التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
أولاد أبي نمي يتنازعون على امارة مكة
المؤلف: احمد السباعي
المصدر: تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة: ج1، ص 302-312
9-11-2020
1689
أولاد أبي نمي يتنازعون الامارة:
وتنازع الإمارة بعد أبي نمي أربعة من كبار أولاده هم رميثة وحميضة وأبو الغيث وعطيفة ، وقد دام نزاعهم من سنة ٧٠١ الى سنة ٧٣٧ أي نحوا من ست وثلاثين سنة ، انتهى الأمر في نهايتها إلى رميثة.
وفيما نلخص أهم الحوادث عن ذلك :
ما كاد يقضي أبو نمي حتى انقسم القواد والاشراف في مكة الى حزبين ناصر أحدهما حميضة ورميثة وناصر الثاني أبا الغيث وعطيفة ، وقد استطاع الأولان أن يظفرا بالحكم دون الآخرين في العام نفسه ٧٠١ (1).
وعلى أثر هذا الانتصار عمد رميثة وحميضة أصحاب الحكم الجديد الى سجن أخويهما أبي الغيث وعطيفة ، وقد لبث الأسيران فيه مدة ، ثم فرامنه إلى ينبع ، حيث اجتمعا بمن يناصر هما ، وأعدا عدتهما للهجوم على مكة.
وكان قد أوفى شهر ذي القعدة عام ٧٠١ على نهايته عندما أقبل الركب المصري في طريقه إلى مكة برئاسة أميره بيبرس الجاشكير ، وفي صحبته نحو ثلاثين من أمراء المماليك في مصر ، فوجد الأخوان الفاران الفرصة قد سنحت للكيد لأخويهما ، فاتصلا فورا بأمير الركب المصري وطلبا مساعدته لقاء الخطبة للماليك ، فقبل أمير الركب.
وليس ما يمنع أمير الركب المصري من مساعدة الأخوين الفارين وقد وضعا بين يديه الفرصة التي كان المماليك يبحثون عنها ، لهذا تقدم الركب فهاجم مكة بعسكره ، وساعده أبو الغيث وعطيفة على رأس انصارهما ، واستطاعا أن يملكا مكة ويتقلدا امارتها .. وأسر عسكر المماليك حميضة ورميثة وسيروهما الى مصر في صحبة الركب ، فظلا في القاهرة الى سنة ٧٠٣ (2).
وفي هذه السنة نجد أن المأسورين رميثة وحميضة استطاعا أن يقنعا الملك الناصر سلطان المماليك في مصر باستئناف العودة إلى حكم مكة ، وتعهدا له بالدعاء والطاعة ، وقد رضي الملك بذلك ، والمعتقد أنه اعانهما بقوة عظيمة بقيادة نائب السلطنة في مصر «سيف الدين سلار» لأننا نجد الفاسي (3) يذكر في حوادث ٧٠٣ نقلا عن البرزالي أن نائب السلطنة المذكور حج في هذا العام على رأس قوة عظيمة يصحبه خمسة وعشرون أميرا. وقد ذكر ابن ظهيرة عودة المأسورين رميثة وحميضة في هذا العام نفسه إلى الحكم، فنستطيع أن نستنتج من خلال الروايتين أن نائب السلطة في قوته العظيمة اصطحب رميثة وحميضة من مصر ليساعدهما ضد أبي الغيث وعطيفة ويعيدهما إلى مكانهما في الحكم.
وقد هاجمت القوة مكة هجوما عنيفا لاقى فيه أهل مكة والحجاج كثيرا من الشدة واشتبك القتال في عدة مواضع من مكة ، ولم يدم ذلك طويلا ، لأن قوة أبي الغيث وشريكه كانت أضعف من أن تصمد أمام قوة المماليك المهاجمة ، فلم يلبث أبو الغيث وشريكه أن أجليا عن مكة وتولى حكمها أخواهما رميثة وحميضة ، ثم قبض على أبي الغيث وشريكه وأرسلا الى مصر (4).
واصطحب قائد حملة المماليك في هذا العام معه الى مكة عشرة آلاف أردب قمح لتوزيعها على فقراء مكة والمجاورين، وقد وزعها على أثر انتصاراته، كما وزع الأمراء الذين صحبوه من المماليك والأتراك أموالا طائلة على المجاورين في مكة والأشراف، وقد فعلوا مثل هذا في المدينة، وبهذا استتب الأمر من جديد لرميثة وأخيه حميضة، ودانت القبائل لهم في مكة وأمنت الطرق وألغيت بعض المكوس، وبدأت مكة تستقبل عهدا فيه شيء من الطمأنينة ، كما بدأ نفوذ المماليك ينشر ظلمه فيها.
وساعد الأمن على اقبال الحجاج ، فقد توافد الى الحج في السنوات التالية عام ٧٠٤ و ٧٠٥ من حجاج مصر والمغرب وبلاد العراق والعجم عدد لا يحصى (5).
ثم ما لبث أن تغير الأمر وشرع رميثة وحميضة يحدثان بعض المكوس على الحجاج ، فظل العمل جاريا بذلك سنوات حتى قيل أن كثيرا من الحجاج انتقد هذه المكوس ، وأن المماليك في مصر رأوا إلغاءها ، ولكن رميثة وشريكه أبيا إلا أن يظل العمل بها لاستخدامها في مرافق الحكومة واقامة الأمن وتحصين السبل ، أو أنهما شعرا بأن موافقتهما على ابطال المكوس فيه رضاء بتدخل مماليك الأتراك في شؤونهم الداخلية أكثر مما يجب.
ويبدو أن أحداث المكوس بحجة تأمين السبل كان له رد فهل خاص ، فإن الحجاج الذين يدفعون الضريبة لقاء تأمينهم يسيئهم أن يضطرب حبله بأبسط الحوادث ، وقد وقعت بعض حوادث في موسم عام ٧٠٥ كان لها ما بعدها ، فقد اشتبك جماعة من المكيين مع فريق من البدو في «هوشه» بسوق منى ، والظاهر أن بعض المفسدين يحلو لهم استغلال الفتن ليستفيدوا من النهب ، وقد فعلوا ذلك بمناسبة هذه الهوشة فاتصل الخبر بأمير الحج المصري قبل أن يتصل بأصحاب الحكم فرأى أن دفع ضريبة الأمن لا يتفق مع حركات النهب وكأنه أراد أن يؤدب أصحاب الفتنة بسيفه بدلا من أن يحيل الأمر الى صاحب مكة فتطور الحال وتفاقمت حوادثه وانطلق العسكر المصري خلف أصحاب الفتنة فهرب المكيون في الجبال وانطلق معهم جماعة من البدو وسيطر المماليك بقوة سلاحهم وسطا أمير الحج المصري على جماعة من البدو فقدمهم قربانا عوضا عن البدن التي كان يريد أن ينحرها (6).
ولعل حادث الفتنة في هذا الموسم بالاضافة الى اصرار رميثة وحميضة على فرض المكوس ترك أثره في حجاج الشام ومصر وأوغر صدر سلطان المماليك الناصر محمد بن قلاوون فأسرها في نفسه.. وبدأت المواسم التالية قليلة المحصول لقلة الوارد من الشام ومصر وانقطاع العراقيين من سنوات وظل الأمر على حاله تقريبا الى أن رأى الملك الناصر أن يضرب رميثة وحميضة بأخيهما أبي الغيث فأعد عدته للحج وخرج بنفسه على رأس مائة فارس وستة آلاف مملوك على الهجين في عام ٧١٢ فاحتل مكة بعد أن اجلى رميثة وحميضة وولى مكانهما أبا الغيث.
ويبدو أن الأشراف في مكة وكثيرا من سكانها البدو والحاضرة كانوا أميل الى رميثة وحميضة منهم الى أبي الغيث لهذا ما كاد يستقر الأمر لأبي الغيث بسلاح الملك الناصر حتى استأنف الأهالي مناوأته فعانى كثيرا في حكمهم طوال عامي٧١٣ و٧١٤ وفي سنة ٧١٥ التفوا جميعا حول حميضة وهاجموا أبا الغيث فقتلوه وبذلك تم الامر من جديد لحميضة دون شريكه وأخيه رميثة الذي كان غائبا (7).
الخطبة للتتار :
وما كاد يستقر الأمر لحميضة حتى هاجمه أخوه رميثة ففر حميضة ملتجئا بالتتار في العراق واستعان بجيش منهم للهجوم على مكة وبذلك استخلصها من أخيه ثم قام يدعو لهم وكان ذلك في سنة ٧١٨ وقد كبر ذلك على المماليك في مصر فأعانوا عطيفة شريك أبي الغيث فهاجم أخاه حميضة هجوما عنيفا واستطاع أن يستعيد امارة مكة بعد ان قتل حميضة في سنة ٧١٨ (8).
وبقتل حميضة وعودة عطيفة الى الامارة عاد نفوذ الأتراك المماليك الى مكة.
وفي هذا العهد حج الملك الناصر حجته الثانية وذلك في سنة ٧١٩ وقد اصطحب معه نحو خمسين من امراء المماليك وكثيرا من اعيان دولته في الشام ومصر وأنفق فى سبيل الاحسان أموالا طائلة.
وتوالت السنة التى بعدها (٧٢٠) فازدحم الموسم بعدد وافر من الحجاج ويذكر المؤرخون ان هذا الموسم حظى بكثير من اعلام العلماء.
وفى هذا العام أحيا الحجاج سنة كانت متروكة وذلك أنهم صلوا الصلوات الخمس بمنى يوم التروية وأقاموا بها الى أن أشرقت الشمس على ثبيرا (9) وتوجهوا الى عرفة (10).
ولم يذكر السنجاري تعليلا لاجماع الحجاج في هذا العام على احياء هذه السنة بعد تركها والذي أظنه أن اجتماع أكبر عدد من أعلام العلماء في موسم ذلك العام كان له أثر في اجتماع الحجاج على ما فعلوا فقد يكونون تدارسوا الفكرة في مجتمعاتهم بمكة ثم حبذوها واعلنوها في الناس فاتبعها الناس.
ووقف الناس في هذا العام يوم الجمعة دون أن يكون بينهم خلاف وقد كانت تتمة مائة جمعة وقفها المسلمون من عام الهجرة الى ذلك اليوم.
ويقول السنجاري أن الشيخ رضى الدين الطبري إمام مكة كان يقول اني حججت مدة عمري فلم أر أكثر زحاما من هذا الموقف (11).
وحج في عام ٧٢٤ ملك التكرور (12) وكان اسمه موسى فوصل مكة في ١٥ ألفا من اتباعه فتحرش بعض الأتراك بهم فكانت فتنة شهرت السيوف فيها في المسجد ولم يخمدها الا ملك التكرور الذي أمر أتباعه بالكف فكفوا (13).
وأعاد عطيفة الدعاء لسلطان المماليك الناصر محمد بن قلاوون ولعل هذا أساء ملك التتار بالعراق فأراد أن يشتري عطيفة بالأموال والهدايا لأننا نجد في حوادث هذا العام ٧٢٠ أن الركب العراقي حج في أحمال كثيرة من الهدايا والتحف والأموال (14) ولا نشك في أن أوفر نصيب في هذه الهدايا كان من حظ عطيفة كرشوة مقابل الدعاء له الا أنهم لم يظفروا بذلك لان عطيفة يدين بنجاحه في الامارة للملك الناصر في مصر.
وظل عطيفة في حكمه على مكة الى عام ٧٢٨ أو نحو ذلك بعد أن فقد أخاه الشريك أبا الغيث وأخاه الخصم حميضة في سبيل الحكم ولم يبق امامه في الميدان الا أخوه «رميثة» الذي أجلته عن مكة جيوش مماليك الاتراك التي كانت تؤيد الطرف الذي فيه عطيفة على الطرف الذي كان فيه رميثة.
حكم رميثة :
ولم ينم رميثة عن ثأره بالرغم من التأييد الذي كان يلقاه أخوه عطيفة من المماليك بمصر وبالرغم من انشغال التتار ـ بحروبهم الداخلية ـ عن مظاهرته.
لم ينم عنه فقد اعتمد على نفسه وشرع يؤلب القبائل على أخيه ويراسل أشراف مكة الذين ظلت أغلبيتهم الساحقة على ولائهم له كرها لعطيفة وانتقادا لاحتمائه بمماليك الأتراك الذي أضاع كثيرا من استقلال مكة وأفقدها حيوية الحكم.
وقد نجحت أعمال رميثة ضد اخيه واستطاع أن ينتزع منه الحكم حوالي عام ٧٢٩ أو ٧٣٠.
وعلى أثر انتقال الحكم الى رميثة عاد الركب العراقي بالرغم من فتنه الداخلية يواصل مجيئه الى مكة وكان قد امتنع عنها في السنوات التي يحكمها عطيفة وفي هذا ما يؤيد رأينا في تأييد العراق لحكم رميثة.
وينقل الفاسي عن البرزالي عن العفيف الطبري وهو من علماء مكة في هذا العهد أن الركب العراقي حج في عام ٧٣٠ وفي صحبته فيل وقف معهم في جميع مواقف الحج ثم اصطحبوه الى المدينة ولكنه مات قبل ان يبلغها بأقل من مرحلة، الى ان يقول وما عرفت مقصد ابي سعيد بن خربندا (15) من ارسال الفيل مع الركب العراقي (16).
والذي أقوله أنني لا استبعد أن يكون مقصده الضجة والشهرة بما فيهما من اعلان عن العراق وركبه وحكومته وهي وسائل أصبحت اليوم معروفة في الاوساط التي تتفنن في وسائل الاعلان.
وينقل الفاسي (17) عن البرزالي أن جماعة من بني حسن هاجموا مكة في هذا العام ٧٣٠ واشتبكوا مع العراقيين في قتال عنيف لعبت فيه السيوف ودخل لفرسان بخيلهم الى المسجد ونهبت الاسواق وكاد أن يفني الحجاج عن آخرهم والذي اعتقده انها فتنة أرادها عطيفة وأنصاره من بني حسن ضد اخيه رميثة.
ولم يسكت عطيفة عن اخيه رميثة فقد شرع يناوئه بما يجتمع اليه من القبائل ثم ما لبثت أن اشتدت المناوأة في عام ٧٣١ واحتدم بينهما القتال.
ولما وافى الركب المصري في هذا العام كان القتال على أشده بين الأخوين فلم يخرج رميثة لاستقبال الركب على جري العادة ولم يتصل عطيفة بأمير لركب أو يلاقيه ولعله كان مستاءا من قعود مصر عن مناصرته ضد رميثة فعاد امير الركب بعد الحج يشكو الى الناصر قلاوون جفاء الأخوين له ويصف لفتن القائمة في مكة بينهما فكتب الناصر الى الأخوين يطلب حضورهما الى مصر فرفض الاخوان الشخوص اليه واتفقا على الصلح وان يقطعا معا علاقتهما به ولما علم الناصر بذلك شق عليه الامر وأمر بتجريد حملة عسكرية الى مكة تستأصل الأخوين وكل من يلوذ بهما من أشراف بني حسن وقوادهم عبيدهم وأوصى قائد الحملة أن يستحل دم كل من بقي منهم فيها وأن يحرق ادي نخلة (18) حتى لا يدع فيه شجرة مثمرة ولا دمنة عامرة وأن يخرج نساءهم من جميع المنازل في مكة وما حولها.
وكان القاضي جلال الدين محمد القزويني حاضرا في مجلس الناصر فقام يعظه ويذكره بوجوب تعظيم الحرم ويقترح عليه أن يكتب بتأييد رميثة في الحكم وان يمده بقوة عسكرية تساعده على تأمين البلاد فاستحسن الناصر رأيه وانتدب من جنده ستمائة فارس أرسلهم الى مكة مع كتاب تأييد رميثة.
وقد فصل الجند من القاهرة في نصف صفر عام ٧٣١ فوصل الى مكة في العشر الاول من ربيع الآخر ، وبوصولهم ارتاب الأخوان في أمرهم وشرعا يعدان مقاتلتهما للدفاع عن مكة فكتب قائد الجند الى رميثة يخبره بجلية الامر واتصل به من اكد له ذلك وأقسموا له اغلظ الايمان حتى اطمأن اليهم وركب واياهم الى المسجد حيث تقلد خلعة السلطان وتقبل هداياهم ، ثم ما لبث قائد الجند أن عاد الى مصر بعد أن ترك الجند لخدمة رميثة (19)
وقد نقل القلقشندي في صبح الاعشى صورة المرسوم الذى تسلمه رميثة بتأييد امارته وقد جاء فيه : «اقتضت آراؤنا الشريفة أن نقيم رميثة في بلده أميرا مفردا اليه يشار ، وان نصطفيه وأنه عندنا لمن المصطفين الاخيار والإمرة وان كانت بيد غيره هذه المدة فما كان فى الحقيقة أمير عندنا سواه لأنه كبير بيته المشكور من سائر الافواه!!».
وفي ذلك ما يشير الى رأينا في أن الناصر كان يؤيد عطيفة ضد أخيه حتى بدا له أن رميثة أولى بالتأييد لثباته وقوته واجتماع الأهلين حوله كما بدا له أن فى ذلك ضمانا للحيلولة دون انضمام رميثة الى فريق مضاد.
وحج الملك الناصر على اثر هذه الحوادث فى هذا العام ٧٣٢ (20) حجته الثالثة في موكب حافل كان يضم نحو سبعين أميرا من المماليك وجماعة كبيرة من أعيان الفقهاء المصريين ولا ندهش من وفرة عدد أمراء المماليك في مثل هذا الموكب لان الناصر كان لا بد له من أن يحشد هؤلاء في موكبه ليأمن غائلتهم والمعارضين منهم اذا ظلوا في مصر بعد غيابه عنها.
وقد حج في موكبه طائفة كبيرة من اعيان الفقهاء المصرين واستقبل الجميع رميثة استقبالا حافلا فترك الاهلين يخرجون الى خارج مكة احتفاء بمقدمهم ووزع الملك الناصر أعطياته وهداياه حتى شمل ذلك أكثر الأسر والأفراد (21)
وفي سنة ٧٣٤ اتصل عطيفة بمصر ثم جاء بكتاب من الناصر الى أخيه ليوليه نصف الامارة فقبل رميثة ثم عاد فأخرجه منها ثم عاد فقبله بوساطة الناصر ، وظلا على وئام الى سنة ٧٣٦ ثم عادا مرة اخرى الى الخلاف فرحل عطيفة الى مصر وبقي فيها الى ان مات عام ٧٤٣ وبذلك استقر الأمر لرميثة (22).
وفي موسم عام ٧٤١ وقف الحجاج في عرفة يومي الجمعة والسبت تفاديا من الشك (23).
وفي سنة ٧٤٣ حج صاحب اليمن الملك المؤيد ـ الرسولى ـ وحاول مماليك الأتراك في مصر أن يؤثروا في رميثة لضيق على صاحب اليمن في منازله بعرفة ، ولعلهم أرادوا أن يمهدوا بذلك الى اثارة الخلاف بينهما تحاشيا من نتائج الاتفاق بين اليمن ومكة ولكن رميثة كان أفطن من أن يتأثر باقتراحات مصر فقد قابله احسن استقبال ووكل به جماعة من الاشراف والقواد ليقوموا بخدمته ، وقد وزع في مكة اموالا طائلة وحمل اليها هدايا عظيمة ، وأراد أن يترك لنفسه أثرا في مكة فاقترح على رميثة أن يكسو الكعبة ويجدد بابها فأبى رميثة ذلك عليه تحاشيا من أن يتطور الموقف بينه وبين مصر الى حد لا يمكن تلافيه وقد ساء ذلك صاحب اليمن وسافر وهو غير راض عنه بعد الذي كان من اكرامه وخدمته (24).
على أن رميثة وان أغضب صاحب اليمن فانه لم يرض صاحب مصر فقد حفظ عليه الناصر عنايته بصاحب اليمن وانتداب الاشراف لحمايته من المصريين في عرفة.
ويبدو لنا اثر هذه الحفيظة واضحا عندما استدعى الملك الصالح بن الناصر صاحب مصر ابنا لرميثة اسمه عجلان في عام ٧٤٦ واقنعه بنقل الامارة اليه.
ولا يبعد ان عجلان كان يستعير العجلة من اسمه أو أنه أدرك أن أباه قد طعن في السن وأنه اذا تردد في قبول الامارة فسيرشح غيره لها من اخوانه أو أقاربه، لهذا قبل من غير تردد وتعهد للسلطان أن يسوي الامر بنفسه مع ابيه في مكة.
وأعتقد أن شخصا غير عجلان لا يستطيع اقناع ابيه بالتنازل عن الامارة لإصراره على الثقة بنفسه وعناده ولكن عجلان استطاع أن يقنع أباه ليتخلى عن الامارة لقاء ٦٠ ألف درهم يقدمها له كتعويض ، وبذلك ترك رميثة له شؤون الحكم بعد أن دام فيه نحو ٤٥ سنة اعتزل في أثنائها عدة سنوات ثم عاد شريكا في بعض المرات ومنفردا في غيرها ، وكانت مدة حكمه منفردا تضاهي نحو عشر سنوات.
__________________
(1) اتحاف الورى لابن فهد القرشي «مخطوط»
(2 و4) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ٢٤٢
(3) اتحاف الورى لابن فهد القرشي «مخطوط»
(5) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ٢٤٣
(6) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ٢٤٣ وقد اختلفت الروايات عنده فى تاريخ وقوعها بين سنة ٧٠٥ وسنة ٧٠٧. ويقول صاحب درر الفوائد المنظمة انها كانت سنة ٧٠٥ ه
(7) المصدر نفسه
(8) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دخلان ص ٣٠ ويذكر الغازى فى افادة الانام ان حميضة قتل غيلة بيد أحد المماليك الأتراك في سنة ٧٢٠
(9) ثبير ككبير : الأثيرة بمكة كثيرة يطول الحديث عنها. انظرها ج ٢ من معجم معالم الحجاز
(10) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط»
(11) المصدر نفسه
(12) التكرور بلدة في صحراء جنوب افريقيا الشرقي سمي بها اهل المقاطعة ونسميهم اليوم تكارنة
(13) خلاصة الكلام للشيخ أحمد دحلان ٣٠
(14) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ٢٤٤
(15) هو ملك التتار في العراق ، وقد ذكروا ان من عادة التتار أن يتفاءلوا بأول حيوان يدخل وقت ولادة المولود فكان الداخل حمارا ويسمونه «خر» فسموه خربندا.
(16) شفاء الغرام للفاسي ٢ / ٢٤٦
(17) شفاء الغرام ٢ / ٢٤٥
(18) لعله وادى نخلة الشامية ويمتد من وادى فاطمة الى المضيق
(19) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازى «مخطوط»
(20 و23) شفاء الغرام للفاسى ٢ / ٢٤٦
(21) بلوغ القرى لعبد العزيز بن فهد القرشى
(22) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازى «مخطوط»
(24) شفاء الغرام للفاسى ٢ / ٢٤٧