1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الجاهلي :

التهديد والوعيد

المؤلف:  د. صاحب خليل إبراهيم

المصدر:  الصّورة السّمعيّة في الشعر العربي قبل الإسلام

الجزء والصفحة:  ص110-114

22-03-2015

15834

التهديد أو الوعيد لفظتان مختلفتان لفظاً لمعنى واحد، فالتهدد والتهديد والتهداد من الوعيد والتخوف، والوعيد والتوعد هو التهدد، ويقال أوعده وتَوَعَّدَه(1) وتلك الألفاظ سمعية تدخل في نسيج الشعر تؤدي معناها عبر ما تشكله من أصوات لتوضح لنا الحالة النفسية للشاعر، عبر التعدد الصوتي.

وقد وجدنا أن لفظة الوعيد هي الأكثر شيوعاً في الشعر الجاهلي، ونجد هذه اللفظة في قصائد الهجاء والمديح، ينبثق معناها من الفخر الذاتي والقبلي، للتقليل من شأن التهديد وشأن مطلقها.

وردت لفظة الوعيد عند بشر بن أبي خازم في هجائه لأوس بن حارثة الذي أوعده بقومه وكثرتهم، فيرد عليه بالمثل، ولا يأبه لوعيده، ويبلغه بذلك عن طريق الرسول، حيث الإبانة عن الموقف يحتم النطق والسماع:

ألا أبلغْ بني لأمٍ رسولاً

 

فبئسَ محلُّ راحلةِ الغريبِ

وذلك منْ ملمّاتِ الخطوب ... أَتُوعدني بقومكَ يابنَ سعدى

وحولي مِنْ بني أسَدٍ حلولٌ

 

مُبِنٌّ، بين شبّانٍ وشِيبَ(2)

 

وفي الإطار نفسه يردّ عبيد بن الأبرص على امرئ القيس وعيده يهجوه ساخراً منه لما آل إليه مصير حجر:

أَتُوعدني أسرتي وتركتَ حجرا

 

يُريُغ سوادَ عينيهِ التُّرابُ(3)

1@بين حقلٍ وبينَ هُضْبٍ ذُبابِ ... في حين نجد حاتم الطائي يرد على المُهَدّد تهديده، ووعيده لمنعته وعزّه، فضلاً عن قوة الممدوح (الحارث بن عمرو والد النعمان) حينما أطلق سراح أسرى من قوم حاتم، وشبّه حاتم الطائي قوم الحارث بالليوث الغضاب وبذلك فقد سَدّ منافذ الوعيد على مُطلقيه:

أيها المُوعدي فإنَّ لبوني

حيثُ لا أرهبُ الخزاةَ وحولي

 

ثعليون كالليوثِ الغضابِ(4)

 

في حين نجد الأسود بن يعفر يعبّر عن الوعيد الذي أتاه عن ابني أنس، فمن هوله تطرح الآرام أولادها نقصاً، ومن جرائه تكره الذئاب ريح مرابض الغنم والظباء والبقر:

أتاني عن أبي أنسٍ وعيدٌ

 

ومعصوبٌ تخبُّ بهِ الركابُ

وعيدٌ تُخْدجُ الآرامُ منهُ

 

وتكرهُ بَنَّةَ الغَنَمِ الذّئابُ(5)

 

أراد الشاعر أن يعبّر من خلال البيتين عن الوعيد الذي لا ينفذ، من خلال صورة رسمتها الألفاظ السمعية مثل (الوعيد، وخبب الركاب)، ممّا أدى الوعيد إلى أن تخدج الآرام وهي بطبيعتها لا تخدج وتكره الذئاب ريح مرابض الغنم وهي لا تكرهه، بل هي مدعاة لجذبها إليه.

فلولا الألفاظ السمعية التي رسمت لنا صورة أولى، ما رسمت الصورة الثانية، لو لم ينطق أبو أنس الوعيد وسمعه الشاعر لما تشكّلت الصورة التي تخيلها الشاعر، على أن البحر الوافر استوعب تلك الصورة، بالرغم من الثقل في الموسيقى الداخلية في تقارب حرف الباء من (معصوب تخب).

ولولا تساوي عدد السواكن في التفعيلات مثل (أتاني عن، ومعصوب، وعيد تخدج الآرام) مع عدد المتحركات (أبي أنس، تخب به، وتكره بنّة الغنم) لتناسب حلاوة الإيقاع وَحَلَتْ في السماع، وبخاصة إذا قلّتْ السواكن.

وإذا ما تأملنا الوعيد لدى النابغة سنجده من نوع آخر، وأن انبثق هذا الغرض من المديح، ولكنه تهديد صادر من الملك، مما أخاف النابغة وأقلقه، وأقض مضجعه إذ إن هذا التهديد صوت مرتفع لا يعلوه صوت، ما جعل النابغة في نظر الناس كأنه أجرب قد طلي بالقار لابتعاد الناس عنه، فالوعيد هزّ كيانه كله:

فلا تتركنّي بالوعيد كأنني

 

إلى الناس مطليٌّ بهِ القار أجربُ(6)

حيث يظهر صوت النابغة متوسلاً بعدم تركه بالوعيد (الصوت القوي) الصادر من الأعلى إلى الأدنى، حيث نصغي للتشكيلات الصوتية في استخدام النون ذات الرنين والغُنّة، مما تحدث نغماً يثير النابغة ليغدو قلقاً، وقد ورد رنين النون المشددة في (تتركنّي، وكأنني، والناس، وتنوين "مطلي")، إذ تتصاعد الأصوات في أعماق الشاعر بعد سماعه(الوعيد) الذي سيفقد بموجبه صلته بالنعمان أولاً، والناس ثانياً، ممّا أثّر ذلك في نفسيته، ولو كان يعلم أن هجاءه يصل إلى النعمان لما هجاه، في حين كانت النصوص التي مرّت بنا لم تأبه بالتهديد والوعيد منهم أوس بن حجر الذي بادر المُهَدّد بالإجابة وأنه سوف يلقى منه مالا يسرّه:

ألَمْ يعلم المُهدي الوعيدَ بأنني

 

سريعٌ إلى مالا يُسَرُّ له قرني(7)

لست على الأعداءِ بالقادرِ ... ونجد الأعشى من موقع القوة ردَّ على الوعيد:

أَجَذَعاً(8)تُوعدني سادراً

انظرْ إلى كفٍّ وأسرارها

 

هل أنت إنْ أوعدتني ضائري(9)

 

فرسم لنا صورة واضحة التحدي بتأثير منافذ الأداء السمعي عبر الاستفهام، ولفظة (توعدني) الذي كررها، ولو لم تكن تلك الأصوات السمعية لما تشكلت الصورة الكلية، بالرغم منْ أن هذا الوعيد ليس بجديد، والمُهدِّد أضعف منْ أن ينال عدوّاً به بأذى.

وتشكلت الصورة الثانية من جراء الصورة الأولى بدعوة الشاعر ذلك المتهدد الحائر أن ينظر إلى كفّه ليقرأ أسرار الغيب، ومن ثم يخبره هل وعيده يضرّ عدوّه؟، حيث امتزجت الصورة السمعية بالبصرية، وما تشكيل هذه الصورة إلاّ بفعل طبيعة الشاعر وقدرته على استيحاء الصوت لرسم الصورة.

على أن البحر السريع قد استجاب لأفكار الشاعر، وما تنطوي عليه من هجاء، فالإيقاع السريع ينسجم والحالة النفسية التي عليها الشاعر وإن كان هذا البحر يجهدهُ في الإنشاد، بيد أنّه يأخذ نفساً وراحة في ألف المدّ اللينة في كل من (سادراً والأعداء، والقادر وأسرارها، وضائرى).

وقد ردّت الخنساء، وعيد دريد بن الصمة وتهديده بالزواج منها بأمر عزم عليه أخوها صخر:

أُيُوعدني حُجَيَّةُ كلَ يومٍ

 

بما آلى معاوية بن عمرو

تَخفّى جمعهم في كلِ جُحْرِ(10) ... قُبَيِّلةٌ إذا سمعوا بذعرٍ

 

فاستخدمت الخنساء قوّتها الشخصية على وعيد دريد، على أن الصورة الكلية شكلّتها لفظة سمعية (أيوعدني) وتكرار هذا الوعيد كل يوم، ولفظة (سمعوا) التي تجعلهم يتخفون /كلما سمعوا/ ذعراً في كل جحر مثل الحيوانات.

والتجأت الخنساء إلى التشديد في (حجيّه) و(قبيّلة)، مع المجانسة بين (ذعر وجحر) لتقوية النغم من جهة، وتقوية الصورة المشوهة لدريد وقبيلته عندما صغّرت لفظة القبيلة، كما تجانس الإيقاع الخارجي في البحر الوافر لتحقيق الغرض الذي توخته الخنساء.

إن حسن استخدام الشاعرة للأداء السمعي ورسم صورة كاريكاتيرية يعود إلى طبيعة الشاعرة وقدرتها.

__________

(1)        ينظر لسان العرب: مادة (هدّ) و (وعد).

 (2) ديوانه: ق4/21، وما بعدها، المُبِنّ: المقيم من الابنان وهو اللزوم والإقامة بالمكان.

(3) ديوانه: ق1/1.

(4) ديوان حاتم الطائي: 8 لبوني من الشاة والإبل ذات اللبن، ذباب: اسم جبل بالمدينة، ثعلبون: من بني ثعل. وينظر ديوان حاتم أيضاً: 17، وينظر ديوان دريد بن الصمة: ق29/76، وق30/78، وق63/110، وينظر عميرة بن جُعل، المفضليات، المفصلية: 64.

 (5) الأسود بن يعفر: ق2/20. معصوب: كتاب، بنة الغنم: ريح مرابض الغنم والظباء والبقر. والآرام لا تخدج.

(6) النابغة الذبياني: 56، وينظر الصفحات: 60-87-169-256.

 (7) أوس بن حجر: ق54/130.

(8) أصاب التفعيلة زحاف مركب هو (الخبل) فانتقلت إلى (فعلتن).

(9) الأعشى: ق18/145.

(10)الخنساء: 120-121. حجية: لقب هجت به الخنساءُ دُريدَ بن الصمة.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي