طرق تعزيز السلوك الجيد عند الأبناء / الترغيب والتشجيع
المؤلف:
عيسى محسني
المصدر:
أساليب تعديل سلوك الأبناء رؤية إسلامية
الجزء والصفحة:
ص162ــ169
2025-12-03
19
هناك عدد من الطرق والأساليب التي تعزز السلوك الحسن عند الأطفال نشير إلى بعضها:
أ- الترغيب والتشجيع
ومن أساليب الثواب التي تدفع الإنسان ولاسيما الأولاد إلى تثبيت وإستمرارية السلوك الجيّد، هو التشجيع، وله أهمية كبرى لا يمكن إغفالها في حياة المرء، وهو احتياج إنساني أساسي، ونستطيع أن نقول أن إحتياج الطفل إلى التشجيع مثل إحتياج النبات إلى الماء.
يعتبر التشجيع من أهم الطرق التي تعزز السلوك الإيجابي للطفل وتطوير قدراته ومهاراته وتعزيز ثقته بنفسه وتقديره لذاته وتعزيز قوة إرادته بالإضافة الى مساعدة الطفل على التركيز في تنمية سلوكياته الإيجابية، والحد من سلوكه السلبي تدريجيًا.
أهمية تشجيع الأولاد
ويؤكد علماء النفس على أهمية التشجيع؛ إذ يرونه المحرك والدافع لمواصلة الأعمال وتنميتها.
فإنّ الإنسان وخاصة الأطفال ليسوا إلّا بشرا حيث يتكون الانسان من مجموعة من الأحاسيس والمشاعر التي تتحرك بالكلمات والسلوكيات فإن كانت تلك الكلمات والتصرفات تجاه الأفراد إيجابية فسوف تدفعهم نحو الفعل الإيجابي والحسن وإذا كانت سيئة فتنعكس بشكل سلبي على تصرفاته.
ويجب أن يعلم أولئك الذين يريدون أن يربوا أولادهم تربية ناجحة يبنون عليها مستقبلهم أن يهتموا بتشجيع أولادهم ويعدون هذا الأمر المهم من الضروريات التي لا يمكن التغافل عنها، كما يجب عليهم أيضاً معرفة حقيقة التشجيع وهو التركيز على الانجاز والفعل والمجهود الذي قام به الطفل، ودعمه لساناً وعملاً او قولا وفعلا.
في الحقيقة أنّ التشجيع يدفع الولد عادة نحو الأفضل، وخاصة عندما ينجح في عملا ما، فيكون للتشجيع دور مهم في تكوين شخصية طفل واثق من نفسه وقدراته..
كما أنه يساعد الطفل على تطوير الشجاعة وينمي عنده الكثير من المفاهيم مثل أنا قادر يمكنني المشاركة، ويمكنني التأثير على ما يحدث لي أو كيف ينبغي أن أستجيب، كما أنه يعلم الأطفال المهارات الحياتية والمسؤولية الاجتماعية التي يحتاجونها فيما بعد ليكونوا ناجحين في الحياة والعلاقات.
أن التشجيع يعلم الطفل التصرف السليم ويدربه على معرفة واستشعار انجازاته والتدرب على انجازها وتحسينها وذلك لأننا حينما نشجع الطفل فإننا نقوم بتركيز مباشر على الانجاز، ونذكر الطفل به وعلى اثر فعله الايجابي على من حوله دون الحاجة للسعي الدائم لإرضاء من حوله.
كما أنه يؤدي إلى التأمل الذاتي والتقييم الذاتي وبالتالي فان التشجيع ينمي لدى الأطفال استقلالية ذاتية وبعد ان تحصل لديهم تلك الإستقلالية الذاتية يصبح الطفل في غنى عن أي دعم وتشجيع آخر فيكون قادرا على الانجاز والنجاح حتى لو لم يتم تشجيعه لأنه ينطلق من خلال فطرته وثقته بنفسه وتقديره العالي لذاته الحاصل بالدعم والتشجيع الأولي من قبل الوالدين والمربين.
نماذج من التشجيع في القرآن والسنة
وقد إستخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب في عدة آيات وشجع المؤمنين على فعل الخيرات فقال تعالى في سورة الأنعامِ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الأنعام: 160].
وجاء في سورة النحل {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
فقد رغب المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجزاء الأحسن ووعدهم الحياة الحسنة والطيبة ولا شك أن المؤمن الذي يسمع هذا الجزاء الأوفى من ربّ العزّة سوف يندفع إلى الإكثار من الأفعال الحسنة ليحصل على الثواب والأجر المضاعف.
ونرى في آيات اخرى مدحا وتمجيدا بعض للمؤمنين على بعض المواقف المشرفة التي صدرت عنهم كمدحه سبحانه لعلي (عليه السلام) حينما قام بالمبيت في فراش النبي (صلى الله عليه وآله) عندما أحسّ النبي الأكرم بمؤامرة قريش لإغتياله فطلب من علي (عليه السلام) أن يبيت في فراشه فلما رقد علي (عليه السلام) في فراشه أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كل منهما الحياة، فأوحى الله إليهما: ألا كنتما مثل عبدي عليّ آخيت بينه وبين نبيّي محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إليه فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه، فقال جبرئيل: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله به ملائكة السماء فأنزل الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) وهو متوجّه إلى المدينة {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207].
فقد مدح الله تعالى عليا (عليه السلام) على موقفه العظيم النابع عن عقيدة راسخة بالله تعالى وبرسوله الأكرم وتضحيته من أجل بقاء الإسلام وحفظ الدين المحمدي وجعله أسوة للآخرين وشجّعهم لكي يكونوا مثل علي (عليه السلام) في تضحيتهم وتفانيهم من أجل بقاء النبي الأعظم والدين الإسلامي الحنيف.
وكان النبي يشجع الافراد على القيام بالأعمال الحسنة فقد ورد في خطبته في الجمعة الأخيرة من شهر شعبان أنه قال ((أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٍ))(1).
وفي رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال ((مَنْ قَرَأَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ كَمَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُور))(2).
ولا شك أن هذه الرواية وغيرها من الروايات المروية في فضل قراءة القرآن في شهر رمضان هي التي دفعت المؤمنين الى أن يهتموا بقراءة القرآن، ويكثروا من تلاوته في هذا الشهر فنرى هذا الإهتمام والإكثار من قراءته ما لا نراه في الأشهر الأخرى.
وهكذا الامر في تشجيع المؤمنين في مجال الأصول والعقيدة الإسلامية، فقد كثرت الروايات والأخبار عن النبي الأكرم وأهل البيت (عليهم السلام) في حثّ المؤمنين لتقوية العقيدة والبعد الإيماني، وذلك من خلال مدحهم لبعض الأفراد الذين وصلوا إلى تلك المعرفة العالية والرفيعة فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: ((إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) صَلَّى النَّاسَ الصُّبْحَ فَنَظَرَ إِلَى شَابٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ يَخْفِقُ وَيَهْوِي بِرَأْسِهِ مُصْفَرٌّ لَوْنُهُ نَحِيفٌ جِسْمُهُ وَغَارَتْ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا فُلَانُ فَقَالَ أَصْبَحْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُوقِناً فَقَالَ فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ لَهُ إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ فَمَا حَقِيقَةُ يَقِينِكَ قَالَ إِنَّ يَقِينِي يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ أَحْزَنَنِي وَأَسْهَرَ لَيْلِي وَأَظْمَأَ هَوَاجِرِي فَعَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي وَقَدْ نُصِبَ لِلْحِسَابِ وَحُشِرَ الْخَلَائِقُ لِذَلِكَ وَأَنَا فِيهِمْ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَنَعَمُونَ فِيهَا وَيَتَعَارَفُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئِينَ وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ فِيهَا مُعَذِّبِينَ يَصْطَرِخُونَ وَكَأَنِّي أَسْمَعُ الْآنَ زَفِيرَ النَّارِ يَنْقُرُونَ فِي مسامعي قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) لِأَصْحَابِهِ هَذَا عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ ثُمَّ قَالَ الْزَمْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ قَالَ فَقَالَ لَهُ الشَّابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ أُرْزَقَ الشَّهَادَةَ مَعَكَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) بِذَلِكَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ فَاسْتُشْهِدَ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ وَكَانَ هُوَ الْعَاشِرَ))(3).
وقد يكون مدحه وتشجيعه (صلى الله عليه وآله) لبعض الأفراد لشجاعتهم وبطولاتهم في ساحات الحرب ومواجهتهم العدو في ميدان القتال كما كان ذلك في غزوة خندق لما برز عمر بن ود العامري قائد جيش الكفر وطلب من الصحابة أن يتقدم أحدهم للمبارزة فإمتنع الجميع ولم يتقدم منهم رجل واحد ليبارزه فأخذ يسخر منهم ويستهزئ بهم وهنا قام على بن أبي طالب (عليه السلام) وبرز إلى ميدان القتال فقال النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ((بَرَزَ الْإِسْلَامُ كُلُّهُ إِلَى الْكُفْرِ كُلَّهُ)) وَلَمّا قتل علي (عليه السلام) عمرو ونصر الله تعالى به الإسلام والمسلمين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((لضَرْبَةُ عَلِيٌّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ))(4) وفي رواية أخرى قال (صلى الله عليه وآله): ((لمُبَارَزَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدُّ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))(5).
وفي تاريخ دمشق في ترجمة علي (عليه السلام) ورد عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله) فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ((قد أتاكم أخي)) ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثم قال: ((والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة)) ثمّ قال: ((إنّه أوّلكم إيمانا معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية)). قال: ونزلت: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة: 7]، قال: فكان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآلأه) إذا أقبل عليّ قالوا: قد جاء خير البرية(6).
______________________________
(1) عيون أخبار الرضا (عليه اسلام): ج 1 ص 295.
(2) فضائل الأشهر الثلاثة: ص 97.
(3) المحاسن: ج 1 ص 250.
(4) المواقف: ص 412، شرح المقاصد: ج 5 ص 298، السيرة الحلبية: ج 2 ص642 - 643.
(5) شواهد التنزيل: ج 2 ص 14.
(6) ترجمة الإمام علي (عليه السلام) من تاريخ دمشق: ج 2 ص 442، 958، أورده السيوطي في الدر المنثور: ج 6 ص 379.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة