1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الحياة الاسرية : الآباء والأمهات :

ماذا لو أن لديك طفلا لا يكتسب الإتقان بشكل طبيعي؟

المؤلف:  د. لورا ماركهام

المصدر:  آباء مطمئنون أبناء سعداء

الجزء والصفحة:  ص291ــ294

2025-01-23

17

يولد البشر فضوليين، لأن التعلم يزيد من فرصة بقائهم على قيد الحياة. وللسبب نفسه، صمم البشر للسعي وراء الأهداف، حيث تحفز «مطاردة» المكافآت إنتاج الدوبامين في المخ. لذلك يبحث صغار البشر بطبيعتهم عن الإتقان مما يعني أنهم يستكشفون، ويتعلمون، ويتدربون، ويستمتعون بتحسنهم في فعل الأمور. أحيانًا ما يخبرني الآباء بأن طفلهم كسول أو منعدم الحماس، لكنني لا أصدق بوجود شيء يدعى «طفلا كسولا». فمن خلال محادثة قصيرة، عادةً ما يتكشف أمامنا سبب واحد أو أكثر أشد عمقا وراء افتقار الطفل إلى الحماس، كالآتي:

* يواجه الطفل صعوبات في التعلم.

* يتوقع من الطفل فعل شيء لا يجده ممتعًا على الإطلاق، لكنه مجبر على فعله.

* الطفل عالق في صراع سلطة مع أبويه، ويقاوم بكل طريقة ممكنة.

* فقد الطفل اتصاله بأبويه، وصار عالقًا في مدار أقرانه، الذين يثنونه عن التعليم أو الأهداف الوالدية الأخرى.

* الطفل مكتئب.

* الطفل محب للكمال أو قلق أو خائف من ارتكاب أخطاء.

* لا تقدّر الأسرة اهتمامات الطفل الطبيعية وتثبطها (على سبيل المثال، لا يلقى شغفه الرياضي تقديرا في أسرة محبة للكتب، أو العكس).

في أي من هذه الحالات، ستساعد أفكارنا الثلاث الكبيرة – تنظيم النفس، وتعزيز الاتصال، والتدريب وليس السيطرة - الأمهات والآباء في دعم أطفالهم للعثور على حلّ شافٍ لجميع الأطراف. وتبقى الخطوة الأولى أن يفك الأبوان عقدة القلق لديهما (التنظيم الذاتي) حتى يمكنهما التوقف عن مفاقمة الضغط الذي يشعر به طفلهما بالفعل. وسوف يسمح توطيد الاتصال دائما للطفل ببدء معالجة إزعاجاته من المسألة، وسوف يمده على الأرجح بالدافع اللازم لملاحقة الأهداف المهمة لأبويه، مثل أن يبلي بلاء حسنا في المدرسة. أما التدريب وليس السيطرة، فسوف يساعد الأبوين على دعم الطفل لاستكشاف اهتماماته الخاصة. إن طُلب من الطفل إتقان شيء لا يأتيه بالفطرة، وغير قابل للتفاوض - مثل العمل المدرسي - فسوف يتحتم على الأم عادة أن تفكر خارج الصندوق بشأن ما يحتاج إليه طفلها للإتيان بحل مبتكر لموقف صعب.

لنتأمل الطريقة التي يمكننا بها أن ندعم طفلا صعب المراس لتطوير إتقانه المدرسي. كان هنري دائمًا أكثر من اللازم - أكثر نشاطا، أكثر حيوية، أكثر إلحاحا، أكثر تحديًا. قال والداه مازحين إن عقله لا يعمل مثل عقول الأطفال الآخرين - وإن لديه بعض ومضات البرق الإضافية بداخله. بدا أن إبقاءه على المسار الصحيح لإنجاز المهام أمر مستحيل. بيد أن هنري كان أيضًا، لطيفا وحنونا، لذلك وجدت معلمته في الروضة نفسها مفتونة به على الرغم من ميله إلى الركض في أنحاء القاعة ونسيان ما طالبت الأطفال بفعله. ومع ذلك، لم يلبث أن أصاب الإحباط معلمه في الصف الأول، واقترح تقييم هنري لـ (اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه) (ADHD).

قرر والدا هنري تأجيل إعطائه الدواء الذي أوصى به الطبيب، والعمل بدلا من ذلك بشكل مكثف مع هنري في المنزل مدة عام. كان والده شون قد عانى هو الآخر (اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه)، الذي أفضى إلى سلسلة من التجارب المدرسية التي قوضت حبه الفطري للتعلم. صادف أن كان شون في ذلك الحين في فترة تنقل بين الوظائف، فقرر استغلال الفرصة لتكريس نفسه لتعليم هنري منزليّاً لبقية العام وتدريبه في الوقت نفسه على كيفية التعامل مع أعراض (اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه).

ركز شون في البداية على تعزيز اتصاله بهنري من خلال اللعب الخشن والتعانق والتعاطف في الأوقات التي ينزعج فيها طفله. أمدَّ ذلك هنري بالدافع للرغبة في إرضاء والده من خلال بذل الجهد الجهيد المتمثل في التركيز على الدراسة جلس شون مع هنري ليعلمه القراءة والحساب، متتبعا خطى ابنه، ومثيرًا حماسه، ومدربًا إياه كلما تعثر. وبعد أن قرأ أن كثيرا من الأطفال المصابين بـ (اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه) هم متعلمون حركيون، يواجهون صعوبة في التعلم بالأساليب السمعية والبصرية المعتادة في الفصول الدراسية، حث شون هنري على التحرك في الأرجاء خلال التعلم. اكتشف هنري أنه عندما يقفز الحبل في أثناء تهجئة الحروف أو جمع الأرقام معا، يتذكر على نحو أفضل. جربا كذلك مختلف الهياكل والأدوات حتى صار هنري أكثر ارتياحا في تنظيم نفسه، وتمكن حتى من العمل بشكل مستقل في بعض الأحيان.

لاحظ شون أن هنري كان يتحمس بصفة خاصة لمشروعات الهندسة والبناء. كان إذا عمل عليها كأن هنالك دافعا يدفعه إلى التحلي بمزيد من الصبر والحرص. لذلك أبقى شون تركيز عملهما الأكاديمي على تلك المشروعات، مستخدمًا إياها لتدريس الرياضيات والقراءة والتاريخ. لقد وجد مدخلاً إلى دافع هنري للإتقان وأثيب كلاهما برؤية مهارات هنري الأكاديمية تتخطى مستوى الصف.

جرب شون أيضًا طرقاً أخرى لدعم هنري في إدارة نفسه. عثر على مركز يوفر تقنية الارتجاع البيولوجي وألعاب الفيديو لتطوير مهارات الانتباه لدى هنري، فضلا عن استشاري نفسي لتدريب هنري على المهارات الاجتماعية. ولمنح هنري مزيدا من الخبرة في تعلم القواعد الاجتماعية، سجله شون في العديد من الفرق والفصول الرياضية الصغيرة. تعلم هنري أن اللعب اليومي النشط خارج المنزل كان ضرورة في رحلة تصالحه مع طبيعته.

خلال بحث شون عن استراتيجيات لمساعدة ابنه في التركيز وتنظيم نفسه، تعثر في دراسات جديدة تقول إن أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه لدى بعض الأطفال يمكن أن تتحسن تحسناً جذريا بتغيير النظام الغذائي. وعلى مدى عدة أشهر من تجربة الأنظمة الغذائية، قلَّت اندفاعية هنري وانفجاراته وتضاءل مستوى نشاطه المحموم، غير أنه لم يختفِ تماما.

وربما الأهم من ذلك أن شون وضع ابنه في إطار إيجابي، وعده مبدعًا ومفعما بالحماس والحيوية ومثابرًا. لم تختفِ صعوبات هنري في التركيز بين عشية وضحاها وظل مفرط النشاط. كان شون يرى السلوكيات نفسها التي أحبطت معلمي هنري في أغلب الأحيان. لكن بحلول الوقت الذي بلغ فيه هنري الصف الثالث، صار جاهزا للمدرسة الجديدة التي اختارها والداه، والتي رحبت به وبدت قادرة على دعم أسلوب تعليمه. داوم أبواه على المشاركة المكثفة في أعماله المدرسية، لكن هنري كان قد تعلم كيفية إدارة أعراض اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه خاصته، ومن ثَمَّ تمكن من التعلم جنبا إلى جنب مع الأطفال الآخرين في عمره. كان هنري في طريقه إلى الإتقان، لأنه تعلم إدارة نفسه. والخير المستتر في هذا أن العمل الدؤوب الذي أداه شون لم يساعد ابنه فقط على التعامل مع متطلبات المدرسة والاستمتاع بالتعلم، بل أوجد أساسا للتقارب بين الأب وابنه من شأنه أن يدوم مدى الحياة. 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي