التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
تاريخ العلاقات البحرية بين مصر وسوريا من أقدم العهود حتى عهد البطالمة
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 113 ــ 120
2025-07-15
36
ولا غرابة في أن نجد بطليموس يلح في الاستيلاء على سواحل سوريا؛ إذ ليس ذلك بالأمر الجديد فقد دلت البحوث الأثرية على أن مصر كانت لها علاقة بجيرانها الآسيويين منذ عهد ما قبل التاريخ، وبعبارة أخرى منذ العهد الجزري(1)، وفي الأزمان التاريخية تظهر سياسة مصر في علاقاتها مع آسيا على الأقل في خطوطها العريضة، وذلك على الرغم من أن المصادر ليست جلية تمامًا من حيث التفصيلات الفنية، ومن أجل ذلك لم يظهر أمامنا بصورة جلية حتى الدولة الحديثة إلى أي حد لعب الأسطول المصري دورًا حاسمًا في النشاط المصري التجاري والحربي في عرض البحر، والواقع أن السياسة المصرية في آسيا كان لها غرض مزدوج وهو تأمين الحدود المصرية والحصول على منتجاتها الثمينة، وذلك في طوال تاريخها، ففي العلاقات التي كانت قائمة في سوريا كانت المصالح التجارية أكثر أهمية في حين نجد أن فلسطين كانت أهميتها تنحصر بوجه خاص في قيمتها الاستراتيجية من حيث الأمان من الوجهة الحربية، وكانت أهمية بلاد آسيا لا تقل عن أهمية بلاد السودان لمصر، ولذلك كان يعيَّن فيها نائب لملك لمصر، غير أن سيطرة مصر على هذا الجزء من إمبراطوريتها كان يضيع من يد مصر أو يعرض لخطر عظيم على الأقل عندما كان الحاكم المصري يظهر أي تراخٍ، وهذا هو نفس ما وجدناه في عهد البطالمة الأول، هذا ونجد في فلسطين وعلى فترات في بلاد سوريا مراقبة ملحوظة، وذلك إما بإقامة معاقل أو حاميات في المدن الهامة (2).
وإما بمساعدة رؤساء المدن الذين نصبهم الفرعون ملوكًا هناك، وكانوا مرتبطين معه بالمواثيق والهبات التي كان يغدقها عليهم، وكذلك بالرهائن التي كانت في العادة تمثل أولاد الأمراء (3)، وهذا هو نفس ما نجده في عهد البطالمة، والواقع أن الموظفين المصريين كانوا يُرسَلون إلى آسيا للمحافظة على المصالح المصرية ولم يقوموا بأي دور حاسم هناك كما كانت الحال في بلاد النوبة.
هذا وكان المصريون مهتمين بالحصول على الخشب الذي كان يُجلَب من لبنان وبخاصة من بلدة «ببلوص» (جبيل الحالية) الواقعة على الساحل، وكانت أحسن ميناء لتصدير الخشب المستخرج من هذا الإقليم، فقد كان لها نشاط تجاري عظيم مع مصر يرجع إلى العهد الطيني كما تدل على ذلك الآثار المكشوفة هناك (4).
ولا ريب في أن هذه المواصلات كانت عن طريق البحر، وقد جاء على حجر «بلرمو» أن «سنفرو» قد أحضر أربعين سفينة محملة بخشب «عش»(5) هذا ولدينا رأس بلطة للملك «خوفو» أو «سحورع» وُجدت في سوريا جاء عليه اسم بحار مصري(6)، وفضلًا عن ذلك نشاهد سفنًا مصرية مصورة في معبد سحورع وكذلك في طريق الملك أوناس الذي كشف عنه المؤلف حديثًا (7)، وأهمية هذه التجارة البحرية بالنسبة لجبيل يمكن أن تُلحظ في السفن التي كانت تمخر عباب البحر في أثناء الرحلات إلى بلاد «بنت» فقد كانت السفينة تسمى غالبًا سفينة جبيل «تاكبنتي»، هذا ونجد في البردية التي تحتوي على متن يُدعَى «تحذيرات حكيم»(8) الفقرة المشهورة التي تشير إلى انقطاع هذه التجارة في العصر المتوسط الأول وهي: إن القوم لا يسبحون شمالًا إلى «ببلوص» اليوم، فماذا سنعمل من أجل خشب الصنوبر (عش) لزيتنا؟ وهو الذي يحنط به الرؤساء حتى «كفتيو» (دكريت).
والواقع أنه كان لا بد لتفسير المواصلات النشطة التي بين مصر وببلوص أن يكون هناك اتصال عن طريق البحر، وذلك لأنه كان من الصعب أن تستمر برًّا بطريق فلسطين البرية، وكان لا بد للوصول إلى هذا من وجود سيطرة قوية على كل الساحل حتى ببلوص لأن طريق البر كانت وعرة لقلة الماء ووعورة الطريق الجبلية التي تعترض الإنسان في سيره حتى يصل إلى هذه الجهات (9).
ولا نزاع في أن الأسطول المصري كان من وقت لآخر على الأقل يستعمل في الحروب في فلسطين لتجنب وعثاء السير على الأقدام في الصحراء، ولا أدل على ذلك مما نقرؤه في نقوش القائد «وني» وهي التي دوَّنها على لوحته المشهورة وترجع إلى الأسرة الخامسة، فقد ذكر لنا أن جنوده المصريين قد أرسلوا إلى الساحل الفلسطيني لشن غارة على عصابات هناك للقضاء عليها. (10)
أما في عهد الدولة الوسطى فلا نعرف إلا القليل عن تفاصيل حروبها في سوريا، ومن أجل ذلك ليس في استطاعتنا معرفة الدور الذي قام به الأسطول في خلالها، وفي عهد العصر المتوسط الثاني لدينا براهين أثرية وبخاصة أواني تل اليهودية العظيمة الانتشار تثبت أنه كانت هناك مواصلات غاية في النشاط بين مصر وآسيا، ولكن دون أنعرف أي شيء عن التفاصيل الفنية، وهذا هو نفس ما ينطبق على النشاط الذي كان بين مصر وسوريا في خلال الجزء الأول من الأسرة الثامنة عشرة، فقد ذكرت لنا النقوش أن ملوك مصر كانوا أصحاب نشاط في سوريا، وأن «تحتمس» الأول وصل إلى نهر الفرات، وكذلك كان رئيس المجدفين «أحمس بن أبانا» قد اشترك في الحملة التي قام بها «تحتمس الأول» على «نهرين»، غير أنه ليس لدينا في النقوش ما يخوِّل لنا القول إن الأسطول قد قام بدور حاسم في هذه الحملة، وتدل شواهد الأحوال على أنها كانت غارة عابرة للاستكشاف أكثر منها محاولة جدية قصد منها جعل كل هذا الإقليم خاضعًا للنفوذ المصري، ولقد كان على تحتمس الثالث أن يبتدئ من جديد غزو هذه البلاد بصورة جدية، وذلك لأن نشاط «حتشبسوت» الحربي كان قليلًا جدًّا بالنسبة لمن سلف من ملوك مصر.
وحملات تحتمس الثالث المعروفة جيدًا وهي التي تحدثنا عنها في الجزء الرابع من هذه الموسوعة بالتطويل لا داعي للتحدث عنها بالتفصيل هنا فنجده أولًا هدَّأ الأحوال في فلسطين، وعلى ساحل سوريا ومن هذه القاعدة نجح في تخريب بلدة قادش التي قاومته بعنف ثم ضرب بعد ذلك أهل «ميتني» (نهرين) ضربة قاسية، وكانت أقوى أعداء تحتمس الثالث، وأشدهم مقاومة، وذلك بتخريب هذه البلاد التي كانت تمتد على جانبي نهر الفرات.
هذا ولدينا من الأسباب ما يحملنا على الاعتقاد بأن هذا النجاح الذي أحرزه تحتمس في شمالي سوريا يرجع بوجه خاص إلى استراتيجية جديدة أُدخلت في العام الثلاثين من حكم هذا الفرعون، والواقع أن حملة هذا العام التي انتهت بتخريب «قادش» يعتقد أنها أول حملة استُعملت فيها السفن لنقل جنود الجيش، وعلى ذلك تكون أول عملية بحرية عظيمة في تاريخ الإنسان، على أن البراهين المباشرة على صحة ذلك قليلة، وقد أشير لهذه الحملة في تاريخ تحتمس الثالث بكلمة «حملة»، وخصصت الكلمة الدالة على ذلك بصورة سفينة مما يدل على أن الملك قد قام بهذه الحملة عن طريق البحر إلى سوريا، ومنذ ذلك الوقت أخذت قوة مصر البحرية تزداد اتصالًا ببلاد سوريا وفلسطين حتى نهاية الأسرة الثامنة عشرة إلى أن جاء عهد «إخناتون» ففقدت مصر سلطانها البحري كما فقدت ممتلكاتها في الجزء الشمالي من إمبراطوريتها الآسيوية، فحل محلها السوريون، وعندما أخذت مصر تفيق من سباتها كان الوقت متأخرًا لإعادة هذه السيادة البحرية، وذلك لأن المواقع الحربية كانت في فلسطين وجنوبي سوريا، ولم يكن هناك أي أمل في استرجاع المديريات الشمالية التي فتحها تحتمس الثالث، وأخلافه، كما أن الأسطول الذي كان يُستعمل فيما بعد لنقل الجنود ومُعَدَّات الحرب لم يكن ضروريًّا كما كانت الحال من قبل، وذلك لأننا لم نسمع عنه في الحروب التي جاءت بعد ذلك، فقد زحف سيتي(11) الأول بجيشه في الصحراء، وكذلك يظهر أن رعمسيس الثاني لم يستعمل أسطولًا عندما شن الحرب على قوم «خيتا»، يضاف إلى ذلك أن رعمسيس الثالث، قد قابل أقوام البحر(12) عند مصب النيل وقضى عليهم بمساعدة سفن نيلية وبمعاضدة الرماة الذين كانوا يرمون سفن العدو من الشاطئ، وأخيرًا نفهم من قصة (13) «ونآمون» الشهيرة أن قوة مصر البحرية في خلال الأسرة الواحدة والعشرين وهي التي كانت في يوم من الأيام تسود الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط قد قضى عليها قضاء مُبرمًا.
وقد ظلت حال البلاد كاسدة من الوجهة البحرية إلى أن جاء عهد النهضة المصرية في خلال الأسرة السادسة والعشرين فأخذت مصر تتصل ببلاد اليونان اتصالًا وثيقًا وبدأت تستخدم الجنود الإغريق والبحارة الإغريق في حروبها مع «بابل» و«الفرس». ولقد اضطر المركز الدولي الملك «نيكاو» ثاني ملوك الأسرة السادسة والعشرين (609–594 ق.م) أن يعزز قوة بلاده البحرية، فاتخذ سياسة جديدة لم تنتهجها مصر منذ عهد «تحتمس الثالث»، فأنشأ أسطولًا بحريًّا يمخر عباب البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وكانت سفنه على غرار السفن الإغريقية وقتئذ من التي لها ثلاثة صفوف مجدفين، ثم نجد أنه في السنين الأولى من حكمه قد بدأ بداية حسنة في هذه الناحية لدرجة أن قوم الفينيقيين المعروفين وقتئذ بمهارتهم البحرية قد أصبحوا تحت سلطانه، وتدل شواهد الأحوال على أن «نيكاو» كان يعمل لإعادة الطريق المائية التي يحتمل جدًّا أنها كانت موجودة في عهد الأسرة الثانية عشرة، وهي عبارة عن قناة تأخذ ماءها من فرع النيل «البلوزي» لتصل إلى السويس وبذلك توصل بين البحرين (راجع مصر القديمة الجزء 12 والجزء 13) والواقع أن الأسطول الذي بناه نيكاو كان يعد أكبر أسطول تجاري في البحر الأبيض المتوسط في عهده، ولا نزاع في أن هذا الأسطول كان النواة الأولى في إقامة مجد مصر البحري في خلال الأسرة السادسة والعشرين، وحتى بعد أن استولى الفرس على مصر ثم جُلُوا عنها نجد أن مصر أخذت تعيد مجد أسطولها البحري الذي حاربت به الفرس وساعدت به اليونان في حروبها مع الفرس وكذلك في تجارتها مع بلاد آسيا واليونان، ولا غرابة إذن أن نجد من أهم ما تصبو إليه نفس بطليموس الأول أن يستولي على سوريا ليكون في مأمن من غارات مناهضيه ويبعد عن مصر كل خطر خارجي من هذه الجهة، غير أنه لم يتعجل الحوادث، وذلك لأن العامين اللذين كان فيهما «أنتيباتر» وصيًّا على عرش الإمبراطورية قد قضاهما في وضع أحوال الدولة في نصابها، وبوجه خاص في «أتولي» في حين أن «أنتيجونوس» كان يطارد آخر أتباع «برديكاس» وهو «إيمنيس» الذي أجبره بعد أن هزمه إلى الالتجاء إلى «وكر النسر» الشهير في «نورا» بآسيا الصغرى، وبذلك أصبحت كل بلاد آسيا الصغرى في قبضته تقريبًا، وفي خلال تلك المدة كان بطليموس يعمل جاهدًا في تثبيت ممتلكاته وتوسيع رقعتها.
والواقع أن مصر منذ عهد «نيكاو الثاني» كانت تتطلع لمد نفوذها في بحر إيجه، ومن أجل ذلك أصبح أسطوله يعد أكبر أسطول بحري في عصره (راجع مصر القديمة الجزء 12)، ومع ذلك نجد أنه قبل عهد الإسكندر كانت سياسة مصر متجهة بصورة خاصة نحو آسيا وبلاد «كوش» ولقد كان لزامًا على البطالمة بطبيعة الحال أن يهتموا بدورهم بحدود بلادهم الجنوبية، وكذلك يناهضون أعداءهم الآسيويين، غير أن الأحوال في تلك الفترة قد تغيرت وأصبح بحر إيجه هو المكان الرئيسي الذي تدور فيه المعارك لكسب المكانة الأولى في السياسة العالمية، وذلك أنه في هذا البحر وجزره وسواحله قد نشأت وترعرعت المدنية الهيلانستيكية التي سيطرت بنفوذها على الأمم الأخرى، حقًّا إن أهل بلاد الإغريق منذ النصف الثاني من القرن السابع أخذوا يَفِدون على مصر كما أسلفنا ويتعلمون عنها، غير أن المصريين قد تخلفوا عن الإغريق الذين ساروا بركب الحضارة قُدُمًا.
ولقد كان من رأي الإسكندر وسياسته التي يرمي إليها هو اتباع سياسة إدماج السلالات التي استولى عليها، وأن يعيد نهضة الشرق، فكان يرى أن البلاد الشاسعة التي أخضعها لسلطان قواته والتي كانت عواصمها في آسيا، أن لها مكانة تعادل مكانة مقدونيا وبلاد الإغريق، ولكن تدل الظواهر على أن فكرة الإسكندر كانت تنحصر في أن الثقافة الهيلانستيكية يجب أن تكون متأصلة في كل إمبراطوريته على ألا تكون هذه الثقافة خاصة بعلية القوم، بل يجب أن تنتشر بين كل طبقات الشعب بقدر المستطاع، ونحن نعلم الدور الذي خصصه الإسكندر للمدن الإغريقية سواء أكانت المدن القديمة أم التي أنشأها، وهذا النفوذ الذي نالته الثقافة الهيلانستيكية كان لا يمكن أن يعظم إلا إذا أصبحت مقدونيا مهد الملكية من جديد.
والواقع أن «مقدونيا» كانت تحتل فعلًا هذه المكانة بطبيعة الحال، وذلك لأنها كانت تحتل مكانة لا ينازعها فيها منازع في كل مرافق الحياة الاقتصادية والسياسية، وفي خلال القرن الثالث قبل الميلاد كانت بلاد الإغريق مزدحمة بالسكان وممتلئة بالحماس وغنية بالنشاط الفياض، ولما كان رؤساء المقدونيين الذين قسموا حكم الإمبراطورية التي خلفها الإسكندر فيما بينهم قد أرادوا أن يُظهروا قيمة البلاد التي يحكمونها فإنهم من أجل ذلك كانوا في حاجة متزايدة للنشاط الصناعي الذي كان ينمو في هذه الجمهوريات الإغريقية الصغيرة، وهي التي كانت قد مزقت وحدتها الأحزاب، ولكن على الرغم من ذلك كانت تزخر بالشخصيات أصحاب العبقريات الجبارة، وقد رأينا عند التحدث عن «بسمتيك الأول» مؤسس الأسرة السادسة والعشرين في مصر كيف أنه استعان بالجنود المرتزقة المدرَّبين على فنون الحرب لإحياء مجد مصر من جديد، ولا نزاع في أن مصر كانت في حاجة ماسة إلى الإغريق وثقافتهم، وبخاصة عندما نعلم أن كل البلاد التي حول البحر الأبيض المتوسط قد اعتنق حكامها الثقافة الإغريقية، وها نحن أولاء نرى الإسكندرية تفتح باب مصر على مصراعيه على هذا البحر، والواقع أنه بفضل هذه الميناء العظيمة الاتساع كان وادي النيل يتعلم من العالم الإيجي الآراء الجديدة، كما كان يتبادل معه محاصيل تربته وصناعتها، هذا بالإضافة إلى ما كان يأتي عن طريقها من البلاد الإفريقية ومن بحر الهند، ولا نزاع في أن التجارة كانت من أعظم مقومات الحياة في مصر عن طريق البحر، ولن ندهش إذن عندما نرى بطليموس قد استولى في خلال السنتين اللتين أعقبتا اتفاق «تريبا راديوس» على بلاد سوريا من أول لبنان، جنوبا إلى ما نسميه الآن فلسطين، وهو الجزء الذي كان يسميه الإغريق عادة في تلك الأيام سوريا الجوفاء، وذلك بالنسبة لانخفاض وادي الأردن.
وقد كانت هذه البلاد عند اتفاق «تريبا راديوس» من نصيب إغريقي يُدعَى «لاؤميدون» Laomedon وقد حاول بطليموس في بادئ الأمر أن يشتريها منه بمبلغ من المال(14)، وقد لمح له بأنْ لا فائدة من المعارضة في موضوع قد اتفق عليه مع كل من أنتيجونوس وأنتيباتر، وعندما رفض لاؤميدون غزا بطليموس سوريا بجيش مصري بإمرة قائد يُدعَى «نيكانور» Nicanor وهو أحد سمار بطليموس الذي كان بدوره على رأس أسطول ممتد على الساحل يحض المدن الفينيقية على التسلم، ولم يمض طويل زمن حتى استولى بطليموس على هذه البلاد بعد أن فر لاؤميدون هاربًا، ويقال إن بطليموس استولى في خلال هذه الغزوة على أورشليم في يوم سبت؛ أي في يوم كان يحرِّم فيه الدين اليهودي على معتنقيه العمل(15)، غير أن المؤرخ «بوشي لكلرك» يظن أن هذا الحادث قد وقع على أغلب الظن بعد ذلك عام 312 ق.م، ولا نزاع في أن بطليموس كان لا يمكنه تجنب الاستيلاء على هذه المدينة من هذا المجتمع الغريب (كما كان يظهر للإغريق) عندما كان يمد سلطانه على فلسطين في خلال عامي 320–318 ق.م، وعلى أية حال فإن فتْح سوريا وتملُّكها كان من التقاليد المصرية القديمة، كما ذكرنا من قبل، منذ بداية الأسرة الثامنة عشرة إذ كانت بمثابة سد في وجه كل الممالك المعادية لمصر في آسيا، ولا ريب في أنها كانت ضرورية لمصر في هذه الفترة من تاريخها البحري في عهد البطالمة، غير أن بطليموس باحتلال هذه البلاد قد خلق سببًا لتذمر أي قائد عظيم يطمع في أن يكون سيد كل الإمبراطورية المقدونية كما سنرى بعد.
وقد كان بطليموس يرى لأجل أن تكون مصر دولة بحرية قوية أنه لا بد من الاستيلاء على قبرص، وكانت تسيطر عليها وقتئذ أسرات من أهلها فلم تكن من أجل ذلك غنيمة باردة يمكن الاستيلاء عليها بمجرد القوة، وذلك لأن هذه الأسرات كانت صديقة لأولئك الحكام الذين اشتركوا في اتفاق «تريباراديوس» وأن الهجوم عليهم يعد فضيحة، فكان على بطليموس أن ينتظر حتى خلق فرصة يمكن بها تحويل هذه الجزيرة إلى ضيعة خاصة ببطليموس.
................................................
1- راجع: Scharff Die Fruhkulturn Agypten und Mesopotameens (Der Alt Orient, Bd. 41. Lpz. 1941).
2- راجع: Urk. IV, 1739, Gebel Barkal Stele of Thutmoses III. A. Z. 69, 35; CF. Rowe, The Topography and History of Beth-Shan. Philad. 1930: and for the Amarna period. J. De Konig; Studien over de Amarnabreeven, Deft 1940, Deel II, Hoofdstuck 11. راجع كذلك مصر القديمة الجزء الرابع.
3- راجع: Urk. IV, 690; El Amaran Tablet, 296, 25 FF.
4- راجع: Montet Byblos et L’Egypte id, Le Drame d’Avaris, PP.
5- راجع: 19 FF; J. E. A. 12, 83. FF Urk. I, 236.
6- راجع: Rowe, Catal. of Egypt. Scarabs. PP. 283 FF.
7- راجع: Rowe, op. cit. P. 288.
8- راجع: Gardiner, Admonition of an Egyptian Sage, P. 32.
9- راجع: Volten Analecta Aegyptiaca IV, PP. 47 F; Gardiner J. E. A. I, 81.
10- راجع مصر القديمة الجزء 10.
11- راجع مصر القديمة الجزء السادس.
12- راجع مصر القديمة الجزء السابع.
13- راجع الأدب المصري القديم، الجزء الأول ص161–171.
14- راجع: Applian Syr. 52.
15- راجع: Agatharchides F. H. G. III, P. 196.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في العالم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
