النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
إحضار الإمام الباقر "ع" إلى الشّام
المؤلف:
السيد علي الخامنئي
المصدر:
إنسان بعمر 250 سنة
الجزء والصفحة:
ص327-342
2025-07-14
15
من الحوادث المهمّة في أواخر حياة الإمام وأكثرها شهرةً حادثة إحضاره إلى الشّام، الّتي كانت عاصمة الحكم الأمويّ. فلأجل معرفة موقف الإمام تجاه جهاز الخلافة، أمر الخليفة الأمويّ باعتقال الإمام الباقر - وطبق بعض الرّوايات، مع ابنه الإمام الصادق أيضًا، الّذي كان شابًّا مساعدًا وملازمًا لأبيه - ونقلهما إلى الشّام. فأُحضر الإمام إلى قصر الخليفة في الشّام. وقد أملى هشام قبل ذلك على حضّار مجلسه وحاشيته ليقوموا بالإجراءات اللازمة عند لقائهم بالإمام وجهًا لوجه. فكان من المقرّر أن يبدأ الخليفة نفسه، ومن بعدها حضّار المجلس - الّذين كانوا جميعًا من الرّجال والزّعماء - وينهالون عليه بالطّعن والشماتة. وقد أراد بهذا العمل تحقيق هدفين:
الأوّل: أن يُضْعِف بهذه التصرّفات الشديدة والمسيئة معنويّات الإمام، وليُهيئ بذلك الأرضيّة للقيام بأيّ عملٍ يراه لازمًا. والآخر أن يُدين الخصم في لقاءٍ بين أعلى قيادات الجبهتين المتعاديتين، فينتزع بهذه الوسيلة سلاح جميع أفراد جبهته من خلال نشر خبر هذه الإدانة، والّتي ستحصل بفضل الأبواق الجاهزة دومًا لخدمة الخليفة كالخطباء والعمّال والجواسيس.
يدخل الإمام، وبخلاف الرّسوم والعادات المتعارفة الّتي تقتضي أنّ كلّ من يدخل إلى المجلس يجب أن يُسلّم على الخليفة بذلك اللقب المخصوص بأمير المؤمنين، فإنّه يتوجّه إلى جميع الحاضرين، ويُخاطبهم مشيرًا بيده، وقائلًا: السلام عليكم. ويجلس دون انتظار الإذن بذلك. وبهذا التصرّف يُشعل نيران الحقد والحسد في قلب هشام، ويبدأ برنامجه. "أنتم يا أبناء عليّ، كنتم دومًا تشقّون عصا المسلمين، وبدعوتهم إلى أنفسكم كنتم تنشرون بينهم الشّقاق والنّفاق، وتدّعون الإمامة لأنفسكم بجهلكم وسفاهتكم". يتفوّه بأمثال هذه الترّهات ويسكت. ثمّ بعد ذلك، كلّ واحد من عبيده وأصحاب معلفه، ينهضون ويتفوّهون بمثل هذه الكلمات، ويتوجّهون بألسنتهم للطّعن بالإمام عليه السلام وتوبيخه.
أمّا الإمام عليه السلام، فقد كان يجلس طيلة هذا الوقت ساكتاً وهادئاً. وعندما يسكت الجميع، ينهض الإمام ويقف ويتوجّه إلى الحاضرين، وبعد الحمد والثناء على الله تعالى والسلام على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، يردّ بكلماته المختصرة والمزلزلة كيد أولئك إلى نحورهم، وكأنّه يوجّه لهم بهذه الكلمات صفعةً قاضية، ويُبيّن موقعه وأصول عائلته المفتخرة، الّتي تنطبق مع أعلى المعايير الإسلاميّة - وهي الهداية - وفي النهاية يُبيّن عاقبة طريقهم بحسب السّنن الإلهيّة التاريخيّة ويُزلزل لهم معنويّاتهم أكثر ممّا كانت متزلزلة: "أيّها النّاس! أين تذهبون؟ وأين يُراد بكم؟ بنا هدى الله أوّلكم، وبنا يختم آخركم، فإن يكن لكم ملك معجّل، فإنّ لنا ملكاً مؤجّلاً،
وليس بعد ملكنا ملك، لأنّا أهل العاقبة، يقول الله عزّ وجلّ: والعاقبة للمتقّين[1]"[2].
في هذا البيان المختصر والمليء بالمعنى ــ الّذي تضمّن التظلّم والبشارة والتهديد والإثبات والردّ ــ تحقّق التأثير والجاذبيّة إلى درجة أنّه لو أذيع ووصل إلى أسماع النّاس لكان من الممكن أن يجعل كلّ من يسمعه معتقدًا بحقّانية قائله. ولأجل الردّ على هذا الكلام، كان المطلوب وجود خطيبٍ متفوّه مقنعٍ ومنطقيّ، إلّا أنّ هذا لم يكن حال أيٍّ من مخاطَبي الإمام، ولهذا لم يعد أمامهم سوى استخدام العنف والقهر.
فيأمر هشام بإلقاء الإمام في السّجن، وهو بذلك يكون عمليًّا قد اعترف بضعف معنويّاته وعجز منطقه. وفي السّجن، يقوم الإمام ببيان الحقائق، ليؤثّر بالسّجناء الذين معه، بحيث أنّه لا يبقى أيّ واحدٍ منهم لا يعتقد من أعماق قلبه، بما قاله. فينقل مأمورو السّجن مجريات الأحداث إلى هشام. وقد كان هذا الموضوع بالنّسبة للجهاز الحاكم، الذي كان قد مضى عليه عشرات السّنين بعيدًا عن الخطاب العلويّ، لا سيّما في الشّام، غير قابلٍ للتحمّل على الإطلاق. فيأمر هشام بإخراج الإمام عليه السلام ومن معه من السّجن، ولم يكن هناك من مكانٍ أنسب لهم من المدينة المنوّرة، تلك المدينة الّتي كانوا يعيشون فيها، وبالطّبع، مع وضعهم تحت المراقبة وكلّ أنواع التشدّد المستمرّ وأكثر. وعند الضّرورة، إنزال الضّربة الأخيرة وإبادة الخصم من دون ضجيج في بيته، والتنصّل من وبال تهمة قتل الإمام عليه السلام ووضعه في رقبته. لهذا، وُضعوا بأمرٍ من هشام على مراكب سريعة - كان عليها أن تقطع كلّ الطريق من دون توقّف - ويحملونهم إلى المدينة. وكانوا قبل ذلك قد منعوا أيّ إنسان في كلّ المدن الّتي تقع على الطريق من أن يتعامل مع هذه القافلة المغضوب عليها، أو أن يبيعهم الماء والخبز[3]. وبقوا على هذا الحال طيلة الطّريق، ثلاثة أيّامٍ بلياليها، فنفذ ما كان لديهم من خبزٍ وماء.
ووصلوا "مدين". وأغلق أهل المدينة بحسب ما لديهم من أوامر، بوابات مدينتهم، وامتنعوا عن بيع المتاع. اشتدّ على أتباع الإمام عليه السلام الجوع والعطش، فصعد الإمام عليه السلام على مرتفع يطلّ على المدينة ونادى بأعلى صوته: "يا أهل المدينة الظّالم أهلها، أنا بقيّة الله. يقول الله: ﴿بَقِيَّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾[4].
يقول الراوي: وكان بين أهل المدينة شيخٌ كبير، فأتاهم فقال: "يا قوم هذه والله دعوة شعيب عليه السلام. والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذنّ من فوقكم ومن تحت أرجلكم فصّدقوني وأطيعوني.. فإنّي لكم ناصح. استجاب أهل المدينة لدعوة الشيخ فبادروا وأخرجوا إلى أبي جعفر وأصحابه الأسواق"[5].
والقسم الأخير من هذه الرواية التاريخيّة - والّذي يمكنه أن يكون من جهاتٍ عدّة عرضًا للوضع السياسيّ والقمع وكذلك الاستخفاف الشامل بجميع الأذهان في ذلك الزمان، وأن يكون من جانبٍ توضيحًا لموقف الإمام الباقر عليه السلام الخاصّ من جهاز حكم بني أميّة - على هذا النّحو: عندما وصل خبر المدينة إلى هشام أمر قبل أيّ شيء بمعاقبة ذلك الرّجل المتمرّد على خيانته لأنّه تجرّأ على الإعراب عن مخالفته لخطّة زعماء نظام الخلافة وجنّب النّاس غفلةً كبرى. وقد أُخذ هذا الرّجل وقُتل بأمرٍ من الخليفة.
ومع كلّ ذلك، يتجنّب الإمام أيّ مواجهة حادّة ومجابهة مباشرة مع الجهاز الحاكم. فلا يعمد إلى سيف، ولا يسمح للأيدي المتسرّعة أن تمتدّ إلى السلاح وتشهره، ويحملها على المزيد من حدّة النّظر ومعرفة الموقف المناسب ويمتنع عن شهر سيف اللسان كذلك، ما لم يتطلّب عمله التغييريّ الأساس الجذريّ ذلك. كما أنّه لا يُرخّص لأخيه زيد، الّذي بلغ به الغضب مبلغه وثارت عواطفه أيّما ثورة، أن يخرج (يثور)، بل أن يُركّز نشاطه العام على التّوجيه الثّقافيّ والفكريّ. وهو بناء أساس أيديولوجيّ في إطار مراعاة التقية السّياسيّة.
ولكن هذا الأسلوب لم يكن يمنع الإمام عليه السلام، كما أشرنا، من توضيح "حركة الإمامة" لأتباعه الخلّص، وإذكاء أمل الشّيعة الكبير، وهو إقامة النّظام السياسيّ بمعناه العلويّ الصّحيح في قلوب هؤلاء، بل يعمد أحيانًا إلى إثارة عواطفهم بالقدر المطلوب على هذا الطّريق.
التّلويح بمستقبلٍ مشرق هو أحد السبل الّتي مارسها الإمام الباقر عليه السلام مع أتباعه. وهو يشير أيضًا إلى تقويم الإمام عليه السلام للمرحلة الّتي يعيشها من الحركة. يقول الحكم بن عيينة: بينما أنا مع أبي جعفر عليه السلام والبيت غاص بأهله إذ أقبل شيخٌ يتوكّأ على عنزة (عكازة) له، حتّى وقف على باب البيت، فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته. ثمّ سكت، فقال أبو جعفر: "وعليك السلام ورحمة الله وبركاته". ثم أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت عليهم السلام وقال: السلام عليكم، ثمّ سكت حتّى أجابه القوم جميعًا، وردّوا عليه السلام. ثم أقبل بوجهه على الإمام عليه السلام وقال: يا ابن رسول الله ادنني منك جعلني الله فداك. فوالله إنّي لأحبّكم وأحبّ من يُحبّكم، ووالله ما أُحبّكم وأُحبّ من يُحبّكم لطمعٍ في دنيا، وإنّي لأُبغض عدوّكم وأبرأ منه، ووالله ما أُبغضه وأبرأ منه لوترٍ كان بيني وبينه. والله إنّي لأُحلّ حلالكم وأُحرّم حرامكم، وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي، جعلني الله فداك؟ فقال الإمام عليه السلام : "إليّ إليّ" حتّى أقعده إلى جنبه، ثم قال: "أيها الشيخ! إنّ أبي عليّ بن الحسين عليه السلام، أتاه رجل فسأله عن مثل الّذي سألتني عنه فقال له أبي عليه السلام : إن تمُت وأنت في هذا الحال من الانتظار، ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عليّ والحسن والحسين وعلى عليّ بن الحسين، ويثلج قلبك، ويبرد فؤادك، وتقرّ عينك، وتستقبل بالروح والرّيحان مع الكرام الكاتبين... وإن تعش ترى ما يقرّ الله به عينك، وتكون معنا في السنام الأعلى". قال الشيخ وهو مندهش من عظمة البشرى: كيف يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام، فقال الشيخ: الله أكبر يا أبا جعفر، إن أنا متّ أرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عليّ والحسن والحسين وعلي بن الحسين وتقرّ عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأُستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي ههنا. وإن أعش أرى ما يقرُّ الله به عيني، فأكون معكم في السنام الأعلى؟ ثم أقبل الشيخ ينتحب حتّى لصق بالأرض. وأقبل أهل البيت ينتحبون لما يرون من حال الشيخ. ثم رفع الشيخ رأسه وطلب من الإمام عليه السلام أن يناوله يده فقبّلها ووضعها على عينه وخدّه، ثم ضمّها إلى صدره وقام فودّع وخرج والإمام عليه السلام ينظر إليه ويقول: "من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا"[6].
حتّى أنّه أحيانًا كان يتعدّى ذلك ويُحدّد سنة النّصر ويجعل الأمل الشيعي القديم أمراً واقعاً، عن أبي حمزة الثّمالي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "إنّ الله كان قد وقّت هذا الأمر في السبعين، فلمّا قُتل الحسين عليه السلام اشتدّ غضب الله تعالى على أهل الأرض فأخّره إلى الأربعين ومائة سنة فحدّثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم القناع قناع السّر فأخرّه الله ولم يجعل له بعد ذلك وقتًا عند الله، ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾[7]. قال أبو حمزة: قد قلت لأبي عبد الله عليه السلام ذلك فقال: "قد كان ذلك"[8].
مثل هذه التصريحات، تُزكّي روح الأمل في قلوبٍ تعيش جوّ الاضطهاد والكبت، فتكسبها زخمًا ودفعًا نحو الهدف المنشود المتمثّل في إقامة النّظام الإسلاميّ العادل.
تسعة عشر عامًا من قيادة الإمام الباقر عليه السلام تواصلت على هذا الخط المستقيم المتماسك الواضح. تسعة عشر عامًا من التعليم الأيديولوجي، والبناء، والتكتيك النضاليّ، والتّنظيم، وصيانة وجهة الحركة، والتقيّة وإذكاء روح الأمل. تسعة عشر عامًا من مسيرٍ شائكٍ ووعرٍ، يتطلّب كثيرًا من الجدّ والجهد في الطّرقات الشّديدة الوعورة. وفي النّهاية، عندما أشرف هذا العمر القصير والمليء بالعطاء على الانتهاء، وعندما ظنّ أعداء النّهضة العلويّة الألدّاء أنّهم يستطيعون أن يتنفّسوا الصّعداء برحيل محرّك هذه النّهضة وسوف يخلو بالهم من التحرّكات الدّعائيّة النّضاليّة للشّيعة، وسوف يتفرّغون لمشاكلهم وأزماتهم التي لا تنتهي داخل البلاد وعلى الحدود، أنزل الرّماد الحامي والمشتعل لهذه الشّعلة آخر صعقةٍ مهلكةٍ له على بنيان النّظام الأمويّ. فقد قضى عمرًا بفضح وتبيين الحقائق، وها هو يتابع بعد موته ما كان يقوم به. بحياته كان يبثّ الوعي، وبموته أيضًا استمرّ في مسعاه هذا. لقد كان يُرسل لأتباعه وللجماهير الغافلة التي كانت عطشى للمعرفة والفهم والتفكّر درسًا جديدًا ورسالةً جديدة. وقد كانت هذه الرّسالة هادئةً وعميقةً مثل الخطّة العامّة لحياته. نفع الأصدقاء والمحتاجين، لكنّه سلب النّوم من عيون الأعداء. كان هذا نموذجًا من تقيّة الإمام الباقرعليه السلام ومظهرًا للوضع العام لنهجه وسلوكه في تلك المرحلة الزمنيّة الخاصّة.
أولئك الذين دوّنوا فيما بعد تاريخ حياة الإمام، مرّوا غافلين أو متغافلين على هذا الإجراء العظيم الذي أُدرج في حديثٍ مختصر. أيمكن القول أنّهم لم يروه؟ هكذا نقصّر. وظاهر القضيّة هو أنّ الإمام قد أمر ابنه الإمام جعفر بن محمّد أن ينفق قسمًا من مدخوله - 800 درهم-من أجل العزاء والنّياح عليه لمدّة عشر سنوات. مكان العزاء هو صحراء منى، وزمانه موسم الحجّ، هكذا ولا شيء آخر. إنّ موسم الحجّ هو ميعاد الإخوة المتباعدين وغير المتعارفين. فآلاف الأشخاص يعيشون تجربة إمكانيّة الاجتماع وتحقّقه في ذلك الزّمان والمكان، وأصحاب القلوب المتقاربة والألسن المتباعدة يدعون ربّهم في هذا المكان بلسانٍ واحدٍ ويشاهدون معجزة اجتماع الملل والشّعوب تحت رايةٍ واحدة. وإذا كان من رسالةٍ ينبغي أن تصل إلى جميع أرجاء عالم الإسلام فلا يوجد من فرصةٍ أنسب من هذه الفرصة. هناك حيث تُنجز أعمال الحجّ، في عدّة أيّامٍ متوالية وفي نقاطٍ محدّدة فأيّة أيّامٍ ستكون أنسب من هذه الأيّام؟! وأيّة أماكن ستكون أنسب من تلك الأمكنة؟! مكّة مدينةٌ والنّاس منتشرون في مدينةٍ واحدة ومشغولون. بالإضافة إلى ذلك، فالجميع فيها مشغولون بأعمال الحجّ، الطّواف، السّعي، الصّلاة و... والمشعر محلّ التوقّف الليليّ فرصته قليلة ولا يوجد فيه إمكانيّة، فلا يوجد أكثر من هذه المحطّة على طريق مِنى. عرفات موقفٌ وإن كان في النّهار، ولكنّه قصير المدّة: فقط يومٌ واحد يبدأ بصباحٍ متعب، من الحركة وينتهي بعصرٍ يُستعدّ فيه للانطلاق. فمِنى هي الأنسب من بين الجميع: فالحجّاج يُخيّمون هناك لثلاثة ليالٍ بعد رجوعهم من سفر عرفات، وتسنح الفرصة أكثر من أيّ مكانٍ آخر لأجل التعارف والتحاور وبثّ الشجون. فمن هو الذي يتحمّل متاعب الذّهاب والرجوع من مكّة؟! فالبقاء وزيارة كلّ تجمّعٍ ومحفلٍ ومجمع يحقق الزمان والمكان المناسبين. فكلّ واحدٍ سوف يمرّ بشكلٍ طبيعيّ على مجلس العزاء الذي يُقام لثلاثة أيّامٍ من كلّ سنة في هذه البادية. وشيئًا فشيئًا سيتعرّف النّاس الوافدون من مختلف الآفاق عليه. وسوف يُقيم أهل المدينة لسنواتٍ عديدة في هذا المكان وفي هذه الأيّام تجمّعًا، وأهل المدينة هم من مركز الإسلام ومقرّ الصّحابة والفقهاء والمحدّثين الكبار، ولمن هذا المجلس، إنّه لأحد وجوه عالم الإسلام، إنّه لمحمّد بن عليّ بن الحسين، رجلٌ عظيمٌ من سلالة النبيّ، زعيم الفقهاء والمحدّثين، أستاذ جميع المشهورين في الفقه والحديث، فلماذا يأتون إلى هذا المكان من بين جميع الأماكن ويقولون فيه ما يقولون؟! وفي الأساس لماذا يُقال هذا؟ ألم يكن موته طبيعيًّا فمن الذي قتله أو دسّ له السّم؟ ولماذا؟ وما الذي فعله؟ وما الذي قاله؟ هل كان يدّعي شيئًا؟ أو كانت له دعوة؟ هل كان يُشكّل خطرًا على الخليفة؟ وهل؟ وهل؟.. أسئلةٌ كثيرة وإبهاماتٌ أكثر، ووراؤها عشرات الأسئلة والتّساؤلات، وعندها سيأتي سيلٌ من الأجوبة من أصحاب العزاء وأيضًا من أهل الاطّلاع المنتشرين هنا وهناك بين الجموع المحتشدة، أولئك الذين أسرعوا من المدينة أو الكوفة إلى هذا المكان، وفي الأساس إنّما جاؤوا لكي يُجيبوا عن هذه الأسئلة. لقد جاؤوا ليبيّنوا للنّاس، الوافدين من أرجاء عالم الإسلام إلى هذا المكان، القضايا في هذه الفرصة الفريدة وفي هذا المكان. وبالطّبع، أيضًا، ليلتقوا بالإخوة والموالين من أجل أن يخبروهم ويأخذوا المطالب والأوامر منهم. كانت أعظم شبكة إعلامية تبليغية بين آلاف القنوات الإعلامية في ذلك العصر. وهذه هي الخطّة النّاجحة للإمام الباقر عليه السلام - خطّة جهاده بعد الموت - وهذا هو الوجود الذي تتفجّر منه البركات الذي جعل حياته ومماته لله وفي سبيل الله. "وجعله مباركًا أينما كان، وسلامٌ عليه يوم وُلد ويوم يموت ويوم يُبعث حيّا"[9].
الظروف السّياسيّة عند شهادة الإمام الباقر عليه السلام
توفّي الإمام الباقر عليه السلام وهو في السّابعة والخمسين من عمره، على عهد هشام بن عبد الملك، وهو من أكثر ملوك بني أميّة اقتدارًا. ورغم ما كانت تُحيط بالحكومة الأموية آنذاك من مشاكل ومتاعب، فإنّ ذلك لم يصرفها عن التآمر على القلب النابض للشّيعة، أي الإمام الباقر عليه السلام، فأوعز هشام إلى عملائه أن يدُسّوا السمّ للإمام عليه السلام، وحقّق بذلك انتصاره في القضاء على أخطر أعدائه.
كان نظام بني أميّة في السنوات الأخيرة لحياة الإمام الباقر عليه السلام، وفي سنوات بدايات إمامة ولده الإمام الصادق عليه السلام، يمرّ بأحد أكثر فصوله المليئة بالأحداث والمتغيّرات. فالتحدّيات العسكريّة في الحدود الشمالية الشرقية ـ تركستان وخراسان، وفي الشمال ـ آسيا الصغرى وآذربايجان، والمغرب ـ وأفريقيا والأندلس وأوروبا، هذا من جانب، والثّورات والانتفاضات المتلاحقة في أنحاء العراق العربيّة وخراسان وشمال أفريقيا، الّتي كانت تنطلق بالأغلب بواسطة السكّان المحلّيّين السّاخطين الّذين يئنّون من الظّلم، وكانت أحيانًا بتحريك أو مساعدة القادة العسكريّين المغول الأمويّين[10]، من جانبٍ آخر، وكذلك الوضع الصّعب الداخليّ في كلّ الأماكن وخصوصاً في العراق - مقر الدهاقين الكبار لبني أميّة وموقع الأراضي الخصبة الّتي كانت في الأغلب من ممتلكات الخليفة أو أحد رجالاته - وكلّ الظلم والحيف الهائل لهشام وواليه المتجبّر في العراق ـ خالد بن عبد الله القسري[11]، وفي النهاية القحط والطاعون في مختلف المناطق، ومنها خراسان والعراق والشام، كلّ هذا جعل البلاد المترامية للمسلمين في حالةٍ عجيبة بسبب نظام بني أميّة وعلى يد أشهر الولاة. وينبغي أن نُضيف أنّ أكبر خسارة حلّت في العالم الإسلاميّ هي الخسارة المعنوية والفكريّة والروحيّة.
في الأجواء الكئيبة للدّولة الإسلاميّة، الّتي كان فيها الفقر والحرب والأمراض مثل صاعقةٍ نزلت من أصحاب السّلطة والمستبدّين الأمويين على رؤوس النّاس المساكين تحرق وتذر رمادًا، أضحت تربية غرسة الفضيلة والتقوى والأخلاق والمعنويّات في عداد المستحيلات. فالعلماء والقضاة والمحدّثون والمفسّرون الّذين كان ينبغي أن يكونوا ملجأ وملاذ النّاس المساكين والمظلومين صاروا في الأغلب سببًا لزيادة مشاكل النّاس بطريقةٍ أشدّ خطرًا من رجال السّياسة. فقد أصبح المشاهير والشخصيّات المعروفة في الفقه والكلام والحديث والتصوّف بيادق بيد جهاز الخلافة الكبير، وألاعيب بيد الأمراء والحكّام.
من المؤسف القول بأنّ دراسة أحوال هذه الشخصيّات الوجيهة وأصحاب السّمعة تجعلهم يتجسّدون، في ذهن كلّ من يُطالع، بصورة رجال يشتركون في معلف الأماني المنحطّة كالسّعي لنيل السّلطة والسّمعة والشهرة، أو جبناء ومنحطّين وطلّاب راحة، أو زهّاد مرائين وحمقى، أو متظاهرين بالعلم، مشغولين بالأبحاث الدمويّة الكلاميّة والاعتقادية.
فقد تبدّل القرآن والحديث الّذي ينبغي لكلّ منهما أن يصبح سببًا لرشد ونموّ غرسات المعرفة والخصال الحسنة، إلى أدوات بيد أصحاب السّلطة، أو للانشغال بالأمور الّتي لا فائدة منها.
في هذه الأجواء السّامّة والخانقة والمظلمة وفي ذلك الزّمن المحفوف بالبلاء والمصاعب، حمل الإمام الصادق عليه السلام ثقل الأمانة الإلهيّة على عاتقه. وحقًّا، كم كان ضروريًّا وحيويًّا أن نتعرّف على الإمامة بذلك المفهوم الرّاقي الموجود في الثقافة الشيعيّة. وبالنسبة للأمّة الذليلة والخانعة والمخدوعة والجاهلة في ذلك الزمان المظلم والمليء بالمصائب، رأينا سابقًا أنّ الإمامة منبعٌ لتيّارين حياتيّين: الفكر الإسلاميّ الصحيح، والنّظام التوحيديّ العادل، والإمام مكلّفٌ بهاتين الوظيفتين: الأولى، تبيين الدّين وتطبيقه وتفسيره ـ وبما يتضمّن مواجهة التحريفات، والاختلاقات الجاهلة والمغرضة - ومن ثمّ التخطيط وإيجاد الأرضيّة لنظام التوحيد العادل والحقّانيّ، وفي حال وجود مثل هذا النّظام، منحه الدوام والاستمراريّة. والآن في مثل هذه الأوضاع والأحوال السيّئة، يتحمّل الإمام الصادق عليه السلام ثقل هذه الأمانة، ويصبح مسؤولًا عن هذين التّكليفين. ففي آنٍ واحد، تصبح هاتان الوظيفتان أمام ناظريه، فماذا يقدّم منهما؟ صحيحٌ أنّ العمل السياسيّ له مصاعبه الكثيرة، ولا يوجد شيءٌ يُمكن لهشام الأمويّ مع كلّ مشاغله ومتاعبه أن يغفره، أو لا ينتقم منه بشدّة، ولكنّ العمل الفكريّ ــ أي مواجهة التحريف ــ في الحقيقة عبارة عن اقتلاع وريد الجهاز الحاكم، جهازٌ لا قدرة له على البقاء إلّا بالاعتماد على الدين الانحرافيّ[12].
لهذا، فإنّهم أيضًا لن يغفروا هذا العمل أو يمرّوا عليه مرور الكرام، هشامٌ، ولا غيره من علماء العصر، العلماء الّذين يسعون لترويج المجتمع المنحطّ والمنحرف، يتحرّكون بفعاليّة من أجل ذلك.
ومن جانبٍ آخر، فقد تهيّأت الظّروف من أجل نشر وتعميم الفكر الثّوريّ الشّيعيّ. فقد كان هناك حربٌ وفقرٌ واستبداد، عوامل ثلاثة مهيّئة ومعدّة للثورة، وتهيّأت الأرضيّة من قبل الإمام السابق، والّذي جعل أجواء المناطق القريبة وحتى البعيدة مهيّأة إلى حدٍّ ما.
إنّ الاستراتيجية العامّة للإمامة هي إيجاد الثّورة التوحيديّة والعلويّة، ففي أجواءٍ سيكون فيها جماعة مطلوبة من النّاس تعرف أيديولوجيّة الإمامة وتؤمن بها وتتشوّق انتظارًا لتحقّقها، وجماعة أخرى مطلوبة ينبغي أن تنضم إلى تلك التشكيلات المناضلة والعازمة. فاللازم المنطقي لهذا التحرّك العام والنهج الكلّي هو دعوة شاملة في كلّ العالم الإسلامي من أجل تهيئة الأجواء لإشاعة الفكر الشيعي في كلّ الأقطار، ودعوة أخرى من أجل إعداد الأفراد المستعدّين وأعضاء "التشكيلات الشيعيّة السرّية" المضحّين. إنّ صعوبة عمل دعوة الإمامة الحقّة كامنٌ في هذه النقطة. فهناك دعوة مسلكية كاملة تريد أن تبعد كلّ أنواع التسلّط والاعتداء على حقّ النّاس بالحريّة ورعاية الأصول والموازين الإسلاميّة الأساس، وهي مضطرّة للاعتماد على مشاعر وفهم النّاس وأن تنمو وتتقدّم في مجال إدراك مشاعرهم وحاجاتهم الأساس. وعلى العكس كان هناك أنواع من النّضال تتشبّث بالشّعارات المسلكيّة والدينيّة لبدء عملها، ولكنّها في التطبيق وعلى الأرض تتوسّل بكلّ أنواع السعي للسلطة ككلّ المتسلّطين الّذين يغضّون الطرف عن الأصول الأخلاقيّة والاجتماعيّة ولا يعبؤون بمثل هذه الصعوبات، وهذا هو سرّ إطالة أمد تيّار نهضة الإمامة، وأيضاً سرّ تقدّم النهضات الموازية لنهضة الإمامة - كبني العبّاس - والفشل النسبيّ لهذه النهضة. وهذا الطلب سوف نعرضه في المستقبل وبمزيد من الشرح بالاعتماد على الوثائق التاريخيّة.
إنّ الأوضاع والأحوال المساعدة والأرضيّات الّتي أمّنها الإمام السابق في عمله، كانت تؤدّي إلى أن يظهر الإمام الصادق عليه السلام كتجلٍّ للأمل الصادق الّذي عاشه الشّيعة لسنوات وهم بانتظاره، وذلك بالالتفات إلى الطريق الطويل والمليء بالمشقّات لنهضة التشيّع، وهو نفس القائم (الإمام الصادق عليه السلام ) الّذي سوف يوصل كلّ الجهاد المرير لأسلافه إلى ثمرته وسوف يقيم الثورة الشيعيّة على مستوى العالم الإسلاميّ المترامي. فالإشارات، وأحيانًا التصريحات المباشرة للإمام الباقر عليه السلام، كانت مؤثّرة أيضًا في ترعرع ونموّ غرسة الأمل هذه.
يقول جابر بن يزيد: سأل رجلٌ الإمام الباقر عليه السلام عن القائم الّذي يكون من بعده، فوضع الإمام يده على كتف أبي عبد الله وقال: "إنّ هذا هو قائم آل محمّد"[13].
[1] قوله "أيّها النّاس" موجّه الخطاب إلى مجموعة أصحاب الرتب العالية في الحكومة الذين اجتمعوا في مجلس بمثل هذه الحساسية والهيبة، حول الخليفة وأرادوا الدفاع عنه، وفي الواقع هو نفي لكل القيم التي كانت تفصل، في ذلك المجتمع الطاغوتي، هؤلاء المستكبرين عن عامّة النّاس وتميّزهم عنهم. وأرادوا بذلك أن يُميّزوا أنفسهم عنهم. إنّها مواجهة أصولية وعميقة في قالب خطابٍ بسيط (الكاتب).
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص471.
[3] وطبق بعض الروايات فقد أُشيع بين أهل المدن الواقعة على الطريق أنّ محمد بن علي وجعفر بن محمّد أصبحا نصرانيين وارتدّا عن الإسلام، العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج46، ص 306. وشبيهٌ بهذه الواقعة حدث في حركة تحرير الهند وفي عقود منتصف التاسع عشر: (فمولانا) الذي كان من علماء الدين المعروفين والمعتبرين في الهند وأول قادة المقاومة لمسلمي الهند - وهم من روّاد حركة تحرير شبه القارّة - قد ذُكر من جانب مجموعة من العلماء المعارضين للجهاد كشخص وهّابي. ولم يكن من حاجةٍ لأي تبريرٍ أو مناسبة من أجل إشاعة هذه التّهمة، فكان يكفي لأجل إسقاط مثل هذه الوجوه المحبوبة والمعروفة والمجاهدة من أعين عامّة النّاس الجاهلين والغافلين حتى يُتّهم أيّ شخصٍ بالوهّابيّة. لم يكن عوام النّاس يعلمون ولم يكونوا قادرين أن يعلموا ما هي الوهّابيّة، وما هو منشؤها، وماذا تقول، وماذا تريد أن تفعل، وهل أنّه من الممكن أن يكون العلماء المنزّهون الذين قضوا حياتهم في النّضال ضدّ الاستعمار الإنكليزي وهّابيين - أي أداة بيد الإنكليز؟ الشيء الوحيد الذي كانوا يعلمونه، هو أنّ الوهّابية هي عبارة عن مذهب خاطئ وانحرافيّ، وها هم يسمعون أنّ هؤلاء العلماء المناضلين وهّابيّون ويكفي مثل هذا. (راجع كتاب المسلمون في حركة تحرير الهند، "طباعة آسيا"). وأنا عندما أطبّق قصّة إحضار الإمام الباقر والإمام الصادق عليه السلام إلى الشام واتّهماهما بالتنصّر على المئة سنة ونيّف في الهند في العصر الحديث ثمّ ألقي نظرةً على الأوضاع والأحوال الجارية في زماننا ومكاننا أسترجع في ذاكرتي هذا المصرع للبيت الشعري العربي بكلّ حيرة مؤسفة، "النّاس كالنّاس والأيام واحدة". (الكاتب)
[4] سورة هود، الآية 86.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص472.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 46، ص 361-362.
[7] سورة الرعد، الآية 39.
[8] بحار الأنوار، ج42، ص223.
[9] هذا الدعاء مقتبس من الآيات القرآنية الواردة في حق نبي الله عيسى عليه السلام،(سورة مريم، الآيات 31 - 33)
[10] وقد نسب المؤرّخ جميع هؤلاء ودون استثناء إلى الخوارج، وهذا بذاته مؤشّرٌ على أنّ جهاز الخلافة كان هو المقصود بهذه الثورات والنهضات الّتي كان أغلبها أو بعضها على الأقل محقًّا.(الكاتب)
[11] اتّهم خالد بن عبد الله القسري أنّ دخله السنوي بلغ 13 مليوناً وكتب هشام بن عبد الملك إليه: لا يبيعنّ أحدٌ غلّته حتى تُباع غلّة أمير المؤمنين! وقد قال خالد هذا (والذي لم يكن على صبغة واحدة مع الخليفة) في خطبة له: يظنّ النّاس أنّني أرفع الأسعار. ألا لعنة الله على كلّ من يرفع الأسعار.(وكان يريد أن يقول أن هذا من عمل الخليفة). كان لهشام امرأة لباسها من الذهب وقد عُلّقت فيه الجواهر النفيسة وكان ثقيلاً إلى درجة أنّها لم تقدر على المسير به. ولم يتمكّن أحدٌ من تحديد قيمته. وكان له سجّادةٌ بطول مئة ذراع وعرض خمسين ذراعاً حيكت من الحرير والذهب.(ابن الأثير، ج5، ص220 و بين الخفاء والخلفاء، ص 28 و56) (الكاتب).
[12] هذه النقطة جديرة بالتأمّل والتدقيق الكثير وهي أنّه بالرّغم من كل هذه الانحرافات الّتي هيمنت على سلوك المجتمع ووجوده من ناحية الفكر الإسلامي الصحيح، فإنّ الاعتقادات الدينيّة في ذهن العامّة وحتّى الكثير من الزعماء كان له دورٌ حسّاس في عملهم وحياتهم. وعن طريق هذا الاعتقاد العام ــ والذي كان للأسف اعتقاداً بمنسوجات تُسمّى إسلاماً لا الإسلام الصحيح ــ تمكّن نظام الخلافة من الإبقاء على حياته. ونموذجٌ من هذا التمسّك بالاعتقادات الدينيّة يمكن مشاهدته في أداء هؤلاء الزعماء والوجهاء في قضيّة البيعة. ما أكثر النّاس الذين كانوا يطيعون الخليفة احتراماً للعهد وحرمة نقده ــ وخاصّةً عهد البيعة ــ وبالرغم من كل المعاصي والجرائم الّتي كانوا يرونها منه. وما أكثر الموارد الّتي أظهرت الوصية والبيعة بدورها القاطع إمكان بقاء نظام الخلافة وأعطت المناعة لهذا النّظام مقابل أيّ سعيٍ. (الكاتب)
[13] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 47، ص 131.
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
