النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
الفيلسوف الكندي آمن بالإمام العسكري "ع"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص127-148
2025-08-14
44
شخصية الكندي الاستثنائية
اشتهر يعقوب بن إسحاق الكندي بلقب : فيلسوف العرب ، وقد ولد سنة 185 ، وتوفي سنة 260 . وكان هو وإسحاق بن حنين ، وثابت بن قرة ، وقسطا بن لوقا البعلبكي ، وآخرون ، أول من أرسلهم المأمون إلى بلاد الروم ، فتعلموا لغتهم ، واشتروا الكتب ، وترجموا العديد منها ، وألفوا الكتب .
وكانت لهم مكانة كبيرة عند المأمون ثم عند المعتصم ، ثم ضعفت في زمن المتوكل واضطهد الكندي بسبب سعاية حساده ، واتهمه بالتشيع وضربه !
وقال المستشرق الفرنسي هنري كوربين : إن الكندي توفي في زمن الخليفة المعتمد في بغداد وحيدًا مهملاً عام 259 ، أي قرب وفاة الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، لكنه كان أكبر سناً من الإمام العسكري ( عليه السلام ) فقد عاش بضعاً وسبعين سنة ، بينما عاش الإمام ( عليه السلام ) تسعاً وعشرين سنة .
( يقول عنه المستشرق الفرنسي كاردو افو : Cara de Vaux : الكندي واحد من الاثني عشر عبقرياً الذين ظهروا في العالم .
أما الراهب والعالم الإنجليزي روجر بيكون : Roger Bacon فيقول عنه : الكندي والحسن بن الهيثم في الصف الأول مع بطليموس .
وعده بعض المؤرخين واحداً من ثمانية أئمة لعلوم الفلك في القرون الوسطى :
614 http : / / www . hiramagazine . com / archives / title /
ترجم له ابن النديم وعَدَّدَ كتبه فقال في الفهرست / 315 ، ملخصاً : ( أبو يوسف ، يعقوب بن إسحاق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي . . فاضل دهره ، وواحد عصره ، في معرفة العلوم القديمة بأسرها ، ويسمى فيلسوف العرب . وكتبه في علوم مختلفة ، مثل المنطق والفلسفة والهندسة والحساب والأرثماطيقي والموسيقى والنجوم .
أسماء كتبه الفلسفية : كتاب الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات . . الخ .
كتبه المنطقية : كتاب رسالته في المدخل المنطقي باستيفاء القول فيه . .
كتبه الحسابيات : كتاب رسالته في المدخل إلى الأرثماطيقي . .
كتبه الكريات : كتاب رسالته في أن العالم وكلما فيه كرى الشكل . .
كتبه الموسيقيات : كتاب رسالته الكبرى في التأليف . .
كتبه النجوميات : كتاب رسالته في أن رؤية الهلال لا تضبط بالحقيقة . .
كتبه الهندسيات : كتاب رسالته في أغراض كتاب إقليدس . .
كتبه الفلكيات : كتاب في امتناع وجود مساحة الفلك الأقصى المدبر للأفلاك . . كتبه الطبيات : كتاب رسالته في الطب البقراطي . .
كتبه الأحكاميات : تقدمة المعرفة بالاستدلال بالأشخاص العالية على المسائل . .
كتبه النفسيات : كتاب رسالته في أن النفس جوهر بسيط غير داثر . .
كتبه الإحداثيات : كتاب رسالته في الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة . .
كتبه الأبعاديات : كتاب رسالته في أبعاد مسافات الأقاليم . .
كتبه التقدميات : كتاب رسالته في اسرار تقدمة المعرفة . .
كتبه الأنواعيات . . كتاب رسالته في أنواع الجواهر الثمينة وغيرها . .
تلاميذ الكندي ووراقوه : حَسْنَوَيْه ، ونَفْطَويه . وسَلْمَويه . . ) .
ترجم له ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء / 286 ، ومما قاله : ( كان محمد وأحمد ابنا موسى بن شاكر في أيام المتوكل يكيدان كل من ذكر بالتقدم في معرفة ، فأشخصا سند بن علي ( مهندس ) إلى مدينة السلام وباعداه عن المتوكل ، ودبرا على الكندي حتى ضربه المتوكل ، ووجها إلى داره فأخذا كتبه بأسرها وأفرداها في خزانة ، سميت الكندية .
ومكن هذا لهما استهتار المتوكل بالآلات المتحركة ( أي ولعه بالميكانيك ) وتقدم إليهما في حفر النهر المعروف بالجعفري ، فأسندا أمره إلى أحمد بن كثير الفرغاني ( مهندس صديق لهما ) الذي عمل المقياس الجديد بمصر ، كانت معرفته أوفى من توفيقه لأنه ما تم له عمل قط ! فغلط في فوهة النهر المعروف بالجعفري ، وجعلها أخفض من سائره فصار ما يغمر الفوهة لايغمر سائر النهر ، فدافع محمد وأحمد ابنا موسى في أمره ، واقتضاهما المتوكل فسعى بهما إليه فيه فأنفذ مستحثاً في إحضار سند بن علي من مدينة السلام فوافى ، فلما تحقق محمد وأحمد ابنا موسى أن سند بن علي قد شخص ، أيقنا بالهلكة ويئسا من الحياة ، فدعا المتوكل بسند وقال : ما ترك هذان الرديان شيئاً من سوء القول إلا وقد ذكراك عندي به وقد أتلفا جملة من مالي في هذا النهر فأخرج إليه حتى تتأمله وتخبرني بالغلط فيه فإني قد آليت على نفسي إن كان الأمر على ما وصف لي ، إني أصلبهما على شاطئه ! وكل هذا بعين محمد وأحمد ابني موسى وسمعهما !
فخرج وهما معه فقال محمد بن موسى لسند : يا أبا الطيب أن قدرة الحُر تذهب حفيظته وقد فرغنا إليك في أنفسنا التي هي أنفس أعلاقنا وما ننكر إنا أسأنا ، والاعتراف يهدم الإقتراف ، فتخلصنا كيف شئت !
قال لهما : والله إنكما لتعلمان ما بيني وبين الكندي من العداوة والمباعدة ، ولكن الحق أولى ما أتبع أكان من الجميل ما أتيتماه إليه من أخذ كتبه ! والله لا ذكرتكما بصالحة حتى تردَّا عليه كتبه !
فتقدم محمد بن موسى في حمل الكتب إليه ، وأخذ خطه باستيفائها ، فوردت رقعة الكندي بتسلمها عن آخرها . فقال : قد وجب لكما عليَّ ذمام برد كتب هذا الرجل ، ولكما ذمام بالمعرفة التي لم ترعياها فيَّ والخطأ في هذا النهر يستتر أربعة أشهر بزيادة دجلة ، وقد أجمع الحساب على أن أمير المؤمنين لا يبلغ هذا المدى ، وأنا أخبره الساعة أنه لم يقع منكما خطأ في هذا النهر إبقاء على أرواحكما ، فإن صدق المنجمون أفلتنا الثلاثة ، وإن كذبوا وجازت مدته حتى تنقص دجلة وتنضب ، أوقع بنا ثلاثتنا !
فشكر محمد وأحمد هذا القول منه واسترقهما به ، ودخل على المتوكل فقال له : ما غلطا ! وزادت دجلة وجرى الماء في النهر فاستتر حاله . وقتل المتوكل بعد شهرين ، وسلم محمد وأحمد بعد شدة الخوف مما توقعا . . .
وأضاف ابن أبي أصيبعة : ومن كلام الكندي في وصيته : وليتق الله تعالى المتطبب ولا يخاطر ، فليس عن الأنفس عوض . وقال : وكما يجب أن يقال له أنه كان سبب عافية العليل وبرئه ، كذلك فليحذر أن يقال إنه كان سبب تلفه وموته . وقال : العاقل يظن أن فوق علمه علماً فهو أبداً يتواضع لتلك الزيادة . والجاهل يظن أنه قد تناهى فتمقته النفوس لذلك .
ومن كلامه مما أوصى به لولده أبي العباس ، نقلت ذلك من كتاب المقدمات لابن بختويه ، قال الكندي : يا بني الأب رب ، والأخ فخ ، والعم غم ، والخال وبال ، والولد كمد ، والأقارب عقارب . وقول لا ، يصرف البلا ، وقول نعم يزيل النعم ، وسماع الغناء برسام حاد ، لأن الإنسان يسمع فيطرب وينفق فيسرف فيفتقر فيغتم فيعتل فيموت . والدينار محموم فإن صرفته مات . والدرهم محبوس فإن أخرجته فر ) . انتهى .
وقال في قابلية الحروف العريبية للتفنن في كتابتها : ( لا أعلم كتابة تحتمل من تجليل حروفها وتدقيقها ، ما تحتمل الكتابة العربية ، ويمكن فيها من السرعة ما لا يمكن في غيرها من الكتابات ) . ( ابن النديم / 13 ) .
في معجم المطبوعات لسركيس ( 2 / 1573 ) : ( كان عالماً بالطب والفلسفة وعلم الحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة وطبائع الأعداد وعلم النجوم . وخدم الملوك مباشرة بالأدب . وترجم من كتب الفلسفة الكثير وأوضح منها المشكل ، ولخص المنتصب العويص . وقد عد صاحب الفهرست تصانيف ابن إسحاق الكندي فكانت نحو من 230 كتاباً ) .
6 . ترجم له السيد الأمين في أعيان الشيعة ( 10 / 307 ) فقال ملخصاً : ( أوصل بعض المؤرخين مؤلفات الكندي إلى ثلاث مائة وخمسة عشر كتاباً ورسالة ، والبعض الآخر إلى مائتين وواحد وثلاثين كتاباً ورسالة ذكرها ابن النديم في الفهرست ، وقد سرد الكثير منها ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون الأنباء سرداً بلا ترتيب ولا نظام ، وقد قُسِّمَتْ في كتاب تاريخ الحكماء تقسيماً أُفردت كل فصيلة منها على حدة .
ووضع بعض المؤرخين لهذه الفصائل الأرقام الآتية : الفلسفة 22 كتاباً نجوم 19 فلك 16 جدل 17 أحداث 14 الكريات 8 فن الألحان 7 نفس 5 تقدمة المعرفة 5 حساب 11 هندسة 23 طب 22 سياسة 12 طبيعيات 33 منطق 9 أحكام 10 أبعاد 8 .
ثم ذكر السيد الأمين اضطهاد المتوكل للكندي بتحريك خصومه فقال : ( ومن أعداء الكندي العالمان العلمان محمد وأحمد ابنا موسى بن شاكر ، اللذان دسا للكندي عند المتوكل ، وساعدهما أولاً ما نسب إلى الكندي من الآراء الإعتزالية ، وثانياً حماقة المتوكل وتسرعه ، فضربه وأرسل إلى منزله من استولوا على كتبه ، ثم ردت إليه كل هذه الكتب بعد زمن كما ذكر ذلك ابن أبي أصيبعة في قصة طويلة . ولكن فاته أن غضب المتوكل على الكندي كان لأجل اتهامه بالتشيع حيث أخبر أن الكندي تعلم من الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) تفسير القرآن الكريم وأصول الإسلام . ومن الذين تأثروا بكتابة أعدائه المعاصرين له .
وقال الدكتور فرانتز روزنتال : وكان الكندي على صواب عندما أظهر استياءه من العالم اليوناني الذي اعتمده عندما كان يصنف رسالة من رسائله في البصريات ، وذلك لأن هذا العالم اليوناني لم يراع الأساليب العلمية المعترف بها ، وقد أخرج الكندي رسائل قيمة في البصريات والمرئيات وله فيها مؤلف لعله من أروع ما كتب . وهو يلي كتاب الحسن بن الهيثم مادة وقيمة . وقد انتشر هذا الكتاب في الشرق والغرب ، وكان له تأثير كبير على العقل الأوروبي ، كما تأثر به باكون وواتيلو .
وللكندي رسالة بسبب زرقة السماء ، وتقول دائرة المعارف الاسلامية : إن هذه الرسالة قد ترجمت إلى اللاتينية ، وهي تبين أن اللون الأزرق لا يختص بالسماء ، بل هو مزيج من سواد السماء والأضواء الأخرى الناتجة عن ذرات الغبار ، وبخار الماء الموجود في الجو . .
يقول الكندي في كتابه إلى المعتصم في الفلسفة الأولى : ومن أوجب الحق ألا نذم من كان أحد أسباب منافعنا الصغار ، فكيف بالذين هم من أكبر أسباب منافعنا العظام الحقيقية الجدية ، فإنهم وإن قصروا عن بعض الحق ، فقد كانوا لنا أنسباء وشركاء فيما أفادونا من ثمار فكرهم التي صارت لنا سبلاً وآلات مؤدية إلى علم كثير . .
ثم قال السيد الأمين : ( والناظر في مؤلفات الكندي ، يرى أنه لم يخرج عن حد العقليات ، وليس من مؤلفاته شئ في الدين ، بل إنه اشتهر برأي خاص في واجب الوجود خالفه فيه المتشددون من أهل عصره ، وأخذوا عليه رأيه المذكور الذي أودعه رسالته في التوحيد ، قال البيهقي إنه قد جمع في بعض تصانيفه بين أصول الشرع وأصول المعقولات .
وذكره السيد ابن طاووس فقال : وقيل إنه من علماء الشيعة الشيخ الفاضل إسحاق بن يعقوب الكندي ، وزاد عليه صاحب الذريعة فقال : من علماء الشيعة العارفين .
والنص الوحيد الذي عثرت عليه والذي يمكننا بواسطته التعرف إلى آراء الكندي الدينية ، هو ما ذكره أحمد بن النظيم السرخسي قال : قال الكندي : لا يفلح الناس وعين تطرف رأت المتوكل ! قال : وكان المتوكل أمر بضرب الكندي سنة اثنتين وأربعين ومائتين ، وكانت خمسين سوطاً فضرب ، وكان منسوباً إلى الزيدية . والزيدية من أصول الشيعة ، ينتسبون إلى زيد بن علي بن الحسين ) .
وترجموا له في ( الموسوعة الحرة ، ويكيبيديا ) ومما كتبوه : ( أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي ( 185 ه - / 805 - 256 ه - / 873 ) علامة عربي مسلم ، برع في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والموسيقى وعلم النفس والمنطق الذي كان يعرف بعلم الكلام ، والمعروف عند الغرب باسم باللاتينية : Alkindus .
أوكل إليه المأمون مهمة الإشراف على ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية إلى العربية في بيت الحكمة ، وقد عده ابن أبي أصيبعة مع حنين بن إسحاق وثابت بن قرة وابن الفرخان الطبري حذاق الترجمة المسلمين .
في الرياضيات ، لعب الكندي دوراً هاماً في إدخال الأرقام الهندية إلى العالم الإسلامي والمسيحي باستخدام خبرته الرياضية والطبية ، وضع مقياساً يسمح للأطباء قياس فاعلية الدواء ، كما أجرى تجارب حول العلاج بالموسيقى . .
حظي بعناية الخليفتين المأمون والمعتصم حيث جعله المأمون مشرفاً على بيت الحكمة . . وعرف الكندي أيضاً بجمال خطه ، حتى أن المتوكل جعله خطاطه الخاص . وعندما خلف المعتصم أخيه المأمون ، عينه المعتصم مربياً لأبنائه . كما اعتبره باحث عصر النهضة الإيطالي جيرولامو كاردانو واحداً من أعظم العقول الاثني عشر في العصور الوسطى .
للكندي أكثر من ثلاثين أطروحة في الطب . . أهم أعماله في هذا المجال هو كتاب رسالة في قدر منفعة صناعة الطب ، والذي أوضح فيه كيفية استخدام الرياضيات في الطب ، ولا سيما في مجال الصيدلة .
على سبيل المثال : وضع الكندي مقياساً رياضياً لتحديد فعالية الدواء ، إضافة إلى نظام يعتمد على أطوار القمر ، يسمح للطبيب بتحديد الأيام الحرجة لمرض المريض .
رجح الكندي نظرية إقليدس ، وتوصل إلى أن كل شئ في العالم . . تنبعث منه أشعة في كل اتجاه ، وهي التي تملأ العالم كله . اعتمده ابن الهيثم وروجر بيكون ، وويتلو ، وغيرهم .
كان الكندي رائدًا في تحليل الشفرات وعلم التعمية ، كما كان له الفضل في تطوير طريقة يمكن بواسطتها تحليل الاختلافات في وتيرة حدوث الحروف ، واستغلالها لفك الشفرات .
كان الكندي أول من وضع قواعد للموسيقى في العالم العربي والإسلامي ، فاقترح إضافة الوتر الخامس إلى العود ، وقد وضع الكندي سُلَّماً موسيقياً ما زال يستخدم في الموسيقى العربية من اثنتي عشرة نغمة ، وتفوق على الموسيقيين اليونانيين في استخدام الثمن .
كما أدرك أيضاً على التأثير العلاجي للموسيقى ، وحاول علاج صبي مشلول شللاً رباعياً بالموسيقى .
قال الكندي إنه يعتقد أن الوحي هو مصدر المعرفة للعقل ، لأن مسائل الإيمان المسلم بها لا يمكن استيعابها ! وكان يعتقد أن الكندي متأثر بفكر المعتزلة ، وذلك بسبب اهتمامه وإياهم بمسألة توحيد الله .
ومع ذلك ، أثبتت الدراسات الحديثة أنها كانت مصادفة ، فهو يختلف معهم حول عدد من موضوعات عقائدهم .
فرق الكندي بين الفلسفة والإلهيات ، لأن كلاهما يناقش نفس الموضوع . تركز فهم الكندي لما وراء الطبيعة حول الوحدانية المطلقة لله ، التي اعتبرها سمة مفردة فقط لله . ومن هذا المنطلق فإن كل شئ يوصف بأنه واحد ، هو في الواقع واحد ومتعدد في ذات الوقت . لذلك فالله وحده الواحد وحدانية مطلقة لا تعددية فيها ، دل ذلك على فهم عميق للغاية وإنكار وصف الله بأي وصف يمكن أن يوصف به غيره .
رأى الكندي أن النبوة والفلسفة طريقتان مختلفتان للوصول إلى الحقيقة ، وقد فرق بينهما في أربعة أوجه : أولاً ، في الوقت الذي يتوجب على الشخص أن يخضع لفترة طويلة من التدريب والدراسة ليصبح فيلسوفاً ،
فإن النبوة يسبغها الله على أحد البشر . ثانياً ، أن الفيلسوف يصل إلى الحقيقة بتفكيره وبصعوبة بالغة ، بينما النبي يهديه الله إلى الحقيقة .
ثالثاً ، فهم النبي للحقيقة أوضح وأشمل من فهم الفيلسوف .
رابعاً ، قدرة النبي على شرح الحقيقة للناس العاديين ، أفضل من قدرة الفيلسوف . لذا استخلص الكندي أن النبي يتفوق على الفيلسوف في أمرين : السهولة والدقة ، التي يتوصل بها للحقيقة ، والطريقة التي يقدم بها الحقيقة للعوام .
نظر الكندي للرؤى النبوية من وجهة نظر واقعية ، فقال إن هناك بعض النفوس النقية المعدة إعداداً جيداً ، قادرة على رؤية أحداث المستقبل ، ولم يربط الكندي تلك الرؤى أو الأحلام بوحي من الله ، لكن بدلاً من ذلك قال أن التخيل يجعل الإنسان قادرًا على إدراك هيئة الأشياء دون الحاجة إلى لمس الكيان المادي لتلك الأشياء ) .
قال القفطي في أخبار العلماء ( 1 / 280 ) : ( ذكروا من عجيب ما يحكى عن يعقوب بن إسحاق الكندي هذا ، أنه كان في جواره رجل من كبار التجار موسع عليه في تجارته ، وكان له ابن قد كفاه أمر بيعه وضبط دخله وخرجه ، وكان ذلك التاجر كثير الإزراء على الكندي والطعن عليه ، مدمناً لتعكيره والإغراء به ، فعرض لابنه سكتةٌ فجأةً ، فورد عليه من ذلك ما أذهله وبقي لا يدري ما الذي في أيدي الناس ، وما لهم عليه مع ما دخله من الجزع على ابنه ! فلم يدع بمدينة السلام طبيباً إلا ركب إليه واستركبه ، لينظر ابنه ويشير عليه من أمره بعلاج ، فلم يجبه كثير من الأطباء لكبر العلة وخطرها إلى الحضور معه ، ومن أجابه منهم فلم يجد عنده كبير غناء ، فقيل له أنت في جوار فيلسوف زمانه وأعلم الناس بعلاج هذه العلة ، فلو قصدته لوجدت عنده ما تحب .
فدعته الضرورة إلى أن تحمل على الكندي بأحد إخوانه ، فثقل عليه الحضور ، فأجاب وصار إلى منزل التاجر ، فلما رأى ابنه وأخذ مجسه أمر بأن يحضر إليه من تلاميذه في علم الموسيقى من قد أنعم الحذق بضرب العود ، وعرف الطرائق المحزنة والمزعجة والمقوية للقلوب والنفوس ، فحضر إليه منهم أربعة نفر ، فأمرهم أن يديموا الضرب عند رأسه ، وأن يأخذوا في طريقة أوقفهم عليها وأراهم مواقع النغم بها ، من أصابعهم على الدساتين ، وثقلها . فلم يزالوا يضربون في تلك الطريقة ، والكندي آخذ مِجَسَّ الغلام وهو في خلال ذلك يمتد نفسُه ويقوى نبضُه ، وتُراجع إليه نفسه شيئاً بعد شئ إلى أن تحرك ثم جلس وتكلم ، وأولئك يضربون في تلك الطريقة دائماً لا يفترون ! فقال الكندي لأبيه : سل ابنك عن علم ما تحتاج إلى علمه ممالك وعليك ، وأثبته .
فجعل الرجل يسأله وهو يخبره ويكتب شيئاً بعد شئ ، فلما أتى على جميع ما يحتاج إليه ، غفل الضاربون عن تلك الطريقة ، التي كانوا يضربونها وفتروا ، فعاد الصبي إلى الحال الأولى ، وغشيه السكات ! فسأله أبوه أن يأمرهم بمعاودة ما كانوا يضربون به ، فقال : هيهات إنما كانت صبابة قد بقيت من حياته ، ولا يمكن فيها ما جرى ، ولا سبيل لي ولا لأحد من البشر إلى الزيادة في مدة من قد انقطعت مدته ، إذ قد استوفي العطية ، والقسم الذي قسم الله له ) .
وهذه القصة تدل على فهم الكندي العميق لمراحل خروج روح الإنسان .
قال السيد ابن طاووس في فرج المهموم / 129 : ( وصل إلينا من تصانيفه رسالته في علم النجوم خمسة أجزاء ، وذكر محمد بن إسحاق النديم في الجزء الرابع من الفهرست . . له أحد وثلاثين كتاباً ورسالة في دلالة علوم الفلاسفة على مذهب الإسلام وعلوم النبوة ، وأحد عشر كتاباً في الحسابيات ، وثمانية كتب في الكريات ، وسبعة كتب في الموسيقات ، وتسعة وعشرين كتاباً في النجوميات ، واثنين وعشرين كتاباً في الهندسة ، وستة عشر كتاباً في الفلك ، واثنين وعشرين كتاباً في الطب ، وتسعة كتب في أحكام النجوم ، وستة عشر كتاباً في الجدل ، وخمسة كتب في النفس ، وأحد عشر كتاباً في السياسة ، وأربعة عشر كتاباً في الأحداث ، وثمانية كتب في الأبعاد ، وستة وثلاثين كتاباً في التقدميات . . فأوردت الأسماء لتعلم مواهب الله جل جلاله وعنايته به ) .
ألف الكندي كتاباً في رد الصنعة ، أي تحويل الحديد وغيره إلى ذهب . قال المسعودي في مروج الذهب ( 4 / 168 ) : ( وقد صنف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي رسالة في ذلك ، وجعلها مقالتين يذكر فيها تعذر فعل الناس لما انفردت الطبيعة بفعله ، وخُدَعَ أهل هذه الصناعة وحِيَلهم ) .
وقال في مروج الذهب ( 1 / 143 ) : ( ورأيت في بعض الكتب المضافة إلى الكندي وتلميذه وهو أحمد بن الطيب السرخسي ، صاحب المعتضد با لله ، أن في طرف العمارة من الشمال بحيرة عظيمة بعضها تحت قطب الشمال ، وأن بقربها مدينة ليس بعدها عمارة يقال لها تولية ، وقد رأيت لبني المنجم في بعض رسائلهم ذكر هذه البحيرة ، وقد ذكر أحمد بن الطيب في رسالته في البحار والمياه والجبال عن الكندي ، أن بحر الروم طوله ستة آلاف ميل من بلاد صور وطرابلس وأنطاكية واللاذقية والمثقب وساحل المصيصة وطرسوس وقلمية إلى منار هرقل ، وأن أعرض موضع فيه أربع مائة ميل ، هذا قول الكندي وابن الطيب ) .
قال ابن رشيق في العمدة في محاسن الشعر ( 1 / 62 ) : ( من عجيب ما روي في البديهة حكاية أبي تمام حين أنشد أحمد بن المعتصم بحضرة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي ، وهو فيلسوف العرب :
إقدام عمرٍو في سماحة حاتمٍ * في حلم أحنفَ في ذكاء إياسِ
فقال له الكندي : ما صنعت شيئاً شبهت ابن أمير المؤمنين وولي عهد المسلمين بصعاليك العرب ! ومن هؤلاء الذين ذكرت وما قدرهم ! فأطرق أبو تمام يسيراً ، وقال :
لا تنكروا ضربي له مَنْ دُونَهُ * مثلاً شروداً في الندى والباس
فاللهُ قد ضرب الأقل لنوره * مثلاً من المشكاة والنبراس
فهذا أيضاً وما شاكله هو البديهة ، وإن أعجب ما كان البديهة من أبي تمام لأنه رجل متصنع لا يحب أن يكون هذا في طبعه .
وقد قيل : إن الكندي لما خرج أبو تمام قال : هذا الفتى قليل العمر ؛ لأنه ينحت من قلبه ، وسيموت قريباً ، فكان كذلك ) .
وقال في ربيع الأبرار ( 3 / 88 ) : ( كانت لدعبل على بني الصباح الكنديين وظيفة يجمعونها كل شهر ويوصلونها إليه فقصروا ، فشكى إلى أبي يعقوب إسحاق بن الصباح ، فقال : أنا أكفيك ، فلم يبرح حتى أخذها فقال :
وإن امرءً أسدى إليك بشافعٍ * إليه ويبغي الشكرَ مني لأحمقُ
شفيعُك فاشكر في الحوائج إنه * يصونك عن مكروهها وهو يخلُقُ
معناه : أن فرعاً من كندة كانوا يعطون لدعبل الخزاعي عطية سنوية لأنه مدحهم ، فتأخروا ، فوسَّط الفيلسوف الكندي ، فأنجزها .
تحامل رواة السلطة على الكندي وذمهم له !
قال ابن حجر في لسان الميزان ( 6 / 305 ) : ( وكان متهماً في دينه ، وله مصنفات كثيرة في المنطق والنجوم والفلسفة . . عن أبي بكر بن خزيمة قال : قال أصحاب الكندي له : إعمل لنا مثل القرآن ، فقال : نعم ، فغاب عنهم طويلاً ثم خرج عليهم فقال : والله لا يقدر على ذلك أحد ! ثم ذكر عنه حكايات في البخل ، منها : أن أمه أرسلت تطلب منه ماء بارداً ، فقال للجارية إملئي الكوز من عندها فصبيه عندنا ، واملئيه لها من المزملة . ثم قال : أعطتنا جوهراً بلا كيفية ، أعطيناها جوهراً بكيفية لتنتفع بها ) .
وقال الذهبي في سيره ( 12 / 337 ) : ( كان يقال له فيلسوف العرب ، وكان متهماً في دينه ، بخيلاً ساقط المروءة . . همَّ بأن يعمل شيئاً مثل القرآن ، فبعد أيام أذعن بالعجز . قال عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان : رأيته في النوم فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : ما هو إلا أن رآني فقال : انْطَلِقُوا إِلَى مَاكُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) .
أقول : لم يكمل ابن حجر والذهبي رأي الكندي في القرآن وإيمانه العميق به ، لتقليدهما المتوكل في الغضب عليه ! وقد ذكر ذلك غيرهما كالقرطبي .
قال في تفسيره ( 6 / 31 ) : ( حكى النقاش أن أصحاب الكندي قالوا له : أيها الحكيم إعمل لنا مثل هذا القرآن ، فقال : نعم ، أعمل مثل بعضه ، فاحتجب أياماً كثيرة ثم خرج فقال : والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد ، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث ، وحلل تحليلاً عاماً ، ثم استثنى استثناءً بعد استثناء ، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ! ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد ) .
كان الجاحظ عدو الكندي يطعن به ويكذب عليه !
من حقنا أن نشك في كل اتهامات رواة السلطة للكندي بالبخل والوضاعة ، لأن الجاحظ معاصره كان يبغضه ويذمه ويشيع عنه إنه بخيل وضيع جاهل !
وقد وضع عنه قصصاً في كتابه البخلاء / 37 ، و 112 ، و 127 ، وغيرها . وبعضها لا يمكن تصديقه مثل أن الكندي كان يطلب من جيرانه أن يرسلوا له من طبخهم ، ويهددهم بأنهم إن لم يرسلوا فقد تشم الرائحة حامل من نسائه في وحامها فتشتهيه ، وقد تسقط حملها بسبب ذلك ، فيشتكي عليهم ويطالبهم بدية حملها ، فكانت تأتيه صنوف الطعام !
وقد بلغ من حمق الجاحظ وبغضه للكندي ، أنه ألف رسالة سماها : ( فرط جهل يعقوب بن إسحاق الكندي ) كما نص عليه ابن النديم / 211 .
فهو يريدنا أن نقبل شهادته بأن الكندي وضيع بخيل ، شديد الجهل ، وهو لا يفهم أكثر كتب الكندي !
أدلة على إيمان الكندي وقرائن على تشيعه
1 . قال ابن النديم / 385 : ( قال الكندي : إنه نظر في كتاب يقر به هؤلاء القوم ، وهو مقالات لهرمس في التوحيد كتبها لابنه ، على غاية من التقاية في التوحيد ، لا يجد الفيلسوف إذا أتعب نفسه مندوحة عنها والقول بها ) .
2 . تقدم من الموسوعة الحرة التصريح بإيمانه ، وأن الواحد المطلق عنده هو الله تعالى وحده . وأنه يعتقد أن الوحي هو مصدر المعرفة للعقل . وأن النبوة عطاء من الله تعالى ، وهي أدق من الفلسفة .
3 . وقال ابن طاووس في التشريف بالمنن / 371 ، عن طالع النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( قال الكندي : كانت الزهرة في برج العقرب مع عطارد ، وهو برج القران وشريعته إلى القيامة ، والملك ينتقل مرة ثم يرجع . ثم قال : الاختلاف الواقع في طالعه في الملك هو استيلاء بني أمية وبني العباس ، وينتقل إلى أقوام جبلية فارسية ، لان دينه باق ) .
4 . وقال ابن خلدون ( 3 / 538 ) : ( ومن العجب أن يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب ، ذكر في ملاحمه وكلامه على القِران الذي دل على ظهور الملة الإسلامية العربية ، أن انقراض أمر العرب يكون أعوام الستين والست مائة فكان كذلك ، وكانت دولة بني العباس من يوم بويع للسفاح سنة ثنتين وثلاثين ومائة إلى أن قتل المستعصم سنة خمس وست مائة ، خمس مائة سنة وأربعاً وعشرين ، وعدد خلفائهم ببغداد سبعة وثلاثين ) .
5 . وقال ابن خلدون ( 1 / 338 ) : ( قد كان يعقوب بن إسحاق الكندي منجم الرشيد والمأمون وضع في القرانات الكائنة في الملة كتاباً سماه الشيعة بالجفر ، باسم كتابهم المنسوب إلى جعفر الصادق ، وذكر فيه فيما يقال حدثان دولة بني العباس وأنها نهايته ، وأشار إلى انقراضها والحادثة على بغداد أنها تقع في انتصاف المائة السابعة ) .
6 . قول السيد الأمين ( رحمه الله ) : ليس في مؤلفاته شئ في الدين ، يقصد به مباشرةً . وقد تقدم قول ابن طاووس ( رحمه الله ) : ( له أحد وثلاثين كتاباً ورسالة في دلالة علوم الفلاسفة على مذهب الإسلام وعلوم النبوة ) .
وتقدم من الموسوعة الحرة أن له رسائل في عدة موضوعات دينية ، وقد وصل كثير من مؤلفاته إلى الغربيين ، ويوجد عدد كبير منها في مخطوطات مكتبة الإسكندرية ، كما في خزانة التراث : 21 / 154 ، و : 63 / 500 ، و : 63 / 527 . وله رسائل كتبها للمعتصم وابنه المستعين ، منها رسالة في سجود النجم والشجر والطبيعة لله تعالى . وطبع بعض رسائله في مصر وأوروبا . وأقدر أن في رسائله كثيراً من الأدلة على إيمانه ، وارتباطه بالإمام الهادي والعسكري ( عليهما السلام ) .
7 . ترجم له السيد الأمين في أعيان الشيعة ( 10 / 308 ) وقال : ( قرأ الكندي في القرآن الكريم قوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ، فتحير في المتشابهات ، فقال له بعض تلاميذه : إنما يعرف القرآن من خوطب به وهو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل البيت أدرى بما في البيت ، وعندنا في سامراء رجل من أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو حفيده وسبطه الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) وقد أجبره الخليفة على الإقامة في سامراء ، فاسأله عن تفسير الآيات وتأويل المتشابهات ، فاستحسن الكندي كلامه .
وهكذا ساعده التوفيق الآلهي على تحصيل الثقافة القرآنية الكاملة من الإمام الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذه منقبة تاريخية تفرد بها الكندي ، ولا يشاركه فيها أحد من فلاسفة العرب والمسلمين ) .
أقول : ليت السيد الأمين ( رحمه الله ) ذكر مصدر كلامه هذا ، فهو كشف مهم في شخصية الكندي ( رحمه الله ) .
8 . ذكرت المصادر أنه بدأ بتألف كتاب عن تناقض القرآن ، فكان السبب في ارتباطه بالإمام العسكري ( عليه السلام ) . روى في مناقب آل أبي طالب ( 2 / 526 ) : ( عن أبي القاسم الكوفي في كتاب التبديل : أن إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه ، أخذ في تأليف تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرد به في منزله ، وإن بعض تلامذته دخل يوماً على الإمام الحسن العسكري فقال له أبو محمد ( عليه السلام ) : أما فيكم رجلٌ رشيد يردع أستاذكم الكندي عما أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ! فقال التلميذ : نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا ، أوفي غيره . فقال له أبو محمد ( عليه السلام ) : أتؤدي إليه ما ألقيه إليك ؟ قال : نعم ، قال : فصر إليه وتلطف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله فإذا وقعت الأنسة في ذلك فقل قد حضرتني مسأله أسألك عنها ، فإنه يستدعي ذلك منك ، فقل له : إن أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها ؟ فإنه سيقول لك : إنه من الجائز ، لأنه رجل يفهم إذا سمع .
فإذا أوجب ذلك فقل له : فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه ، فتكون واضعاً لغير معانيه ! فصار الرجل إلى الكندي وتلطف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة فقال له : أعد عليَّ فأعاد عليه ، فتفكر في نفسه ورأى ذلك محتملاً في اللغة وسائغاً في النظر ، فقال : أقسمت عليك إلا أخبرتني من أين لك ؟ فقال : إنه شئ عرض بقلبي فأوردته عليك ، فقال كلا ، ما مثلك من اهتدى إلى هذا ، ولا من بلغ هذه المنزلة فعرفني من أين لك هذا ؟ فقال : أمرني به أبو محمد ( عليه السلام ) . فقال : الآن جئت به وما كان ليخرج مثل هذا إلا من ذلك البيت ! ثم إنه دعا بالنار ، وأحرق جميع ما كان ألفه ) .
9 . يظهر أن ذلك التلميذ رَبَطَ أستاذه الكندي بإمامه العسكري ( عليه السلام ) ، وأنه بدأ برسائله إلى الإمام ( عليه السلام ) ، وقد روى منها في الكافي ( 1 / 95 ) : ( عن محمد بن أبي عبد الله ، عن علي بن أبي القاسم ، عن يعقوب بن إسحاق قال : كتبت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) أسأله : كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع ( عليه السلام ) : يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي ، والمنعم عليَّ وعلى آبائي أن يُرى . قال : وسألته : هل رأى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ربه ؟ فوقع : إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) بقلبه من نور عظمته ما أحب ) .
وسند الحديث صحيح ، وتعبير الإمام ( عليه السلام ) بأبي يوسف وهو لقب الكندي ، يؤيد أن الرسالة من الكندي ، كما يؤيده أن الراوي عنه علي بن أبي القاسم هو عبد الله بن عمران البرقي ، عالم شيعي معروف وهوكندي . ( ثواب الأعمال / 114 ) .
وقال في الوافي ( 1 / 177 ) إن صاحب الرسالة هو الكندي الفيلسوف . ومعناه أنه أحرق ما كتبه في تناقض القرآن ، وأرسل أسئلته إلى الإمام ( عليه السلام ) ، فأجابه . ثم إن الكندي سكن مدة في سامراء كما نصت عليه ترجمته في الموسوعة الحرة .
10 . وقال القفطي في أخبار العلماء ( 1 / 282 ) : ( قال أبو معشر : وكانت على يعقوب بن إسحاق أنه كان في ركبته خام ( قرحة ) وكان يشرب له الشراب العتيق فيصلح ، فتاب من الشراب وشرب شراب العسل فلم تنفتح له أفواه العروق ، ولم يصل إلى أعماق البدن وأسافله شئ من حرارته ، فقوي الخام فأوجع العصب وجعاً شديداً حتى تأتي ذلك الوجع إلى الرأس والدماغ ، فمات الرجل ، لأن الأعصاب أصلها من الدماغ ) .
أقول : أبو معشر هذا تلميذه وهو الفلكي المعروف ، وشهادته له بالتوبة عن الخمر تؤيد اتصاله بالإمام العسكري ( عليه السلام ) فتكون توبته على يده ، كما يدل تحمله للمرض وعدم رجوعه إلى شرب الخمر ، على صدق تدينه وتوبته ( رحمه الله ) .
ومعناه أن الله تعالى ختم له بالإيمان ، ولعله ختم له بالشهادة مع إمامه ( عليه السلام ) .
11 . كان اضطهاد المتوكل للكندي سنة 242 ، أي في إمامة الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، وكان اضطهاد المعتمد له في إمامة الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، ولعل المعتمد قتل الكندي بالسم لاتصاله بالإمام كما قتل الإمام ( عليه السلام ) ، فقد توفي الكندي في تلك السنة وحيداً في بغداد ، كما قال هنري كوربين .
12 . يدل قول الكندي عن رسالته إلى الإمام العسكري ( عليه السلام ) : ( كتبت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) أسأله : كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع ( عليه السلام ) : يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي ، والمنعم عليَّ وعلى آبائي أن يُرى ) .
على علاقة احترام عالية بينهما ، كما يدل استعمال الكنية ، ومستوى المسألة الفكري ، وتواضع الكندي للإمام ( عليه السلام ) وهو في سن ابنه .
هذا ، ولم أعثر على نصوص تشرفه بلقاء الإمام االهادي والعسكري ( عليه السلام ) ومسائله معهما ، لكن الكندي كان مدة في سامراء لأنه كان خطاط المتوكل الخاص كما تقدم من الموسوعة الحرة ، كما كان مقرباً من المستعين .
وقد ذكروا أنه اتهم بالتشيع ، فهذا كافٍ لفقده مكانته في الدولة ، وأن يموت غريباً ، والمرجح أنه مات مسموماً ( رحمه الله ) لأن مثله لايتركونه يعيش بحريته !
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
