التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
(رومع-روي) الكاهن الأول ل (آمون)
المؤلف: سليم حسن.
المصدر: موسوعة مصر القديمة.
الجزء والصفحة: ج6 ص 463 ــ 471.
2024-08-20
502
تدل كل الوثائق التي في متناولنا حتى الآن على أن خلف «باكنخنسو» المباشر على كرسي الكاهن الأول للإله «آمون» هو «رومع-روي»، ولا بد أنه تسلم مهام وظيفته في نهاية حكم «رعمسيس الثاني»، وبقي يشغلها حتى عهد «سيتي الثاني». والآثار التي نستقي منها معلوماتنا عن الكاهن الأعظم «رومع-روي» أصبحت الآن عديدة (راجع Hist. Des Grands Pretres p. 256 ff).، وتقدم لنا وثائق غاية في الأهمية. وقبل أن نتحدث عن تاريخ حياته وأعماله؛ يجب أن نحل اللغز الذي حيك حول اسمه؛ إذ كان من المعترف به حتى زمن قريب جدًّا أنه توجد شخصيتان متميزتان، وهما: الكاهن الأول «رومع»، والكاهن الأول «روي»؛ وقد حاول أصحاب هذا الرأي أن يوجدوا بينهما علاقة الابن بالأب. ولكن السؤال المهم هنا هو: من كان الأب، ومن كان الابن منهما؟
ومن المدهش أن المتون في ظاهرها لم تضع حدًّا فاصلًا لهذه المسألة؛ مما خلق مادة لمناقشة علماء الآثار في هذا الصدد، كالتي يخلقها علماء الكلام والفقهاء لأمر تافه، فقد ظن «مسبرو» أن «روي» — وهو الأب على حسب رأيه — عاش في عهد «مرنبتاح»، وأن ابنه «رومع»، كان في عهد «سيتي الثاني» (راجع Momies Royales p. 666)، وكذلك يعتقد «لجران» أن «روي» كان والد «رومع» (راجع Rec. Trav. (1905), XXVII, p. 72)، وعلى العكس من ذلك نجد أن «فرشنسكي» قد وضع قائمته بأسماء الكهنة العظام للإله «آمون»، وقرر فيها أن «رومع» هو الابن، وأن «روي» هو الأب، وقد اتبع هذا الرأي «برستد« (Br. A. R. III, § 618)؛ ولذلك يعتقد أن «رومع» عاش في عهد «رعمسيس الثاني»، وأن «روي» ابنه كان في عهد «مرنبتاح»، والواقع أنه بعد فحص متني التمثالين اللذين عثر عليهما «لجران» في الكرنك في عام 1904 اتضح جليًّا أن الاسم «رومع»، و«روي» هما اسم واحد لشخص واحد بعينه، وكل من هذين التمثالين يصور لنا رجلًا قاعدًا القرفصاء على وسادة، وجسمه مزمل في قميص ضيق مثل تمثال «باكنخنسو» بالضبط كما سبق. ومن العبث أن نفرض أن تمثالًا بعينه يمكن أن يكون صورة لشخصين مميزين، وقد وضع لإحياء ذكراهما، فإذا كان «رومع» شخصًا مميزًا عن «روي» فلا بد أن التمثالين يجب أن يكونا إما لاسم «رومع»، وإما لاسم «روي»؛ أي إنهما يكونان إما ﻟ «رومع» خاصة، أو ﻟ «روي» خاصة. والواقع أننا نجد على التمثال رقم 42186 (1) القرابين التي ذكرت في أحد نقوشه قد عملت لإله الكرنك؛ لأجل روح الكاهن الأول لآمون «رومع»، ومن جهة أخرى نجد أن خطاب المدح الذي نقرؤه في نقش آخر على نفس التمثال قد وضع في فم الكاهن الأول ﻟ «آمون» المسمى «روي». وكذلك نجد على التمثال رقم 42185 نقشين آخرين على هذا التمثال يلفت تأليفهما النظر بوجه عام، وهاك المتن الأول منهما:
قربان يقدمه الملك ﻟ «آمون رع» ملك الآلهة، وللإلهة «أمونيت» المبجلة في الكرنك، وللإلهة «موت» سيدة السماء، وملكة الآلهة، وإلى «خنسو في طيبة نفر حتب»؛ لأجل أن يجعلوا تمثالي يثوى ويبقى، ويتخذ مكانًا في الكرنك، مخلدًا لروح الكاهن الأول لآمون «روي»، يقول: إني آتي إليك يا سيد الآلهة، يا «آمون» رئيس تاسوع الآلهة، إني أعبد جمالك كل يوم، وإني أشبع رغباتك، ارْنُ إليَّ بوجهك الجميل؛ لأني عبدك المخلص الذي باركته، وحفظته على الأرض، وإني خدمتك باستقامة، وقد شخصت في بيتك مغمورًا بنعمائك، وعيناي تريان صليك؛ لأجل روح رئيس كهنة كل الآلهة، والكاهن الأول لآمون «رومع».
ففي هذا المتن نرى أنه يبتدئ بصلاة «روي»، ثم يستمر متضرعًا من أجل «رومع»، وكذلك المتن الثاني، وهو المنقوش حول قاعدة هذا التمثال، فإنه يخلط الاسمين، ويحتوي أولًا على صلاة لروح الكاهن الأول «روي»، ثم صلاة أخرى لأجل الكاهن الأول «رومع»، على أن هذه الظاهرة نجدها كذلك في المتون التي على جدران معبدي «الكرنك»، و«السلسلة»، ففي «الكرنك» نجد أن المتن التذكاري المنقوش على الجدار الشرقي (2) للبوابة الثامنة يبتدئ بصلاة موجهة ﻟ «آمون رع» من الكاهن الأعظم «رومع»، وتنتهي بصلاة من أجل الكاهن الأعظم «روي»، وكذلك الحال في نقوش «السلسلة»، فإنا نجد القرابين قُدمت على التوالي إلى «روي»، و«رومع«. وهكذا يرى الإنسان — على نفس التمثال، وفي نفس النقش، بل وفي جمل وضعت جنبًا لجنب — الاسمين «رومع»، و«روي» مستعملين الواحد بدلًا من الآخر بلا تمييز، ومن ثم نستنبط على وجه التأكيد أن الاسمين لشخص واحد يسمى «رومع»، ومصغره «روي«. أما موضوع تبادل هذين الاسمين بهذه السهولة، وحلول الواحد منهما مكان الآخر، فليس بالأمر المدهش، أو الغريب؛ إذ لدينا أمثلة تشبه ذلك كثيرًا في الآثار المصرية، فنجد مثلًا اسم «أمنحتب» قد حل محله الاسم المصغر «حوي»، كما ذكرنا ذلك آنفًا. وإذا كان هذا التبادل المفاجئ الذي نراه في النقوش المصرية لم يميزه المصري القديم قط، فإنه كان في الواقع موضع دهشة وحيرة عند علماء الآثار الأحداث، حتى إن بعضهم قد حاد عن الصواب وأخطأ الفهم، وجعل من الاسم والتصغير اسمين مختلفين، فنجد مثلًا أن نائب الفرعون في بلاد «كوش» المسمى «أمنحتب» كان ينادى باسمه المصغر «حوي»، وقد عجز الأثريون عن فهم كنه هذا الاسم المزدوج؛ ولذلك اخترعوا طريقة لحل هذا اللغز، فقالوا: إن «أمنحتب» اسم على حدة، و«حوي» اسم آخر، وأنهما زميلان أو أخوان (راجع Sethe A. Z. (1907) p. 89)، وعلى هذا النمط أرادوا تفسير اسم «رومع-روي»؛ وذلك لعجزهم عن التمييز بين الاسم الكامل، والاسم المصغر لنفس الشخص عند المصريين، إلى أن حل هذه المعضلة الأستاذ «زيته»، وبهذه النتيجة التي وصلنا إليها في تحقيق شخصية هذا الكاهن الأعظم سقطت نظرية الأستاذ «برستد»، وهي التي على حسبها كانت وظيفة الكاهن الأعظم ﻟ «آمون» في هذا العهد وراثية؛ وذلك لأن «رومع» كما يسميه «برستد» لا يمكن أن يورث وظائفه ﻟ «روي» للأسباب التي ذكرناها، ومن جهة أخرى لم يخلف الكاهن الأكبر «رومع روي» بوصفه الرئيس الأعلى لكهنة «آمون» بالكرنك، ابنه «باكنخنسو» الذي لم يتجاوز ترقيه وظيفة الكاهن الثاني ﻟ «آمون». والواقع أن المتن الذي حدا بالأستاذ «برستد» للأخذ بهذه النظرية هو قول «باكنخنسو» الكاهن الأكبر للإله «آمون» في أحد نقوشه ما يأتي: «ليت ابني يكون في مكاني، وأن يكون شرف مقامي في يديه — وأن ينتقل هذا — من الأب للابن حتى الأبدية.» والواقع أن هذا التمني لم يكن حقيقة واقعة، بل كان مجرَّد رجاء ودعاء نقرأ أمثاله كثيرًا في كل عصور التاريخ المصري، وبخاصة في عهد الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة، وقد دعا به «رومع روي» لنفسه في مكان آخر طالبًا أن يعمر عشر ومائة سنة. أما القول بأن «روي» يمكن أن يكون حفيد «باكنخنسو» الكاهن الأول لآمون السالف الذكر؛ وذلك لأن ابن «روي» هذا كان يُسمى «باكنخنسو» — ومن ثم يستنبط أن رياسة الكهنة كانت وراثية منذ عهد «باكنخنسو» في حكم «رعمسيس الثاني» — فإنه قول لا يعتمد عليه للأسباب التاريخية التي ذكرناها.
وحقيقة الأمر، أننا لا نعرف شيئًا البتة عن أصل والدي «رومع روي»، ولكننا نعرف الكثير عن مجال حياته من النقوش التي تركها لنا، فقد عني بترجمته لنفسه عناية عظيمة (3)،فاستمع لما يقصه عن نفسه على أحد تماثيله: «لقد وصلت إلى سن الحُلم في بيت «آمون»، وقد كنت وقتئذ كاهنًا مطهرًا كاملًا، وكان عقلي متيقظًا، وفضيلتي ممتازة، وخططي تسير إلى هدفها، ولما كنت قد انتُخبت لأعمالي الطيبة في معبده، وكذلك وعدت بأن أكون «والد إله» لأجل أن أجيب نداء روحه المفخم «كا»، وأشبع رغباته، فإنه — أي آمون — قد كشف عن صفاتي، وكافأني لفضيلتي، وجعل الملك يعرفني، ويذكر اسمي أمام رجال البلاط، وقد عمل مرسومي لكل وظيفة عالية شغلتها عند نفس الفرعون «رعمسيس الثاني» بن «آمون» من صلبه، وقد كافأني «آمون» من جديد بسبب امتيازي، ونصَّبني كاهنًا ثانيًا، ولما كانت خزينته ومخزن غلاله دخلهما مفيد لفلاح معبده، فإنه أضافهما إلى أعمالي، فضلًا عما أغدقه عليَّ من خير، ونصَّبني رئيسًا أعلى في معبده بوصفي الكاهن الأول ﻟ «آمون«.
وعلى الرغم مما في هذا المتن من الغموض في بعض نواحيه، فإنه يكشف لنا عن معلومات غاية في الأهمية؛ فالفرعون الوحيد الذي ذكر فيه هو «رعمسيس الثاني»، ولم يلمح هنا بأي تغيير في عرش الملك قط؛ ولذلك يمكننا أن نستنبط بحق أن «رومع-روي» قد وصل إلى قمة رقيه في عهد هذا الفرعون المسن؛ أي قبل موته بزمن قليل، وأنه قد خلف «باكنخنسو» مباشرة على كرسي رياسة الكهانة لآمون في «الكرنك»، أما تدرج «رومع-روي» في وظائف الكهانة فقد وصفه لنا هو بدقة أيضًا بعد تلاوة صلاة نُقشت على تمثال آخر له (راجع Legrain Catal. Gen. No. 42 185; Lefebvre Insc. No. 4)، فيعدد لنا ألقابه فيقول: إنه كان كاهنًا مطهرًا أمام «آمون»، ووالد إله ﻟ «آمون»، ثم كاهنًا ثالثًا ﻟ «آمون»، وكاهنا ثانيًا ﻟ «آمون»، ومدير خزانة «آمون»، ومدير مخازن غلال «آمون»، ورئيسًا لكهنة كل الآلهة في «طيبة»، وكاهنًا أول ﻟ «آمون-رومع«.
وقد امتدت خدمة هذا الكاهن الأكبر إلى عهد الفرعون «مرنبتاح» (حوالي 1233–1223ق.م) إذ وجدنا اسمه منقوشًا بوضوح على أحد تماثيل هذا الكاهن الأكبر المحفوظة «بالمتحف المصري» (راجع Journal D’Entrée No. 37874; & A. S. XXIV (1924) p. 134)، وكذلك على لوحة جبل السلسلة (راجع L. D. III, p. 200 a) وقد كتب على هذه الآثار ألقابًا جديدة لهذا الكاهن من بينها: «المشرف على كهنة كل الآلهة في الوجهين القبلي والبحري. وهذا اللقب لم يكن يُمنح إلا نادرًا لرئيس كهنة «آمون» في خلال الأسرة التاسعة عشرة، وهذا اللقب يقابل لقب «المشرف على كهنة الوجهين القبلي والبحري» الذي كان يحمله الكاهن الأول، وغيره في خلال الأسرة الثامنة عشرة، ولم نجد من كان يحمله من بين الكهنة الأوَل في عهد الأسرة التاسعة عشرة إلا الكاهن الأول ﻟ «آمون» «نبنترو» في عهد «سيتي الأول«.
وقد عرف «رومع-روي» كيف يستغل ضعف «مرنبتاح» ليقوي مركزه الشخصي، ويمكنه من التمتع بالسيادة التي كان يتمتع بها الكاهن الأول ﻟ «آمون» قبل قيام «إخناتون» بحركته الدينية المعروفة. والواقع أنه قد أفلح في ذلك فلاحًا عظيمًا لدرجة أنه تمكَّن من نقش اسمه وصورته على أحد جدران معبد «الكرنك»، وقد كان هذا امتيازًا مقصورًا حتى الآن على الفرعون وحسب، ولم يكن في استطاعته اتخاذ هذه الخطوة التي كانت تعد في نظر الكهنة الأول في عهد الأسرة الثامنة عشرة انتهاكًا لحرمة القداسة الملكية، إلا عندما شعر بضعف سلطة الملك الدنيوية وقتئذ؛ أي عندما أخذ يشعر بضعف الفرعون في حكم البلاد، وقلة نفوذه فيها؛ فقد وجدت على الجدار الشرقي للبوابة الثامنة بالكرنك ثلاثة متون مدونة على عارضتي وعتب باب صغير يؤدي إلى السلم في داخل هذا الجدار؛ ثم نجد على اليمين مباشرة من الجهة الشمالية لهذا الباب لوحة عظيمة تحتوي على النقش العظيم الذي أطلق عليه الأثري «ليفبر» «النقش التذكاري»، وهذه المتون كلها كانت مؤرَّخة، غير أنه مما يؤسف له كثيرًا وجود التاريخ مهشمًا، ولم يبقَ منه أي شيء يرشدنا عن عصره إلا طغراء يحتوي لقب «سيتي الثاني»، يضاف إلى ذلك أننا نرى فوق عتب الباب المذكور لوحة تمثل «سيتي الثاني» يتعبد أمام الإله «آمون»، ويقدم له قرابين ملكية، وهنا نلحظ أن طغراءي الملك كانتا سليمتين.
وهكذا نرى أن «رومع-روي» الذي بدأ يشغل وظيفة رئيس كهنة «آمون» بالكرنك في نهاية عهد «رعمسيس الثاني» ظل في حظوة خلفه «مرنبتاح» عشرة أعوام، ثم مر بسلام مدة الاضطرابات التي وقعت في عهد كل من «أمنموسس»، و«سبتاح»، ليشهد كذلك تربع «سيتي الثاني» (حوالي 1214ق.م) على عرش الكنانة مدة عشرين سنة، وكان في كل هذه الأوقات يشغل وظيفة الكاهن الأكبر بالكرنك، وقد ارتفع إلى سن الشيخوخة مغمورًا بأفضال «آمون»، وإنعاماته، يحيط به أولاده وأحفاده، متقلدين كلهم وظائف كهانة في معبد الكرنك؛ ولدينا أنشودة على أحد تماثيله المحفوظة «بالمتحف المصري» (التمثال رقم 42185) يتمدح فيها بفضل الآلهة عليه، فاستمع لما جاء فيها:
إني رجل باسل يقظ نافع لسيده، أقمت له الآثار في بيته بقلب محب، ولبي يشتغل في كل الأعمال، ويبحث عن كل نافع لإلهي السامي، وقد كافأني على كل ما عملته؛ لأني كنت مفيدًا له، ولقد مكَّنني بوصفي الرئيس الأعظم على رأس بيته، وهكذا قد وصلت إلى الشيخوخة وأنا في خدمته مغمورًا بإنعاماته، وأعضائي لم تزَل مملوءة صحة، وعيناي تريان، والأطعمة المفيدة لم تزَل باقية في فمي، في حين أن نعم الفرعون تصيبني بفضل «آمون».
وقد منحني «آمون» أجيالًا من أولادي مجتمعين أمامي يؤدون وظائف الكهنة المكلفين بحمل تمثاله، وبينما كنت الكاهن الأول بفضل «آمون» إذ كان ابني يسكن بجانبي كاهنًا ثانيًا ﻟ «آمون»، وابني الثاني كاهنًا مطهرًا في المعبد الملكي في غربي طيبة، وابن ابني الكبير؟ كاهنًا رابعًا يحمل «آمون» رب الآلهة، وابن ابني الآخر والدًا له، وكاهنًا مرتلًا ذا يدين طاهرتين لصاحب الاسم الخفي «آمون».
ليته يجعل اسمي يبقى على تمثالي بجانب هذه الأوقاف الخيرية التي عملتها في هذا البيت، وأن يخلد ذكرى اسمي عليها في المستقبل سرمديًّا، وليت الأجيال المقبلة تمدحني لأعمالي الصالحة لأني كنت رجلًا مقدامًا.
وتدل شواهد الأحوال على أن التمثالين اللذين عثر عليهما «لجران» في خبيئة الكرنك، وهما اللذان يحملان رقمي (42185، 42186) لم يكونا منصوبين في مكانهما الأصلي، ومن المحتمل جدًّا أنهما كانا معروضين في الأصل بجانب أحد الآثار التي أقامها «رومع روي» في معبد «آمون»، كما يدل على ذلك المتن السابق. والواقع أن «رومع روي» هذا كان مهندس عمائر مثل معظم الكهنة العظام لمعبد «آمون»، ولا بد أنه لهذا السبب قد ذهب إلى محاجر «السلسلة»، وعلى الرغم من أنه لم يقِم هناك ضريحًا على غرار ما فعله معظم أسلافه هناك، فإنه ترك لنا عوضًا عن ذلك تذكارًا لزيارته، وهو لوحة تمثله واقفًا بجانب الفرعون «مرنبتاح» يتعبد أمام الإله «آمون» (راجع L. D. III, 200 a)، وقد نقش عليها صيغة القربان المزدوجة التي يُدعى فيها تارة «رومع»، وتارة أخرى «روي»، ويتبعها صلاة لأجل روح «كا» الأمير الوراثي، ووالد الإله، وصاحب اليدين الطاهرتين، ورئيس الأسرار في السماء، وفي الأرض، وفي العالم السفلي، ومضحي ثور أمه، ورئيس جند «آمون»، والمشرف على الذهب والفضة في بيت «آمون»، ومدير الأعمال الخاصة لكل آثار جلالته، والكاهن الأول لآمون «روي«.
ويحدد لنا أحد النقوش التي على تمثاله المحفوظ «بمتحف القاهرة» (رقم 42185) أنه كان مدير الأعمال في الكرنك، وأنه هو الذي كان يعطي كل التعليمات للصنَّاع وأصحاب الحرف؛ كما نجده يفتخر في النقوش التي على التمثال رقم 42186 بأنه بجده ومهارته قد أقام آثارًا مختلفة في بيت «آمون» باسم سيد الأرضين، وتشمل تماثيل من فضة وذهب مشغول ومطروق، ثم محرابًا مجهزًا ببابين عظيمين من الذهب المرصع بكل أنواع الأحجار الغالية (الحقيقية)، وكذلك يتحدث عن مبنى كان قد وسع أبوابه، ونقش عليه اسم سيد التيجان، وأخيرًا يذكر لنا سفنًا جارية في النهر ﻟ «آمون»، و«موت»، «وخنسو» (ثالوث طيبة).
والواقع أن البناء الذي وجه إليه معظم عنايته لم يكن معبدًا ولا مقصورة، بل كان مسكن الكهنة العظام، وهذا المسكن كان يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من ضيعة «آمون» على ربوة خارج الردهة التي تمتد بين البوابتين السابعة والثامنة على حافة البحيرة المقدسة العظيمة. والواقع أن المعبد المقام من حجر المرمر — وهو الذي وجد عليه «مريت باشا» نقشًا للكاهن الأعظم «أمنحتب»، وكذلك الجدار الذي يوصله بالمباني المصنوعة من اللبن التي هدمت الآن، والذي نُقش عليه «رومع-روي»، ومن بعده «أمنحتب» متنًا — يدل على ما قاما به من إصلاح، كان يتألف منها جميعًا مسكن الكهنة العظام ومقصوراتهم الخاصة (راجع Maspero Momies Royales p. 670). وهذه المؤسسة الدينية يرجع تاريخها إلى عهد الأسرة الثانية عشرة؛ وقد كان الكهنة العظام من حين إلى حين يصلحون من شأنها كلها، أو جزء صغير من أجزائها على حسب الأحوال (راجع L. D. III, p. 237 & Lefebvre Inscrip. § XI). وكان الجزء الذي شرع «رومع-روي» في إصلاحه في هذا البناء هو المكان المخصص للخبازين، وصانعي الجعة. وبهذه المناسبة نقش على البوابة الثامنة على يمين الباب الصغير الذي يؤدي إلى السلم؛ النقش التذكاري المشهور الذي أشرنا إليه. ونلحظ أن «رومع-روي»، قد تجاسر هنا، وأمر برسم صورته واقفًا مرتديًا ثوبه الشفيف الفضفاض، مكشوف الرأس حليقًا، ويحلي جيده عقد، وخلفه ابنه «باكنخنسو»، وهو الذي خلفه في منصب الكاهن الثاني للإله «آمون» عندما رُقي هو لمنصب الكاهن الأول.
ويلاحظ أن الكاهن الأعظم في هذا المنظر كان رافعًا يده تضرعًا وخشية. والواقع أن المتن يبتدئ بأنشودة تضرع للإله «آمون رع»، وبعد أن طلب «رومع-روي» إلى ربه أن يمنحه حياة مديدة سعيدة، وأن يحفظ عليه صحته حتى الممات، وأن يضمن له أبديًّا توريث أولاده، وأحفاده من بعده في وظائفه، عدَّد لنا مناقبه حيث يقول:
أنتم يأيها الكهنة المطهرون، ويا كتبة بيت «آمون»، ويأيها الخدم الممتازون للقربان المقدسة، ويأيها الخبازون، وصانعو الجعة، وصانعو الحلوى، وخبازو الرغفان (المسماة) «سنت»، و«بيت»، و«بسن» الذين يقومون بأداء واجباتهم نحو سيدهم، والذين سيدخلون في هذا المصنع الذي في بيت «آمون»، عليكم أن تنطقوا باسمي كل يوم، مانحين إياي ذكرى حسنة، وعليكم أن تفخموني لأعمالي الصالحة؛ لأني كنت رجلًا مقدامًا.
لقد وجدت هذا المكان آثاره دارسة تمامًا، وجدرانه ساقطة، وخشبه متآكل، وإطاراته التي كانت من الخشب قد اختفت، وكذلك الألوان التي كانت تغطي النقوش البارزة قد أعددتها ووسعت … بأحسن ما يكون، وقد صنعت الإطارات من حجر الجرانيت، وركبت له أبوابًا من خشب الأرز الحقيقي، وأقمت فيه مصنعًا مريحًا للخبازين، وصنَّاعي الجعة الذين يسكنونه، وقد عملت هذا بصناعة أحسن من ذي قبل؛ محافظة على موظفي إلهي «آمون» سيد الآلهة.
وتدل النقوش على أن برجي البوابة الثامنة كانا بمثابة ملحق لسكن الكهنة العظام على الأقل في عهد «رومع-روي»، إذ قد عثر الأثري «ليفبر» على نقشين في أحد الجدران في الجزء الأعلى من السلم المؤدي للبرج، والنقش الأول الذي على اليمين هو منظر محاط بسطرين من النقوش الهيروغليفية السريعة، وقد مثل في المنظر شخص صغير يقف ورافعًا يديه تعبدًا، أما الكتابة فتقول: «عمله رئيس تشريفات بيت «آمون»، ورئيس إدارة الكاهن الأول ﻟ «آمون رومع»، والمسمى «أمنمأبت».» ثم يأتي بعد ذلك عمود خالٍ من النقش «ونقاش معبد «آمون» «باكنورل» بن «حاو نفر»، والنقش الثاني نُحت على مخرج السلم على الجدار الذي يحمل العتب، وهو: كاوي ملابس بيت «آمون»، وحارس حجرة الكاهن الأعظم لآمون «روي» المسمى «سمنتاوي «. «
ونفهم في الحال أهمية هذين النقشين، إذ يدلان على وجود إدارتين في داخل البوابة الثامنة في عهد الكاهن «رومع-روي» بالقرب من المباني الخاصة بمسكن الكهنة العظام، وكذلك نعلم أن تشريفي «رومع-روي»، وهما «أمنمأبت»، وتابعه «سمنتاوي» كانا يترددان على هذه الأماكن للقيام بخدمات لسيدهم.
وتدل النقوش على أن «رومع-روي» لم يصل إلى رتبة كاهن أول للإله «آمون» إلا في سن مرتفعة جدًّا، وقد مكث يشغلها مدة طويلة ومات معمرًا، وقد كان منتهى أمله، وما تتوق إليه نفسه أن تمتد به السنون إلى العاشرة بعد المائة، إذ نجده في نقوشه قد تضرع إلى ربه راجيًا أن يُمنح هذا العمر المديد الذي كان يطمح إلى بلوغه كل مصري. وقد دُفن «رومع-روي» في قبره بجبانة «ذراع أبو النجا»، ولكن مما يؤسف له جد الأسف أن هذا القبر لم يبقَ منه إلى يومنا هذا إلا دمنه التي تحدِّث عن موقعه، ووجد له في بقاياه تمثال صغير من الجرانيت، وقطع مختلفة من الحجر كُتب عليها اسمه المزدوج «رومع-روي» (راجع The Museum Journal, Philadelphia March 1924, p. 41).
..............................................
1- راجع: Legrain. Cat. Gen. II, No. 42185-6.
2- راجع: L. D. III, p. 237.
3- راجع: Legrain Cat. Gen. No. 42185 42186; Lefbvre Inscrip No. 10.