علم الحديث
تعريف علم الحديث وتاريخه
أقسام الحديث
الجرح والتعديل
الأصول الأربعمائة
الجوامع الحديثيّة المتقدّمة
الجوامع الحديثيّة المتأخّرة
مقالات متفرقة في علم الحديث
أحاديث وروايات مختارة
الأحاديث القدسيّة
علم الرجال
تعريف علم الرجال واصوله
الحاجة إلى علم الرجال
التوثيقات الخاصة
التوثيقات العامة
مقالات متفرقة في علم الرجال
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
اصحاب الائمة من التابعين
اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني
اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث
علماء القرن الرابع الهجري
علماء القرن الخامس الهجري
علماء القرن السادس الهجري
علماء القرن السابع الهجري
علماء القرن الثامن الهجري
علماء القرن التاسع الهجري
علماء القرن العاشر الهجري
علماء القرن الحادي عشر الهجري
علماء القرن الثاني عشر الهجري
علماء القرن الثالث عشر الهجري
علماء القرن الرابع عشر الهجري
علماء القرن الخامس عشر الهجري
حجيّة مراسيل الشيخ الصدوق.
المؤلف: أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
المصدر: قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة: ج2، ص 33 ـ 41.
2023-04-29
2018
حجية مراسيل الصدوق (قدس سره) (1):
كتاب (من لا يحضره الفقيه) للشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي (رضوان الله عليه) من أهم جوامع الحديث عند الإمامية، ولكنّه يشتمل على عدد كبير من المراسيل قيل إنها تزيد على ثلث الأحاديث الواردة فيه (2)، وقد ذهب جمع من الأصحاب إلى حجيتها على قولين:
(الأول): حجيتها مطلقاً، وهذا ما يظهر من غير واحد، منهم الشيخ البهائي حيث قال بعد إيراد بعضها: إنه من مراسيل الصدوق في كتاب (من لا يحضره الفقيه)، وقد ذكر (رحمه الله) أن ما أورده فيه فهو حاكم بصحته ومعتقد به حجة فيما بينه وبين الله تعالى، فينبغي ألّا تقصّر مراسيله عن مراسيل ابن أبي عمير وأن تعامل معاملتها ولا تطرح بمجرد الإرسال (3).
(الثاني): حجية ما كان مسنداً منها إلى المعصوم بصيغة جزمية دون غيره، وهذا ما ذهب إليه السيد المحقق الداماد (قدس سره) حيث علّق على كلام من استدل على حجية المرسل مطلقاً بأنه لو لم يكن الوسيط الساقط عدلاً عند المرسل لما ساغ له إسناد الحديث إلى المعصوم.. علّق بقوله: (إنما يتم ذلك إذا كان الإرسال بالإسقاط رأساً والإسناد جزماً كما لو قال المرسل: (قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ) أو: (قال المعصوم (عليه السلام) ذلك)، وذلك مثل قول الصدوق عروة الإسلام (رضي الله عنه) في الفقيه: قال (عليه السلام) : الماء يطهِّر ولا يطهَّر، إذ مفاده الجزم أو الظن بصدور الحديث عن المعصوم فيجب أن تكون الوسائط عدولاً في ظنه وإلا كان الحكم الجازم بالإسناد هادماً لجلالته وعدالته) (4).
وقد ارتضى هذا التفصيل المحقق النائيني والسيد الأستاذ في بعض دوراته الأصولية وغيرهما (5) (قدّس الله أسرارهم).
ولكن ما ذُكر في تقريب كلا القولين ضعيف:
أما الأول فلأنه ليس مبنى حكم الصدوق (قدس سره) بصحة أحاديث كتابه هو وثاقة الوسائط بينه وبين المعصوم (عليه السلام) في كل واحدٍ منها ــ كما سيأتي توضيحه (6) ــ بل مبناه ما حصل له من الاطمئنان بصحتها بمقتضى الشواهد والقرائن على اختلاف أنحائها، فلا يصح قياس مراسيله بمراسيل ابن أبي عمير التي مبنى حجيتها ــ كما صرح به الشيخ الطوسي (قدس سره) ــ هو كونه ممن عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة.
وأما الثاني فلأنّ جزم الصدوق أو اطمئنانه بصدور الرواية من المعصوم (عليه السلام) يجوز أن يكون مستنداً إلى أمر اجتهادي ــ كما أشير إليه آنفاً ــ فلا يقوم حجة على غيره.
هذا ويمكن تقريب القول الثاني المذكور مبنياً على أمرين:
(أحدهما): أنّ إخبار الشيخ الصدوق بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال كذا وإن لم يحتمل أن يكون إخباراً حسياً، للفاصل الزمني بينه وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن يحتمل أن يكون منتهياً إلى الحس بأحد وجهين..
(أ) أنه بلغه على سبيل التواتر في جميع طبقات الرواة، وهذا محتمل جداً في بعض الأخبار كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((حفّوا الشوارب واعفوا اللحى)) بالنظر إلى وروده من طرق كثير من رجال العامة.
(ب) أنه وصله عن طريق ثقة عن ثقة، والخبر المنقول بطريق الثقات في
جميع الطبقات وإن كان حدسياً في الحقيقة، لأن كبرى حجية خبر الثقة كبرى اجتهادية نظرية، ولكن حيث إنها مما ثبتت ببناء العقلاء فيكون الخبر المبني عليها ملحقاً بالخبر الحسي، وأما صغرى كون الراوي الفلاني ثقة
فهي وإن كانت اجتهادية بالنسبة إلى قسمٍ من الرواة إلا أنها غير اجتهادية بالنسبة إلى قسم آخر للاتفاق على وثاقتهم، ويحتمل أن يكون الثقة الراوي للخبر من هذا القسم الثاني.
ولمثل هذا الوجه الثاني اعتمد السيد الأستاذ (قدس سره) على توثيقات الرجاليين لمن لم يكونوا من معاصريهم (7).
(ثانيهما): أن بناء العقلاء قائم على أن الإخبار في الأمور الحسية إذا شك في كونه مستنداً إلى الحسّ أو الحدس يعامل معه على كونه مستنداً إلى الحس.
مثلاً: إذا أخبر أحد عن مجيء زيدٍ أو أنه قال كذا، واحتمل اعتماده في ذلك على غير حاسة البصر في المجيء وغير حاسة السمع في القول ــ بأن اعتمد على بعض القرائن والمناسبات ــ يبنى على كون خبره عن المجيء والقول حسياً، وكذلك إذا أخبر أن النبت الكذائي زكي الرائحة والطعام الكذائي طيب الطعم والنسيج الكذائي خشن الملمس فإنه يبنى على كون إخباراته حسية لا حدسية.
وبضم هذا الأمر إلى الأمر الأول ينتج صحة الاعتماد على مراسيل الصدوق (قدس سره) وغيره من الأكابر إذا كانت بصيغة جزمية لا بصيغة (روي) ونحوها.
ولكن يمكن مناقشة التقريب المذكور من عدة وجوه:
1 ــ إنّ تفريق الصدوق (رحمه الله) في مراسيله باستخدام الصيغة الجزمية للانتساب في بعضٍ منها دون بعض لا يبتني على أساس أن القسم الأول قد وصل إليه بطريق التواتر أو مروياً عن الثقات بالاتفاق دون القسم الثاني، بل التفريق المذكور مبني على ضرب من التفنّن في التعبير.
والوجه في ذلك:
أولاً: النقض بمسانيده (قدس سره)، فإنه يفرّق فيها أيضاً بمثل ذلك، فيقول تارة: (روى العلاء عن محمد بن مسلم) (8) ويقول تارة أخرى: (روي عن العلاء عن محمد بن مسلم) (9) مع أن السند إلى العلاء واحد في المشيخة (10)، وهكذا بالنسبة إلى الكثير من الرواة الآخرين كما يُعلم بالتتبع.
وثانياً: أنه توجد في الفقيه مئات المراسيل المروية بصيغة جزمية، ومن المؤكد أن جميعها لم تصل إلى الصدوق (قدس سره) بطريق التواتر أو بطريق الثقات بالاتفاق، ويتضح ذلك بمقارنة ما ورد منها في المصادر الأخرى كالكافي والتهذيبين، فإنه يلاحظ ورود جملة منها في الكافي ــ مثلاً ــ بمثل ما وردت فيه الأحاديث الأخرى من حيث صحة السند أحياناً وضعفه أو إرساله أو نحو ذلك من العلل في أحيان أخر، ولا يحتمل أن تكون تلك المراسيل قد تيسّر للصدوق الاطلاع على طرق لها متواترة أو مشتملة على الثقات بالاتفاق ولم يتيسّر ذلك للكليني وهو الأقدم منه والأوسع اطلاعاً وتتبعاً.
والحاصل: أنّه لا ينبغي الشكّ في أن التعابير المستخدمة في الفقيه من قوله: (روى أو روي أو في رواية ونحو ذلك) ليس الاختلاف بينها إلا من جهة التفنن في التعبير لا من جهة عناية الصدوق (قدس سره) في كون المروي بلفظ: (روى أو سأل أو قال) ونحوها مرويّاً بالتواتر أو بطريق الثقات بالاتفاق في جميع الطبقات.
2 ــ إنّ ما ذُكر في الأمر الأول من أنّ الخبر المروي بطريق الثقات بالاتفاق ملحق بالخبر الحسّي غير تام، إلا بناءً على حجية خبر الثقة ببناء العقلاء، وأما على القول بحجية الخبر الموثوق به خاصة ــ كما هو الصحيح وعليه معظم القدماء ومنهم الصدوق (رحمه الله) (11) ــ أو على القول بحجية خبر الثقة تأسيساً في الشرع الحنيف بدلالة النصوص عليها كما قال به بعضٌ فلا يتمّ الإلحاق المذكور كما هو واضح.
3 ــ إذا صح ما ادعي من بناء العقلاء على اعتبار الخبر حسّياً إذا كان وارداً في الحسّيات ما لم يثبت خلافه فإنما يصح ذلك فيما إذا احتمل كونه بلا واسطة، وأما الخبر مع الواسطة المحتمل انتهاؤه إلى الحسّ بنقل ثقة عن ثقة فلا تصح دعوى بناء العقلاء فيه على ذلك.
والوجه فيه: أنه بناءً على حجّية خبر الثقة ببناء العقلاء فالحجة عندهم أمران: خبر الثقة والخبر الموثوق به، وبالأحرى الوثوق الحاصل بصحة الخبر من خلال القرائن والمناسبات، وحيث إنه ليس بناء الناس في اخباراتهم عن الوقائع التي لا تكون محسوسة لهم الاعتماد على خصوص خبر الثقة بل في كثير من الأحيان يعتمدون على الخبر الموثوق به وإن لم يثبت وثاقة راويه فلا وجه لحمل الخبر على كونه عن طريق الثقات ليكون ملحقاً بالخبر الحسّي.
هذا مضافاً إلى أن وثاقة الوسائط لا تكون في الغالب واضحة تماماً وموضعاً للاتفاق، فكم من رجلٍ ثقةٍ عند كثيرين قد طعن فيه جمعٌ قليل، ودعوى بناء العقلاء في الخبر المروي مرسلاً بطريق الرواة الثقات على كون جميع رواته من الثقات المعروفين بالوثاقة بحيث لا يكون مجال لأحدٍ للطعن فيهم حتى فيما شك في كونهم من هذا القبيل دعوى باطلة لا شاهد عليها في بناء العقلاء أصلاً.
4 ــ إنه لو سُلّم أن بناء العقلاء على معاملة مثل هذا الخبر معاملة الخبر الحسّي ولكنه لا يزيد في كل الأحوال على كونه خبراً مرسلاً، ويحتمل أن يكون في الوسائط رجل مطعون عليه من طريقٍ آخر، فكيف يمكن نفي هذا الاحتمال والاعتماد على الخبر، نظير ما لو قال: حدثني الثقة، ولم يسمّه فإنّه يواجه الإشكال نفسه.
وقد يجاب عن هذا الوجه من جهتين:
أحدهما: أنّ الشهادة المعاكسة لا تمنع بوجودها الواقعي عن حجية الشهادة بالوثاقة بل بوصولها وهو مفروض العدم، فإن الموجب لسقوط إطلاق دليل الحجية عن الشمول للمتعارضين ينحصر في حكم العقل بامتناع جعل الحجية لهما، ومن المعلوم أن الممتنع إنما هو جعل الحجية لهما مع وصولهما إلى المكلف وأما مع وصول الشهادة بالوثاقة فقط دون الشهادة بنفيها فلا مانع من أن يشملها دليل حجية شهادة العادل.
ثانيهما: أنّه لو سُلّم أنّ الشهادة المعاكسة بوجودها الواقعي تمنع من ثبوت الحجّية للشهادة بالوثاقة إلا أنه يمكن نفي وجود الشهادة المعاكسة بالأصل، نظراً إلى أن الموضوع للحجية مركب من أمرين: وجودي وهو الشهادة بالوثاقة وعدمي وهو عدم المعارض الملحوظ على نحو العدم المحمولي، فبأصالة عدم المعارض يلتئم الموضوع المركب ويترتب حكمه.
ولكن هذا الجواب غير تام:
أمّا ما ذُكر في الجهة الأولى فلأنه يمكن أن يقال: إن التنافي قائم بين شمول دليل حجية شهادة العادل للشهادة المثبتة والنافية بغض النظر عن وصولهما إلى المكلف، لأن شمول دليل الحجية للشهادةِ بوثاقة فلان يعبر ــ بلحاظ ما كان وسيطاً في روايته من الأحكام الإلزامية ــ عن اهتمام الشارع المقدس بملاكات أحكامه الإلزامية، وشموله للشهادة بعدم وثاقته يعبر عن عدم اهتمامه بها، ولا يمكن الجمع بين الأمرين، فليتأمل.
وأما ما ذكر في الجهة الثانية فلأن الدليل على تقييد موضوع الحجية بعدم المعارض إنما هو دليل لبّي فلا يتعين أن يكون العنوان المأخوذ فيه على النحو المذكور ليتسنى الرجوع إلى الأصل العدمي عند الشك في وجود المعارض، بل يجوز أن يكون على نحو آخر بأن تكون الحجة هي الشهادة بالوثاقة غير المعارضة بغيرها على نحو العدم النعتي، وبناءً عليه لا يمكن الرجوع إلى الأصل حتى على القول بجريانه في الأعدام الأزلية لكونه مثبتاً في المقام.
نعم يمكن أن يقال: إنّ بناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال وجود المعارض مما يكشف عن كون الموضوع لجعل الحجية مأخوذاً على نحو يمكن إحرازه بأصالة عدم المعارض، فتأمل.
ولكن القدر المتيقن من بناء العقلاء على ذلك ما إذا لم تكن الشهادة بالوثاقة في معرض الابتلاء بالمعارض وإلا لم يؤخذ بها إلا بعد الفحص عن المعارض والتأكد من عدمه، وعلى ذلك لو أخفى الشاهد بالوثاقة هوية المشهود له بها بحيث تعذر الفحص عن وجود المعارض لشهادته لم يعتمد عليها، ومن هنا لو أشار عدل إلى جمع وفيهم بعض المطعونين قائلاً: (إن شخصاً من هؤلاء وأشهد بوثاقته قال: كذا) لم يؤخذ بشهادته بالوثاقة إلا أن يعلم أن الموثق ليس ضمن من ورد الطعن فيهم من طريق آخر.
فالنتيجة: أنّ الشهادة بوثاقة الراوي غير المعلوم بشخصه ممّا لا يمكن الاعتماد عليها مع احتمال كونه ممن ورد الطعن عليه من طريق يعتمد عليه.
هذا ولكن التحقيق أنّ هذا الوجه الرابع للإشكال وإن كان صحيحاً في حدّ نفسه إلا أنه غير تام في محل الكلام، لأنه بعد البناء على كبرى معاملة الخبر الوارد في الحسيات معاملة الخبر الحسي وإن احتمل كونه حدسياً على سعة هذه الكبرى وإطلاقها لا وجه للمناقشة من جهة كون الخبر مرسلاً.
والوجه في ذلك: أن مقتضى الكبرى المذكورة أن الخبر الواصل مع الواسطة قد وصل إما بطريق التواتر أو بطريق الثقات بالاتفاق، ومتى بني على ذلك فلا معنى للمناقشة في حجية مثل هذا الخبر بالإرسال لاحتمال كون بعضهم مطعونين.
وبالجملة: إنّما تصح المناقشة بما ورد في الوجه الثالث من أنّه ليس بناء العقلاء على معاملة الخبر مع الواسطة معاملة الخبر الحسي مطلقاً، وأمّا مع القبول بهذه الكبرى على سعتها فلا مجال للمناقشة في المورد بالإرسال، فلاحظ. فظهر من جميع ما تقدّم أنّ ما ذهب إليه جمع من حجية مراسيل الصدوق وأضرابه إذا كانت بصيغة جزمية في النسبة إلى المعصوم (عليه السلام) ممّا لا يمكن الموافقة عليه، والله العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ