الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
كيف بدأ العرب ينظمون الشعر؟
المؤلف:
جرجي زيدان
المصدر:
تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة:
ج1، ص58-59
22-03-2015
8805
يظهر ان الشعر والغناء من أصل واحد عند جميع الامم، والشعر وضع أولا للتغني به وانشاده للآلهة او الملوك، ولذلك فاليونان والرومان يقولون (غنى شعرا) لا (نظم شعرا) او (وضع شعرا) والعرب يقولون (انشد شعرا) او انشد الشعر الفلاني أي غناه، وقضى اليونان اجيالا لا يقولون الشعر الا انشادا. ولعل العرب كانوا ذلك في أقدم أحوالهم، فنبغ منهم جماعة يغنون شعرهم كما فعل الاعشى قبيل الإسلام، فقد كان ينظم الشعر ويغنيه، ولذلك سموه صناجة العرب. وما زال ذلك شانهم بعد الإسلام، فان الشاعر إذا جاء الخليفة او الامير بقصيدة انشدها في حضرته وهو قائم، فاذا لم يكن صوته رخيما او مسموعا اقتنى غلاما رخيم الصوت ينشد اشعاره. وللإنشاد لحن مطرب، وكان الرشيد يطرب للإنشاد أكثر مما يطرب للغناء. واشتهر بعد الإسلام جماعة من الشعراء المغنين كالدرامي، وسلامة واسحق الموصلي وغيرهم.
والغالب انهم بدأوا أولا بالسجع بلا وزن نحو ما وصل الينا من سجع الكهان، وربما كان الكهان يغنون توقيعا على القافية. ومن أمثلة سجعهم قولهم في الانواء: (إذا طلع السرطان استوى الزمان وحضرت الاوطان وتهات الجيران. إذا طلع النجم يعني الثريا فالحر في حدم والشعب في حطم. إذا طلع الدبران توقعت الحزان وكرهت النيران ويبست الغدران ورمت بأنفسها حيث ساءت الصبيان. إذا طلعت الهقعة تقوص الناس للقلعة ورجعوا عن النجعة واردفتها الهنعة. إذا طلعت الجوزاء توقدت المعزاء وكنست الظباء وعرقت العلباء وطاب الخباء. إذا طلعت الذراع حسرت الشمس القناع واشتعلت في الافق الشعاع وترقرق الراب بكل قاع..) وهي طويلة.
هذا هو السجع بقافية بلا وزن، وكان العرب يتساجعون أي يتذاكرون بالسجع. ولعلهم وضعوا السجع أولا لتقييد علومهم او ما يريدون حفظه كما في المثل المتقدم ذكره.
اما النظام أي القياس بالمقاطع وهو الوزن، فابسطه الرجز وهو أقدم أوزان الشعر .. كل بيت منه ينفرد بقافية خاصة، وهو كالسجع لكنه موزون. والرجز
قديم عندهم، يزعم العرب ان أول من قاله مضر بن نزار، اذ سقط عن جمل فانكسرت يده فحملوه وهو يقول (وايداه وايداه) وكان من أحسن خلق الله صوتا فأصغت الإبل إليه وجدت في السير، فجعلت العرب مثالا لقوله (هايدا هايدا) يحدون بها الإبل. وقال آخرون ان الاصل في وضع الشعر الغناء. قالوا (واكن الكلام كله منثورا، فاحتاجت العرب الى الغناء بمكارم اخلاقها وطيب اعراقها وذكر ايامها الصالحة واوطانها النازحة وفرسانها الامجاد وسمحائها الاجواد لتهز نفوسها الى الكرم، وتدل ابناءها على حسن الشيم، فتوهموا اعاريض جعلوها موازين للكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعراً لأنهم شعروا به أي فطنوا له).