تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية(96-99) من سورة هود
المؤلف: المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
9-6-2020
3959
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ } [هود: 96، 99]
عطف سبحانه قصة موسى (عليه السلام) على ما تقدم من قصص الأنبياء فقال { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} أي: بحججنا ومعجزاتنا الدالة على نبوته { وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي: وحجة ظاهرة مخلصة من تلبيس وتمويه على أتم ما يمكن فيه والسلطان وإن كان في معنى الآيات فإنما عطفه عليها لأن الآيات حجج من وجه الاعتبار العظيم بها والسلطان حجة من جهة القوة العظيمة على المبطل وكل عالم له حجة يقهر بها شبهة من نازعة من أهل الباطل فله سلطان وقد قيل إن سلطان الحجة أنفذ من سلطان المملكة والسلطان متى كان محقا حجة وجب اتباعه وإذا كان بخلافه لا يجب اتباعه قال الزجاج : السلطان إنما سمي سلطانا لأنه حجة الله في أرضه واشتقاقه من السليط الذي يستضاء به { إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} أي: قومه وقيل: أشراف قومه الذين تملأ الصدور هيبتهم {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} وتركوا أمر الله تعالى { وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} أي: مرشد ومعناه: ما هو بهاد لهم إلى رشد ولا قائد إلى خير فأمر فرعون كان على ضد هذه الحال لأنه داع إلى الشر وصاد عن الخير وفي هذا دلالة على أن لفظة الأمر مشتركة بين القول والفعل والمراد هاهنا وما فعل فرعون برشيد { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يعني أن فرعون يمشي بين يدي قومه يوم القيامة على قدميه حتى يهجم بهم على النار كما كان يقدمهم في الدنيا يدعوهم إلى طريق النار وإنما قال {فأوردهم} على لفظ الماضي والمراد به المستقبل لأن ما عطفه عليه من قوله { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يدل عليه عن الجبائي وقيل إنه معطوف على قوله {فاتبعوا أمر فرعون} .
{ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} أي: بئس الماء الذي يردونه عطاشا لإحياء نفوسهم النار إنما أطلق سبحانه على الناس اسم الورد المورود ليطابق ما يرد عليه أهل الجنة من الأنهار والعيون وقيل: معناه بئس المدخل المدخول فيه النار وقيل بئس الشيء الذي يرده النار وقيل: بئس النصيب المقسوم لهم لنار وإنما أطلق بلفظ بئس وإن كان عدلا حسنا لما فيه من البؤس والشدة {وأتبعوا في هذه} يعني ألحقوا في الدنيا { لعنة} وهي الغرق {ويوم القيامة} يعني: ولعنة يوم القيامة وهي عذاب الآخرة وقيل: معناه أتبعهم الله في الدنيا لعنة بإبعادهم من الرحمة وأتبعهم الأنبياء والمؤمنون بالدعاء عليهم باللعنة ويتبعهم الله اللعنة في القيامة حتى لا تفارقهم اللعنة حيث كانوا قال ابن عباس من ذكرهم لعنهم.
{ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} أي: بئس العطاء المعطى النار واللعنة وإنما سماه رفدا لأنه في مقابلة ما يعطى أهل الجنة من أنواع النعيم وقال قتادة : ترافدت عليهم لعنتان من الله لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله { بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} قال: هو اللعنة بعد اللعنة وقال :الضحاك اللعنتان اللتان أصابتهم رفدت إحداهما الأخرى.
___________________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج5،ص326-328.
لما ذكر سبحانه ما أصاب قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب أشار إلى فرعون وقومه ، والغاية هي العبرة والعظة ، ويتلخص معنى هذه الآيات الأربع بأن اللَّه سبحانه أرسل موسى ( عليه السلام ) إلى فرعون وقومه بالأدلة والبينات ، ومنها التوراة والعصا واليد ، ولكن فرعون أصر على الكفر والطغيان ، كما أصر قومه على متابعته ، والائتمار بأمره ، فكانت عاقبة التابع والمتبوع اللعنة والهلاك في هذه الدار ، والنار في الدار الآخرة .
ولو لم يجد فرعون أنصارا لما تجرأ وقال : أنا ربكم الأعلى . . ما علمت لكم من إله غيري ، وكل مضل ومفسد لا يجرأ على الظهور الا حيث يجد الأنصار والأتباع . . وطبيعة الإنسان هي هي في كل عصر ، والذي يتغير هو الاسم والأسلوب ، وقد كان الاسم في الماضي فرعون ونمرود ، واسمها في الحاضر أحلاف عسكرية ، وشركة « فاكوم ، وأرامكو » ، وما إليهما . . اما أنصارها فهم الذين يقبضون منها في الظلام ، ويمشون كالأشراف بين الناس .
_________________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، ج ٤، صفحه ٢٦٥.
إشارة إلى قصة موسى - الكليم - (عليه السلام)، وهو أكثر الأنبياء ذكرا في القرآن ذكر باسمه في مائة ونيف وثلاثين موضعا منه في بضع وثلاثين سورة وقد اعتنى بتفصيل قصته أكثر من غيره غير أنه تعالى أجمل القول فيها في هذه السورة فاكتفى بالإشارة الإجمالية إليها.
قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} الباء في قوله بآياتنا للمصاحبة أي ولقد أرسلنا موسى مصحوبا لآياتنا وذلك أن الذين بعثهم الله من الأنبياء والرسل وأيدهم بالآيات المعجزة طائفتان منهم من أوتي الآية المعجزة على حسب ما اقترحه قومه كصالح (عليه السلام) المؤيد بآية الناقة، وطائفة أيدوا بآية من الآيات في بدء بعثتهم كموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما قال تعالى خطابا لموسى (عليه السلام):{ اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي:} طه: - 42، وقال في عيسى (عليه السلام):{ وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} إلخ:، آل عمران: - 49، وقال في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم){ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى:} الصف: - 9، والهدى القرآن بدليل قوله:{ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ:} البقرة: - 2، وقال تعالى:{ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ:} الأعراف: - 157.
فموسى (عليه السلام) مرسل مع آيات وسلطان مبين، وظاهر أن المراد بهذه الآيات الأمور الخارقة التي كانت تجري على يده، ويدل على ذلك سياق قصصه (عليه السلام) في القرآن الكريم.
وأما السلطان وهو البرهان والحجة القاطعة التي يتسلط على العقول والأفهام فيعم الآية المعجزة والحجة العقلية، وعلى تقدير كونه بهذا المعنى يكون عطفه على الآيات من قبيل عطف العام على الخاص.
وليس من البعيد أن يكون المراد بإرساله بسلطان مبين أن الله سبحانه سلطه على الأوضاع الجارية بينه وبين آل فرعون ذاك الجبار الطاغي الذي ما ابتلي بمثله أحد من الرسل غير موسى (عليه السلام) لكن الله تعالى أظهر موسى عليه حتى أغرقه وجنوده ونجى بني إسرائيل بيده، ويشعر بهذا المعنى قوله:{قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى:} طه: - 46، وقوله لموسى (عليه السلام):{لا تخف إنك أنت الأعلى:} طه: - 68.
وفي هذه الآية ونظائرها دلالة واضحة على أن رسالة موسى (عليه السلام) ما كانت تختص بقومه من بني إسرائيل بل كانت تعمهم وغيرهم.
قوله تعالى:{إلى فرعون وملإيه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد} نسبة رسالته إلى فرعون وملئه - والملأ هم أشراف القوم وعظماؤهم الذين يملئون القلوب هيبة - دون جميع قومه لعلها للإشارة إلى أن عامتهم لم يكونوا إلا أتباعا لا رأي لهم إلا ما رآه لهم عظماؤهم.
وقوله:{فاتبعوا أمر فرعون} إلخ، الظاهر أن المراد بالأمر ما هو الأعم من القول والفعل كما حكى الله عن فرعون في قوله:{ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ:} غافر: - 29، فينطبق على السنة والطريقة التي كان يتخذها ويأمر بها.
وكان الآية محاذاة لقول فرعون هذا فكذبه الله تعالى بقوله:{وما أمر فرعون برشيد}.
والرشيد فعيل من الرشد خلاف الغي أي وما أمر فرعون بذي رشد حتى يهدي إلى الحق بل كان ذا غي وجهالة، وقيل: الرشيد بمعنى المرشد.
وفي الجملة أعني قوله:{وما أمر فرعون برشيد} وضع الظاهر موضع المضمر والأصل{أمره} ولعل الفائدة فيه ما يفيده اسم فرعون من الدليل على عدم رشد الأمر ولا يستفاد ذلك من الضمير البتة.
قوله تعالى:{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} أي يقدم فرعون قومه فإنهم اتبعوا أمره فكان إماما لهم من أئمة الضلال، قال تعالى:{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ:} القصص: - 41.
وقوله:{فأوردهم النار} تفريع على سابقه أي يقدمهم فيوردهم النار، والتعبير بلفظ الماضي لتحقق الوقوع، وربما قيل: تفريع على قوله:{فاتبعوا أمر فرعون} أي اتبعوه فأوردهم الاتباع النار، وقد استدل لتأييد هذا المعنى بقوله:{ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ:} المؤمن: - 46 حيث تدل الآيات على تعذيبهم من حين الموت قبل يوم القيامة هذا، ولا يخفى أن الآيات ظاهرة في خلاف ما استدل بها عليه لتعبيرها في العذاب قبل يوم القيامة بالعرض غدوا وعشيا، وفي يوم القيامة بالدخول في أشد العذاب الذي سجل فيها أنه النار.
وقوله:{وبئس الورد المورود} الورد هو الماء الذي يرده العطاش من الحيوان والإنسان للشرب، قال الراغب في المفردات،: الورود أصله قصد الماء ثم يستعمل في غيره يقال: وردت الماء أرد ورودا فأنا وارد والماء مورود.
وقد أوردت الإبل الماء قال:{ولما ورد ماء مدين} والورد الماء المرشح للورود. انتهى.
وعلى هذا ففي الكلام استعارة لطيفة بتشبيه الغاية التي يقصدها الإنسان في الحياة لمساعيه المبذولة بالماء الذي يقصده العطشان فعذب السعادة التي يقصدها الإنسان بأعماله ورد يرده، وسعادة الإنسان الأخيرة هي رضوان الله والجنة لكنهم لما غووا باتباع أمر فرعون وأخطئوا سبيل السعادة الحقيقية تبدلت غايتهم إلى النار فكانت النار هو الورد الذي يردونه، وبئس الورد المورود لأن الورد، هو الذي يخمد لهيب الصدر ويروي الحشا العطشان وهو عذب الماء ونعم المنهل السائغ وأما إذا تبدل إلى عذاب النار فبئس الورد المورود.
قوله تعالى:{ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} أي هم اتبعوا أمر فرعون فأتبعتهم لعنة من الله في هذه الدنيا وإبعاد من رحمته وطرد من ساحة قربه، ومصداق اللعن الذي أتبعوه هو الغرق، أو أنه الحكم منه تعالى بإبعادهم من الرحمة المكتوب في صحائف أعمالهم الذي من آثاره الغرق وعذاب الآخرة.
وقوله:{ويوم القيامة بئس الرفد المرفود} الرفد هو العطية و الأصل في معناه العون، وسميت العطية رفدا ومرفودا لأنه عون للآخذ على حوائجه والمعنى وبئس الرفد رفدهم يوم القيامة وهو النار التي يسجرون فيها، والآية نظيرة قوله في موضع آخر: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين:} القصص: - 42.
وربما أخذ:{يوم القيامة} ظرفا فالآية متعلقا بقوله:{أتبعوا} أو بقوله:{لعنة} نظير قوله:{في هذه}، والمعنى: وأتبعهم الله في الدنيا والآخرة لعنة أوفأتبعهم الله لعنة الدنيا والآخرة ثم استؤنف فقيل: بئس الرفد المرفود اللعن الذي أتبعوه أو الإتباع باللعن.
____________________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج10،ص301-303.
البطل المبارز لفرعون:
بعد إنتهاء قصّة شعيب وأهل مدين، يُشير القرآن الكريم الى زاوية من قصّة موسى ومواجهته لفرعون وهذه القصّة هي القصّة السابعة من قصص الأنبياء في هذه السورة.
تحدث القرآن الكريم عن قصّة موسى(عليه السلام) وفرعون وبني اسرائيل أكثر من مائة مرّة.
وخصوصية قصّة موسى(عليه السلام) بالنسبة لقصص الأنبياء ـ كشعيب وصالح وهود ولوط(عليهم السلام) التي قرأناها في ما سبق ـ هي أنّ أُولئك الأنبياء(عليهم السلام) واجهوا الأقوام الضالين، لكن موسى(عليه السلام) واجه إِضافة الى ذلك حكومة «ديكتاتور» طاغ مستبدّ هو فرعون الجبار.
وأساساً فإنّ الاصلاح ينبغي أن يبدأ من الاصل والمنبع، وطالما هناك حكومات فاسدة فلن يُبصر أي مجتمع وجه السعادة، وعلى القادة الإِلهيين في مثل هذه المجتمعات أن يدمروا مراكز الفساد قبل كل شيء.
ولكن ينبغي الإِلتفات الى أنّنا نقرأ في هذا القسم من قصّة موسى زاوية صغيرة فحسب ولكنّها في الوقت ذاته تحمل رسالة كبيرة للناس جميعاً.
يقول القرآن الكريم أوّلا: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ}.
«السلطان» بمعنى التسلّط، يستعمل تارةً في السلطة الظاهرية، وأحياناً في السلطة المنطقية، السلطة التي تحاصر المخالف في طريق مسدود بحيث لا يجد طريقاً للفرار.
ويبدو في الآية المتقدمة أنّ «السلطان» استعمل في المعنى الثّاني، والمرادُ بـ «الآيات» هي معاجز موسى الجليلة، وللمفسرين احتمالات أُخرى في هاتين الكلمتين.
وعلى كل حال فإنّ موسى أُرسل بتلك المعجزات القاصمة وذلك المنطق القوي { إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ}.
وكما قلنا مراراً فإنّ كلمة «الملأ» تُطلق على الذين يملأ مظهرهم العيون بالرّغم من خلوّ المحتوى الداخلي، وفي منطق القرآن تطلق هذه الكلمة غالباً على الوجوه والأشراف والأعيان الذين يحيطون بالمستكبرين وبالقوى الظالمة .. إِلاّ أنّ جماعة فرعون الذين وجدوا منافعهم مهددة بالخطر بسبب دعوة موسى، فإنّهم لم يكونوا مستعدين للاستجابة .. لمنطقه الحق ومعجزاته {فاتبعوا أمر فرعون}. ولكن فرعون ليس من شأنه هداية الناس الى الحياة السعيدة أوضمان نجاتهم وتكاملهم:{ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ}.
إِنّ هذا نجاح فرعون هذا لم يحصل بسهولة، فقد استفاد من كل أنواع السحر والخداع والتآمر والقوى لتقدم أهدافه وتحريك الناس ضد موسى(عليه السلام)، ولم يترك في هذا السبيل أيّ نقطة نفسية بعيدة عن النظر، فتارةً كان يقول: إِنّ موسى {يريد أن يخرجكم من أرضكم}.(الاعراف ،110)
وأُخرى كان يقول: { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}.(غافر،26) فيحرك مشاعرهم وأحاسيسهم المذهبيّة.
وأحياناً كان يتهم موسى، وأُخرى كان يهدّده، وأحياناً يبرز قوّته وشوكته بوجه الناس في مصر، أو يدعي الدهاء في قيادته بما يضمن الخير والصلاح لهم.
ويوم الحشر حين يأتي الناس عرصات القيامة فإنّ زعماؤهم وقادتهم في الدنيا هم الذين سيقودوهم هناك حين يُرى فرعون هناك: {يقدم قومه يوم القيامة} وبدلا من أن ينقذهم ويخلصهم من حرارة المحشر وعطشه يوصلهم الى جهنم { فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} فبدلا من أن يسكَن عطش اتباعه هناك يحرق وجودهم وبدلا من الإِرواء يزيدهم ظمأ الى ظمأ.
مع ملاحظة أنّ «الورود» في الأصل معناه التحرّك نحو الماء والإِقتراب منه، ولكن الكلمة أُطلقت لتشمل الدخول على كل شيء وتوسّع مفهومها.
و«الورد» هو الماء يرده الإِنسان، وقد يأتي بمعنى الورود أيضاً. و«المورود» هو الماء الذي يورد عليه، فـ «هم» اسم مفعول، فعلى هذا يكون معنى الجملة بئس الورد والمورود(2) على النحو التالي: النّار بئس ماؤها ماءً حين يورد عليه.
ويلزم ذكر هذه المسألة الدقيقة، وهي أنّ العالم بعد الموت ـ كما قلنا سابقاً ـ عالم «تتجسم فيه أعمالنا وأفعالنا» الدنيوية بمقياس واسع، فالشقاء والسعادة في ذلك العالم نتيجة أعمالنا في هذه الدنيا، فالاشخاص الذين كانوا في هذه الدنيا قادة الصلاح يقودون الناس الى الجنّة والسعادة في ذلك العالم، والذين كانوا قادة للظالمين والضالين وأهل النّار يسوقونهم الى جهنم يتقدمونهم هناك!
ثمّ يقول القرآن: { وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ}. فأسماؤهم الذليلة تثبت على صفحات التاريخ أبداً على أنّهم قوم ضالون وجبابرة، فقد خسروا الدنيا والآخرة وساءت النّار لهم عطاء وجزاءً { بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}(3).
و«الرفد» في الأصل معناه الإِعانة على القيام بعمل معين، وإِذا أرادوا أن يسندوا شيئاً الى شيء آخر عبروا عن ذلك بالرفد، ثمّ أطلقت هذه الكلمة على العطاء لأنّه إِعانة من قِبَل المُعطي إلى المُطعى له!
_________________
1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج6،ص160-162.
2- هذا الجملة من حيث التركيب النحوي يكون إِعرابها كالتالي: «بئس» من أفعال الذم، وفاعله «الورد» و«المورود» صفة، والمخصوص بالذم «النار» التي حذفت من الجملة، واحتمل البعض أنّ المخصوص بالذم هو كلمة «المورود» فعلى هذا لم يحذف من الجملة شيء، إِلاّ أنّ الأوّل أقوى كما يبدو.
3- إعراب هذه الجملة كإعراب أُختها السابقة.