التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
مكة في عهد اليمني
المؤلف: احمد السباعي
المصدر: تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة: ج2، ص 397-412
18-11-2020
1609
محمل يمني :
وفي عهد أبي نمى اتخذ اليمنيون محملا لهم وجعلوا يرسلونه الى مكة صحبة الحجاج من اليمن سنويا ويرسلون معه هداياهم، وقد أحدثه والي العثمانيين في اليمن مصطفى باشا النشار (1).
الحسن بن أبي نمى:
واستقل الحسن بأمارة أبيه على أثر تنازله ، فعالج أموره بحزم وقوة ، وكان لا يقل عن كفاءة أبيه ، إلا أنه كان أكثر تسامحا وأوسع عدلا ، وقد حاول أن يخفف من غلواء الأوتوقراطية التي ابتدعها أبوه ، ولكن أصحاب الميزات كانوا قد استمرؤوا ذلك بتقادم الأيام ، وأصبحوا يشعرون أنها حق طبيعي يجب أن يتميزوا به عن عامة الناس ، فذهبت محاولاته عبثا ، وكان العثمانيون في هذا العهد يرون أن من الخير لسياستهم ألا يتعرضوا لسياسة الولاة الداخلية وأن يقنعوا بأسمائهم تتلى على المنابر «وفرمانهم» الذي يوقعون عليه بالموافقة على الأمير المنصوب.
وحسن بن أبي نمى هو أول من كتب في التوقيعات «يجري على الوجه الشرعي والقانون المحرر المرعي» وتبعه على ذلك من جاء بعده من أمراء مكة ، وكان يكتب على «الانهاءات» المعروضات «يجاب على سؤاله زاد الله في نواله» (2) وفي هذا ما يدل على سماحة نفسيته وطيبتها ، وكان يمهر على «الحجة» و «الانهاء» بختمه ويكتب على التقارير اسمه فقط من غير أن يمهر عليهم (3) وقد بنى دارا له أسماها السعادة كانت أمام باب أم هانيء وباب أجياد ، وقد دخلت في توسعة المسجد الجديدة في جنوبه الغربي كما بنى أخوه ثقبة دارا له أسماها الهناء بجوار السعادة من جهة الجنوب (4) وقد ظلت دار السعادة سكنا لذوي زيد كما سكن دار الهناء ذو وبركات وهما فرعان من أولاد أبي نمى.
وفي عهد الحسن فقد مفتاح الكعبة سنة ٩٩٦ من حجر سادنها عبد الواحد الشيبي فوقعت الضجة وأغلقت أبواب المسجد وفتش الناس فلم يظفروا به، وكان مصفحا بالذهب، ثم وجدوه مع أعجمي في اليمن مع مسروقات أخرى في بيت له، فأعيد المفتاح الى مكة (5).
وكان الحسن شديد الفراسة فارط الذكاء.. ذكروا انه وجد حبلا نسيه أحد اللصوص في مكان سرقته، فاستدل من رائحته على أن السارق عطار، ثم ما لبث أن تحرى عن العطار حتى عرفه، وفي مرة اخرى اختصم شامي ومصري في جمل فأمر بذبحه ونظر فرأى مخه معقودا فحكم به للشامي وأمر بتغريم المصري وقال: ان الشاميين يعلفون جمالهم «الكرسنة» وهي تعقد الملخ، أما المصريون فإنهم يعلفونها الفول وهو يعقد الشحم ، ووجد مرة عصا في مكان مال مسروق بالمزدلفة فعرف من شكلها نوع القبيلة فاستحضر جماعة منهم وتحرى عن صاحبها حتى عرفه (6) ولهذا فقد استطاع أن يخيف كل مقدام فاتك حتى ضبط الأمور على أحسن نظام وأشاع الأمن. وفي عهد حسن بن أبي نمى كثر وفود الحجاج وكثر المهاجرون الى مكة والمجاورون فيها فتضاعف عدد السكان، وكان المعروف أن ينادي ولاة مكة على أثر الفراغ من الحج: يا اهل الشام شامكم ويا اهل اليمن يمنكم، فلما تولى ألغي ذلك ورعب الكثير في المجاورة (7).
وكان حسن إلى جانب هذا جوادا وكان يشجع المؤلفين ويمنح الشعراء وقد تربو جوائزه عن الألف. واستمر الأمر في مكة على طمأنينته التي ذكرت نحوا من سبعة عشر عاما شمل فيها عدله طبقات البلاد وعم الأمن جميع البوادي والحواضر حتى كانت القوافل تسير بأموال التجار في عموم البوادي لا يحرسها خفير، وكانت قبل ذلك نهبا للعابثين والفاسدين، واستعان حسن على عادة الأشراف بأكبر أولاده ثم توفي فاستعان بابنه أبي طالب فشاركه الحكم بتأييد من السلطان العثماني (8) ويذكر الغازي (9) من طرائف الحسن أن الشيخ عبد الرزاق الشيبي استأذنه مرة للسفر الى الهند فأنشده بيت الطغرائي المعروف:
فيم اقتحامك لج البحر تركبه
وأنت تغنيك عنه مصة الوشل
فأجابه الشيبي من القصيدة نفسها :
أريد بسطة كف استعين بها
على قضاء حقوق للعلى قبلي
فاستحسن بديهته وأمر له بألف دينار.
وفي سنة ٩٨٦ ه سار الشريف حسن الى نجد في جيش عدته خمسون ألفا فحاصر بعض جهات نجد وقد طال مقامه فيها وقتل فيها رجالا ونهب أموالا وأسر بعض رؤسائهم فأقاموا في سجنه سنة ثم أطلقهم بعد أن دفعوا ما أرضاه وقد أمر فيهم محمد بن الفضل (10).
واستوزر الشريف حسن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتيق الحضرمي (11) وكان من أظلم الناس وأشدهم جرأة على الباطل فأساء ذلك الى الشهرة الطيبة التي كان يتمتع بها أمير البلاد.
واستطاع ابن عتيق أن يوهم الأمير ويحتال لمنزلته عنده حتى وثق به فتسلط على شؤون البلاد وتصرف فى حكمها بما يشاء ، وكان الشريف حسن لا يرد له أمرا ولا يسمع ضده شكوى.
ذكروا انه كان يستأصل أموال الأموات من الأهالي والحجاج فيحرم ورثتهم ، وكان يحتال لذلك بحيل شرعية يستخدم فيها بعض موظفي المحكمة فلا يستطيعون عصيانه ، وكان يجمع لهذا الغرض أختام المتوفين من قضاة مكة ونوابهم ، فإذا قضى أحد الأغنياء في مكة أقام دعواه على تركة المتوفي بدين يستغرق التركة ، وكلف من كتاب المحكمة من يزور له حجة بذلك المبلغ ثم ختم الحجة بأحد الأختام المحفوظة لديه بأسماء القضاة السابقين وأمر عبد الرحمن المحالبي ـ ولعله من كتاب المحكمة ـ أن يكتب اسم القاضي بخطه الى جانب الختم زيادة في الايضاح ثم وقعها بشهادة الشهود وهما في العادة أخواله علي بن
جار الله وعبد القادر بن جار الله ثم تذيل الحجة بعبارة «رسمية» نصها: «تأملت هذه الحجة فوجدتها مسددة» وشهد بذلك محمد بن عبد المعطي الطبري وابن عمه صلاح الدين ابن أبي السعادات الطبري وأحمد بن عبد الله الحنبلي، وبذلك تكتسب الحجة قيمتها الشرعية ويستطيع بموجبها أن يستولي على تركة المتوفي عن آخرها.. وكان بعض الناس يقرأونها ويعرفون أسلوبها في التزوير ولكنهم يعجزون عن أن ينبسوا ببنت شفه (12).
وطلب ابن عتيق من أحد الأروام واسمه خضر أفندي أن يشهد له زورا في دعواه على دار أراد اغتصابها فرفض خضر افندي ـ وكان رجلا صالحا ـ اجابته إلى ما طلب فأسرها في نفسه حتى استطاع أن يسعى ضده في مجلس الأمير وأن يقنعه بمساعيه ضد حكومته وأنه يكتب إلى أمراء الأروام وينسب اليه الظلم والمظالم ثم نصحه بأن يتلافى شروره بابعاده من البلاد حتى استطاع أن يستصدر أمره بالموافقة على ذلك.
ومن ثم بادر بتنفيذه على الفور وأبى أن يرجئه حتى يصفي أملاكه ، وما كاد يفصل عن مكة حتى وضع يده على دوره واستصفى جميع ما فيها لنفسه بعد أن باع أثاثها في مزاد علني ، وقد بلغ ذلك خضر افندي فمات لوقته من هول المفاجأة (13).
وهكذا تأبى أحداث الحياة إلا أن تسيء إلى سمعة رجل لم تظفر امارة مكة بمثله مروءة وعدلا إلا في القليل وأن تهيء له من بطانته من يطوي عهده الناصع بأسوا ما تطوى به الصفحات في التاريخ.
والواقع أن الشريف حسن كان في خلاله النادرة ما يرفعه الى مصاف المشهورين بالغدل والنصفة وما أقلهم في التاريخ إلا أن هذا لا يخليه من مسؤولية البغي الذي كان يرتكبه من استوزره في الحكم واستصفاه لمعالجة أمور الناس.. ولقد كنت اتمنى لو استطعت كمؤرخ ان انتحل بعض الأعذار برا بسيرته الطيبة فأحيل ذلك إلى جبن الرعايا الذين تباطأوا عن تبليغ الحقائق الى الشريف في أوقاتها إلا أن هذا لا يخليه من المسؤولية بحال لأن الشجاع الذي يقوي على مكاشفته بالحقائق سوف لا يأمن عاقبة الوشاية التي ساقت خضر أفندي الى ما ساقته.
وان في المأساة القاسية التي تجرع مرارتها خضر أفندي ما يشير الى أن صلة الشريف حسن برعاياه لم تكن مفروشة بالرمل الناعم بالرغم من محبته للعدل وشهرته به والجريء من رعاياه لا يكفي أن يكون جريئا على المكاشفة إذا لم يظفر بحصانة يأمن معها غائلة الأقوياء.
ولو أعد الشريف حسن رعاياه للمكاشفة وتركهم يجربون حصانته من الغوائل لما عدم النفوس الحية من صفوف بني عمومته الاشراف أو من يليهم من أعيان الأهالي أو عامة الشعب لأن الأحياء من هذا الصنف لا يخلو منهم زمان خصوصا إذا توفرت الحصانة.
إذن فقد كان الشريف حسن مسئولا عن اخطاء من استوزره وانه ليسوؤنا أن نطوي صفحته التاريخية على شيء لا يتفق مع سجاياه العالية وما شاع من شهرته بحب العدل.
ويؤيدنا فيما ذهبنا إليه من أن الشريف حسن لم يترك رعاياه يجربون حصانته إذا كاشفوه أن ابنه أبا طالب ما كاد يتلقى نبأ وفاة أبيه حتى أمر بالقبض على ابن عتيق وارساله الى السجن (14).
وقد كان أبو طالب من أجرأ الناس في رأي من ترجموا له فلا يسكت عن مساوىء ابن عتيق ولا يرجئها الى اليوم الذي يصل فيه الى الحكم الا لانه كان عاجزا عن مكاشفة ابيه وفي عجز الابن ما يعطى ابلغ دليل على مقدار ما يفصل بين الشريف حسن ومن يليه. فضلا عن الرعايا.
وظل الشريف حسن على أمره إلى أن خرج في عام ١٠١٠ ه الى نجد مقاتلا فوافته منيته في مكان من نجد يقال له القاعية على مسافة عشرة أيام من مكة بسير الابل وذلك في ٣ جمادي الآخرة وقد حمل في محفة على البغال الى مكة حيث احتفل بطوافه بالكعبة على عادة الأشراف ودفن بها (15).
وعندما شعر بعض أولاده بدنو أجله في عصر الأربعاء أرسلوا البراذين الى المنازل «المحطات» صوب مكة لتتعاقب كخيل البريد في نقل الجثمان فلما توفي في ليلة الخميس أسرعوا بنقله فلم تنتصف ليلة السبت حتى كانوا قد انتهوا به الى مكة (16).
أبو طالب بن حسن :
وبوفاة حسن كتبوا إلى ابنه أبي طالب وكان متغيبا في المبعوث (17) من قرى نجد فبادر بالتوجه الى مكة وقد وصلها في الليلة التي وصل فيها جثمان والده وحضر الاحتفال بدفنه ثم نودى له بالامارة في مكة.
ومن طريف ما ورد في منشور ولايته ما يأتي : ليعلم كل من كحل بصره باثمد منشورنا الكريم وشنف مسامعه بلآلى لفظه ان امارة تلك المعاهد وما فيها من العساكر وما أحاطت به من الاصاغر والأكابر مفوضة الى السيد الشريف أبي طالب الى أن يقول.
فتح الله له بمفاتح السر كل مغلق من الأبواب ما سقطت من أكف الثريا الخواتم ورقت على منابر الأغصان خطب الأئمة الأكارم (كذا).
وبادر أبو طالب من فوره كما أسلفنا الى القبض على وزير أبيه ابن عتيق وأودعه السجن وغافل ابن عتيق حارسه في السجن وسرق «جنبيته» ليقضي على نفسه فأحس الحارس بذلك فخلصها منه ثم أخبر الأمير بما حدث فأعطاه الأمير «جنبيته» وأمره أن يسلمها لابن عتيق وأن يقول له إذا أردت الانتحار فدونك الجنبية وأرسل بروحك الى جهنم فتسلمها ابن عتيق وقضى على نفسه بيده فنقلوا جثته الى حفرة في طريق جدة دون أن يغسلوها أو يصلوا عليها واجتمع العامة من الناس فشرعوا يرجمونه حتى دفنوه بحجارة الرجم.. (18) وقد هجاه الشعراء وأكثروا في ذلك ومما قاله بعض أدباء مكة في هجوه :
أشقى النفوس الباغية
ابن عتيق الطاغيه
نار الجحيم تعوذت
منه وقالت ماليه
وكان ابن عتيق يسكن بجوار باب العتيق وكان يسمى باب ابن عتيق نسبة له ثم حرفه العامة فسمي باب العتيق ويبدو أن أبا طالب تأثر من أعمال الفضائح التي ارتكبها وزير أبيه وأثرت فيه نتائجها فلم يضع ثقته فيمن استوزره كما فعل أبوه وجعل صلته بالأهلين لا يقف دونها حاجب وبذلك قام باعباء امارته أحسن قيام واستطاع ان يضرب على ايدي العابثين وينشر العدل في أرجاء البلاد واشتهر بين الناس بتدينه وتقواه وتواضعه.
إلا انه لسوء حظ رعاياه لم يعمر طويلا فقد عاجلته المنية في السنة الثانية من حكمه في منصرفه من غزوة له في نواحي بيشة وكانت وفاته في قرية هناك يقال لها العش في ١٠ جمادي الآخرة سنة ١٠١٢ وقد حملوا جثمانه في تخت البغال الى مكة ولما عجزت عن المسير جعلوه في «شبرية» على بعير وبذلك كانت ولايته نحو سنتين (19)
وعندما نذكر أهل الحل والعقد في مكة نرجو ألا يتبادر الى الذهن المعنى الواسع لذلك لأن المفروض أن أصحاب الحل والعقد لم يكونوا سوى أشراف مكة من أقرباء الحاكم وقد كتب الأشراف نتيجة اختيارهم الى الباب العثماني فأقرهم على ما اختاروا، وكان ادريس مهابا وكان له من العبيد ما يزيد على أربعمائة ومن الأتباع العرب جمع كثير.
وكان أخوه فهيد لا يقل عنه وجاهة وأتباعا وكان إذا جلس وقف الترك عن يمينه وشماله وكان قد اتخذ من رماة البنادق عددا كبيرا وكان لا يحفظ أتباعه من النهب والسرقة فكثر ضررهم فكان ذلك سببا للخلاف بينه وبين ادريس وقد يضاف إلى ذلك ظهور فهيد بالمظهر الذي يضاهي به أخاه من حيث الوجاهة وحب التنافس كما قد يضاف سبب ثالث يتلخص في أن فهيدا أراد أن يستعمل لرئاسة الفتوى الشيخ أكمل القطبي فلم يوافقه ادريس على ذلك فاشتد الخلاف (20).
ويبدو أن ادريس من الشخصيات التي تفرض وجودها على من حولها وكان مسموعا (21) فقد ذكروا أن ادريس كان قد اختلف قبل هذا مع ابن أخيه محسن وتركه يخرج الى اليمن مغاضبا وعندما ظهر له أن الاتفاق مستحيل بينه وبين أخيه فهيد بعد محسن. بدا له أن يصلح ما بينه وبين محسن فكتب اليه يسترضيه ويستدعيه ليحل محل أخيه فهيد لقاء ربع المتحصل من غلة البلادوأن يكون لادريس باقي الغلة فقبل محسن ذلك وعاد إلى مكة في عام ١٠١٩ وبعودته غادرها فهيد الى بلاد الترك حيث التجأ بالعثمانيين. ولكن العثمانيين أبوا أن يتدخلوا في الأمر فأقام فهيد بينهم فيما يشبه المنفى إلى أن توفي عام ١٠٢١ (22).
واستمر ادريس على أمره سنوات وقد غزا بعض بلاد الشرق ووصلت جيوش له إلى الاحساء وضربت خيامها أمام بابها القبلى واجتمعوا هناك ببعض بني عمومتهم المغاضبين من أولاد عبد المطلب فصالحوهم وقد أحسن استقبالهم والي الاحساء من قبل الترك ودعاهم الى الضيافة أياما فاعتذروا وعادو (23) ثم بدأ الخلاف يدب بين ادريس وشريكه محسن ولحظ بعض الأشراف من بني عمومته ان ادريس يتجنى كثيرا على ابن اخيه محسن ولا يحترم له رأيا فاجتمعوا على نصرة محسن ضد عمه وتزعم هذا الاجتماع ابن عم له من كبار الاشراف واصحاب الرأي فيهم هو احمد بن عبد المطلب بن حسن فكانت الثورة ضد ادريس.
وقد قيل ان من أسباب الثورة ضد ادريس أن عبيده كثرت مطالبهم وأن وزيره أحمد بن يونس لم يكن منصفا وأن الشريف ادريس كان متغافلا عما يحدث وأن الشريف محسن حاول أن يفتح عيون عمه على ما يقع فلم يطفر بطائل فنشبت الثورة وأعلن القتال.
وشوهدت جموع الأشراف تغص بها الشوارع وقد ركبوا في خيلهم وعبيدهم ينادون بسقوط ادريس وتنصيب محسن ومضى أحمد بن عبد المطلب في طليعة الثائرين شاهرا سيفه مهددا مخالفيه من أنصار ادريس وأشايعه وقد ظل القتال يوما كاملا عم فبه الاضطراب جميع أنحاء مكة إلا أن الصلوات كانت تقام جماعة في المسجد الحرام في أوقاتها وظلت أكثر الأسواق على حالها لم تغلق حوانيتها (24).
محسن بن الحسين:
ودخلت عليه أخته زينب على أثر هزيمته وهو حزين يائس فقالت له لا محل للحزن ما دام الأمر لم يخرج عن بن أخيك فاقتنع برأيها وأرسل يطلب الصلح وأن يمهلوه في الخروج الى شهرين في مكة وأربعة أشهر في البادية فقبلوا وقد خرج بعد المهلة بعد أن طاف طواف الوداع في محفة لشدة مرضه كان ذلك في محرم عام ١٠٣٤ ثم كتبوا الى الباب العثماني بما جرى وطلبوا تأييد محسن فجاءت الموافقة بذلك.
وعاش ادريس بعيدا عن مكة نحو شهرين في مكان يسمى ياطب (25) عند جبل شمر ثم توفي (26) وكانت امارته في مكة ٢٢ سنة ولما وصل خبر وفاته الى مكة أمر الشريف محسن باعلان صلاة الغائب عليه في المسجد الحرام.
تعسف :
وفي هذا العهد كانت خطبة عيد الفطر للامام زين العابدين الطبري وهو من الأئمة الشافعية وكان المتبع أن يعد الخطيب «سماطا» (27) في بيته لاستقبال رواده بعد صلاة العيد مباشرة فلما تأهب لهذا في آخر يوم من رمضان وافى نبأ مستعجل من دار الخلافة بنقل الخطبة إلى أئمة الحنفية وهو المذهب الشائع في سائر بلاد الترك وقد اتصل النبأ بوالد زين العابدين فحاول المراجعة قبل أن يبلغ الخبر ابنه فلم ينجح وعندما عاد إلى داره مساء ذلك اليوم كان ابنه قد أعد لكل
شيء عدته فلما أخبره بالأمر شهق شهقة فاضت فيها روحه وهكذا اعتلى خطيب الحنفية المنبر بينما كان جثمان خطيب الشافعية في نعشه على خطوات منه ينتظر صلاة الجنازة (28) وهكذا يتعسف الحكام في سبيل نصرة مذهبهم.
وظل محسن على أمره في مكة نحو ثلاث سنوات ويبدو أنه كان ضعيف الارادة رقيق الحاشية يميل الى السلم ومصانعة الأمور اكثر مما يميل الى سياسة الشدة والحزم.
ذكروا أن واليا تركيا وصل إلى جدة في عهده في طريقه الى مقر عمله في اليمن فغرق مركبه بالقرب من شاطىء جدة فطلب الى نائب الشريف محسن في جدة أن يندب له بعض الغواصين لانتشال بعض أمواله فندبهم فلم يظفروا في غوصهم بما يذكر فظن التركي أنه أوعز اليهم فعمد الى نائب جدة فشنقه ولا يجرؤ موظف تركي على مثل ما فعل لو كان محسن في مثل شكيمة اجداده.
واستغل احمد بن عبد المطلب ـ قائد الثورة التي أجهز بها على ادريس بالأمس وساعد بها محسنا ـ ضعف سياسة محسن وطيبته فأخذ يهيمن على سياسة الحكم ويجعل من محسن الأمير المنصوب مطية الى مراميه البعيدة إلا أن الأمر لم يدم اكثر من ثلاث سنوات لأن بني عمومتهم من الأشراف بدأوا يوقظون في محسن أحاسسه الغافية ويستثيرونه ضد أعمال أحمد حتى تنبه وجدانه للأمر وأعلن استقلاله بآرائه فشعر أحمد بحاجته إلى الشدة التي تعيد الأمور الى نصابها فما كاد يبدأ حتى تفاقم الأمر.
وفي هذه الأثناء كانت حادثة الوالي التركي في جدة قد حدثت وانتهت بجرأته على شنق نائب الأمير محسن فيها فأراد الشريف أحمد أن يستغل ذلك إلى أبعد حدود الاستغلال فركب الى جدة واتصل بالوالي التزكي وأغراه بالاعلان في الأسواق بأن لديه أوامر من الخليفة بعزل محسن وتنصيب أحمد فلم يتردد وثار القلق فتوجه محسن في اعوانه الى جدة لملاقاة الثائرين وما كاد يترك مكة حتى ثار خلفه الشريف مسعود أحد اولاد سلفه ادريس ليثأر لأبيه ولعله كان متفقا مع أحمد على الثورة فلما بلغ محسنا ذلك ترك أمر جدة وعاد الى مكة فنشب القتال بينه وبين مسعود فيها إلا أن أعوانه ما لبثوا أن أدركوا أنهم سيكونون محصورين بين عدوين في مكة وجدة ، وصكت آذانهم أصوات المدافع آتية من جيش أحمد وراءهم فتفرقوا عن محسن فماعتم أن فر الى اليمن تاركا مكة وذلك في عام وقد مات بها بعد عام من وصوله اليها ودفن بصنعاء واتخذت له قبة تزار هناك (29).
احمد بن عبد المطلب :
ودخل الشريف احمد بن عبد المطلب مكة ظافرا يوم الأحد ١٧ رمضان من السنة نفسها ١٠٣٧ ونادى بنفسه اميرا عليها ثم كتب الى الخيفة العثماني بذلك فوافاه التأييد.
واستمر الأمير الجديد «أحمد بن عبد المطلب» سياسة العنف التي جرى على سننها في ثوراته وبدا له أن بعض المكيين يميلون إلى سياسة سلفه فاشتط في معاملتهم وأذاقهم ألوانا من عذابه فسجن ونفى وقتل في سبيل تأييد مركزه (30).
_______________
(1) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط».
(2 و 3 و 4 و 5) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازى «مخطوط».
(6) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٥٧.
(7) المصدر نفسه.
(8) افادة الانام «مخطوط».
(9) المصدر نفسه.
(10) افادة الأنام وعنوان المجد فى تأريخ نجد ط ٢ ج ١ ص ٣٢.
(11) لم اطلع فيما قرأت عن وظيفة الوزارة فى مكة قبل عهد حسن هذا ولعلها من أحداثه.
(12) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازى «مخطوط».
(13) تاج تواريخ البشر للحضراوى «مخطوط».
(14 و 15) افادة الانام «مخطوط»
(16) لعل المكان الذى مات فيه حسن هو (أفاعية) وهو مكان قرب السوارقية يبعد شمال شرقي مكة على قرابة سبع مراحل ، أما القاعية فانها تبعد عن مكة قرابة ٥٩٠ كيلا ولا يمكن ان تقطع هذه المسافة خلال يومين. ويلاحظ أن الاسم فى الطبعات السابقة كان (فاعية).
(17) واد فيه زراعة ومياه تجتمع فيه أودية العرج وشرب والمهيد، وهي أسافل أودية الطائف، تقطعه طريق الطائف الى الرياض على قرابة ٦٠ كيلا. (معجم معالم الحجاز) (ع) وليس هو من نجد.
(18) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٦٢
(19) خلاصة الكلام ٦٢.
(20) خلاصة الكلام ٦٢.
(21) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط».
(22) افادة الانام «مخطوط».
(23) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٢٥.
(24) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٢٥.
(25) من المياه المحيطة ببلدة حائل ، وهو من مياه طىء المشهورة (صحيح الأخبار لمحمد بن بليهد ج ٤ ص) ٢٤٨
(26) عنوان المجد في تأريخ نجد ج ١ ص ٣٥ ط ٢.
(27) السماط هو ما يبسط ليوضع عليه الطعام.
(28) منائح الكرم للسنجارى «مخطوط».
(29 و 30) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط».