الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
كثرة الشعر وتعدد الشعراء
المؤلف:
جرجي زيدان
المصدر:
تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة:
ج1، ص70-72
22-03-2015
3167
كثيرة هي الظروف التي تظافرت لتخلق استعداد العرب الفطري للشعر واقتدارهم على النظم، لان لغتهم شعرية بألفاظها واساليبها ومعانيها. فلا عجب إذا تعدد شعراؤها وكثرت اشعارهم، وان عسر علينا تقدير ذلك بالضبط لضياع أكثر ما خلفوه وذهاب أكثر الشعراء لعدم تدوين ذلك في الجاهلية، واشتغال العرب عنه بالفتوح في صدر الإسلام. على اننا نكتفي بالاستدلال على كثرة ذلك بما وصل الينا من اخبارهم. ويؤخذ منها ان عرب الجاهلية نظموا في نهضتهم الأخيرة قبيل الإسلام ما لم يجتمع عند سهواهم في الامم في عدة قرون، وخصوصا في العصر الجاهلي.. فإلياذة هوميروس وأوديسته هما معظم شعر جاهلية اليونان، ولا يزيد عدد ابياتها على 30 ألف بيت، وكذلك مهابهاراتة الهنود 20 ألف بيت، ورامايانتهم 48 ألف بيت. واما العرب فيؤخذ مما بلغنا من اخبارهم عما نظموه في نهضتهم الأخيرة قبل الإسلام انه يربو على اضعاف ذلك، وهم يعدون منظوماتهم بالقصائد لا بالأبيات، وقد ذكروا ان ابا تمام صاحب كتاب الحماسة كان يحفظ من اشعار العرب (الجاهلية) 14 ألف أرجوزة غير القصائد والمقاطيع (1) وكان حماد الرواية يحفظ 27 ألف قصيدة (2) على كل حرف من حروف الهجاء ألف قصيدة. وكان الاصمعي يحفظ 16 ألف أرجوزة (3) وكان أبو ضمضم يروي اشعارا لمائة شاعر كل منهم اسمه عمرو (4). ومع ما يظن في ذلك من المبالغة، فانه يدل على كثرة ما نظمه العرب من المنظومات. وخصوصا إذا اعتبرنا ان ما وصل الى رواة الشعر في الإسلام انما هو بعض اشعار الجاهلية، لان كثيرين من رواة الشعر الجاهلي قتلوا في الفتوح الإسلامية. فضاع ما كان في محفوظهم من الاشعار. قال أبو عمرو ابن العلاء: (ما انتهى اليم مما قالت العرب الا اقله، ولو جاءكم وافراً لجاءكم علم وشعر كثير) (5).
وزد على ذلك ان العرب نظموا الشعر الكثر وأبدعوا فيه، وهم يكادون يكونون فوضى لا دولة لهم ولا جامعة ولا دين ولا شيء مما حمل اليونان او الهنود او غيرهم على النظم، وانما اندفعوا إليه بفطرتهم. ولولا ذلك لتأخروا في النظم حتى قامت دولتهم ونضجت قرائحهم، كما حدث للرومانيين ... فان الشعر لم ينظم بلسانهم الا بعد تأسيس دولتهم ببضعة قرون. ولم يبلغ الشعر اللاتيني عصره الذهبي الا في أيام اوغسطس وطيباريوس نحو القرن الثامن من تأسيس رومية (القرن الأول للميلاد) ثم اخذ في التقهقر، ويقال نحو ذلك في دول اوروبا الحالية، فان الشعر لم ينضج عندهم الا بعد نشوء دولهم وتقدمهم في العلم والادب.
وإذا تدبرت أولئك الجاهلين، رأيت الشعر داخلا في كل عمل من اعمالهم مرافقا لكل حركة من حركاتهم، حتى يخيل لك انهم كانوا لا ينطقون الا بالشعر وكان كل واحد منهم شاعرا او يقول الشعر ولو قليلا، حتى الملوك والامراء والفرسان والرجال والنساء والوجهاء والحكماء والصعاليك والعبيد واللصوص والمجانين من النصارى واليهود والوثنيين. وقد تسلسلت القريحة الشعرية في كثير من بيوتهم بالتوارث عدة اجيال. فالنعمان بن بشير الأنصاري من العريقين في الشعر خلفا عن سلف، جده شاعر وأبوه وعمه شاعران وهو شاعر وأولاده شعراء (6)، وكذل ككعب بن مالك من شعراء الصحابة كان ابوه شاعرا وعمه قيس شاعرا وابناء كعب وأحفاده كلهم شعراء (7) وهكذا الكميت بن معروف وعبد يغوث بن صلاءة. وعندهم من بيوتات الشعر في الجاهلية عدد كبير، منهم بيت أبي سلمى فقد كان أبو سلمى شاعرا وابنه زهير المشهور شاعر وله خؤولة في الشعر، خاله بشامة بن الغدير شاعر، وكان ابناه كعب بن زهير وبجير شاعرين وجماعة من ابنائهما شعراء. وحسان بن ثابت تسلسل الشعر في ابنائه بضعة أجيال. وقس على ذلك شعراء العرب بعد الإسلام فمن بيوتاتهم بيت جرير، فكان هو وأبوه وجده شعراء، وكذلك بنوه واحفاده. ومنهم بيت رؤبة بن العجاج وبيت أبي حفصة وبيت أبي عيينة (8) وغيرهم.
على ان ما بلغنا من أسماء الشعراء هو القليل، اذ لم ينقل الرواة من اخبارهم شعراء العشائر الا الأشهر فضلا عمن ضاع خبره. اما الشعراء المعروفون بالشعر عند عشائرهم وقبائلهم فأكثر من ان يحيط بهم الحصر او يقف من وراء عددهم واقف، ولو قضى عمره في التنقيب عنهم واستفرغ مجهوده في البحث والسؤال، وحسبك انه لم يستطع أحد من رواة الشعر ان يستوفي جمع اشعار قبيلة واحدة (9).
ثم ان الشعراء الذين وصلت الينا أخبارهم على قلتهم، لم يصلنا من اشعارهم الا بعضها، وضاع سائرها في أثناء الفتوح الإسلامية لاشتغال الناس بالإسلام والحرب عن رواية الشعر وذهاب أكثر الرواة والحفاظ في الجهاد، فلما عادوا بعد الفتوح الى الاشتغال بالأدب واخذوا في جمع الشعر لم يجدوا منه الا القليل. ويؤيد ذلك انك تسمع بالشاعر الفحل من شعرائهم وما له من الشهرة، ثم لا تجد له من المنظوم ما يلائم تلك الشهرة.. فطرفة بن العبد وعبيد بن الابرص مع ما لهما من الشهرة الواسعة في الشعر، لا نجد فيما رواه الرواة من اشعارهما ما يوازي تلك المنزلة (10).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ابن خلكان ج1
(2) النجوم الزاهرة ج1
(3) ابن خلكان ج1 وطبقات الادباء
(4) الشعر والشعراء
(5) المزهر ج2
(6) الاغاني ج14
(7) الأغاني ج15
(8) العمدة ج2
(9) الشعر والشعراء
(10) المزهر ج2