1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : العقائد في القرآن : مقالات عقائدية عامة :

كلام في استناد الحسنات و السيئات إليه تعالى

المؤلف:  محمد حسين الطباطبائي

المصدر:  تفسير الميزان

الجزء والصفحة:  ج5 ، ص8-14

7-10-2014

5910

 يشبه أن يكون الانسان أول ما تنبه على معنى الحسن تنبه عليه من مشاهدة الجمال في أبناء نوعه الذي هو اعتدال الخلقة وتناسب نسب الأعضاء وخاصة في الوجه ثم في سائر الأمور المحسوسة من الطبيعيات ويرجع بالآخرة إلى موافقة الشيء لما يقصد من نوعه طبعا.

فحسن وجه الانسان كون كل من العين والحاجب والاذن والأنف والفم وغيرها على حال أو صفة ينبغي أن يركب في نفسه عليها وكذا نسبة بعضها إلى بعض، وحينئذ تنجذب النفس ويميل الطبع إليه، ويسمى كون الشيء على خلاف هذا الوصف بالسوء والمساءة والقبح على اختلاف الاعتبارات الملحوظة فالمساءة معنى عدمي كما أن الحسن معنى وجودي.

ثم عمم ذلك إلى الافعال والمعاني الاعتبارية والعناوين المقصودة في ظرف الاجتماع من حيث ملاءمتها لغرض الاجتماع وهو سعادة الحياة الانسانية أو التمتع من الحياة، وعدم ملاءمتها فالعدل حسن، والاحسان إلى مستحقه حسن، والتعليم والتربية والنصح وما أشبه ذلك في مواردها حسنات والظلم والعدوان وما أشبه ذلك سيئات قبيحة لملاءمة القبيل الأول لسعادة الانسان أو لتمتعه التام في ظرف اجتماعه وعدم ملاءمة القبيل الثاني لذلك وهذا القسم من الحسن وما يقابله تابع للفعل الذي يتصف به من حيث ملاءمته لغرض الاجتماع فمن الافعال ما حسنه دائمي ثابت إذا كان ملاءمته لغاية الاجتماع وغرضه كذلك كالعدل، ومنها ما قبحه كذلك كالظلم.
ومن الافعال ما يختلف حاله بحسب الأحوال والأوقات والأمكنة أو المجتمعات فالضحك والدعابة حسن عند الخلان لا عند الأعاظم وفي محافل السرور دون المآتم، ودون المساجد والمعابد والزنا وشرب الخمر حسن عند الغربيين دون المسلمين.

ولا تصغ إلى قول من يقول: أن الحسن والقبح مختلفان متغيران مطلقا من غير ثبات ولا دوام ولا كلية ويستدل على ذلك في مثل العدل والظلم بأن ما هو عدل عند أمة بإجراء أمور من مقررات اجتماعية غير ما هو عدل عند أمة أخرى بإنفاذ مقررات أخرى اجتماعية فلا يستقر معنى العدل على شيء معين فالجلد للزاني عدل في الاسلام وليس كذلك عند الغربيين، وهكذا.
وذلك أن هؤلاء قد اختلط عليهم الامر، واشتبه المفهوم عندهم بالمصداق، ولا كلام لنا مع من هذا مبلغ فهمه.

والانسان على حسب تحول العوامل المؤثرة في الاجتماعات يرضى بتغيير جميع أحكامه الاجتماعية دفعة أو تدريجا ولا يرضى قط بأن يسلب عنه وصف العدل ويسمى ظالما، ولا بأن يجد ظلما لظالم إلا مع الاعتذار عنه وللكلام ذيل طويل يخرجنا الاشتغال به عن ما هو أهم منه.
ثم عمم معنى الحسن و القبح لسائر الحوادث الخارجية التي تستقبل الانسان مدى حياته على حسب تأثير مختلف العوامل وهى الحوادث الفردية أو الاجتماعية التي منها ما يوافق آمال الانسان ويلائم سعادته في حياته الفردية أو الاجتماعية من عافية أو صحة أو رخاء وتسمى حسنات ومنها ما ينافي ذلك كالبلايا والمحن من فقر أو مرض أو ذلة أو أسارة ونحو ذلك وتسمى سيئات.

فقد ظهر مما تقدم أن الحسنة والسيئة يتصف بهما الأمور أو الافعال من جهة إضافتها إلى كمال نوع أو سعادة فرد أو غير ذلك فالحسن والقبح وصفان إضافيان وإن كانت الإضافة في بعض الموارد ثابتة لازمة وفى بعضها متغيرة كبذل المال الذي هو حسن بالنسبة إلى مستحقه وسيئ بالنسبة إلى غير المستحق.

وأن الحسن أمر ثبوتي دائما والمساءة والقبح معنى عدمي وهو فقدان الامر صفة الملاءمة والموافقة المذكورة وإلا فمتن الشيء أو الفعل مع قطع النظر عن الموافقة وعدم الموافقة المذكورين واحد من غير تفاوت فيه أصلا.

فالزلزلة والسيل الهادم إذا حلا ساحة قوم كانا نعمتين حسنتين لأعدائهم وهما نازلتان سيئتان عليهم أنفسهم وكل بلاء عام في نظر الدين سراء إذا نزل بالكفار المفسدين في الأرض أو الفجار العتاة وهو بعينه ضراء إذا نزل بالأمة المؤمنة الصالحة.

وأكل الطعام حسن مباح إذا كان من مال آكله مثلا وهو بعينه سيئة محرمة إذا كان من مال الغير من غير رضى منه لفقدانه امتثال النهى الوارد عن أكل مال الغير بغير رضاه أو امتثال الامر الوارد بالاقتصار على ما أحل الله والمباشرة بين الرجل والمرأة حسنة مباحة إذا كان عن ازدواج مثلا وسيئة محرمة إذا كان سفاحا من غير نكاح لفقدانه موافقة التكليف الإلهي فالحسنات عناوين وجودية في الأمور والافعال والسيئات عناوين عدمية فيهما ومتن الشيء المتصف بالحسن والسوء واحد.

والذي يراه القرآن الشريف أن كل ما يقع عليه اسم الشيء ما خلا الله - عز اسمه مخلوق لله قال تعالى : {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] وقال تعالى : {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان : 2] والآيتان تثبتان الخلقة في كل شيء ثم قال تعالى :

{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة : 7] فأثبت الحسن لكل مخلوق وهو حسن لازم للخلقة غير منفك عنها يدور مدارها.

فكل شيء له حظ من الحسن على قدر حظه من الخلقة والوجود والتأمل في معنى الحسن (على ما تقدم) يوضح ذلك مزيد إيضاح فإن الحسن موافقة الشيء وملاءمته للغرض المطلوب والغاية المقصودة منه و أجزاء الوجود وأبعاض هذا النظام الكوني متلائمة متوافقة وحاشا رب العالمين أن يخلق ما تتنافى أجزاؤه ويبطل بعضه بعضا فيخل بالغرض المطلوب أو يعجزه تعالى أو يبطل ما أراده من هذا النظام العجيب الذي يبهت العقل ويحير الفكرة وقد قال تعالى : {هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزمر: 4] وقال تعالى : {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام : 18] وقال تعالى : {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44] فهو تعالى لا يقهره شيء ولا يعجزه شيء في ما يريده من خلقه ويشاؤه في عباده .

فكل نعمة حسنة في الوجود منسوبة إليه تعالى وكذلك كل نازلة سيئة إلا أنها في نفسها أي بحسب أصل النسبة الدائرة بين موجودات المخلوقة منسوبة إليه تعالى وإن كانت بحسب نسبة أخرى سيئة وهذا هو الذي يفيده قوله تعالى : {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء : 78] وقوله {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف : 131] إلى غير ذلك من الآيات.
وأما جهة السيئة فالقرآن الكريم يسندها في الانسان إلى نفس الانسان بقوله تعالى في هذه السورة {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } [النساء : 79] وقوله تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى : 30] وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]

وقوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53] وغيرها من الآيات.

وتوضيح ذلك أن الآيات السابقة كما عرفت تجعل هذه النوازل السيئة كالحسنات أمورا حسنة في خلقتها فلا يبقى لكونها سيئة إلا أنها لا تلائم طباع بعض الأشياء التي تتضرر بها فيرجع الامر بالآخرة إلى أن الله لم يجد لهذه الأشياء المبتلاة المتضررة بما تطلبه وتشتاق إليه بحسب طباعها فإمساك الجود هذا هو الذي يعد بلية سيئة بالنسبة إلى هذه الأشياء المتضررة كما يوضحه كل الايضاح قوله تعالى : {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] . ثم بين تعالى أن إمساك الجود عما أمسك عنه أو الزيادة والنقيصة في إفاضة رحمته إنما يتبع أو يوافق مقدار ما يسعه ظرفه وما يمكنه إن يستوفيه من ذلك قال تعالى فيما ضربه من المثل : {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] وقال :

{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21] فهو تعالى إنما يعطى على قدر ما يستحقه الشيء وعلى ما يعلم من حاله قال : {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الملك: 14].

ومن المعلوم أن النعمة والنقمة والبلاء والرخاء بالنسبة إلى كل شيء ما يناسب خصوص حاله كما يبينه قوله تعالى : {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة : 148] فإنما يولى كل شيء ويطلب وجهته الخاصة به وغايته التي تناسب حاله.

ومن هنا يمكنك أن تحدس أن السراء والضراء والنعمة والبلاء بالنسبة إلى هذا الانسان الذي يعيش في ظرف الاختيار في تعليم القرآن أمور مرتبطة باختياره فإنه واقع في صراط ينتهى به بحسن السلوك وعدمه إلى سعادته و شقائه كل ذلك من سنخ ما لاختياره فيه مدخل.
والقرآن الكريم يصدق هذا الحدس قال تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الأنفال : 53] فلما في أنفسهم من النيات الطاهرة والأعمال الصالحة دخل في النعمة التي خصوا بها فإذا غيروا غير الله بإمساك رحمته وقال : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى : 30] فلأعمالهم تأثير في ما ينزل بهم من النوازل ويصيبهم من المصائب والله يعفو عن كثير منها.

وقال تعالى : {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79]. وإياك أن تظن أن الله سبحانه حين أوحى هذه الآية إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم نسى الحقيقة الباهرة التي أبانها بقوله : {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62] و قوله : {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة : 7] فعد كل شيء مخلوقا لنفسه حسنا في نفسه وقد قال :

{وما كان ربك نسيا} [مريم: 64] وقال : {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه : 52] فمعنى قوله {ما أصابك من حسنة} (الآية) أن ما أصابك من حسنة - وكل ما أصابك حسنة - فمن الله وما أصابك من سيئة فهي سيئة بالنسبة إليك حيث لا يلائم ما تقصده وتشتهيه وإن كانت في نفسها حسنة فإنما جرتها إليك نفسك باختيارها السيئ واستدعتها كذلك من الله فالله أجل من أن يبدأك بشر أو ضر.

والآية كما تقدم وإن كانت خصت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخطاب لكن المعنى عام للجميع وبعبارة أخرى هذه (الآية) كالآيتين الأخريين {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا} [الأنفال : 53] {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ} [الشورى : 30] متكفلة للخطاب الاجتماعي كتكفلها للخطاب الفردي فإن للمجتمع الانساني كينونة إنسانية وإرادة واختيارا غير ما للفرد من ذلك.
فالمجتمع ذو كينونة يستهلك فيها الماضون والغابرون من أفراده ويؤاخذ متأخروهم بسيئات المتقدمين والأموات بسيئات الاحياء والفرد غير المقدم بذنب المقترفين للذنوب وهكذا وليس يصح ذلك في الفرد بحسب حكمه في نفسه أبدا وقد تقدم شطر من هذا الكلام في بحث أحكام الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصيب في غزوة أحد في وجهه وثناياه وأصيب المسلمون بما أصيبوا وهو صلى الله عليه وآله وسلم نبي معصوم إن أسند ما أصيب به إلى مجتمعه وقد خالفوا أمر الله ورسوله كان ذلك مصيبة سيئة أصابته بما كسبت أيدي مجتمعة وهو فيهم وإن أسند إلى شخصه الشريف كان ذلك محنة إلهية أصابته في سبيل الله وفي طريق دعوته الطاهرة إلى الله على بصيرة فإنما هي نعمة رافعة للدرجات.
وكذا كل ما أصاب قوما من السيئات إنما تستند إلى أعمالهم على ما يراه القرآن ولا يرى إلا الحق وأما ما أصابهم من الحسنات فمن الله سبحانه.

نعم هاهنا آيات أخر ربما نسبت إليهم الحسنات بعض النسبة كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ } [الأعراف: 96] وقوله {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] وقوله { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ } [الأنبياء: 86] و الآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.

إلا أن الله سبحانه يذكر في كلامه أن شيئا من خلقه لا يقدر على شيء مما يقصده من الغاية ولا يهتدى إلى خير إلا بأقدار الله وهدايته قال تعالى {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه : 50] وقال تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا } [النور: 21] ويتبين بهاتين الآيتين وما تقدم معنى آخر لكون الحسنات لله عز اسمه وهو أن الانسان لا يملك حسنة إلا بتمليك من الله وإيصال منه فالحسنات كلها لله والسيئات للإنسان وبه يظهر معنى قوله تعالى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء : 79] .
فلله سبحانه الحسنات بما أن كل حسن مخلوق له والخلق والحسن لا ينفكان، وله الحسنات بما أنها خيرات وبيده الخير لا يملكه غيره إلا بتمليكه ولا ينسب إليه شيء من السيئات فإن السيئة من حيث إنها سيئة غير مخلوقة وشأنه الخلق وإنما السيئة فقدان الانسان مثلا رحمة من لدنه تعالى أمسك عنها بما قدمته أيدي الناس وأما الحسنة والسيئة بمعنى الطاعة والمعصية فقد تقدم الكلام في نسبتهما إلى الله سبحانه في الكلام على قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا} [البقرة : 26] في الجزء الأول من هذا الكتاب.

وأنت لو راجعت التفاسير في هذا المقام وجدت من شتات القول ومختلف الآراء والأهواء وأقسام الاشكالات ما يبهتك وأرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية للمتدبر في كلامه تعالى وعليك في هذا البحث بتفكيك جهات البحث بعضها عن بعض وتفهم ما يتعارفه القرآن من معنى الحسنة والسيئة والنعمة والنقمة والفرق بين شخصية المجتمع والفرد حتى يتضح لك مغزى الكلام.

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي