1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : احوال العرب قبل الاسلام : مدن عربية قديمة : مكة :

مكة بعهد الشراكسة

المؤلف:  احمد السباعي

المصدر:  تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع

الجزء والصفحة:  ج1، ص 364-375

15-11-2020

1383

في عهد الشراكسة :

وظل الامر على ذلك حتى تقلص عهد المماليك الاتراك وورث حكمهم في مصر مماليكهم من الشراكسة، شعر شريف مكة احمد بن عجلان بضرورة تأييد علاقته بالحكم الجديد فأرسل وفوده بالتهنئة والهدايا وعرض استئناف العلاقات بشكلها السابق في عهد المماليك الاتراك فارسلت اليه الموافقة ومرسوم التأييد تصحبهما الجرايات والمخصصات.

واستمرت علاقة الشراكسة بمكة على هذا النحو سنوات طويلة ثم اتسع نفوذهم واصبحوا يهيمنون على مقدرات الامارة ويباشرون عزل الاشراف وتوليتهم الا أن الاشراف فيها كانوا لا يتقيدون كثيرا بمراسيم التأييد ، فكان بعضهم يطرد الامير المؤيد بقوة السلاح ويتولى مكانه فلا يلبث ان ينسى الشراكسة تأييدهم السابق ويكتبوا الى خصمه الظافر تأييدا جديدا وقد سجنوا مرة الشريف بركات في مصر ليأمنوا شره على اخيه حميضة ، فلما فر بركات من سجنه واستطاع ان يدخل مكة عنوة بعد ان يطرد اخاه منها لم يبخل الشراكسة بتأييده ونسوا أمر عطيفة.

وقد يعمد الشراكسة الى عزل بعض الامراء فيرفض الامراء ذلك منهم ، وقد شهدنا حسن بن عجلان يرفض عزله ويقابل امير الحج المصري باستعداد المحارب حتى اذا تأكد عدولهم عن عزله يأبى دخول الجيش الشركسي مكة الا بعد أن يجرد من السلاح فيمتثل الشراكسة لذلك.

الا أن علاقة الشراكسة بمكة ما لبثت ان تطورت لان بعض الاشراف كانوا يستعينون بهم على البعض الآخر فاستطاعوا ان يمكنوا لأنفسهم مركزا ممتازا ويلزموا صاحب مكة مقدارا من الخراج يدفعه سنويا كما استطاعوا أن يستولوا على رسوم البضائع كاملة وأن ينتدبوا في عهد بركات بن محمد حامية مكونة من خمسين فارسا تقيم في مكة تحت امارة رجل من الشراكسة اسمه «سودون» ثم ما لبثوا ان أضافوا الى أمير الحامية نظارة المسجد وأدخلوا في صلاحياته شؤون العناية بمرافق الحجاج واقامة المنشآت الخاصة براحتهم وتعمير ما يلزم للمسجد ، وقد اورد القطبي في كتابه الاعلام أن ناظر الحرم في عهده حوالي عام ٨٥٢ كان بيرم خوجه ، ثم يقول : وقد عزل بالأمير برديك عام ٨٥٤ ، ويذكر في موضع آخر ما نصه «أن أمير الترك بمكة الأمير جاني (١) سافر في عام ٨٥٦ ولي عوضه ناظر الحرم التاجي كما ولي منصب الجيش» وقد جاء في مرسومه أنه ولي نظارة الحرم والربط والأوقاف والصدقات وأن يكون محتسبا لمكة.

وبذلك اصبحت مكة في حكم التابع للشراكسة وأصبح يدير شؤون البلاد ومرافق البلاد الهامة أمير منتدب منهم كما أصبح الامراء من الاشراف بتلقون أوامر تعيينهم من ملك الشراكسة واذا تغلب بعضهم بقوة سيفه واستطاع طرد الشريف المغصوب فانه لا يلبث أن يطلب تأييده من الشراكسة الذين لا يبخلون بتأييد المتغلب كما اسلفنا.

 

الناحية العمرانية:

وقد ظل عمران مكة في هذا العهد على ما عرفناه في العهد الايوبي وظل سورها الذي بناه قتادة بن ادريس قائما على حاله ويصفها تقي الدين الفاسي (٢) وقد عاش بها في هذا العهد فيقول انها بلدة مستطيلة كبيرة لها ثلاثة اسوار سور المعلاة وفيه بابان وسور الشبيكة وفيه باب كبير وسور اليمن وهو في المسفلة والسور هنا معناه «سد» بين جبلين لأن مكة تحوطها الجبال من باقي الجهات ووصفها ابن المجاور بما يؤكد رواية الفاسي ولكنه رسم لها خارطة مستديرة على عادته في رسم خرائط المدن وتوجد في كتابه نسخة خطية كتابتها رديئة في مكتبة الشيخ حمد الجاسر بالرياض وذكرها ابن بطوطة في رحلته في هذا العهد عام ٧٢٥ فقال : ان ابواب مدينة مكة ثلاثة : باب المعلاة ، وباب الشبيكة وباب المسفلة (3) وهي نفس الابواب التي ذكرها ابن جبير في عهد الايوبيين ويقول ابن بطوطة انه شاهد بين الصفا والمروة سوقا عظيمة يباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وسواها من الفواكه والساعون بين الصفا والمروة لا يكادون يخلصون لازدحام الناس على حوانيت الباعة (4) ثم يقول وعن يمين المروة دار أمير مكة عطيفة بن ابي نمي ودار رميثة برباط الشرابي عند باب بني شيبة «باب السلام» وتضرب الطبول على باب كل واحد منهما عند صلاة المغرب (5).

وجاء على ذكر الزاهر «الشهداء» فقال أنه رأى دورا وأسواقا وبساتين (6) وأسهب ابن بطوطة في وصف أخلاق المكيين وعاداتهم في هذا العهد فذكر ان افعالهم جميلة وأنهم يؤثرون الضعفاء والمنقطعين واذا صنع أحدهم وليمة بدأ فيها باطعام الفقراء ويستدعيهم بتلطف ويقول أن أكثر المنقطعين يرابطون بجوار الأفران حيث يطبخ الناس خبزهم فيقطعون لكل واحد ما قسم له ولو كانت له خبزة فانه يعطي نصفها أو ثلثها وقال انه شاهد اليتامى الصغار يقعدون في الأسواق وفي أيديهم «القفف» فاذا اشترى الرجل من مكة حاجته أودعها قفة واحد من هؤلاء وأرسله الى بيته ليذهب الى طوافة أو حاجته ويترك الصغير يذهب الى بيته دون ان يخونه فيما آمنه (7) أقول ومما يلفت النظر قول ابن بطوطة «ليذهب الى طوافة» وفي هذا ما يدلنا على الحال السائد يومها في مكة فان الرجل يقضي حاجته من السوق ثم يذهب الى طوافة لا الى مكان أعماله لأن المجتمع كان يستغني في الغالب بما يربحه من عطايا الحجاج أو مكاسبهم عن اعمال الحياة العادية حتى اذا توافر له ذلك يقضي حاجته منها ثم ذهب الى الطواف واعتقد انه لو كان السائد غير هذا لسبق على قلم ابن بطوطة مثلا قوله «وذهب الى اشغاله أو مكان أعماله» الا اذا كان قد اراد بقوله «أو حاجته» نوعا من أعماله وهو ما لا أظنه لأن الاعمال فى مكة كانت نادرة غير متوفرة.

ويمضي ابن بطوطة في ذكر الفضائل التي شهدها اهل مكة في هذا العهد فيقول وأهل مكة لهم ظرف ونظافة في الملابس وأكثر لباسهم البياض فترى ثيابهم ناصعة ساطعة ويستعملون الطيب كثيرا ويكتحلون ويكثرون السواك بأعواد الأراك الأخضر ، ونساء مكة فائقات الحسن رائعات الجمال ذوات صلاح وعفاف وهن يكثرن التطيب حتى ان احداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيبا وهن يقصدن للطواف بالبيت في كل ليلة جمعة فيأتين في احسن زي وتغلب على المسجد رائحة طيبهن (8) ثم يقول وأهل مكة لا يأكلون في اليوم الا اكلة واحدة بعد العصر ويقتصرون عليها الى مثل ذلك الوقت ومن أراد الاكل في سائر النهار أكل التمر ولذلك صحبت أبدانهم وقلت فيهم الامراض والعاهات (9) والذي أقوله أن أكلة العصر هي الأكلة الدسمة ولا بد من وجبة الصبح او الضحى .. ويمضي ابن بطوطة بعد هذا في وصف بعض العادات في مكة كما فعل ابن جبير في رحلته في عهد الأيوبيين فيذكر أنهم يستقبلون هلال رجب بالبوقات والطبول ثم يخرجون في موكب الامير فرسانا ورجالا يلعبون بالأسلحة ويقذفون حرابهم في الهواء ويتلقفونها حتى يعتمروا من التنعيم ثم يعودون الى الطواف والسعي ويذكر الهوادج التي ذكر ابن جبير انها تزدحم في شوارع مكة عليها أكسية الحرير والكتان ثم قال : وأهل الجهات الموالية لمكة مثل بجيلة وزهران وغامد يعنون في رجب ويشاركون أهلها حفاوتهم بالعمرة ويجلبون معهم الى مكة كثيرا من منتجات بلادهم فيعم الرخاء وهم يعتقدون أن بلادهم لا تخصب حتى يبروا مكة بما ينتجون (10).

الحالة الاجتماعية في عهد الشراكسة

ويصف ابن بطوطة هذه القبائل فيقول: انهم فصحاء الالسن صادقو النية يتطارحون على الكعبة داعين بأدعية تتصعد لرقتها القلوب ويتزاحمون عليها حتى يعجز غيرهم عن الطواف معهم ثم قال: وهم شجعان أنجاد ولباسهم الجلود واذا وردوا مكة هلت اعراب الطريق مقدمهم (11) أقول: وقد فقدت هذه القبائل من مزاياها اليوم ولعل ذلك يعود الى كثرة اختلافهم على المدن واستيطانهم لها وامتهانهم فيها بعض الاعمال الصغيرة كالخدمة وما يشبهها وقد أفقدهم ذلك أخلاق القبيلة التي كانوا يعتزون بها كما أن بلادهم اختلطت بأجناس كثيرة من الدخلاء.

واتى ابن بطوطة على وصف احتفالات الأهلين في مكة بشهر رمضان فذكر ما ذكرناه في عهد الأيوبيين عن ابن جبير من تفرق الأئمة في كل زاوية من المسجد لصلاة التراويح وقال إنهم يستقبلون رمضان بالطبول والدبادب ويجددون حصر المسجد ويكثرون فيه الشمع والمشاعل حتى يتلألأ نورا وقال عن التسحير أن المؤذن الزمزمي يتولاه والمؤذنون في المنائر الأخرى يجيبون عليه وذكر قناديل المئذنة التي تطفأ اشارة بالإمساك كما ذكرها ابن جبير (12).

وذكر أصحاب الصناعة الذين اتخذوا مقاعدهم في بلاط المسجد المتصل بدار الندوة كالخياطين وبجانبهم المقرئين والنساخين كما ذكر ابن جبير قبله وأوردناه فى العهد الأيوبي الا أن ابن جبير ذكر بيع البضائع في المسجد من الدقيق الى العقيق ولم يذكره ابن بطوطة (13).

ويبدو أن مماليك الشراكسة كانوا ألصق بحياة مكة من أسيادهم مماليك الاتراك لأن حاميتهم التي استوطنت مكة اتصلت بالأهلين ولعل الأهلين تأثروا ببعض مظاهرهم الخلابة فقد كان جنود الشراكسة يميلون الى الأبهة وكانت أثار الغنى تبدو واضحة عليهم في كل مكان يتركون أثرهم في البيئة التي تحيط بهم.

يقول القطبي أن طائفة من المقدمين في خدمة الشراكسة كانوا يشدون على اوساطهم شدودا مصقولة ويسدلون اطرافها الى أنصاف سوقهم (14) ونحن نرى اليوم صورة هذه الشدود في مكة لدى الأغوات في المسجد في شكل لا يبعد عن الأصل ولا أستبعد أن تكون هذه الشدود استعملت لدى الأعيان في مكة ثم تركت بتداول الايام الا من الأغوات الذين احتفظوا برسمها بل أقدر أن مناطق العلماء التي كانوا يشدونها فى اوساطهم تحت الجبة الى عهد قريب لا تزيد عن صورة ملطفة من شدود الشراكسة.

وفي عهد المماليك تحسنت أحوال البلاد ماديا اذا استثنينا أيام الفتن وفاض الغنى في عهد الشراكسة ونمت الثروات نتيجة لوفرة النقد لدى الشراكسة وحبهم للجود والبذخ شأن أكثر الذين أثروا بعد فقر فكان المتصلون برؤساء العسكر في مكة ينالون من خيراتهم شيئا كثيرا.

وفي هذا العهد زادت المراسيم في قصور الأمراء في مكة عن مثلها في العهد الفاطمي والأيوبي. وأن من بقرأ وصف الاحتفالات التي كانت تتبع في استقبالاتهم يدرك مبلغ الأبهة التي انتهوا اليها في مراسمهم.

ذكر القطبي في الاعلام أن الأمراء كانوا اذا قدم أحدهم من سفر دخل مكة لتأدية النسك ليلا ثم عاد الى الزاهر للمبيت فاذا أصبح الصبح شرعت مراسيم الاحتفالات العظيمة فيمضي موكبه الى المسجد الحرام حيث يستقبله عليه القوم وخدم المسجد شرع في الطواف قام أحد المؤذنين على قبة زمزم «المقام الشافعي» ينشد له بعض الأدعية ويستمر في انشاده حتى يفرغ من طوافه فاذا فرغ وأدى ركعتي الطواف وقف في موكبه في ظل زمزم متوجها الى الكعبة وارتفع صوت من يقرأ مرسوم الولاية ـ اذا كان قدومه لتولي منصبها ـ بين حشد الحاضرين ثم يأخذ الموكب طريقه الى الصفا حيث يمتطي الأمير فرسه أو عربته مارا بأهم شوارع البلدة «ولعله يستعرضها أو يعلن ولايته بمروره فيها» ثم ينتهي بعد ذلك الى قصره ليستقبل وفود المهنئين.

 

الناحية العلمية :

 وظلت البيوت المتخصصة للعلم في مكة على أمرها في عهد الفاطميين والأيوبيين تنشر العلم على طلابها في حلقات عامة في المسجد الحرام وفي بيوتها الخاصة وقد نبغ كثير من طلابهم في هذا العهد فزادت حلقات التدريس عما كانت عليه وأضيف إليهم مثلهم من المجاورين الذين اتخذوا مكة موطنا لهم وشرعوا يبثون علومهم ومعارفهم.

وقد اشتهر من آل ظهيرة القرشي في هذا العهد المشايخ محمد ابو السعود وابراهيم وجمال الدين محمد بن عبد الله وصلاح الدين وعبد القادر عفيف الدين كما اشتهر من آل الطبري (15) شيخ الاسلام ابراهيم بن محمد بن ابراهيم والشيخ رصي الدين وقاضي مكة نجم الدين وزين الدين وشهاب الدين وسيدة من أجلة العلماء في هذا العهد هي أم سلمة بنت المحب الطبري كما اشتهر جماعة من آل النويري كانوا يتداولون امامة المسجد وشؤون الفتوى مع آل الطبري وآل ظهيرة أشهرهم ابو الفضل محمد النويري قاضي مكة وخطيبها وقاضي الحرمين محب الدين النويري واشتهر من غير هؤلاء المشائخ أحمد بن العليف وأحمد الحرازي وأحمد علاء الدين والد العلامة قطب الدين من مؤرخي مكة ، وقد سمي فيما بعد باسم القطبي نسبة الى ابنه قطب الدين كما اشتهر الشيخ تقي الدين محمد بن احمد الفاسي والشيخ نجم الدين ابن فهد وابنه عبد العزيز وثلاثتهم من كبار مؤرخي مكة كما اشتهر الشيخ مجد الدين بن يعقوب الفيروز أبادي صاحب القاموس وقد ألف كتابه القاموس في منزله بمكة بجوار الصفا.

واشتهر عالم مكة الأوحد في هذا العهد الشيخ محمد بن الفقيه وامام

الحنابلة محمد بن عثمان البغدادي وهو نائب القاضي والمحتسب كما اشتهر شهاب الدين بن البرهان وعبد الله بن عمر الصوفي وشهاب الدين احمد بن علي وعبد الحق اليسنباطي وعبد الكبير الحرازي والسيد محمد الخطاب كما اشتهر من المجاورين السيد ابراهيم خرد والمشايخ أحمد الريمي وأحمد الحنبلي وعبد الله بن احمد باكثير ومحمد المشرع اليمني والسيد محمد التريمي وقد عاش بعض هؤلاء العلماء حتى أدركوا أوائل العهد العثماني (16)

وكانت مجالس بعض الأمراء في هذا العهد ندوة لكبار العلماء يتجلى فيها روح البحث العلمي ومن أشهر ذلك مجالس حسن بن عجلان وابنه بركات وحفيده محمد وكانوا من امراء مكة لهذا العهد كما كانوا يمتازون بكفاءة علمية فائقة.

وأسهب الشيخ عبد الله أبو الخير في كتابه نظم الدر في تراجم علماء مكة لهذا العهد وفصل آثارهم ومؤلفاتهم تفصيلا لا يسعه الا مجال التراجم. وقد عثرت على نسخة خطية منه في مكتبة الشيخ عبد الوهاب دهلوي بمكة.

وكان بعض هؤلاء العلماء يتولون قضاء مكة وشؤون الفتوى فيها، كما تولى بعضهم وظيفة المحتسب وهي الاشراف على امور السوق والشؤون العامة وكان المماليك يؤيدون ولاية القاضي في بعض الفترات أو يندبون من مصر من يتولى القضاء وكان الأشراف يعزلون أو يؤيدون القضاة (17)

وعني السلطان قايتباي ـ من ملوك الشراكسة ـ بشؤون التعليم في مكة فأمر في عام ٨٨٢ وكيله التجاري في مكة بالبحث عن منطقة تشرف على المسجد وأن يبني باسمه فيها مدرسة لتدريس المذاهب الأربعة ورباطا لسكنى الفقراء يحوى ٧٢ خلوة للأيتام ويشيد مكتبا للايتام يأوي ٤٠ طالبا وأن يخصص للفقراء واليتامى ما يكفيهم من القمح فاستبدل الوكيل بعض الاربطة بين باب السلام وباب النبي واشترى دارا للشريفة شمسية من بني حسن ثم بنى هناك مدرسة قايتباي المعروفة واتخذ لها منفذا الى المسجد سمي باب قايتباي كما بني فوقها منارة سميت باسمه ثم نظم الدراسة فيها وخصص المرتبات للمدرسين ووقف على ذلك عدة دور في مكة وبعض القرى والضياع في مصر لتنفق غلاتها على المدرسة وكانت تغل في كل عام نحو ألفي دينار ذهبا وكانت غلات الضياع الموقوفة تحمل الى مكة سنويا الى عهد قطب الدين الحنفي في القرن العاشر (18).

ويظن الشيخ باسلامه في كتابه «عمارة المسجد الحرام» أن بعض ملوك مصر المتأخرين استولوا على تلك الاوقاف وادخلوها في ايراد الدولة (19).

وأسس قايتباي خزانة للكتب تحوي كثيرا من المؤلفات ، ويذكر الشيخ قطب الدين ان هذه الخزانة عبثت بها ايدي المستعيرين بمرور الأيام ، وأنه تولى في عهده العهد العثماني الاول ـ أمرها وحاول اصلاح ما امكن من أمرها ، ثم يقول وقد آلت المدرسة الى السقوط على أثر ذلك وصارت نزلا لامراء الحج أيام الموسم ولغيرهم اذا زاروا مكة في أثناء السنة (20).

 

ويقول قطب الدين في الاعلام أن رباط المراغي في عهده هو رباط السلطان قايتباي ثم يقول وباب الحريريين واقع بين مدرسة قايتباي ودار الخوجة بن عباد ، ويريد بباب الحريريين ما كنا نسميه قبل التوسعة باب النبي وكان الحرير يباع في هذا الباب ويسمى احيانا باب القفص لان الصياغ كانوا يعرضون حليهم للبيع في اقفاص بدكاكينهم هناك (21).

وفي هذا العهد ندب سلطان البنغال غياث الدين مندوبا يحمل أموالا كثيرة ووزع بعضها على الفقراء وبنى رباطا ومدرسة لتدريس المذاهب الأربعه وقد بناها بجوار دار أم هانىء وأجرى اصلاحات في عين زبيدة ، كما أصلح البركتين اللتين في المعلاة الى أن جرت عين بازان فيهما (22).

وحج في هذا العهد سلطان المماليك الناصر بن قلاوون فكان في موكبه احواض من حشب زرعت فيها الخضروات والبقول والمشمومات وحملت على الجمال كما كانت في موكبه أفران لاصلاح الخبز والسميد «والكماج» وقد احصيت حمول الشعير في الموكب فبلغت ١٣٠ ألف أردب (23).

_______________

(١) وذكره الطبري في اتحاف فضلاء الزمن «مخطوط»

(٢) شفاء الغرام ١ / ١٠

(3 و 4 و 5 و 6) رحلة ابن بطوطة ١ / ٨٠ وما بعدها

(7) رحلة ابن بطوطة ١ / ٨٠ وما بعدها

(8) رحلة ابن بطوطة ١ / ٩١ ـ ٩٢

(9 و10) رحلة ابن بطوطة ١ / ٩٣

(11) رحلة ابن بطوطة ١ / ١٠٠

(12 و13) رحلة ابن بطوطة ١ / ١٠٠

(14) الاعلام ص ١٢٧ على هامش خلاصة الكلام

(15) الطبرى : نسبة الى طبرستان وليس الى طبرية كما يظن البعض ، وقد تحدث المؤلف عن هذا البيت فيما سبق. انظر الدليل.

(16) نظم الدر للشيخ عبد الله أبو الخير «مخطوط»

(17) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط»

(18) الاعلام للقطبي على هامش كتاب خلاصة الكلام ١٥٣

(19) عمارة المسجد ٧٧

(20 و21) الاعلام للقطبي على هامش خلاصة الكلام «١٥٣»

(22) اتحاف الورى بن فهد القرشى «مخطوط»

(23) الذهب المسبوك للمقريزى ص ١٠٠ وما بعدها

 

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي