الشائعات وبعض العمليات المتعلقة بها
المؤلف:
الدكتور بطرس خالد
المصدر:
الإعلام والحرب النفسية
الجزء والصفحة:
ص 113- 117
2025-12-03
33
الشائعات وبعض العمليات المتعلقة بها:
أ- علاقة الشائعة بالدعاية:
لقد أخذت الشائعة صورة الدعاية تاريخياً قبل أن توجد أساليب نقل الرسائل كتابياً أو بوساطة أجهزة الإعلام الجماهيري الأخرى، ومما تجدر ملاحظته أن الإعلام يهدف إلى تزويد الجماهير بأكبر قدر ممكن من المعلومات الصحيحة الواضحة، المدعمة بالأرقام والإحصاءات، وأن الدعاية تحاول بكافة الوسائل إثارة دوافع الجماهير وعواطفهم بدلاً من إيقاظ تفكيرهم وانتباههم، إلا أنّ هذا لا يعني خلو الإعلام من تأثير الدعاية، وعدم استخدام الدعاية لتوجيه الإعلام بشكل يخدم الجهة التي تبثه.
إن الدعاية المتشابكة مع الإعلام والمعتمدة على استثارة الدوافع للتأثير في الشخصية الإنسانية، تأخذ أي مظهر يساعدها على ذلك ويتماشى مع الحاجات الضرورية والثقافة السائدة، فقد تستند إلى الدين ليكون غطاء لها، وليجعلها مقبولة لدى الناس الذين يسهل خداعهم عندما يتخذ الأمر طابعاً دينياً، كما قد تلجأ إلى أسلوب الاستعطاف لتؤثر في الشعوب فتكون خير وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وأقوى مثال على ذلك الشائعات التي تبثها الدعاية الصهيونية في مختلف الدول، وفي أمريكا خاصة، وتصور من خلالها واقعها الضعيف ككيان صغير ضمن وطن عربي يريد إنهائها، وتستدر عطفهم لتجمع تبرعات كبيرة.
وقد تستخدم الدعاية كمنطاد اختبار وهنا تكون الشائعة وسيلة فاعلة، حيث يتم إطلاق شائعات تقوم بوظيفة استطلاعية هنا لجس نبض الرأي العام، ورصد ردة فعله تجاه موضوع معين كأن ينسب كلام ما إلى شخص مسؤول، فإذا لقي هذا الكلام استحساناً من الرأي العام، ثبت هذا المسؤول كلامه لنفسه، وإذا أثار حفيظة الرأي العام وخلق بلبلة عمد هذا المسؤول إلى تكذيبه.
وبهذا تقترب الشائعة من الدعاية كثيراً، وتكاد تستخدم الكلمتان بالمعنى نفسه، لكن الدعاية أشمل فهي أسلوب يستخدم شتى أنواع الخداع والتزييف لخدمة أهداف معينة، بينما تشكل الشائعة أداة من أدوات الدعاية تستخدمها للتأثير في الناس وعندما توجه الدعاية إلى خارج البلد تسمى عندئذ حرباً نفسية.
ب - علاقة الشائعة بالحرب النفسية:
عرفت الحرب النفسية "بأنها استخدام مخطط من جانب الدولة في وقت الحرب أو في وقت الطوارئ، فيما بعد وسع هذا المفهوم ليشمل السلم أيضاً".
وتهدف الحرب النفسية إلى جعل العدو يكف عن المقاومة ويستسلم إيماناً منه بأنه مهزوم، معتمدة على الهزيمة الداخلية للإنسان، وتستخدم في ذلك وسائل الإعلام المعروفة وبث المناشير من الطائرات، وتترافق الحرب النفسية مع الحرب العسكرية وقبلها وبعدها.
وتعد الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، من أوضح الأمثلة عن الحرب النفسية وأطولها، حيث كان المعسكران يتبادلان الشائعات لاستعراض قوة كل منهما، وللحط من قدرات الطرف الآخر.
وتعد الشائعة أداة مهمة من أدوات الحرب النفسية لافتعال الأزمات في بعض الأحيان، ولإثارة الرعب وخلق حالة من الذعر من جهة أخرى، وقد مارستها الدول الاستعمارية إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بشكل كبير، كشائعة بيع مصر رصيدها من الذهب تعبيراً عن سوء وضعها الاقتصادي.
وقد لجأ الكيان الصهيوني للحرب النفسية كجزء من حربه على لبنان في تموز 2006، حيث بث شائعات عن القدرة التدميرية لغواصاته ودباباته، واستعصاء تدميرها من قبل الآخرين، ليثير الرعب في نفوس الناس ويحطم الروح المعنوية للمقاتلين، ودفعهم للاستسلام، إلا أن الوقائع أسهمت في دحض هذه الشائعات، عندما دمرت الغواصة القريبة من الشاطئ وتراجعت بقية الغواصات، كما دمرت الكثير من الدبابات خلال وقت قياسي.
يفهم من هذا أن الحرب النفسية أشمل من الشائعة بكثير لأنها تخطيط شامل موجه للخارج أما الشائعة فهي أداة تستخدمها الحرب النفسية لتأدية وظيفة هامة فيها، كبث الرعب في نفس العدو مثلا أو تزييف الحقائق.. الخ، فهي أحد أسلحة الحرب النفسية.
ج- الشائعة والرأي العام:
بما أن الشائعة تعبر عن الخصائص الاجتماعية للمجتمع الذي تظهر فيه وتتجه نحوه، فإنها ترتبط باتجاهات الرأي العام في المجتمع الذي تنتشر فيه. والرأي العام هو " الرأي السائد بين الأغلبية الواعية في فترة معينة نحو قضية معينة أو أكثر يحتدم حولها الجدل والنقاش وتمس مصالح هذه الأغلبية أو قيمها الإنسانية.
ويلعب الإعلام دوراً كبيراً في تسليط الضوء على القضية المطروحة وتقديمها للناس كقضية تمس مصالحهم ليكون لهم موقف منها، كما أن الحرية تلعب دوراً كبيراً في ابراز هذا الرأي، ففي المجتمعات الديمقراطية توفر الحرية مناخا ملائما لاختلاف الآراء وبالتالي الوصول إلى رأي عام ضاغط قد يدفع الحكومات للتراجع عن مواقف معينة والكشف عن طبيعة الدوافع الكامنة التي تستتر خلف عملية اختلاق الشائعة والتي لا يجرؤ المجتمع أن يعلن عنها، يوضح مدى ارتباطها بالرأي العام كالشائعة التي انتشرت ضمن المجتمعات التي حكمها ديكتاتوريين، مثل المجتمع الألماني أثناء حكم هتلر، حيث راجت بين أوساط الرأي العام آنذاك شائعة مفادها أن شخصا رأى آخر يغرق فهرع إلى إنقاذه، وبعد أن نجح في ذلك علم أنه "هتلر" فتوسل إليه ألا يخبر أحدا بأنه أنقذه، والشائعة نفسها انتشرت عن موسوليني في أوساط الرأي العام الايطالي، وكذلك عن ستالين في أوساط الرأي العام الروسي، فهذه الشائعة تعكس دافع الكره لهؤلاء الحكام المتسلطين من قبل شعوبهم.
إذا فإن الشائعة تشكل مصدراً من مصادر التعرف على الرأي العام، وتسهم في التنبؤ بخصائصه الحقيقية ومشكلاته، لكنها قد تعمل في الوقت نفسه على بلبلته لاسيما في أوقات الأزمات وعلى خلق حالة من الذعر، لأنها أداة من أدوات الدعاية التي تزيف الحقائق، وبالتالي لا سبيل إلى محاربتها إلا بالإعلام أي بالمعلومات الصحيحة التي تزيل الغموض وتوضح الحقائق.
الاكثر قراءة في الدعاية والحرب النفسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة