الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
التقييد والإطلاق
المؤلف:
الأخفش الأوسط
المصدر:
القوافي
الجزء والصفحة:
ص14-15
24-03-2015
2339
اعلم أنَّ الجزء إذا تمَّ بحرفِ الرّويّ لم يكن فيه إلا التقييد، نحو قوله:
وقاتم الأعماقِ خاوي المخترقْ
فقولُه ولمخترقْ مستفعلنْ، فلو أطلقته جاء أكثر من مستفعلن، لأنه يجيء ترقي، فيكون الجزء مستفعلتن وهذا لا يكون. وكذلك:
سبقنا البرية في غزونا ... بحملِ المزادِ ونوطِ القربْ
فقوله قرب فعل. ولا يكون ها هنا قربي، لأنه يكون فعلن، ولا يكون ها هنا. فهذا المقيّد الذي لا يجوز إطلاقه، وهذا الذي لا يجوز إطلاقه يجوز فيه المرفوع والمنصوب والمجرور والمجزوم، والخفيف والثقيل. قال الشاعر:
أصحوت اليوم أمْ شاقتكَ هرْ ... ومنَ الحبِّ جنونٌ وسعرْ
فراءُ هر مثقّلةٌ، وراء سعر مخفّفة مرفوعة. وقال فيها:
أيها القلبُ، تناهَ وانزجِرْ ... إنّما للمرءِ، فاعلمْ، ما قدِرْ
وأمّا قوله:
صفيّةُ قومي، ولا تجزَعي ... وبكّي النساءَ على حمزهْ
فمطلق، لأنَّ الزاي حرف الرَّويّ، وهي متحركةٌ والهاء وصلٌ. وإن شئت قلت: على حمزتي، فجعلت التاء روياً، وجعلته فعل، لأنَّ الهاء إذا وصلت صارت تاءً. والتاءُ لا تكونُ وصلاً. وقد وضعت العرب التاءَ مع الهاء في أشعارها كثيراً. قال أبو النّجم:
أقولُ إذْ جئنَ مدبَّجاتِ:
ما أقربَ الموتَ منَ الحياةِ!
ومنهم من يقول: الحياة فيجعلها تاءً في الوقف لئلاَّ يختلف الرويُّ، كما فعل في الوصلِ. ولأنَّ الوقف في القوافي يجيء على غير الوقف في الكلام. يقولون:
أقلّي اللّومَ، عاذلَ، والعتابا
ويحذفون كثيراً ممّا لا يحذفُ في الكلام. ومع ذا أنَّ ناساً من العرب يقفون على هاء التأنيث بالتاء، فيقولون: حمزت.
فأمّا ما يجوز فيه التقييد والإطلاق فالمتقارب، نحو:
كأنّي ورحلي إذا رعتُها ... على جمزَى جازئٍ بالرِّمالْ
وفي الرّملْ:
يا بني الصّيداء، ردّوا فرسي ... إنَّما يفعلُ هذا بالذلّيلْ
وفي الكامل نحو: أبُنَيَّ، لا تظلمْ بمكةَ لا الصغيرَ ولا الكبير فليس شيء يجوز فيه التقييد والإطلاق غيرَ هذه الأبيات الثلاثة، وما كان عل بنائها. وذلك لأنَّ في بنائها شعراً أقصر منها وأطولَ، فمدّوها عن الأقصر، وقصروها عن الأطول. ألا ترى أنَّ في المتقارب فعولن وفعل، وفعول بينهما. وفي الرّملِ فاعلاتن وفاعلنْ، وفاعلان بينهما. وفي الكامل متفاعلاتنْ ومتفاعلنْ، ومتفاعلانْ بينهما.
فجاز هذا، كما يثقَّلونَ ما ليس بثقيل. قال الشاعر:
أقولُ إذ خرَّتْ على الكلكلِّ
ثم قال:
ببازلٍ وجناءَ أو عيهلِّ
وقال:
تعرَّضتْ لي بمكان حلِّ
تعرُّضَ المهرَةِ في الطّولِّ
يريد: الكلكلِ والعيهلِ والطّول، فثقل، لأنّ قوماً من العرب يقولون: هذا خالدُّ، فيثقلون في الوقف، وأجازوه في الإطلاق. جعلوه كأحرفٍ تزادُ في الكلام مثل ما يلحق من الياء للمدّ مما لم يكن في الكلام. قال الشاعر:
تنفي يداها الحصى في كلِّ هاجرةٍ ... نفي الدراهيمِ تنقادُ الصياريفِ
فكما زيدتْ هذه الياء فكذلك بيتُ التثقيل. وقال:
لقد خشيتُ أن أرى جدبَّا
في عامنا ذا بعدما أخصبّا
يريد: جدبا وأخصبا. ثم قال:
ثمَّتَ جئتُ حيَّةً أصمَّا
ضخماً يحبُّ الخلقَ الأضخمَّا
وسمعت من العرب من يقول: الضّخمّا، يريد الضّخم. فهذا أشدّ، لأنّه حرّكَ الخاء، وثقّل الميم.
وقد يجوز في هذا القياس تقييد الطويل إذا كان آخره مفاعيلن، لأنَّه إذا قيد جاء مفاعيل من مفاعيلن، وفعولن، وقد جاء. قال الشاعر:
كأنَّ عتيقاً من مهارةِ تغلبٍ ... بأيدي الرِّجال الدافنين ابن عتابْ
وقد فرَّ حصنٌ هارباً وابن عامرٍ ... ومن كانَ يرجو أن يؤوب فما آب
فهذا جائز. وكان الخليل لا يجيزه. وأخبرني من سمع قصيدة امرئ القيس هذه من العرب مختلفة، قالوا: فإنما هي على التقييد:
أحنظلَ لو حاميتمُ وصبرتُمُ ... لأثنيتُ خيراً صادقاً ولأرضان
ثياب بني عوفٍ طهارَى نفيَّةٌ ... وأوجهُهُمْ بيضُ المشاهدِ غرَّانْ
ولا يحمل هذا على: جحر ضبّ ضربٍ، لأنَّ ذل ليس بقياسٍ، والتقييد في هذه القصيدة قياس. وقد قال فيها:
وأنعمَ في حال البلابلِ صفوانْ
ويجوز ذلك في الرَّملِ الذي على أربعة أجزاءٍ، نحو قوله:
قيلُ، قمْ فانظرْ إليهم ... ثم دع عنك السّمودْ
لأنَّه إذا جعله فاعلانْ صار بين فاعلاتُن وفاعلنْ. فهو مثل ما جاء في القياس، ولم نسمعه. ولا أراه إلاَّ لقلَّة هذا الشعر وضعفه. وكان في الكامل أجود، لأنَّ الجزء الذي في الكامل زائدٌ. وأنت إذا قيّدتَ هذا نقصته، فهو أضعف.
ولا يجوز أن تكون الياءُ في قول الشاعر:
بازل عامين حديثٌ سنِّي
لمثلِ هذا ولدَتْني أمِّي
هي الرِّويِّ فيكونَ مقيَّداً، لأنَّه في بنائه شيءٌ أقصرُ منه، فيذهب هذا عنه حتى يصير بينه وبين مستفعلن. والميم والنون هما الرّوي. واختلفا كما ذكرت لك من اختلاف حرف الرّويّ، نحو قوله:
إذا نزلتُ فاجعلاني وسطا
إنِّيَ شيخٌ لا أطيقُ العنَّدا
وليس هذا مثلَ: على حمزهُ، لأنَّ الزايَ هو الرّويّ. وهذا مطلقٌ. وهو إذا جعل الياء هي الرّويّ كان مقيّداً، ولا يجوز تقييده كما لا يجوز تقييدُ: من لم تزوّد، و: من الناتج، لأنَّ تعديل أنصاف الأوائل بأواخرِها أن تطلق. فإذا وصلتَ إلى الإطلاق لم يجز التقييد.