع ينتهي إلى واحدة من النتيجتين نفسيهما اللتين ينتهي إليهما الصراع في العامل الأول؛ فأحيانًا تنتصر إحدى اللغتين على الأخرى وتحتل مناطقها، فتصبح لغة مشتركة بين الشعبين، وأحيانًا لا تقوى واحدة منهما على الأخرى فتعيشان معًا جنبًا لجنب.
أ- الحالات التي يحدث فيها تغلب إحدى اللغتين:
وتحدث النتيجة الأولى وهي تغلب إحدى اللغتين على الأخرى في حالتين:
الحالة الأولى: إذا كانت نسبة النمو في أحد الشعبين كبيرة
ص240
لدرجة يتكاثف فيها ساكنوه، وتضيق مساحته بهم ذرعًا، فيشتد ضغطه على حدود الشعب المجاور له، وتكثر تبعًا لذلك عوامل الاحتكاك والتنازع بين اللغتين, وفي هذه الحالة تتغلب لغة الشعب الكثيف السكان على لغة المناطق المجاورة له، على شريطة ألّا يقل عن أهلها في حضارته وثقافته وآداب لغته، ويتأكد انتصاره إذا كان أرقى من أهلها في هذه الأمور.
والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ, وأكثرها دلالةً بهذا الصدد ما كان من أمر اللغة الألمانية, فقد طغت على مساحة واسعة من المناطق المجاورة لألمانيا بأوربا الوسطى "بسويسرا وتشيكوسلوفاكيا وبولونيا والنمسا..إلخ" وقضت على لهجاتها الأولى(1).
الحالة الثانية: إذا تغلغل نفوذ أحد الشعبين في الشعب المجاور, وفي هذه الحالة تتغلب لغة الشعب القوي النفوذ, على شريطة ألّا يقل عن الآخر في حضارته وثقافته وآداب لغته، ويتأكد انتصاره إذا كان أرقى منه في هذه الأمور.
والأمثلة على ذلك كثيرة في مختلف مراحل التاريخ؛ فلغة شعوب الباسك قد أخذت تنهزم أمام اللغة الفرنسية في المناطق التي تغلغل فيها نفوذ الفرنسيين, وأمام اللغة الأسبانية في المناطق التي تغلغل فيها نفوذ الأسبانيين، حتى كادت تنقرض في كلتيهما كما سبقت الإشارة إلى ذلك. واللهجات السلتية التي كان يتكلم بها معظم السكان يإيرلندا وويلز وأسكتلندا, قد أخذت تنهزم أمام اللغة الإنجليزية منذ أن تغلغل نفوذ إنجلترا في هذه البلاد, حتى زالت من لغة الأدب والكتابة، وكادت تنقرض انقراضًا تامًّا من لغة الحديث.
ص241
وهكذا كان مصير اللهجة السلتية التي بقيت بمقاطعة البريتون Bretagne "في القسم الغربي من فرنسا على سواحل الأطلانطيق"، فقد أخذت تتهزم أمام اللغة الفرنسية منذ أن تغلغل نفوذ فرنسا في هذه المقاطعة، حتى لم يبق لها إلّا آثار ضئيلة في لغة الحديث بين الأميين من الشيوخ(2). واللغة الفرنسية قد تغلبت على لهجات المناطق المجاورة لها ببلجيكا وسويسرا، فأصبحت الآن لغة الحديث والكتابة لجميع سكان "والونيا" Wallonie ببلجيكا, ولنحو 22 في المائة من سكان سويسرا. واللغة الإيطالية قد تغلبت على لهجات المناطق المجاورة لها بسويسرا، فأصبحت الآن لغة الحديث والكتابة لنحو 5،3% من سكان هذه الجمهورية. واللغة العربية قد تغلبت في العصور السابقة للإسلام على اللغة اليمنية بحكم الجوار وتغلغل نفوذ العرب في البلاد اليمنية مع توافر الشروط الأخرى(3).
وعلى هذا الأساس نفسه تتغلب في الدولة الواحدة لغة المقاطعة التي تكون بها العاصمة, أو يكون لأهلها السلطان والنفوذ, فلوقوع عاصمة بلجيكا "بروكسل" في مقاطعة "والونيا" ذات اللسان الفرنسي(4) ولأن سكان هذه المقاطعة يتمتعون بقسط كبير من النفوذ
ص242
والسلطان في هذه المملكة، أخذت اللغة الفرنسية تتغلب على الفلامندية "لغة القسم الشمالي من بلجيا المسمى "فلاندر"(5)، وتنتقصها من أطرافها. ولوقوع عاصمة سويسرا "برن" في القسم الناطق بالألمانية، ولأن سكان هذا القسم يتمتعون بأكبر قسط من النفوذ والسلطان, وتتألف منهم الأغلبية الساحقة "يتكلم الألمانية في سويسرا نحو 70% من أهلها(6), أخذت اللغة الألمانية تطغى على ألسنة الناطقين بالفرنسية من السويسريين. وقد أخذت لغة قريش قبيل الإسلام تتغلب على اللغات المضرية الأخرى، لما كانت تتمتع به من سلطان أدبي، ويستأثر به أهلها من نفوذ ديني وسياسي.
وفي كلتا الحالتين السابقتين لا يتم النصر غالبًا لإحدى اللغتين إلّا بعد أمد طويل يبلغ بضعة قرون(7)؛ فالصراع بين الألمانية والفرنسية بسويسرا قد بدأ منذ عهد سحيق، ومع ذلك لم يتم بعد للألمانية النصر النهائي. والصراع بين اللغة الفرنسية واللسان السلتي الذي يتكلم به البريتونيون "سكان مقاطعة البريتون Bretagne قد نشب منذ عدة قرون، ومع ذلك لا يزال كثير من شيوخ البريتون في العصر الحاضر يتكلمون بهذا اللسان(8). ولا تزال اللهجة
ص243
السلتية لغة محادثة بين عامة الإيرلنديين في العصر الحاضر، مع أن تغلب الإنجليزية قد بدأ في هذه البلاد منذ أواخر القرن الحادي عشر الميلادي, وقد أخذت لغة قريش تطغى على اللغات المضرية الأخرى منذ العصر الجاهلي، ومع ذلك ظلت آثار هذه اللغات واضحة في كثير من المواطن إلى أواخر العصر العباسي.
وغنيٌّ عن البيان أن انتصارًا لا يتم إلّا بعد أمد طويل, لا يخرج المنتصر من معاركه على الحالة التي كان عليها من قبل؛ فاللغة التي يتم لها الغلب لا تخرج سليمة من هذا الصراع، بل إن طول احتكاكها باللغة الأخرى يجعلها تتأثر بها في بعض مظاهرها وبخاصة في مفرداتها, كما سبقت الإشارة إلى ذلك في العامل الأول.
غير أن تجرد العامل الذي نحن بصدد الكلام عنه من عنف النزاع وشدة المقاومة، وحدوث نتائجه في صورة سليمة متدرجة بطيئة، كل ذلك يعمل على وقاية اللغة الغالبة, ويخفف من تأثرها باللغة المغلوبة.
والألفاظ الأصيلة للغة الغالبة ينالها بعض التحريف في ألسنة المحدثين من الناطقين بها "المغلوبين لغويًّا"، فتختلف بعض الاختلاف في أصواتها ودلالالتها وأساليب نطقها عن صورتها الأولى.
والكلمات الدخيلة التي تقتبسها اللغة الغالبة من اللغات المغلوبة ينالها كذلك بعض التحريف في حروفها ومعانيها وأساليب نطقها، فتبعد في جميع هذه النواحي عن شكلها القديم.
وتقطع اللغة المغلوبة في سبيل انقراضها المراحل نفسها التي أشرنا إليها في العامل الأول؛ فينفذ الانحلال أولًا إلى مفرداتها، ثم إلى أصواتها ومخارج حروفها, وأساليبها في نطق الكلمات؛ ويتم الإجهاز عليها بالقضاء على قواعدها.
ص244

ب- الحالات التي لا تقوى فيها إحدى اللغتين على التغلب:
أما النتيجة الثانية, وهي عدم تغلب إحدى اللغتين المتجاورتين على الأخرى, وبقاؤهما معًا جنبًا لجنب؛ فتحدث فيما عدا الحالتين المشار إليهما في الفقرة السابقة.
ويدخل في هذا الباب معظم العلاقات بين اللغات المتجاورة في العصر الحاضر, فالجوار بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا وأسبانيا والبرتغال لم يؤد إلى تغلب لغة شعب منها على لغة شعب آخر؛ لأن احتكاك لغاتها لا ينطبق على حالة من الحالتين اللتين يحدث فيهما التغلب بالمجاورة, ولهذا السبب نفسه لم يؤد الجوار بين الفارسية والعراقية والتركية والأفغانية إلى تغلب لغة منها على لغة أخرى, وكذلك شأن الإنجليزية في الولايات المتحدة بأمريكا الشمالية مع الأسبانية المجاورة لها في المكسيك، وشأن البرتغالية التي يتكلم بها في البرازيل مع الأسبانية التي يتكلم بها في الجمهوريات المتاخمة للبرازيل بأمريكا الجنوبية "كولومبيا، بيرو، بوليفيا، باراجواي، أوراجواي، الأرجنتين.. إلخ". وكذلك شأن الحبشية مع الصومالية.. وهلم جرا.
غير أن عدم تغلب إحدى اللغتين لا يحول دون تأثر كل منهم بالأخرى؛ فالإنجليزية الحديثة بإنجلترا, والفرنسية الحديثة بفرنسا, تتقارضان المفردات منذ أن أتيح للشعبين المتجاورين فرص للاحتكاك وتبادل المنافع, وكذلك تفعل الفرنسية بفرنسا مع الألمانية بألمانيا(9)، ومع أخواتها المجاورة لها في الجنوب الشرقي والغربي بإيطاليا وأسبانيا والبرتغال. وتجاور التركية والفارسية، وإن لم يؤد إلى تغلب إحداهما على الأخرى، قد ترك في التركية آثارًا واضحة من الفارسية
ص245
وبخاصة في المفردات، وترك في الفارسية بعض آثار من التركية. وتجاور الفارسية والعراقية في العصر الحاضر، وإن لم ينته إلى تغلب لغوي، قد نقل إلى كلتيهما كثيرًا من آثار الأخرى؛ في المفردات والقواعد والأساليب. ومجاورة الجرمانية واللاتينية في العصور القديمة، وإن لم ينته إلى تغلب إحداهما، قد نقل إلى أولاهما كثيرًا من مفردات الثانية(10), وترك في الثانية بعض آثار من الأولى(11).
جـ - الخلاصة.
وقصارى القول: متى أتيح للغتين متجاورتين فرص للاحتكاك لا مناص من تأثر كل منهما بالأخرى، سواء أتغلبت إحداهما أم كتب لكتيهما البقاء, غير أن هذا التأثر يختلف في الحالة الأولى عنه في الحالة الثانية, فإذا كان الفناء قد حقَّ على إحداهما, فإنها لا تقوى على مقاومة ما تقذفها به الثانية؛ من مفردات وقواعد وأساليب, ولا تكاد تسيغ ما تتجرعه منها، فيتخمها ويضعف بنيتها, فتخور قواها, وتفنى أنسجتها الأصلية شيئًا فشيئًا حتى تزول، على حين أن الغالبة تسيغ كل ما تأخذه من الأخرى مهما كبرت كميته وعظم شأنه، فيستحيل إلى عناصر من نوع عناصرها، فتزداد به قوة ونشاطًا، وبدون أن تدع له مجالًا للتأثير في بنيتها أوتغيير تكوينها الأصلي؛ كما كان شأن الإنجليزية والفرنسية الغالبتين مع اللهجات السلتية المغلوبة بإيرلندا وويلز ومقاطعة البريتون(12), وإذا كان البقاء قد كتب لكليتهما، تعمد كل منهما إلى ما تأخذه من الأخرى فتسيغه وتقاوم آثاره الهدامة،
ص246
فتبقى كل منهما متميزة الشخصية، موفورة القوى، سليمة البناء, كما كان شأن الفارسية مع التركية، والفرنسية مع الإيطالية, والأسبانية والبرتغالية.
ص247
__________________
(1) ترجع بعض مظاهر هذا التغلب اللغوي إلى الغارات التي شنها الجرمان قديمًا على هذه المناطق, أي: إلى أمور تتصل بالعامل الأول لا بهذا العامل؛ فالتمثيل هنا مقصور على الحالات التي تمَّ فيها تغلب اللغة المانية في صورة سلمية تحت تأثير الجوار وتكاثف السكان.
(2) ظلت هذه المقاطعة تتمتع بشيء من استقلالها الذاتي حتى عام 1491، "في عهد شارل الثامن", ومن ذلك العهد اعتبرت تابعة للتاج الفرنسي, ولكن لم يتم ضمها إلى فرنسا إلّا عام 1532 في عهد فرنسوا الأول. وانقرضت كذلك من لغة الحديث بين أبناء الجيل الحاضر, وكادت تنقرض من لغة الشيوخ أنفسهم, وقد زرت هذه المقاطعة وقضيت عدة أشهر متنقلًا في بلادها, فلم أسمع هذه اللغة إلّا من عدد قليل من الشيوخ الأميين، وحتى هؤلاء أنفسهم لا يتكلمون لغتهم هذه إلّا فيما بينهم, أما مع غيرهم فيتكلمون الفرنسية, ولكن ينال كلماتها وتراكيبها وأساليبها في ألسنتهم كثير من التحريف.
(3) انظر تفصيل ذلك في الفصلين الرابع والسادس من كتابنا "فقه اللغة".
(4) وهو القسم الجنوبي من بلجيكا، وينحدر سكانه من أصول سلتية ولاتينية, على حين أن القسم الشمالي المسمى بالفلاندر Flandre ينحدر سكانه من أصل جرماني, ويتكلمون اللغة الفلامندية Flam التي يتألف منها ومن اللهجات الهولندية فرع اللغات النثرلاندية Neerlandaises, وهو أحد فروع اللغات الجرمانية الغربية. "انظر آخر ص198 رقم 7 وأول ص199.
(5) انظر التعليق السابق.
(6) فلغات سويسرا بين سكانها على النحو الآتي: نحو 72% يتكلم الألمانية, ونحو 23% يتكلم الفرنسية، ونحو 5% يتكلم الإيطالية, وفضلًا عن ذلك توجد في سويسرا منطقة صغيرة يتكلم سكانها لغة خاصة تعرف باسم رومانش. Romanche ou Roumanche ou Rheto Roman
ولكن المتكلمين بهذه اللهجة في سويسرا لا يتجاوزون 1% من مجموع السكان, ويقطنون مقاطعتي جريزون Grison, والتيرول Tyrol السويسرية, ويتكلم بهذه اللهجة كذلك في التيرول النمساوية والإيطالية "التيرول مقاطعة من مقاطعة الألب الشرقية مقسمة بين سويسرا والنمسا وإيطاليا", ويتكلم بها كذلك في مقاطعة فيريئول Frioul "وكانت هذه المقاطعة تابعة للنمسا حتى سنة 1919, ثم ألحقت بإيطاليا, وتطالب يوغوسلافيا بقسم منها". ولهجة الرومانش متشعبة من اللاتينية وقوية الشبه بها.
(7) تزيد عادةً المدة التي يظهر فيها أثر هذا العامل عن المدة التي يظهر فيها أثر العامل السابق, والتي أشرنا إليها في آخر 232 وأول 233.
(8) انظر أول ص242 وتعليقها الثاني.
(9) انتقل إلى الألمانية الحديثة، تحت تأثير جوارها لفرنسا، كثير من المفردات الفرنسية، لدرجة أزعجت أولي الأمر, وحملتهم على التدخل لصد هذا التيار, وإحلال مفردات ألمانية محل المفردات الفرنسية الدخيلة، ولكن قسطًا كبيرًا من جهودهم بهذا الصدد قد ذهب أدراج الرياح.
(10) كثير من المفردات الألمانية تبدو جرمانية خالصة، ولكن يظهر عند البحث أنها مقتبسة في الأصل من اللاتينية؛ فمن ذلك مثلًا Schrebien =يكتب، Lesene = يقرأ، Katze =قط، Pflanze=نبات، فإنها على الرغم من ظاهرها الجرماني مأخذوة من الكلمات اللاتينية: scribere legere catta planta
(11) غير أن تأثر اللاتينية بالجرمانية كان في حكم العدم قبل غارات الجرمان على الإمبراطورية الرومانية الغربية في فاتحة العصور الوسطى.
(12) لم تترك المغلوبة في هذه الأمثلة أثرًا يذكر في اللغتين الغالبتين.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي