تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الاية (20-23) من سورة النحل
المؤلف: المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
7-8-2020
3353
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: 20 - 23]
{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } إلها { لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} يعني الأصنام لا يمكنها خلق شيء بل هي مخلوقة مربوبة منحوتة من الحجر والخشب ونحوهما مما هو مخلوق لله تعالى.
ثم قال { أَمْوَاتٌ} أي: هي أموات { غَيْرُ أَحْيَاءٍ} أكد كونها أمواتا بقوله { غَيْرُ أَحْيَاءٍ} لنفي الحياة عنها على الإطلاق فإن من الأموات من سبقت له حالة في الحياة وله حالة منتظرة في الحياة بخلاف الأصنام فإنه ليس لها حياة سابقة ولا منتظرة وقال { أموات } ولم يقل موات وإن كان الأموات جمع الميت الذي كان فيه حياة فزالت لأنهم صور والأصنام على صور العقلاء وهيئاتهم وعاملوها معاملة العقلاء تسمية واعتقادا ولذلك قال: { لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} معناه: وما تشعر هذه الأصنام متى تبعث عن الفراء وقيل في الآية: إن معناه هم أموات يعني أن الكفار في حكم الأموات لذهابهم عن الحق والدين ولا يدرون متى يبعثون وقيل: إن المعنى ولا تدري الأصنام متى يبعث الخلق عن الجبائي {وأيان}: في موضع نصب {يبعثون} وقرىء في الشواذ: إيان بكسر الهمزة والفتح أفصح وأصح .
ثم خاطب سبحانه عباده فقال { إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} لا يقدر على ما يستحق به العبادة من خلق أصول النعم سواه فاثبتوا على عبادته.
{ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ} أي: جاحدة للحق تستبعد ما يرد عليها من المواعظ { وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } عن الانقياد للحق ذاهبون عنه دافعون له من غير حجة والاستكبار طلب الترفع بترك الإذعان للحق ثم قال سبحانه { لا جرم } أي: حقا وهو بمنزلة اليمين قال الخليل وهو كلمة تحقيق ولا يكون إلا جوابا لقول فعلوا كذا فيقول السامع لا جرم يندمون وقال الزجاج: معناه حق أن الله ووجب أن الله ولا رد لفعلهم قال الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
المعنى: أحقت فزارة بالغضب وقال أبومسلم أصله من الكسب فكأنه قال لا يحتاج في معرفة هذا الأمر إلى اكتساب علم بل هو معلوم { أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} وهذا تهديد لهم بأنه عالم بجميع أحوالهم فيجازيهم على أقوالهم وأفعالهم { إنه لا يحب المستكبرين } أي: المتعظمين الذين يأنفون أن يكونوا أتباعا للأنبياء أي: لا يريد ثوابهم وتعظيمهم .
____________
1- تفسير مجمع البيان،الطبرسي،ج6،ص147-148.
{ والَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وهُمْ يُخْلَقُونَ } . سبق الحديث عن الشرك والجدال مع المشركين في العديد من الآيات . . والآن وبعد ما ان عدّد سبحانه أنواعا من النعم على عباده أشار بهذه الآيات والتي بعدها إلى الكافرين باللَّه وآلائه ، والجاعلين له شركاء في خلقه ، وقال لهم بكل بساطة ، وبأبلغ حجة :
ان الإله المعبود يجب أن يكون خالقا غير مخلوق ، وأنتم أيها المشركون تعبدون مخلوقا غير خالق { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ } وأيضا من شروط المعبود أن يكون حيا لا جمادا ، ومعبودكم جماد لا حياة فيه .
{ وما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } . وهذه الجملة يتضح معناها من السؤالين التاليين وجوابيهما :
السؤال الأول : ان واويشعرون ويبعثون تستعمل في العاقل ، والمشركون يعبدون الأصنام ، فكيف أطلق ضمير العاقل على غير العاقل ، ومثله ضمير ( هم ) في الآية السابقة ؟ .
الجواب : ان هذا الاستعمال جاء على وفق عقيدة المشركين الذين يعتقدون بأن الأصنام تعقل وتشعر . . وأي ضير في هذا الاستعمال وأمثاله ما دامت المسألة مسألة ألفاظ وعبارات .
السؤال الثاني : ان الأصنام لا تبعث ، فكيف قال سبحانه : وما يشعرون أيان يبعثون ؟ .
وأجاب بعض المفسرين بأن ضمير يشعرون يعود إلى الأصنام ، وضمير يبعثون إلى المشركين ، وعليه يكون المعنى ان الأصنام لا تعلم متى يبعث المشركون من قبورهم ، وإذا لم تعلم الأصنام ذلك ، فكيف تكون أهلا للعبادة ؟ .
{ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } .
ذكر سبحانه في هذه الآية وصفين لمنكري الآخرة : الأول ان قلوبهم قد أنكرت وجحدت اليوم الآخر ، وهم من أجل ذلك لا يعملون أي شيء طمعا في ثواب اللَّه ، أوخوفا من عقابه . . وانما يعملون على أساس الربح والمنفعة في هذه الحياة الدنيا . الوصف الثاني الذي وصفهم اللَّه به في هذه الآية انهم ينفرون من الحق ولا ينقادون له علوا واستكبارا .
{ لا جَرَمَ } ليس من شك { أَنَّ اللَّهً يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } . انه تعالى يعلم أن انكارهم كان علوا واستكبارا ، وهو يكره الذين يستنكفون عن الخضوع للحق ، ويعاقبهم بما يستحقون .
______________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية،ج4، صفحه 504-505.
وقوله:{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} إشارة إلى فقدان الركن الأول من أركان الربوبية في آلهتهم الذين يدعون من دون الله ويتفرع عليه الركن الثاني وهو إيتاء النعمة، فليس الذين يدعونهم آلهة وأربابا والله الرب.
وقوله:{ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } إشارة إلى فقدان الركن الثالث من أركان الربوبية في أصنامهم وهو العلم بما يسرون وما يعلنون وقد بالغ في نفي ذلك فنفى أصل الحياة المستلزم لنفي مطلق العلم فضلا عن نوعه الكامل الذي هو العلم بما يسرون وما يعلنون فقال:{ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} فأثبت الموت أولا وهولا يجامع الشعور ثم أكده بنفي الحياة ثانيا.
وخص من وجوه جهلهم عدم شعورهم متى يبعث عبادهم من الناس فقال:{ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي ما يدري الأصنام أيان يبعث عبادهم فإن العبادة هي التي يجزى بها الإنسان يوم البعث فمن الواجب في الإله المعبود أن يعلم متى يوم البعث حتى يجزي عباده فيه عن عبادتهم، وهؤلاء لا يدرون شيئا من ذلك.
ومن هنا يظهر أن أول ضميري الجمع - يشعرون - للأصنام والثاني - يبعثون - للمشركين، وأما إرجاعهما كليهما إلى الأصنام فغير مرضي لأن العلم بالبعث مختص به سبحانه محجوب عن غيره ولا يختص الجهل به بالأصنام، وأردأ منه قول بعضهم: إن ضميري الجمع معا في الآية عائدان إلى المشركين.
هذا.
والآيات وإن كانت مسوقة بظاهرها لنفي ربوبية الأصنام لكن البيان بعينه بأدنى دقة جار في أرباب الأصنام كالملائكة المقربين والجن والكملين من البشر والكواكب من كل ما يعبده الوثنيون فإن صفات الخلق والإنعام والعلم لا تقوم بالأصالة والاستقلال إلا بالله سبحانه، ولا ربوبية حقيقة إلا بالأصالة والاستقلال، فافهم.
وفي الآيتين أعني قوله:{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ- إلى قوله - يبعثون} التفات من الخطاب إلى الغيبة، ولعل النكتة فيه ذكر يوم البعث فيهما والمشركون لا يقولون به فحول الخطاب منهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للتوسل بذلك إليه من غير اعتراض.
وقوله:{ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} بيان لنتيجة الحجة التي أقيمت في الآيات السابقة أي إذا كان الله سبحانه هو الواجد لما تتوقف عليه الألوهية وهي المعبودية بالحق، وغيره تعالى ممن يدعون من دونه غير واجد لشيء مما تتوقف عليه وهو الخلق والإنعام والعلم فإلهكم الذي يحق له أن يعبد واحد ولازم معناه أنه الله عز اسمه.
هذا هو الشطر الثاني من آيات صدر السورة، وقد كان الشطر الأول يتضمن توحيد الربوبية وإقامة الحجة على المشركين في ذلك بعد ما أنذرهم بإتيان الأمر ونزه الله سبحانه عن شركهم.
وهذا الشطر الثاني يتضمن ما يناسب المقام ذكره من مساوي صفات المشركين المتفرعة على إنكارهم التوحيد وأباطيل أقوالهم كاستكبارهم على الله واستهزائهم بآياته وإنكارهم الحشر، وبيان بطلانها وإظهار فسادها، وتهديدهم بإتيان الأمر وحلول العذاب الدنيوي، والإيعاد بعذاب يوم الموت ويوم القيامة وحقائق أخر ستنكشف بالبحث.
قوله تعالى:{ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} قد تقدم الكلام في قوله:{إلهكم إله واحد} وأنه نتيجة الحجة التي أقيمت في الآيات السابقة.
وقوله:{ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} إلخ تفريع عليه، وافتتاح لفصل جديد من الكلام حول أعمال الكفار من أقوالهم وأعمالهم الناشئة عن عدم إيمانهم بالله سبحانه وإنما ذكر عدم إيمانهم بالآخرة ولم يذكر عدم إيمانهم بالله وحده لأن الذي أقيمت عليه الحجة هو التوحيد الكامل وهو وجوب الاعتقاد بإله عليم قدير خلق كل شيء وأتم النعمة لا لغوا باطلا بل بالحق ليرجعوا إليه فيحاسبهم على ما عملوا ويجازيهم بما اكتسبوا مما عهده إليهم من الأمر والنهي بواسطة الرسل.
فالتوحيد المندوب إليه في الآيات الماضية هو القول بوحدانيته تعالى والإيمان بما أتى به رسل الله والإيمان بيوم الحساب والجزاء، ولذلك وصف الكفار بعدم الإيمان بالآخرة لأن الإيمان بها يستلزم الإيمان بالوحدانية والرسالة.
ولك أن تراجع في استيضاح ما ذكرناه قوله في أول الآيات:{ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } فإنه كلام جامع للأصول الثلاثة.
وقوله:{قلوبهم منكرة} أي للحق وقوله:{وهم مستكبرون} أي عن الحق، والاستكبار - على ما ذكروه - طلب الترفع بترك الإذعان للحق.
والمعنى: إلهكم واحد على ما تدل عليه الآيات الواضحة في دلالتها، وإذا كان الأمر على هذا الوضوح والجلاء لا يستتر بستر ولا يرتاب فيه فهم فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة للحق جاحدة له عنادا وهم مستكبرون عن الانقياد للحق من غير حجة ولا برهان.
قوله تعالى:{لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين}{لا جرم} كلمة مركبة باقية على حالة واحدة يفيد معنى التحقيق على ما ذكره الخليل وسيبويه وإليه يرجع ما ذكره غيرهما وإن اختلفوا في أصل تركبه قال الخليل: وهو كلمة تحقيق ولا يكون إلا جوابا يقال فعلوا كذا فيقول السامع: لا جرم يندمون.
والمعنى من المحقق - أوحق - أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون، وهوكناية وتهديد بالجزاء السيىء أي إنه يعلم ما يخفونه من أعمالهم وما يظهرونه فسيجزيهم بما عملوا ويؤاخذهم على ما أنكروا واستكبروا إنه لا يحب المستكبرين.
____________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص180-186.
ثمّ يعود القرآن إِلى مسألة الخالقية بأُفق أوسع من الآية السابقة: { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ }.
وقد بحث لحد الآن في عدم صلاحية الأصنام لتكون معبودة لأنّها ليست خالقة. بل والأكثر من ذلك أنّها إِضافة لكونها مخلوقة فهي فقيرة ومحتاجة في وجودها، فكيف يلجأ إِليها الإِنسان لسد حوائجه؟! أوَ ليس ذلك السخف بعينه؟
ومع ذلك كلّه، فإِنّها { أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ}.
أوَ ليس ينبغي أن يكون المعبود حياً (على أقل التقادير) ليكون مطلعاً على حاجات عباده؟
إِذن... يلزم توفر صفة «الحياة» للمعبود الحقيقي، وهذا ما لا يتوفر في الأصنام.
ثمّ يضيف قائلا عنها: { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ }.
فإذا كان الثواب والعقاب بيد الأصنام. فلا أقل من معرفتها بوقت بعث عبادهن، ومع جهلها بيوم البعث والحساب كيف تكون لائقة للعبادة؟!
وهذه هي الصفة الخامسة التي يجب توفرها في المعبود الحقيقي وتفتقدها الأصنام(2).
وقلنا مراراً فيما سبق أن مفهوم الصنم وعبادة الأصنام في المنطق القرآني أوسع من أنّ يحدد بالآلهة المصنوعة من الحجر والخشب والمعادن. فكل موجود نجعله ملجأ لنا مقابل اللّه عزَّ وجلّ، ونسلم له أمر مصائرنا، فهو صنم وإِنّ كان بشراً.
ولهذا فكل ما جاء في الآيات أعلاه يشمل الذين يعبدون اللّه بألسنتهم، ولكن في واقع حياتهم مستسلمون لمعبود ضعيف، وقد تبعوه لكونه المخلص لهم من دون اللّه، بعد أن فقد زمام استقلال المؤمن الحق.
أُولئك الذين يعتقدون أن القوى العالمية الكبرى يمكن أن تكون ملجأً لهم في حياتهم، وإِن كانت كافرة باللّه وجهنمية فهم من الناحية العملية الواقعية عبدةً للأصنام ومشركين باللّه عزَّوجلّ، وينبغي محاججتهم بـ :
هل خلقت لكم هذه المعبودات شيئاً؟
هل هي مصدر النعمة؟
أهي مطلعة على شؤونكم الظاهرة والخفية؟
وهل تعلم متى ستبعثون؟
هل بيدها الثواب والعقاب؟
وإِن كانت الإِجابة بالنفي، فَلِمَ تعبدونها من دون اللّه؟!
وبعد هذه الإِستدلالات الحية والواضحة على عدم صلاحية الأصنام يخلص القرآن إِلى النتيجة المنطقية لما ذكر: { إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ }.
وبما أنّ العلاقة بين المبدأ والمعاد مترابطة ربطاً لا انفصام فيه، يضيف القرآن الكريم من غير فاصلة: { فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ }(3).
فأدلة التوحيد والمعاد قائمة لمن أراد الحق وطلب الحقيقة، إِلاّ أن سبب عدم قبول الحق وإِنكاره يرجع إِلى حالة الإِستكبار وعدم التسليم له، ويصبح ملكةً في وجود المنكرين خصوصاً بعد أن يصل بهم الحال الى إنكار الحقائق الحسيّة المتوفرة لديهم، وعندها فلا ينفع معهم كلام حق أو دليل شاخص أو منطق سليم.
فالأدلة الحية التي ذكرتها الآيات السابقة بعدم صلاحية الأصنام للعبادة كافية لكل ذي لب رشيد، إِلاّ أنّ هناك الكثير ممن لا يقبلها مع مالها من حقيقة ووضوح!!!
ثمّ تتطرق الآية الآخيرة إِلى علم اللّه في الغيب والشهادة: { لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }.
والآية في واقعها تهديد للكفار وأعداء الحق، بأنّ اللّه عزَّ وجلّ ليس بغافل عنهم، سرهم وعلانيتهم، وكل سينال جزاءه بما غرفت يداه.
فهم مستكبرون و { إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }، والإِستكبار على الحق من علامات الجهل باللّه عزَّ وجلّ.
إِنّ كلمة «لاجرم» متكون من «لا» و «جرم» وتستعمل عادة للتأكيد بمعنى (قطعاً)، وأحياناً بمعنى (لابد)، وفي بعض الأحيان تستعمل كقسم مثل: {لا جرم لأفعلن}.
أمّا كيف أمكن استخراج هذه المعاني من كلمة «لا جرم» فذلك لأنّ «جرم» في الأصل بمعنى القطف وقطع الثمار من الأشجار، وعندما تدخل عليها «لا» يكون مفهومها: أنْ لا شيء يستطيع قطع هذا الموضوع ومنعه من التحقق، ولهذا يستفاد منها معاني: قطعاً، ولابدّ، وأحياناً القسم.
_______________
1- تفسير الامثل،مكارم الشيرازي،ج7،ص34-37.
2- ويرى المفسرون في تفسير الأية { اموات غير أحياء ومايشعرون أيان يبعثون} احتمالات اخرى غير ما ذكر في المتن. منها أن المراد من الأية أن الاصنام لاتعلم انها تبعث يوم القيامة ، واستشهدوا لذلك بقوله تعالى { انكم وماتعبدون من دون الله حصب جهنم } (الانبياء98) ولكنا من الواضح أن هذا الاحتمال لاينسجم مع ماقبل الية ما بعدها، فالصحيح هو ماذكرناه اعلاه.
3 ـ إنّ حرف الفاء في كلمة «فالذين» للتفريع كما هو معلوم، فيكون المراد: إِنّ إِنكار القيامة فرع لإِنكار المبدأ.