الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
تأثير الشعر في نفوس العرب
المؤلف:
جرجي زيدان
المصدر:
تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة:
ج1، ص88-90
22-03-2015
9332
كما هو معلوم ان طبيعة العرب شعرية، لأنهم ذوو نفوس حساسة وشعور دقيق تقعدهم الكلمة وتقيمهم، شان صاحب الفروسية والنجدة المعبر عنها عند الافرنج بالشفاليري. وكان العرب على الاجمال أهل حافظة، اذا اعجبهم البيت حفظوه وتناقلوه .. فيشيع على السنتهم كبارا وصغارا ويتحدثون به في انديتهم ومجتمعاتهم. فاذا كان هجواً سقط المقول فيه، وإذا كان مدحا اشتهر اسمه. ولكن الهجو كان غالبا عليهم، وقد وفق بعض الشعراء الى شيوع اشعارهم لحقتها. وكان الاعشى من اسير الناس شعرا، وكذلك زهير والنابغة وامرؤ القيس.
فالقبيلة إذا هجاها شاعر فحل، حط الهجو منها خصوصا إذا كان الهجو مطابقا للواقع، والا رد شاعرها عنها فتعود الى مقامها. وليس في العربي قبيلة الا هجيت، فمن القبائل التي لم يؤثر الهجو فيها قبائل تميم وبكر وائل واسد وأمثالها. ومن القبائل التي أثر فيها الهجاء مع مقامها في الشجاعة احياء من قيس منهم غني وباهلة ومحارب واحياء من اد بن طابخة منهم تيم وعكل وغيرهما. وهناك قبائل حظها من الشعراء المديح، كبني مخزوم من قريش.
وكانت القبيلة إذا مدحت فاخرت سائل القبائل لا سيما إذا كان مادحها من غير ابنائها. ويحكى ان شعراء تميم كانوا يذكرون قيسا بالمدح والاعجاب، فافتخرت قيس على تميم. وما زالت تميم منكسة رؤوسها حتى قام لبيد العامري وهو من قيس، فذكر تميما في شعره واطراها وفعل ذلك شاعر آخر من قيس، فتكلمت عند ذاك تميم وافتخرت (1).
ومن امثله تأثير هجو الشعراء في القبائل شعر حط من قدرت الحبطات وهم بطن من تميم، فقال الشاعر فيهم:
رأيت الخمر من شر المطايا كما الحبطات شر بني تميم
وهل اهلك ظليم البراجم الا قول الشاعر:
ان ابانا فقحة لدارم مكا الظليم فقحة(2) البرجم
وقد اهلك بني العجلان قول الشاعر:
إذا الله عادى أهل لؤم ودقة فعادى بني العجلان رهط بن مقبل
قبيلة لا يغدرون بذمة ولا يظلمون الناس حبة خردل
ولا يردون الماء الا عشية إذا صدر الوراد عن كل منهل(3)
ويشبه ذلك بيت جرير في بني نمير من عامر بن صعصعة في الدولة الاموية، فانه جعل كل نميري إذا سئل عن نسبه قال انه عامري، وهذا هو البيت:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا
وبعكس ذلك ما اصاب بني أنف الناقة من الرفعة، فقد كان الرجل منهم إذا سئل عن نسبه قال من بني قريع وهو نسب آخر لهم، حتى قال الحطيئة فيهم:
قوم هم الانف والاذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
فأصبحوا يفاخرون بقبيلتهم.
على ان الشعراء لم يكونوا يتعمدون هجاء غير القبائل الظاهرة النابهة، فسلمت القبائل الخاملة من هجوهم. وشانهم في ذلك مثل شان الصحف السياسية في البلاد الاجنبية.. فان الاحزاب يهمها انحياز احدى الصحف المهة الى جانبها، كما كان يهم القبيلة او الجماعة في الجاهلية ان ينصرها شاعر مشهور فتبذل له ما يريد في سبيل نصرتها. ولذلك فان الاعشى لما وفد على الرسول ومدحه، فبلغ ابا سفيان ذلك، جمع رجال من قريش وقال لهم: (والله لئن اتي محمدا واتبعه ليضرمن عليم نيران العرب بشعره فاجمعوا له مائة من الإبل) ففعلوا فأخذها وانطلق الى بلده (4).
وكان لشعر الاعشى تأثير كبير في النفوس، وكان معسرا. وجاء الاعشى يقصد مكة فسمعت امرأة المحلق به، فحثت زوجها ان يدعوه للضيافة قبل سواه ويذبح له لأنه إذا قال شعرا شاع. فدعاه المحلق ونحر له ناقة وبالغت المرأة في اكرامه واكرام رفاقه وكان في عصابة قيسية.. فملا جرى الشراب في عروقه سال المحلق عن عياله فشكا له حال بناته .. ولما وافى سوق عكاظ انشد قصيدة مطلعها:
أرقتُ وما هذا السهاد المؤرق وما بي من سقم وما بي معشق
ثم تخلص الى مدح المحلق واطرائه في السخاء وكرم الأخلاق والناس يسمعون، فلما فرع من الانشاد انسل الناس الى المحلق يهنئونه وهرع الاشراف من كل قبيلة يتسابقون إليه يخطبون بناته، فلم تمس منهن واحدة الا في عصمة رجل أفضل من أبيها ألف ضعف (5)، وكذلك فعل مسكين الدرامي في إنفاق الخمر السود(6). ومن شدة تأثرهم بالشعر ان الشاعر ربما لقب بلفظ ورد في بيت من اشعاره كما لقب المرقش والنابغة والمخرق وافنون وغيرهم(7) حتى في الغناء، فان السامع ربما تأثر من معنى الشعر أكثر من نغمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العمدة ج2
(2) الفقحة: السوأة
(3) البيان والتبيين ج2
(4) الأغاني ج8.
(5) العمدة ج1
(6) تاريخ التمدن الإسلامي ج3
(7) لطائف المعارف