1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : التاريخ الاسلامي : الدولة العباسية : الدولة العباسية * :

النواحي العامة في عهد العباسيين الثاني

المؤلف:  احمد السباعي

المصدر:  تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع

الجزء والصفحة:  ج1، ص 204-213

6-11-2020

1068

النواحي العامة في عهد العباسيين الثاني

الناحية السياسية :

مر بنا ان خلفاء العصر العباسي الاول استعانوا بأخوالهم من الفرس في حروبهم ضد الامويين حتى اذا ما توطد ملكهم آثروهم على العرب وقدموهم في مهام الدولة وكبريات وظائفها.

ونحن هنا لا نلبث ان نجد خلفاء العهد العباسي الثاني يستعينون باخوالهم ومواليهم من الترك وينسون الفرس ويمنعون في اهمال العرب فيترك هذا أثره في ضعف مركزهم السياسي بينما ترتفع سهوم مواليهم فيلقب أحدهم أمير الامراء او ملك الدولة وسلطانها او ملك الملوك (١) ويدعى باسمهم فوق المنابر كما تنقش النقود باسمائهم.

اما الحال بالنسبة الى مكة احد معاقل العروبة وموطن الاسلام الاول فقد نالها ـ من الناحية السياسية ـ اسوأ مما نال بقية امصار العرب ذلك لان الأمويين كانوا قد شغلوا اهلها عن حقوقهم التي كانوا يرونها في الخلافة بما يسروه لها من اسباب الترف ثم جاء العباسيون الاولون فادرجوهم ضمن قوائم المنسيين في بنود السياسة واعتبروهم امة تستحق الرثاء اكثر مما تستحق الاحترام ونظر الخلفاء اليهم نظرة فيها من العطف والاحسان اكثر مما فيها من التجلة وتقدير القيم.

وجاء العهد الذي ندرسه والذي هيمن الاتراك فيه على مقدرات الخليفة العربي في بغداد فازداد الامر سوءا وتطورت معاني العطف الى صور جديدة لا أدرى كيف اسميها.

كان الاتراك المهيمنون على الخليفة في بغداد يحسنون الى الحرم وسكانه ويتبارون في هذا الاحسان كما يتبارى المتباهون من زوار المقابر في توزيع الصدقات على المنقطعين بها.

نسيت مكة كبلد له حقوق على الدولة التي تحكمه وله حظه من رقي غيره من الامصار وله قيمته ككائن حي بين معاصريه من الشعوب. نسي كل هذا واعتبر الاهلون فيها مجموعة منقطعة لكنس المسجد وتنظيفه والقيام على خدمته وخدمة وفوده في شكل لا يختلف كثيرا عن خدام الاضرحة وفقراء القبور الذين ينقطعون لاعمالهم مقابل ما يستحقونه في اموال اسيادهم من اغنياء الارض.

ولم تقتصر المأساة على هذا الحد فقد وجدت مكة نفسها عرضة لكثير من الخارجين على الخلافة في بغداد فثوار العلويين في اي منأى من الارض يعتبرون احتلال مكة عنصرا له قيمته في طعن بغداد، وخارجون كبني طولون والقرامطة والاخشيديون يهدفون الى الاستيلاء على مكة تدعيما لمعنويتهم في نظر المسلمين وامعانا في الكيد لبني عباس فكانت مكة لا تخرج من فتنة الا لتستقبل غيرها وقد أثر ذلك في اسلوب معاشها في الحياة فقطع اسبابها وهبط بمستوى رقيها السياسي وتركها عرضة لحكم المتغلبين.

 

الناحية الاقتصادية:

وتبع ذلك ان تأخر التقدم الاقتصادي في مكة فقد عانت في ثورة اسماعيل بن يوسف في منتصف القرن الثالث ثم في فتنة القرامطة في اوائل القرن الرابع ثم في فتنة الاخشيد في منتصفه ما عانت من الحرمان ثم انقطع الحج بتأثير هذه الفتن او بسبب القلاقل التي زخرت بها يومها بلاد الاسلام او بسبب الفوضى التي منيت بها بغداد عاصمة الخلفاء فترك كل ذلك اثره في اقتصاديات البلاد فكسدت اسواقها واندفعت القبائل في البادية الى تعلم السلب ووضع الاتاوات على الحجاج.

 

وبدأ عدد السكان في مكة يقل في هذا العهد فقد هاجر كثير من رجال العلم الى اصقاع الارض وكسد سوق الادب والفن الذي عرفناه في العهد الاموي وجزء كبير من العصر العباسي الاول وتفرق اصحابهم في البلاد جريا وراء التكسب ورفاهية العيش.

وعرفت مكة في هذا العهد جاليات جديدة من الترك الموالي الذين كانوا يتبعون ولاة بني العباس مرة وينضمون الى الثوار اخرى الى جانب حاليات من الفرس والبربر وبعض الاصقاع القريبة من بلاد العرب والمظنون ان اغلب هؤلاء كانوا من اصحاب التقوى الذين يفرون بدينهم بعيدا عن ثورات اشد في فارس والمغرب وبقاع الاسلام او المتواكلين الذين يلذ لهم عيش الصدقات والتكايا وليس في هؤلاء او اولئك من يتقن حرفة او يزاول عملا لهذا فترت حركة الصناعة في مكة في هذا العهد وكثر المحتاجون والمتسكعون.

 

مجوسي في مكة:

 ورأيت في مخطوط مجهول الاسم والمؤلف في مكتبة الشيخ عبد الرحمن عبد الله عبد الباري في السيدة زينب بمصر ان أحد العباسيين استقدم الى مكة مجوسيا من العراق في هذا العهد ليصنع له سقوف بيته من الساج وكان بيته في المروة ثم قرأت الخبر عينه في افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط» وفيه يذكر القصة ويعين صاحبها عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس ثم يذكر تاريخها عام ١٦٠ كما يذكر ان اسم المجوسي كان بحرا وهو أقرب للصحة لأن عيسى عاش في عهد بني أمية ولا أستبعد أن يكون الخبر من تلفيق بعض الأمويين ضد أولاد العباس.

 

الناحية الادارية:

وعرفت مكة بالرغم من تأخرها السياسي والاقتصادي في هذا العهد شيئا من التنظيم الاداري الذي أحدثه العباسيون فى عصوره المتأخرة فابتدأ يحدث فيها وظيفة صاحب الخراج لجباية أموال الدولة (2) وتوسعت وظيفة صاحب البريد المختص بنقل الأخبار الى الخليفة وأصبح من حقه أن يتجسس على الوالي وصاحب الخراج وأصحاب العبث والمفسدين ولا نستغرب أن يجبي العباسيون أموالا من بلاد كمكة تأخرت اقتصادياتها لأن كتب التاريخ تحدثنا أن بلاد الحرمين كانت تساهم بنصيبها من جباية العباسيين فقد ذكر كتاب الخراج وصنعة الكتابة البلاد التي تجبي منها أموال الدولة ومقدار الجباية في آخر القرن الثالث الهجري وضمنها المقدار الذي كان مقررا جبايته من الحرمين وقدره مائة ألف دينار ولا يخلو عن البال أن الطائف كانت مضمومة الى الحرمين ولعلها كانت تضطلع بأوفى نصيب تدفعه من المقرر.

وكان أمير مكة قبل هذا العهد يضطلع بشؤون القضاء لأن أمراء مكة كانوا من أصحاب الفقه في الغالب ولكن العباسيين في هذا العهد بدأوا يختارون أمراءها من أصحاب السياسة أو رجال الثقة من ذوي قرابتهم أو أبنائهم وكانوا يعينونهم ببعض القضاة.

وكان للقاضي بيت خاص يجلس في أحد مجالسه للحكم ويسمونه بيت القاضي ويبدو أن أحكام القضاة كانت نافذة دون أن يتوجها أمير ولذلك كان الأمراء كثيرا ما يختلفون مع القضاة أو يستبدون دونهم ببعض الأحكام، وثمت وظائف أخرى أهمها صاحب الجند وصاحب المعونة وهو مساعد صاحب الجند ومتولي السوافي وهو يشرف على الأملاك الحكومية (3) وكاتب الأمير ولا يقل شأنه عن شأن الوزير في عهدنا (4) والمحتسب وله النظر في الأسواق والمحافظة على الآداب العامة والاشراف على الموازين والمكاييل (5).

 

الناحية العمرانية والاجتماعية:

ولم يتقدم العمران في مكة بعد العهد الذي سبق لما نالها من الشدة التي أسلفنا عنها وأكاد أجزم أن القصور الشامخة التي أحدثها الثراء في مكة في العهد الأموي بدأ الخراب يتخللها في هذا العهد ولهذا فقد ظلت مكة لا تتعدى أوائل حدود المسفلة من جهة وقبيل الشبيكة من جهة أخرى أما حارة الباب فلم تنشأ الا في قرون متأخرة عند ما بني فيها باب مكة كما سنأتي على ذكره في حينه.

وشاع في هذا العهد لباس القباء في القصر العباسي وهو ما يشبه الثوب مفتوح الرقبة ولا يطول الا الى الركبة كان يتمنطق عليه الخليفة بمنطقة مرصعة بالجواهر ويتشح بعباءة أغلب ما تكون سوداء فانتقل هذا الزي الى مكة بصورة متواضعة بانتقال أولاد العباس الى امارتها وقلدتهم في ذلك المقربون من الكبراء أما العلماء ورجال القضاء فكانوا يلبسون العمامة والطيلسان (6) وكانت قلانسهم تحت العمامة طويلة مخروطة الشكل (7) وهو لباس ظل شائعا في هذه الطبقة في أكثر الأمصار من بلاد الاسلام لذلك العهد الى ما بعده بأجيال طويلة أما غير العامة فكانوا يلبسون القلنسوة وحدها فوق كلوتة من الحرير (8) والكلوتة بتشديد اللام أشبه بالكوفية عندنا اليوم «الطاقية».

وكان العامة يلبسون ازارا يشبه «الفوطة» وقميصا ثم يتمنطقون عليه بحزام وتضيف الطبقة الراقية الى هذا قفطانا وجبة أو عباءة ويحتذون النعال ذات أصبع واحد ينحني حتى تتصل الأصبع بأعلى القدم بسير من الجلد وربما لبس بعضهم الموزج (9) وهو يشبه الشراب ويصنع من الصوف أو الجلد و «الجرموق» وهو يشبه الحذاء فاذا دخل المسجد أو قصور الكبراء خلع الجرموق (10).

وقلت الرغبة الى الألوان المصبوغة من الثياب فعم اللون الأبيض وأضاف الكبراء اللون الأسود الى العباءة والجبة لأنه شعار العباسيين وقد ألزم به أصحاب المراتب.

أما رجال البادية فكانوا يقتصرون على الازار ويتركون بقية أجسامهم عارية أو يلتحفون ما يشبه الرداء أو العباءة وقد أمرهم الخليفة المستعين بلبس الأكمام الواسعة (11) فكانوا يحفظون فيها دنانيرهم وبذلك لا يستبعد أن تكون أقرب شبه بأكمام البادية اليوم (12).

وكان النساء يلبسن القمصان المشقوقة عند الرقبة ويربطن رؤوسهن بعصابة تزينها الطبقة الراقية ببعض الحلى الثيمنة وقد يتصل بالعصابة منديل يحجب الوجه لدى المحتشمات في المدن ويلبسن الملاءات الفضفاضة ويتخذن حليهن من الخلاخل والأساور (13) واشتهرت المكيات في هذا العهد بأنهن لينات الارساغ «مؤنثات» تميل ألوانهن الى البياض المشرب بسمرة في قدود حسنة وأجسام ملتفة وشعور جعدة وعيون مراض (14).

وكانوا يحتفلون بالأعياد الدينية احتفالا شائقا وكانت مكة اذ ذاك منقسمة الى منطقتين هي المعلاة وتشمل نصف مكة الأعلى ، والمسفلة وتشمل نصف مكة الأسفل وكانت المنطقتان تتزاوران في أيام الأعياد ويتفنن أصحابها في أنواع من اللعب على صوت المزمار والطبل وكان بعض النساء يعمدن الى الشعاب البعيدة ويعقدن حفلاتهن على صوت المزمار والطبل.

وأكثر ما يتمتعن بحريتهن في اللعب أيام عرفات ومنى حيث كانت تخلو البلدة بالمتخلفات منهن عن الحج (15).

ولم تكن مكة تحتفل في هذا العهد بموالد النبي صلى ‌الله‌ عليه وآله ‌وسلم وبعض الصحابة لأنها لم تعرف ذلك الا في عهد الفاطميين كما سيأتي ذكره في حينه.

وعرفت مكة في هذا العهد لعبة الشطرنج والنرد واتخذ سباق الخيل شكل الحفلات العامة في الأبطح من أعلا مكة لعناية الأمراء والعظماء به ولم يكن لهم مقاه على النحو الذي نراه اليوم بل كانت لهم مجتمعات في بيوتهم وكانوا يخرجون في الأصائل الى الضواحي فقد كانت البساتين الى هذا العهد يحتفظ بعهضا بنضارتها في جرول الخضراء بالقرب مما نسميه الهنداوية وكان الطريق متصلا بها من الشبيكة الى الحفائر كما كانت لهم بساتين في أعلا مكة. ونعتقد أن عدد البساتين في هذا العهد قل عما كان عليه عددها في الأجيال الماضية كما كانت لهم مجتمعات في أطراف المسجد وكثير من أجزائه المكشوفة يعقدونها في ليالي الصيف وهي غير حلقات العلم. وبدأت في هذا العهد تنقل البهارات وبعض ألوان الطعام من الهند وفارس فأضيف الى ما عرفه العرب من الثريد والعصيد والهريس وأخذت موائدهم أشكال المستطيل بعد أن كانوا يحفون بها حلقات.

 

الناحية العلمية:

انتهينا في بحثنا السالف عن مكة العلمية في العهد العباسي الأول الى أن مجالس العلم في مكة انتهت الى جمهور من الفقهاء أشهرهم الأوزاعي وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة والفضل بن العباس وقلنا ان سفيان بن عيينة كان من أبرزهم أخذ عنه الشافعي كما أخذ عنه ابن حنبل ومحمد بن اسحق.

وفي هذا العهد برز مسلم بن خالد الزنجي وغيره من الأعلام وكان الامام مالك بن أنس في المدينة قد لمع نجمه فشرع طلاب المعرفة في مكة يتصلون به ويروون عنه حتى تتلمذ له الشافعي (16) وبذلك ظلت حلقات العلم في مكة تغص بطلاب العلم من تلاميذ الجيل الذي أسلفنا يضاف اليهم أصحاب مالك وأصحاب الشافعي ثم اصحاب ابن حنبل ولمع بينهم أو الوليد محمد ابن عبد الله الأزرقي أولى مؤلف في تاريخ مكة وأخبارها ثم ما لبث ان توزع أعلام مكة في الأمصار فضعف النشاط العلمي فما وافى القرن الرابع الهجري حتى كانت علامات الضعف قد زادت وضوحا في البلاد.

وكان العالم الاسلامي قد زخر في هذا العهد باختلافات الدينية فاشتدت دعوة الخوارج وشاعت أقوال المعتزلة والمرجئة وذاعت مذاهب الشيعة على اختلاف أنواعها وكثر الجدل والنقاش في أمهات المدن بين هذه الفرق ومناوئيها الا الحجاز فقد ظل بعيدا عن هذه الخلافات لا يميل أهله لغير أصحاب السنة اذا استثنينا بعض حركات فردية لم تترك طابعها في المجموع. أما المذهب الشيعي فقد وجد على خلاف غيره من المذاهب من يناصره في مكة والمدينة وبعض مدن الحجاز في أوقات مختلفة من شيعة العلويين وأنصارهم.

 

الاصلاحات في المسجد:

 وعنى خلفاء العهد العباسي الثاني وأمراؤهم من الأتراك بالمسجد الحرام فأمر المتوكل بزيادة ضبط الحجر «مقام ابراهيم» وأضاف اليه ثمانية آلاف مثقال من الذهب و ٧٠ ألف درهم من الفضة لشد ما تصدع فيه ، ولما استعان عامل العباسيين في مكة جعفر بن الفضل بقيمة ذلك الذهب بعد قلعه وضربه دنانير لصرفها في ثورة اسماعيل بن يوسف العلوي سنة ٢٥١ التي قدمنا عنها عاد علي بن الحسين العباسي عامل مكة لتجديده فجعل له طوقين من ذهب فيهما ١٩٩٢ مثقالا وطوقا من فضة وأذاب العقاقير بالزئبق فشد بذلك بين أوصاله وكانت قد تفرقت الى سبع قطع (17).

ولما حج المتوكل في خلافته أنشأ منبرا عظيما وجعله مكان المنبر القديم وأقام عامل المعتز حول المطاف عشرة أساطين من الخشب جعل بينها حبالا وأناط بالحبال ثماني ثريات مقسمة على جوانب الكعبة في كل جهة اثنتان ليستصبح الطائفون كما اتخذ حجز النساء خلف أعمدة ربط بينها بالحبال (18).

وأهدى الى المسجد أحمد بن طريف مولى العباس بن محمد الهاشمي في عام ٢٤١ رخامتين خضراوين فوضعت احداهما تحت الميزاب ووضعت الثانية على سطح جدار الحجر «بالكسر» مما يلي الميزاب ثم نقلت وأوصلت بالرخامة الأولى تحت الميزاب (19) وربما اعتقد بعضهم ان اسماعيل عليه ‌السلام مدفون تحت الرخامتين ولم أجد لهذا شيئا يؤيده (20).

واصيب بعض جدار المسجد بوهن في عهد المعتمد بالله لان دارا بجوار باب ابراهيم سقطت على سطح المسجد فانكسرت اخشابه وانهدمت اثنتان من اسطواناته فقضت على نحو عشرة انفس فصدر امر الموفق أخي المعتمد باصلاح ذلك فقام بالامر عاملهم على مكة هارون بن محمد بن اسحق وقد تم ذلك سنة ٢٧٢ (21).

_______________

(١) ابن خلكان ١ / ٤١٦.

(2) لا يقل صاحب الخراج في الولايات العباسية منزلة عن الامير او الوالي الا قليلا وربما كانت ميزة الوالي في اشرافه على الامور الدينية وهي التي تميزه في الغالب على صاحب الخراج. راجع تاريخ الاسلام السياسي للدكتور حسن ابراهيم حسن ٣ / ٢٦٨.

(3) الكامل لابن الاثير ٨ / ٧٧

(4) راجع مقدمة ابن خلدون ص ٢١٥.

(5) تحفة الامراء في تاريخ الوزراء ص ١٥٦

(6) الطيلسان كساء يتوشح به المشائخ

(7) الاسلام السياسي للدكتور حسن ابراهيم ٣ / ٤٤٢

(8) النجوم الزاهرة لابي المحاسن ج ٧ / ٢٣٠

(9) الاداب السلطانية ص ١٠

(10) راجع مختصر تاريخ العرب لسيد امير علي ٣٨٨

(11) مروج الذهب للمسعودي ٢ / ١٨٧ وما بعدها

(12) هي نفسها ، ولكنها اندثرت اليوم في البادية ، وابدلوها باكمام المدروج ، وهو ما يلتف على الذراع عند المعصم. (ع)

(13) راجع مختصر تاريخ العرب لسيد امير علي ٣٨٩ وما بعدها

(14) نقلها تاريخ الاسلام السياسي ٣ / ٤٤٨ عن كتاب مخطوط بمكتبة برلين

(15) وكانت لهن في ذلك عادات لطيفة وقوانين لا تعارضهن فيها سلطة، وقد اختفت اليوم .

(16) ولد الشافعي في غزة وارسلته مه الى مكة ليلحق باهله فيها فوصل وتثقف بثقافة المبرزين فيها وخرج الى البادية فلزم قبيلة هذيل وكانت افصح العرب ولما اتم العشرين اذن له اساتذته بالافتاء ، وقرأ على مالك ودام معه ٩ سنوات بالمدينة ثم عاد الى مكة ثم الى نجران حيث تولى عملا ثم سافر الى بغداد وعاد الى مكة ثم رجع الى بغداد ومنها الى مصر حيث توفي فيها.

(17) شفاء الغرام للفاسي ١ / ٢٠٣.

(18) اخبار مكة للازرقي ١ / ١٩٣.

(19) تاريخ الكعبة للشيخ حسين باسلامه ١٧٢

(20) المعروف عند جمهور الفقهاء انه لم يصح قبر نبي بعينه الا قبر محمد صلى‌ الله‌ عليه وآله ‌وسلم.

(21) عمارة المسجد للشيخ حسين باسلامه ٥٢.

 

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي