حدود صلاحيّات أولي الأمر
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص7-9
2025-10-27
233
قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
...أمّا اولو الأمر فليس لهم منصب التشريع قطعاً[1]، ولا يفصّلون الأحكام الإجمالية في القرآن؛ ولا يُشرّعون شيئاً منها كرسول الله. فهم يبيّنون الأحكام، ويبلّغون الآيات بين المسلمين، وفقاً لتشريع رسول الله؛ ولهم النظر في شئون المسلمين المختلفة. وعلى الناس أن يتّبعوهم في القضاء، والمرافعات، وسائر الشؤون الإجتماعية التي تحتاج إلى رأي الرئيس لتنظيم الامور، والوقوف بوجه المشاكل، والأخطار الداهمة وتحقيق المصالح العامّة. لذلك فإنّ طاعتهم جاءت متقارنه مع طاعة رسول الله في خطّ واحد من خلال كلمة واحدة هي: {أَطِيعُوا} حيث قال عزّ شأنه: {... وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}. وفي ضَوء ذلك، فإنّ طاعتهم فقط في هذا الحقل، على عكس طاعة رسول الله حيث إنّها تشمل هذا الحقل، وحقل تشريع الأحكام الجزئية، وبيان تفاصيل المسائل. ودليلنا على هذا الكلام هو ما يذكره القرآن بعد تلك الآية مباشرة، إذ يقول: {فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ}.
فينبغي عليهم الرجوع إلى كتاب الله وسنّة رسوله في المنازعات والمشاجرات التي تقع بينهم، وينهوا مشاجراتهم استلهامًا من ذينك المصدرين. ولو كان لأولي الأمر منصب التشريع، لوجب إرجاع المؤمنين إليهم عند المرافعة بوصفهم مشرّعين، في حين لا نجد من ذلك شيئاً.
ونقول في توضيح هذا المعنى: أنّ المخاطَبين في هذه الآية هم المؤمنون، كما جاء في صدرِها قولُه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.} فالمقطوع به أنّ نزاعهم مع غير أولِي الأمر؛ لأنّه لا معنى لنزاعهم معهم بعد فرض وجوب طاعتهم، ولا معنى للإرجاع إلى الله ورسوله من أجل رفع النزاع[2]. وهذا النزاع أيضًا ليس في الامور التي تتعلّق بالآراء والأوامر الشخصيّة، بل هو يتعلّق بحكم الله في القضيّة المتنازع حولها، بدليل الآيات التي تليها حيث تذمّ الأشخاص الذين يتّخذون الطاغوت مرجعاً لهم، ويرضون بحكمه تاركين حكم الله ورسوله وراء ظهورهم. فالمراد هو نزاع المسلمين بعضهم مع البعض الآخر في الشئون الشخصيّة، وما عليهم في هذه المسائل إلّا الرجوع إلى كتاب الله وسنّة رسوله لحسم النزاع وتسوية الخلاف؛ علماً بأنّ الكتاب والسنّة حجّتان قاطعتان لتسوية الخلاف وحسم النزاع عند من له علم بهما؛ وكذلك قول أولي الأمر فإنّه دليل وحجّة في فهم الكتاب والسنّة. ولمّا أوجبت الآية الشريفة طاعة أولي الأمر بلا قيد وشرط وفسّر هؤلاء الكتاب والسنّة دون أن يحملوا عنوان التشريع، فينبغي اتّباعهم وطاعتهم. وفي ضَوء ذلك نكتشف «إنّاً»[3] حيث أنّ قولهم مطابق للواقع وخالٍ من الزلل والخطاء.
[1]ينقل صاحب تفسير «الميزان» رواية في الجزء الرابع، ص 437 تشهد على هذا الادعاء، فيقول:
وفي «تفسير العيّاشي» عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: {أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأولِي الأمْرِ مِنكُم} قال: هي في علي وفي الأئمّة، جعلهم الله مواضع الأنبياء، غير أنّهم لا يحلّون شيئاً ولا يحرّمونه.
[2]يقول صاحب تفسير «الميزان» في الجزء الرابع، ص 437.
وفي «الكافي» بإسناده عن بريد بن معاوية قال: تلا أبو جَعفَر عليه السلام {أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأولِي الأمْرِ مِنكُم} «فَإن خِفْتُمْ تَنَازُعا في الأمْرِ، فَأرْجِعُوهُ إلى اللهِ وإلى الرّسُولِ وإلى أولِي الأمْرِ مِنكُم»ْ. قالَ: كَيفَ يَأمُرُ بِطَاعَتِهِمْ ويُرَخّصُ في مُنَازَعَتِهِم؟ إِنّمَا قَالَ ذَلِكَ للمأمورينَ الّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: {أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ} وفي «تفسير العيّاشي» عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام (وهو رواية الكافي السابقة) وفي الحديث ثمّ قَالَ لِلنَّاسِ: «يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَجَمَعَ المؤمنين إلى يَوْمٍ القِيَامَة «أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأولِي الأمْرِ مِنكُمْ» إِيَّانَا عَنِي خَاصّةً «إِنّ خِفْتُمْ تَنَازُعا في الأمْرِ، فَارْجعُوا إلى اللهِ وإلى الرَّسُولِ وإلى أولِي الأمْرِ مِنكُمْ» هَكَذَا نَزَلَتْ. وكَيْفَ يَأمُرُهُم بِطَاعَةِ أولِي الأمْرِ ويُرَخّصَ لَهُمْ في مُنَازَعَتِهِمْ؟ إِنّمَا قِيلَ ذَلِكَ للمأمورين الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ {أطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرّسُولَ وأولِي الأمْرِ مِنكُم}.
[3]وهو يعني اصطلاحًا إدراك العلّة والمؤثّر عن طريق المعلول والأثر (البرهان الانّي). (م)
الاكثر قراءة في الامامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة