مراد السبزواريّ من القائل بأصالة الوجود والماهيّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص65-70
2025-08-05
473
يجب أن نعلم أنّ: مراد الحكيم السبزواريّ قدّس الله سرّه من قوله «وممّن نعاصرهم من الذين لا يستندون إلى قواعد الحكمة» ممّن يقول بأصالة الوجود والماهيّة، هو الشيخ أحمد الأحسائيّ؛ ولا شكّ في هذه النسبة بين العلماء والحكماء بُعَيدَ عصر الحكيم السبزواريّ.
وممّا ذكره جناب السيّد مرتضى المدرّسيّ الجهاردهيّ في شرح حال الشيخ الأحسائيّ والذي قام بتصحيحه السيّد عبّاس إقبال الآشتيانيّ[1] ما يلي:
«مذهب الشيخ وأتباعه: كتب الحكيم المعروف المرحوم الحاجّ الملّا السبزواريّ حاشية في شرح منظومته في بحث أصالة الوجود، تيقّن من خلالها جميع أساتذة العلم والحكمة أن المحقّق السبزواريّ إنّما عنى بكلامه ذاك الشيخ أحمد الأحسائيّ. وننقل هنا الحاشية التي كُتبتْ على المنظومة: «لم يكن أحد من الحكماء يعتقد بأصالة الوجود أو أصالة الماهيّة إلّا واحداً من المعاصرين القائل بهذا المبدأ غاضّاً النظر عن القواعد الفلسفيّة، وقد قال في بعض مؤلّفاته: إن الوجود مصدر الحسنة والخير، والماهيّة مصدر السيئة والشرّ؛ وهذ الصوادر أمور أصيلة؛ فمصدرها أولى بالأصالة.
وبديهيّ أنّكم تعلمون أن الشرّ عدم الملكة؛ وعلّة العدم هي العدم وكيف أنّه يولّد الماهيّة الاعتباريّة.
اعلم أن كلّ ممكن زوج تركيبيّ له ماهيّة ووجود. والماهيّة التي يقال لها الكلّيّ الطبيعيّ، ما يقال في جواب ما هو.
ولم يقل أحد من الحكماء بأصالتهما معاً. إذ لو كانا أصيلين لَزِم أن يكون كلّ شيء شيئين متباينين»[2].
وقد كتب الحاجّ الملّا نصر الله الدزفوليّ أحد العلماء المشهورين في عهد ناصر الدين شاه والذي قام بترجمة كتاب «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد، إلى الفارسيّة امتثالًا لأمر الشاه المذكور، فخرج في ستّة أجزاء، الشرح المذكور في آخر ترجمة الجزء السادس، والذي يخصّ موضوع الشيخ أحمد الأحسائيّ ومذهب الشيخيّة، بعبارات كأنّها ترجمة حرفيّة من العربيّة إلى الفارسيّة وهي بعيدة كلّ البعد عن الاصول اللغويّة وقواعد الفارسيّة: «وعلينا أن نعلم في الجملة أن هناك مناقشات ومخالفات حصلت كذلك بين أصحاب مذهب الإماميّة وخاصّة بين علمائهم المتأخّرين. والسبب في حدوث ذلك يرجع إلى التشبّث بمتشابه الأخبار الواردة في كتب الأخبار، وتأويل القرآن استناداً إلى الأخبار غير الموثوقة، فيما يتعلّق بأئمّتهم وبالجملة الغلوّ في شأنهم. ممّا نتج عن ذلك نشوء المذهب الذي يسمّونه ب- (مذهب الشيخيّة) الذي أسّسه الشيخ أحمد الأحسائيّ، وكلّ تلك المصطلحات المستخدمة إنّما هي منه.
ومن هنا ارتقت أهداف الشيخ بذلك المسلك وسمت به، حتى صار ذلك المذهب يُنسب إليه. وكان يقال له مذهب السيّد الكاظميّ. وكان من بين تلامذته جهلة وامّيّون، وطلّاب شهرة ومجد، وقد ادّعوا ما لم يدّعيه الشيخ أحمد أو السيّد الكاظميّ، ومنهم برزت الأسماء المختلفة كالركن الرابع والباب وقرّة العين الواضحة الأهداف والمضامين.
يعتبر العلماء هذه المفاسد من جملة مقدّمات ظهور المهديّ قائم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم».
وكتب الملّا محمّد إسماعيل بن سميع الأصفهانيّ أحد الحكماء المعاصرين للشيخ الأحسائيّ شرحاً على «الرسالة العرشيّة»، للملّا صدرا الشيرازيّ والذي طبع القسم الأوّل منه في نهاية كتاب «أسرار الآيات» للملّا صدرا في طهران.
وقد أورد الأصفهانيّ في هذا الشرح بعض الانتقادات على شرح عرشيّة الشيخ الأحسائيّ وأجاب على اعتراضاته باسلوب فلسفيّ حكيم.
ونورد هنا مقدّمة الملّا محمّد إسماعيل: «قام الفاضل النبيل البارع الشامخ شيخ المشايخ الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائيّ حفظه الله من جميع البلايا ورعاه بكتابة شرح على عرشيّة الملّا صدرا مليء بالمثالب والتجريح؛ وذلك بسبب جهله مراد المصنّف من الألفاظ والعبارات، وعدم اطّلاعه على الاصطلاحات.
فكتاب «الرسالة العرشيّة» سفر عظيم... وقد طلب منّي بعض الأصدقاء أن أكتب شرحاً عليه وأرفع عنه بعض الحُجُب.»[3]...
وقد أطنب مؤلّف «روضات الجنّات» في مدح الشيخ أحمد عند شرحه لأحواله؛ وكتب في نهاية ذلك الشرح شرحاً آخر قيّم جدّاً مع إيجازه عن حال الشيخ رجب البُرسيّ، في باب ظهور السيّد على محمّد باب؛ وبحث فيه تأريخ ظهور الأوهام والخرافات في مذهب الشيعة الاثني عشريّة، وينسب ذلك البحث إلى الشيخ أحمد، وحول «مشرب الشيخيّة» كتب يقول: «ظهر أتباع هذه الجماعة، الذين اتّخذوا التأويل تجارة وحرفة لهم، مؤخّراً، والحقّ أنّهم ذهبوا في غلوّهم إلى أبعد ممّا ذهب إليه الغلاة... وهم يُدعون بالشيخيّة وب- «پشتِ سريّة» وهي كلمة فارسيّة منسوبة إلى الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائيّ.
وسبب ذلك أن هذه الفئة تقيم صلاة الجماعة في القسم الجنوبيّ من الحرم الحسينيّ، على العكس من مخالفيهم اي فقهاء تلك البقعة المباركة الذين يصلّون في الناحية الشماليّة من الحرم الشريف والذين اشتهروا ب- «بالا سريّة».
ومثل هذه الطائفة كمثل النصارى المغالين في عيسى القائلين بالتثليث.
ويعتبر أتباع مذهب الشيخيّة أنفسهم نوّاب الحجّة عجّل الله تعالى فرجه والباب إليه»[4].
وكتب المرحوم إدْوارْد براوْن في مقدّمة «نقطة الكاف» حول الشيخيّة واصولهم العقائديّة يقول: «الغلاة فرق عديدة وهم يختلفون مع بعضهم في الجزئيّات إلّا أنّهم لا يخرجون بمعتقداتهم تلك عن إطار العقائد الأربع: التناسخ والتشبيه أو الحلول والرجعة والبداء حسبما ذكره محمّد بن عبد الكريم الشهرستانيّ في «الملل والنحل».
ويعتبر الشيخيّة، أتباع الشيخ أحمد الأحسائيّ، في عداد المعتقدين بالبداء.
وكان الميرزا على محمّد الباب ومنافسه الحاجّ محمّد كريم خان الكرمانيّ والذي لم تزل رئاسة الشيخيّة في عَقِبه كلاهما من هذه الفرقة، اي الشيخيّة.
ولهذا فإذا ابتغينا استقصاء اصول الطريقة البابيّة وجذورها توجّب علينا بحثها في معتقدات الشيخيّة وطريقتهم.
[1] قال السيّد عبّاس إقبال الآشتيانيّ في مجلة« يادگار» تحت عنوان« أحوال العِظام» ما يلي:
« الشيخ أحمد الأحسائيّ( 1166- 1241) بقلم السيّد مرتضى المدرسيّ الجهاردهيّ: يمثّل الشرح التالي جزءاً من كتاب قيّم يقوم السيّد مرتضى المدرّسيّ الجهاردهيّ بتأليفه وكتابته منذ مدّة طويلة بتشجيع ورعاية من قِبَل الاستاذ الكبير العلّامة السيّد محمّد القزوينيّ مدّ ظلّه في شرح حال المشاهير وكبار العلماء الإيرانيّين خلال المائة والخمسين سنة الأخيرة. هذا الكتاب الفاخر الذي نتمنّى أن ينتهي منه المؤلِّف قريباً ويُزَيَّن بحلية الطبع، لا شكّ أنّه سيكون كتاباً نفيساً جدّاً وذلك لما يبذله المؤلّف المحترم من جهد دؤوب ومثابرة لا تعرف الكلل أو الملل ليلًا ونهاراً، سواء أ كان ذلك ممثّلًا في ما كرّس المؤلّف نفسه فيه لجمع المعلومات اللازمة لهذا الموضوع أم الذوق الرفيع الذي يحاول من خلاله بذل قصارى جهده في سبيل إخراج الكتاب المذكور بالحُلّة اللائقة به. والحقّ أنّ السيّد المدرّسيّ بعمله هذا يقوم برفع ثقل كبير عن كاهل الأجيال القادمة الذين لا جَرَم سيجوسون خلال الكتب لاستقصاء الأعلام من رجالات عصرنا الحاضر والمشاهير بحرص ولهفة. ونورد هنا الشرح المذكور والذي تطرّق فيه الكاتب إلى تعريف وشرح أحد مشاهير إيران في القرن الماضي، وأعني بذلك الشيخ أحمد الأحسائيّ، مؤسِّس مذهب الشيخيّة والملهم لعدد من النهضات الدينيّة في هذا البلد، مُوَشَّحاً بشيء من التوضيحات والإضافات والتصرّف فيه بإذنٍ من المؤلِّف نفسه مع تقديم خالص شكرنا له.( مجلة« يادگار»).
[2] «شرح منظومة الحكيم المُعظّم الحاجّ الملّا السبزواريّ، ص 5، طبعة الناصريّ.
[3] «شرح المنظومة» للحاجّ الملّا هادي السبزواريّ، ص 5، طبعة طهران- 1298( التعليقة).
[4] توجد أربعة أجزاء من كتاب« ترجمة شرح نهج البلاغة» في مكتبة الأديب المعظّم الاستاذ الجامعيّ السيّد محمّد مشكاة وقد تمّ تأليف الجزء الأخير منه سنة 1290.( التعليقة).
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة