التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
النواحي العامة لمكة في عهد الايوبيين
المؤلف: احمد السباعي
المصدر: تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة: ج1، ص 280-292
9-11-2020
1201
النواحي العامة في عهد الايوبيين
الحالة السياسية :
كان انتصار الأيوبيين في مصر والشام وقيام دولتهم على انقاض الفاطميين انتصارا للعباسية ونجاحا لقضيتها في هذا الجزء من بلاد العرب فقد كان صلاح الدين في مصر يميل الى ممالأة العباسيين وتقديس الخلافة فيهم ويسخر جيوشه في خدمتهم والدعاء لهم على منابر البلاد التي يحكمها لنفسه أو التي يمتد نفوذه اليها كالحرمين.
وليس من شك في أن أشراف مكة خسروا بسقوط الفاطميين حليفا كانوا يتفقون معه في أكثر المبادىء وإن كانوا يختلفون وإياه في بعض الغايات وانهم وجدوا أنفسهم بعد سقوطه في حاجة إلى مهادنة الأيوبيين وارضائهم بقبول الدعاء للعباسيين واشراكهم في ذلك على منبر مكة.
ويبدو أن العباسيين لم يقنعهم اختصار علاقاتهم بمكة على الدعاء لهم على منابرها وأنهم أرادوا أن يتوسعوا فيها فاستأنفوا ارسال ركبهم الذي انقطع عن الحج عدة سنوات وأرادوا أن يمدوا نفوسهم الى شؤون الحكم وأن يباشروا اقصاء من لا يرغبونه لأمارة البلاد ليقربوا بعض بني عمومتهم ممن يختارون فشعر مكثر بن عيسى بالخطر المحدق وراح يبني ما يحصنه في مكة.
وقد حدث ما توقعه مكثر فنشبت الفتنة بين الركب العراقي على النحو الذي أسلفناه في حينه ولم ينتصر العباسيون لأن مكثرا وأخاه داود ظلا يتداولان الحكم بينهما نحوا من ثلاثين سنة ورغم عدم رضاء العباسيين وكانا يتمتعان بشؤونهما الداخلية الا أن ابن جبير يشير في رحلته إلى أن القضاء في عهد مكثر كان يتعين من الخليفة العباسي لأنه يذكر أن أمير الحج العراقي عندما وصل إلى مكة في عام ٥٧٨ كان يصحبه الخطيب المعين للقضاء في مكة ، ورغما من هذا فإن مكثرا وأخاه كانا يفرضان أوامرهما في مكة ويقرران رسومهما على الحجاج لا يمنعهما من ذلك مانع حتى أن شكايات الحجاج عندما اتصلت بصلاح الدين الأيوبي لم يستطع أن يغير من شأن المكوس الا بما دفعه من تعويض قدره المؤرخون بثمانية آلاف أردب من القمح تصرف لصاحب مكة لقاء العفو عن المكوس المطلوبة من الحجاج ، ولعلها كانت في بعض السنين تزيد أو تنقص لأن الفاسي يذكر هذا التعويض ويقول انه كان ألفي دينار وألف أردب قمح واقطاعات بصعيد مصر واليمن (١).
وعند ما استطاع قتادة بن ادريس أن يجلي بني عمومته عن مكة وعلى رأسهم داود بن عيسى ويؤسس على أنقاضهم لطبقته «الرابعة» حكما جديدا في مكة حاول العباسيون اخضاع الحكم الجديد لنفوذهم الا أن قتادة كان أشد شكيمة من سابقيه فقد ناوأ نفوذهم وأبى أن يعترف الا بدعاء الخطبة لهم مرة وللأيوبيين أخرى في الاحيان التي اضطر فيها الى ذلك.
أما في عهد الحسن ابنه فقد استطاعوا أن يجعلوا نفوذهم يتسرب إلى الامارة في مكة وأن يهيئوا الحسن لقبول مراسم التولية وزاد الأمر ضغثا على إبالة عندما اختلف الحسن مع أخيه راجح وعمد الأخير الى تمكين أيوبي اليمن في مكة سنة ٦٢٠ ثأرا من أخيه الحسن وبذلك ضاع استقلال البلاد وتركت مكة سنة ٦٤٧ مسرحا لفوضى الطامعين من الأيوبيين في مصر واليمن يحتلونها بالتناوب ويذيقونها من ويلات الحروب والفتن ما يذيقونها .
إلا أن الأشراف ما لبثوا أن استخلصوا مكة من مغتصبيها بقيادة الحسن وابنه أبي نمي الأول وهما من ذرية قتادة وبذلك استطاعوا أن يستقلوا بحكمها ـ وبالرغم من الصعاب التي واجهها أبو نمي من أقار به المنافسين فإنه استطاع في النهاية أن يظفر بالامارة ويحفظها مستقلة الى أن انقرض عهد الايوبيين في عام ٦٤٨ وأفل بعده نجم بني العباس في عام ٦٥٥ ولاح في أفق السياسة كوكب المماليك الأتراك الذين استولوا على شؤون الحكم في مصر .
الناحية العلمية:
وظلت الحركة العلمية في مكة على وهنها الذي ذكرناه في عهد الفاطميين تقتصر على حلقات المدرسين واهل العلم ، وأشهر البيوت التي تخصصت في طلب العلم ووقفت ابناءها عليه في هذا العهد بيت الطبري الذي ذكرناه في العهد الفاطمي ثم آل ظهيرة القرشيين وآل النويري وقد لمع من البيتين الآخرين أسماء كثيرة في هذا العهد واستطاع أصحابها أن يشاركوا آل الطبري في رئاسة التدريس بمكة وأن يتداولوا بدورهم الاضطلاع بأعباء خطبة المسجد الحرام والإمامة وأمور الفتوى فيه وكان بعض آل الطبري يسكنون بين المحناطة والمدعا ولا يزال لهم حوش بجوار المكان المعروف بالقبان يسمى حوش الطبري (2).
الناحية الاجتماعية والعمرانية:
يبدو أن مكة لم تتأثر بالأيوبيين كما تأثرت بالفاطميين من قبل لضيق المدى الذي تمتع فيه الأيوبيون بنفوذهم في مكة إلا أن صلاح الدين كان له بعض الأثر فيها، فقد نجح في إلغاء الأذان بحي على خير العمل الذي كان مستعملا في العهد الفاطمي وبنى في مكة دارا لضرب النقود باسمه.
ولما تولى الامر قتادة مؤسس الطبقة الرابعة من الأشراف بدأ يعنى ببعض العمران فأنشأ سورا في أعلى مكة وسهل العقبة التي كانت تفصل الشبيكة من حارة الباب حيث بنى المظفر مكانها سورا (3) وأعتقد أن العقبة كان مكانها موقع الريع بين الشبيكة وحارة الباب وأن حارة الباب سميت كذلك لأن باب السور كان فيها.
الناحية الاجتماعية لمكة في عهد الأيوبيين:
وأنشئت مكة في هذا العهد عدة برك كانوا يتخذونها لتخزين المياه ، منها بركة الصارم وكانت تتصل بسور المعلاة اتصالا مباشرا مما يلي محلة شعب عامر اليوم ، ووصف ابن جبير مكة في رحلته في هذا العهد عام ٥٧٩ فقال أنه رأى فيها ثلاثة أبواب هي : باب المعلاة وباب المسفلة وباب الزاهر وقال أن سوقها الحافل هو بين الصفاء والمروة وسوق العطارين والبزازين على مقربة منها ، وقال أن بمكة حمامين احدهما للفقيه التعايشي أحد الأشياخ في الحرم ، والثاني لوزير صاحب الموصل الشيخ جمال الدين ، ولعل هذين الحمامين هما الذين أوردناهما في عهد الفاطميين نقلا عن الرحالة الفارسي ناصر خسرو ، ثم قال : وقد شاهد البلاط في «دار الندوة» كله مصاطب تحت قسى «حنايا» يجلس فيها الناسخون والمقرئون وبعض أهل صنعة الخياطة.
وتحدث ابن جبير عن عناية المكيين بحفلاتهم فقال : انه رآهم ليلة رجب يحتفلون بالعمرة فيخرج النساء اليها بالهوادج يسيل بها أباطح مكة حتى لا يبقى في مكة من أهلها الا من خرج للعمرة وقد زينت الهوادج بقلائد من الحرير وفاضت عليها الأستار المزركشة التي تسحب أذيالها على الأرض (4) وفي صباح رجب يخرج الأمير الى العمرة في حشد عظيم ويخرج المعتمرون قبيلة قبيلة وحارة حارة فرسانا ورجالا يتواثبون ويتثاقفون الأسلحة حرابا وسيوفا في حذق عجيب وكانوا يرمون السيوف في الهواء ثم يتلقونها قبضا على قوائمها كأنها لم تفارق أيديهم بالرغم من شدة زحامهم فاذا عاد الأمير من العمرة هرع الى المسجد وشرع يطوف في حشده العظيم (5).
وطواف الأمير في هذا العهد له طرافته وقد شهد ابن جبير الأمير مكثر يطوف في حاشيته فوصفها بإسهاب ويتلخص ذلك في أن للأمير قراء يتقدمون موكبه الى الطواف يتقدمهم رجال الحرس من السودان شارعين حرابهم فإذا بدأ الطواف شرع مؤذن صبي يبلغ الحادية عشر وهو أخو المؤذن الزمزمي يغرهد فوق قبة زمزم داعيا للأمير فإذا بدأ الأمير من الركن اليماني قال : صبح الله الأمير بالسعادة الدائمة والنعمة الشاملة ثم يصل ذلك بكلام مسجوع مطبوع حفيل بالدعاء ثم يختمه ببعض ابيات من الشعر في مدحه فإذا شرع في الشوط الثاني اندفع بدعاء آخر ووصله بأبيات غيرها من الشعر وظل على ذلك الى نهاية الطواف (6) ويذكر ابن جبير أن الأمير مكثر كان يسكن بالقرب من المسجد الحرام أمام باب علي فى دار تتصل بالميل الأخضر حيث يبدأ الساعون في الهرولة.
ويصف ابن جبير عادة صيام رمضان في مكة فيقول ما خلاصته ان دبادب الأمير أخذت تضرب في مكة ليلة الشك ايذانا بصيام يوم الشك وبدأ المسجد يتلألأ نورا وتفرق الأئمة فرقا لأقامة التراويح فلا يكاد يبقى في المسجد زاوية الا وفيها قارىء يصلى بجماعة خلفه وقد صفت الشموع على اختلاف أشكالها في محاربه ويطوف بعضهم بين تسليمتين سبعا وللمسجد فرقعة (7) يضرب بها ثلاث ضربات عند الفراغ من آذان المغرب ومثلها عند الفراغ من أذان العشاء ويتولى التسحير في مئذنة باب علي المؤذن الزمزمي لقرب المئذنة من دار الأمير ومعه أخوان صغيران يجاوبانه ويقاولانه في أصوات رقيقة وقد نصبت في أعلى المئذنة خشبة طويلة في رأسها عود كالذراع أنيط بطرفيها قنديلان يطفآن اذا حان الامساك وأهل مكة في سطوحهم المرتفعة البعيدة من المسجد يمسكون اذا طفىء القنديلان (8).
ويذكر ابن جبير احتفال الناس في مكة بليلة النصف من شعبان فيقول ان مواكبهم تزدحم في كل مكان في المسجد والجهلة يعتقدون أن زمزم تفيض فى هذه الليلة حتى تطفح فيزدحمون على التبرك بمائها (9) وأقول أن هذا التخريف ظل ساريا في مكة يعتقده عوامها طوال الأجيال ولم ينفع فيه انكار حتى قضت حكومة جلالة «الملك عبد العزيز آل سعود» في العهد الأخير على هذه الخرافة.
طريق الحج:
وفي هذا العهد بدأ سبيل الحج يتحول معظمه من طريق عيذاب والقصير في الصعيد الى العقبة شرقي مصر حيث ينحدرون برا الى شمالي الحجاز فقد سافرت «شجرة الدر» على رأس قافلة من الحجاج من ذلك الطريق فتحولت القوافل اليه وكان يقلها «محمل» على شكل هودج اتخذ فيما بعد شعارا لقافلة المصريين ثم قلدهم فيه بعض الأمم من المسلمين.
وحج ابن جبير في هذا العهد من طريق عيذاب فوصف القوافل التي كانت تسير بين قوص وبينها وقال ان المترفين فيها كانوا يمتطون «الشقاديف» وهي أشباه المحامل يوصل منها اثنان بالحبال وتوضع على البعير ولها أذرع قد حفت بأركانها يكون عليها مظلة فيكون الراكب فيها مع عديله يطالع فيها متى شاء المطالعة في مصحف او كتاب، ومن شاء ممن يستخير اللعب بالشطرنج أن يلاعب عديله تفكها.
والذي أقوله أن هذا الوصف يشبه وصف «الشقادف» التي كنا نركبها فوق الابل ولا تزال بقاياها الى عهد قريب ويفهم من هذا أن استعمال الشقاديف لم يكن خاصا بالحجاز بل كان مستعملا في مصر.
الاصلاح في المسجد :
ولم يذكر المؤرخون أعمالا كبيرة للأيوبيين في المسجد بل أنهم ذكروا من الاصلاحات ما كان في عهد العباسيين أو بعض الأغنياء المسلمين.
فقد انشأ شرف الدين أحد مماليك المستنصر بالله العباسي في عام (٦٤١) بيمارستانا بالقرب من باب الزيادة في مكان المدارس التي تسكنها قبل اليوم المحكمة الشرعية كما بنى مدرسة على يمين الداخل الى باب السلام وأوقف فيها كتبا كثيرة وبنى حاشية المطاف (10).
يقول قطب الدين أن الكتب التي اوقفت تفرقت في عهده «عهد القطبي» شذر مذر وصارت المدرسة رباطا وفيه محل للتدريس وبه كتب بعض المتبرعين.
وفي عام ٥٧٦ أمر الناصر ابو العباس بفرش حجر اسماعيل بالرخام (11) وفي عام ٦٢٩ أمر المستنصر بالله بتعمير الكعبة وسقفها وبعض أركانها (12) وكان العباسيون يكسون الكعبة طوال هذا العهد ويكتبون في طرازها «حزامها» آيات من القرآن كما يكتبون اسم الخليفة ويذكر ابن جبير ان كسوتها كانت خضراء.
ويذكر ابن جبير ان بعض ارض المطاف كان مبسوطا بالحجارة منها البيض كأنها الرخام ومنها السود والسمر وقدر عرض هذا الفرش بتسع خطوات ثم قال وفرش باقي المطاف بالرمل الأبيض الا جهة مقام ابراهيم فقد اتصل فرش الحجر حتى أحاط به ثم قال وطواف النساء في الجزء المفروش بالرمل من أرض المطاف (13).
وكان المسجد يضاء في هذا العهد بمشاعل وصفها ابن جبير في رحلته فقال انها توقد في صحاف من حديد فوق خشب مركوزة ، تطيف بحاشية المطاف وعلى بعد يسير منه فيتقد الحرم نورا ، ثم قال ويوضع الشمع بين يدي الأئمة في محاريبهم (14).
ومحاريب الأئمة هي المقامات التي ذكرنا إنشاءها في العهد الفاطمي ليصلي فيها الأئمة الأربعة.
وقد وصف ابن جبير صلاة الأئمة في رحلته الى مكة في عام ٥٧٨ فقال وهم أربعة أئمة سنية وامام خامس لفرقة تسمى الزيدية (15) وأشراف هذه البلدة على مذهبهم وهم يزيدون في الأذان «حي على خير العمل (16)».
أقول وقد مر بنا أنه قضى على زيادة «حي على خير العمل» في الأذان في العهد الايوبي ولكنه لا يستبعد أن يكون قد اعيد في فترات لأن اكثر أشراف مكة كانوا يميلون الى مذهب المتشيعين.
خطيب الجمعة في المسجد :
ثم قال: وأول من يصلي بالناس من أئمة السنية الشافعي وله حطيم حفيل بازاء مقام ابراهيم وهو خشبتان موصول بينهما بأذرع شبه السلم تقابلهما خشبتان وقد عقد الخشب على رجلين من الجص واعترض في أعلى الخشب خشبة فيها خطاطيف حديد فيها قناديل معلقة من الزجاج.
ثم قال ويصلي بعد الشافعي امام المالكية قبالة الركن اليماني وله محاريب تشبه مجاريب الطرق الموضوعة فيها ثم يصلي الحنفي قبالة الميزاب تحت حطيم موضوع له وهو أعظم الأئمة أبهة وأفخرهم آلة من الشمع وسواها لأن دول الاعاجم كلها على مذهبه ، ويصلي الحنبلي مع صلاة المالكي في حين واحد قبالة الحجر الأسود والركن اليماني وله حطيم معطل هو قريب من حطيم الحنفى (17).
ويقول ابن ظهيرة القرشي ان صلاة المغرب كان يصليها الأئمة الأربعة في وقت واحد فيحصل للمصلين بسبب ذلك لبس كثير.
وجاء في حاشية ابن عابدين على الدر المختار أن بعض العلماء أنكروا تعدد الجماعات في ذلك العصر وأفتوا بعدم جواز ذلك على المذاهب الأربعة ويشير ابن ظهيرة أن تعدد الجماعات بقي في المسجد الى عهد الشراكسة ثم ألغي ثم أعيد العمل به مرة اخرى، أقول وقد ظل العمل به الى أن ألغي في عهد الحكومة السعودية الحاضرة.
وفي يوم الجمعة يدفع المنبر على بكرات حتى يتصل بصفح الكعبة فيما بين الحجر الاسود والركن العراقي ويعلوه الخطيب مستقبلا المقام فإذا خرج الخطيب أقبل لابسا ثوبا أسودا معتما بعمامة سوداء «وهو شعار العباسيين» وعليه طيلسان أسود كل ذلك من كسوة الملك الناصر العباسي وعليه الوقار والسكينة وهو يتهادى بين رايتين سوداوين يحملهما رجلان من المؤذنين وبين يديه أحد القومة في يده «الفرقعة» (18) ينفضها في الهواء فيسمع لها صوت عال يسمعه من داخل الحرم وخارجه فيكون اعلانا بخروج الخطيب ولا يزال كذلك الى أن يقرب من المنبر فيقبل الحجر الأسود ويدعو عنده ثم يقصد المنبر ورئيس المؤذنين بين يديه لابسا السواد على عاتقه السيف وقد أمسك بمقبضه وتركز الرايتان على جانب المنبر فإذا صعد الخطيب أول درجة من درج المنبر قلده المؤذن السيف فيضرب بنصل السيف ضربة على الدرج يسمع بها الحاضرون وهكذا على سائر الدرج فإذا استوى في اعلاه استقبل الناس وسلم عليهم ثم يقعد ويؤذن المؤذن على قبة زمزم فإذا فرغ من خطبته دعا للخليفة العباسي ثم لأمير مكة ثم لسلطان الأيوبيين حتى إذا أنهى من خطبته بدأ الصلاة ثم انصرف على الوضعية التي أتى بها ثم يعاد المنبر إلى مكانه ازاء المقام (19).
مقام ابراهيم لم يكن ثابتا :
ولم يكن مقام ابراهيم ثابتا في موضعه كما هو اليوم بل كان ينقل من مكانه أيام الموسم ليصان في جوف الكعبة وكانت له قبة من خشب يرفعونها عنه في بعض المواسم ويجعلون بدلها قبة من حديد ويقول الفاسي (20) انه لا يعرف متى جعل المقام ثابتا في القبة ثم يقول وأظن أن القبة التي فوق القبة الحديدية أنشئت في عهد الملك المسعود صاحب اليمن وأنه أول من بناها وقد ذكرنا ذلك في عهد الحسن بن قتادة (21).
ويصف ابن جبير شكل المسجد بما يطول سرده وتجده مفصلا في رحلته ثم يذكر قبة زمزم والقباب التي كانت بجوارها ويتلخص ذلك في أن باب قبة زمزم يتجه الى الشرق وباب قبة العباس وقبة اليهودية يتجهان الى الشمال (22) وهاتان القبتان مخزنان لأوقاف البيت من مصاحف وكتب وشمع وغير ذلك والقبة العباسية كانت سقاية الحاج وهي حتى الآن «في عهده» يبرد فيها ماء زمزم ويخرج مع الليل ليسقي الحاج في قلال يسمونها الدوارق كل دورق منهم ذو مقبض واحد ثم يقول وفي القبة العباسية خزانة تحتوي على تابوت متسع مبسوط وفيه مصحف أحد الخلفاء الأربعة بخط زيد بن ثابت منتسخ سنة ٢٨ من وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. كبير الورقات واسعها ثم يقول وأهل مكة متى أصابهم قحط أو نالهم شدة أخرجوا المصحف وفتحوا باب الكعبة ووضعوه في قبة المقام «داخل الكعبة» واجتمع الناس كاشفين رؤوسهم متضرعين فلا ينفصلون عن مقامهم حتى تكون رحمة الله قد تداركتهم ، ويقول : وفي جانب قبة زمزم الذي يقابل الحجر الأسود مصطبة من الرخام دائرة بالقبة يجلس الناس فيها يشاهدون الكعبة ثم يقول : وتفتح الكعبة كل يوم اثنين ويوم جمعة كما تفتح في كل يوم من رجب وللباب كرسي كبير شبه المنبر له تسع درجات مستطيلة قد وضعت له قوائم من الخشب مطمئنة مع الأرض لها أربع بكرات كبار مصفحة بالحديد لمباشرتها الأرض يجري الكرسي عليها حتى يصل الى البيت (23) وأقول أن هذا يشبه ما نسميه اليوم «بالمدرج» وهو قائم بجوار باب بني شيبة يدفع على بكرات في الأرض الى باب الكعبة اذا فتحت للدخول العام.
__________________
(١) كان يستوفي المكوس وكيل الأمير في عيذاب وهي من شواطىء الصعيد ثم يعلم على اسمه علامة الاداء والا فيمنع من الحج في جدة وربما سجن أو عوقب ـ راجع شفاء الغرام ٢ / ٢٣١.
(2) زال الحوش والقبان في الهدميات الخاصة بتوسعة المسجد الحرام عام ١٣٧٨ ه
(3) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»
(4) رحلة ابن جبير ١٠٤
(5) ابن جبير ١٠٥
(6) المصدر نفسه ٦٩
(7) الفرقعة نوع من الكرابيج يضرب بها في الهواء فتحدث صوتا مدويا
(8) ابن جبير ١١٩ وما بعدها
(9) ابن جبير ١١٥
(10) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»
(11) تاريخ الكعبة للشيخ حسين باسلامه ص ١٧٤
(12) تاريخ الكعبة للشيخ حسين باسلامه ص ١٧٤
(13) رحلة ابن جبير ٥٧
(14) المصدر نفسه ٧٥
(15) الزيديون هم أتباع زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وهم يقولون بإمامة أولاد علي ويجوزون إمامة المفضول على الافضل للمصلحة العامة وكانت الشيعة ترفض هذا المبدأ فسميت كل طوائف الشيعة روافض الا الزيدية وأهم مواطن الزيدية اليوم في اليمن وكان أول من دعي فيها الى مذهب الزيدية هو السيد يحي بن القاسم المرسي جاء الى اليمن في عام ٣٨٠ هجرية واقام في صعدة وملك ما بينها وبين صنعا بعد وقائع عظيمة حاربه فيها عمال العباسيين
(16) رحلة ابن جبير ٧٣.
(17) رحلة ابن جبير ٧٤ وما بعدها
(18) قدمنا ان الفرقعة نوع من الكرابيج يضرب بها في الهواء فتحدث صوتا مدويا
(19) بن جبير ٩٧
(20) شفاء الغرام ١ / ٢٠٤
(21) ويذكر ابن جبير في رحلته ان مقام ابراهيم كان في عهده غير ثابت
(22) ابن جبير ٧٢
(23) ابن جبير ٧٦ وما بعدها