أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج/ص3-7
2025-10-27
48
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[1].
خاطب الله تعالى المؤمنين في هذه الآية المباركة، وأوجب عليهم إطاعة الله ورسوله وأولي الأمر على نحو مطلق. ولمّا كان أُولو الأمر هم أصحاب الأمر والحائزين على هذا المنصب، فقد فرض طاعتهم بدون أي قيد وشرط؛ وجعلها في مستوى طاعة رسوله الكريم.
فينبغي أن نرى الآن، من هم أُولو الأمر؟ ولبيان ذلك ما علينا إلّا تفسير هذه الآية المباركة من أجل توضيح القصد والحصول على المطلوب.
لقد أوجبت هذه الآية اطاعة الله ورسوله وأولي الأمر، فما هو القصد من هذه الإطاعة؟ وما هي المجالات والمصاديق التي يجب اطاعتهم من خلالها؟ ألا تعني إطاعة الله هي نفسها إطاعة رسوله الكريم؟ وهل أمرَنا الله ونهانا وأوجَب علينا الإستماع إلى أوامره ونواهيه بواسطة اخرى غير رسوله؟ فمن المسلّم أنّ طاعة الله هي نفسها طاعة رسول الله، وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله هو الطريق إلى تعريف أحكام الله وقوانينه. فلما ذا- إذن- فُرضت طاعتان: إحداهما لله، والاخرى لرسوله العظيم؟ أنّ القصد من إطاعة الله هو اتّباع الأحكام التي نزلت على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله بوصفها وحياً، والتي يشمل حكمها وخطابها عامّة المؤمنين. والقرآن الكريم كلامُ حضرة الأحدية ووحيهُ إلى الناس كافّة. فإطاعة الله- إذن- تعني إطاعة كلامه الذي يمثّله القرآن الكريم.
وأمّا إطاعة رسول الله فهي تنقسم إلى قسمين:
الأول: إطاعته فيما أوحى الله إليه من تشريع الأحكام وتفصيلها، ممّا لا نجده في القرآن. إذ من الواضح أنّ الأحكام التي بيّنها كتاب الله هي اصول الأحكام والمواضيع الشرعية. فنرى أنّ كلام الله لا يخرج عن نطاق الإجمال فيما يخصّ الصَلَاة، والصوم، والحج والجهاد، والزكاة، والنكاح والمعاملات، وسائر العبادات والأحكام. وأمّا كيفية الصَلَاة، والصوم والحج، وسائر الموضوعات، فينبغي أن نتعلّمها من رسول الله، كما صرّح هو قائلًا: «صَلُّوا كَمَا رَأيْتُموُنِي اصَلّي»[2]. وقد أوجب الله الصَلاة، لكن انظروني كيف اصلّي، ثمّ صلّوا مثل صلاتي من حيث الشروط، والمقدّمات والأفعال، والأقوال الواجبة في الصَلَاة. فخصوصيّات هذهالمواضيع لم ترد في القرآن الكريم بنحو تام؛ وما ورد فقط هو اصول العبادات والمعاملات والأحكام. فما علينا إلّا الرجوع إلى رسول الله لأخذ التفاصيل وتعلّمها.
نفس رسول الله صلى الله عليه وآله مثل المِجهر الدقيق للغاية، حيث تقوم بتكبير وتبيين وتوضيح الأحكام المجملة التي أوحاها الله في كتابه. وقد كشف عن شروط كلّ عبادة وأجزائها بكيفيّة مخصوصة. وأنّ آيات القرآن نزلت عليه مجملة، وانعكست في نفسه الشريفة؛ بيد أنّ تلك النفس القدسية المقدّسة بيّنت حدودها، وثغورها، وتأويلها، وتفسيرها وشأن نزولها، وسائر الخصوصيّات المتعلّقة بالكتاب العزيز معلنة ذلك للملأ بشكل مفصّل: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِمْ}[3] فأنت تفصّل الأحكام، وأنت تبيّن المراد من الآيات.
وبكلمة بديلة، يمكن القول بأنّ بيان خصوصيّات المسائل والأحكام هو من الوحي أيضًا؛ إذ نزل به جبرئِيل خارجاً عن نطاق القرآن. ومن الواضح أنّ لبيان الرسول الكريم في هذه الخصوصيّات والتفاصيل بعدا تشريعيا[4].
الثّاني: إطاعته في الآراء الشخصية، والأوامر النفسيّة العائدة إلى مجتمع المسلمين؛ تلك الأوامر التي هي من مهمّة الوالي والحاكم لإقرار النظام الاجتماعي للُامّة؛ وهي لا تدخل في دائرة تشريع الأحكام. مثل الحكومة، وبيان الواجبات الشخصيّة للمسلمين، نصب الولاة والحكّام على الولايات، وتسيير الجيوش للجهاد، وتعيين القضاة وأئمّة الجماعة للنظر في الشئون الاجتماعيّة، ورفع المرافعات، والشئون الدينيّة للمؤمنين. قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ}[5]. ومن الطبيعي فإنّ هذا الحكم في الشؤون الشخصيّة هو حسب قوانين القضاء. وعلى المسلمين كافّة أن ينقادوا لرسول الله بلا قيد أو شرط في قراراته التي يصدرها بشأن الأمور المهمّة؛ نحو تجهيز الجيوش، وتعيين امراء الجيش، وإرسالهم إلى النقاط النائية من أجل الجهاد، وعقد المعاهدات مع غير المسلمين وفقاً للمصالح التي يحدّدها. هذا بالرغم من أنّ الله أمره بمشاورة المؤمنين في الأمور الهامّة؛ {وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[6]، بيد أنّه عقّب عليه بقوله: {فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}[7]. فكان صلى الله عليه وآله يشاور المسلمين في عزائم الأمور؛ لكنّه في النتيجة كان يجب أن يتصّرف حسب إرادته وقراره الذي يتّخذه بنفسه، وما على المسلمين جميعهم إلّا الطاعة والإذعان.
يظهر ممّا ذكرناه أنّه بالرغم من أنّ إطاعة رسول الله هي في الحقيقة إطاعة الله، حيث أنّ الله هو الذي فرض تلك الإطاعة بقوله: {وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}[8]، بيد أنّ إطاعة الله لها معنى، وإطاعة رسوله لها معنى آخر. ويجب على الناس أن يطيعوا الله فيما يتعلّق بتعاليم القرآن المجيد، ويطيعوا رسوله في خصوصيّات الأحكام التي يبيّنها، ولها صفة تشريعية؛ وكذلك أن يطيعوه فيما يعود إلى مصالح المسلمين من خلال آراءه الشخصيّة وأوامره ممّا ليس لها صفة تشريعيّة. ولعلّ هذا السبب هو السرّ من وراء تكرار كلمة {أَطِيعُوا} مرّتين، حيث أمر الله المؤمنين بالإتّباع، وفصل طاعته عن طاعة رسوله؛ لا كما ذهب اليه بعض المفسّرين من أنّ التكرار يفيد التأكيد؛ لأنّ الكلمة لو لم تتكرّر هنا، لأفادت التأكيد بشكل أفضل، بلحاظ الاقتران القائم بين طاعة الله ورسوله، حيث يفيد وحدة الطاعة في المقامين.
[1]الآية 59، من السورة 4: النّساء.
[2]«صحيح البخاري» ج 1، ص 124 و125 نقلًا عن هامش «جواهر الكلام» ج 9، ص 339.
[3]الآية 44، من السورة 16: النّحل.
[4]ثمّة رواية تشهد على هذا المعني في «شواهد التنزيل» ج 1، ص 149 بسلسلة سنده المتّصل عن مجاهد، حيث روي المؤلّف قائلًا: عن مجاهد في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يعني الذين صدّقوا بالتوحيد {أَطِيعُوا اللَّهَ} يعني في فرائضه، و{أَطِيعُوا الرَّسُولَ} يعني في سنّته {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} قال: نزلت في أمير المؤمنين حين خلّفه رسول الله بالمدينة. (الحديث).
[5]الآية 105، من السورة 4: النساء.
[6]الآية 159، من السورة 3: آل عمران.
[8]الآية 64، من السورة 4: النساء.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة