بداية تحريم الخمر
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 2، ص219-221.
2025-11-24
113
بداية تحريم الخمر
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة : 90، 91].
قال أبو جعفر عليه السّلام لأبي الجارود في قوله تعالى : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ} : « أما الخمر فكلّ مسكر من الشّراب إذ أخمر ، فهو خمر ، وما أسكر كثيره فقليله حرام ، وذلك أنّ أبا بكر « 1 » شرب قبل أن يحرّم الخمر ، فسكر فجعل يقول الشّعر ، ويبكي على قتلى المشركين من أهل بدر ، فسمعه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقال : اللهمّ أمسك على لسانه.
فأمسك على لسانه ، فلم يتكلّم ، حتى ذهب عنه السّكر ، فأنزل اللّه تحريمها بعد ذلك ، وإنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر « 2 » والتمر ، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فقعد في المسجد ، ثمّ دعا بأنيتهم الّتي كانوا ينبذون فيها ، فأكفأها كلّها ، ثمّ قال : هذه كلّها خمر ، وقد حرّمها اللّه ، فكان أكثر شيء أكفىء من ذلك يومئذ من الأشربة الفضيخ ، ولا أعلم أكفىء يومئذ من خمر العنب شيء إلّا إناء واحد ، كان فيه زبيب وتمر جميعا ، وأمّا عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شيء.
حرّم اللّه الخمر قليلها وكثيرها ، وبيعها وشراءها ، والانتفاع بها. وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : من شرب الخمر فاجلدوه ، ومن عاد فاجلدوه ، ومن عاد فاجلدوه ، ومن عاد في الرابعة فاقتلوه.
وقال : حقّ على اللّه أن يسقي من شرب الخمر ممّا يخرج من فروج المومسات ، والمومسات : الزواني ، يخرج من فروجهنّ صديد. والصديد : قيح ودم غليظ مختلط ، يؤذي أهل النار حرّه ونتنه.
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ، فإذا عاد فأربعين ليلة من يوم شربها ، فإن مات في تلك الأربعين ليلة من غير توبة سقاه اللّه يوم القيامة من طينة خبال ، وسمّي المسجد الذي قعد فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم أكفئت فيه الأشربة مسجد الفضيخ من يومئذ ، لأنّه كان أكثر شيء أكفىء من الأشربة الفضيخ.
وأمّا الميسر فالنّرد والشّطرنج ، وكلّ قمار ميسر ، وأمّا الأنصاب ، فالأوثان التي كانوا المشركون يعبدونها ، وأما الأزلام فالأقداح التي كانت يستقسم بها مشركو العرب في [ الأمور ] في الجاهلية ، كلّ هذا بيعه وشراؤه ، والانتفاع بشيء من هذا حرام محرّم من اللّه ، وهو رجس من عمل الشيطان ، فقرن اللّه الخمر والميسر مع الأوثان » « 3 ».
___________
( 1 ) قال الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) : أنزل اللّه تعالى في الخمر ثلاث آيات : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ } [البقرة : 219] فكان المسلمون بين شارب وتارك إلى أن شربها رجل ، فدخل في الصلاة فهجر ، فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى [ النساء : 43 ].
فشربها من شرب من المسلمين ، حتّى شربها عمر ، فأخذ لحى بعير ، فشجّ رأس عبد الرحمن بن عوف ، ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يغوث - يعفر -.
وكائن بالقليب قلبب بدر * من الفتيان والشّرب والكرام
وكائن بالقليب قليب بدر * من الشيزى المكلل بالسّنام
أيوعدنا ابن كبشة أن سخيا * وكيف حياة أصداء وهام !
أيعجز أن يد الموت عنّي * وبشرني إذا بليت عظامي !
ألا من مبلغ الرحمن عني * بأنّي تارك شهر الصّيام
فقل للّه بمنعي شرابي * وقل للّه بمنعي طعامي
فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فخرج مغضبا يجرّ رداءه ، فرفع شيئا كان في يده ليضربه ، فقال :
أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله ، فأنزل اللّه سبحانه وتعالى : إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ إلى قوله : فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ فقال عمر : انتهينا. ( ربيع الأبرار : ج 4 ، ص 51 ).
( 2 ) الفضيخ : عصير العنب ، وهو أيضا شراب يتخذ من البسر المفضوخ وحده من غير أن تمسه النار. والبسر : التمر قبل أن يترطب لفضاضته.
( 3 ) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 180.
الاكثر قراءة في المعاملات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة