الإجابة على الروايات التي تخصّص آية التطهير بنساء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج3/ص200-205
2025-12-03
28
نستعرض هنا متن ومفاد الروايات المنقولة عن اولئك الرواة بغضّ النظر عن الخوض في شخوصهم، حتى تتبيّن تفاهة هذه الروايات الموضوعة.
إنَّ التأمّل في الروايات الواردة يحكي لنا أنَّ كلمة «أهل» في اللغة العربيّة لا تطلق على النساء إلّا من باب التوسّع في اللغة وعلى سبيل المجاز.
جاء في «صحيح مسلم» عن زيد بن أرقم [وقد قيل له]: مَن أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله، إنَّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثمّ يُطلّقها (وتنقطع العلاقة بينهما) فترجع إلى أبيها وقومها[1].
قلنا فيما تقدّم إنَّ امّ سلمة لمّا أرادت الدخول تحت الكساء، قال لها النبيّ: تنحِّي. فيتّضح من هذا أنَّ عنوان الأهل لا يصدق على امّ سلمة، فنحّاها النبيّ بهذا العنوان مع أنَّها زوجته. وتفيد الرواية التي ينقلها[2] السيوطيّ من أنَّ امّ سلمة بعد أن سألت قائلةً: أ لَسْتُ مِن أهلِكَ؟ قَالَ: "إنَّكَ إلى خَيرٍ، إنَّكَ مِن أزْواجِ النَّبيّ"[3]. فرفع النبيّ عنها عنوان الأهل واستبدله بعنوان الزوجة، تفيد تلك الرواية أنَّ النساء لسن أهل الرجل، ولعلّ المراد من كلمة «أهل» أشخاص تربطهم به علاقة وطيدة وراسخة لا تزول مثل: البنت، والابن، والحفيد؛ والمرأة مع أنَّها ترتبط بالرجل من خلال عقد الزواج، بَيدَ أنَّ هذا الارتباط يزول بالطلاق وغيره.
مضافاً إلى ذلك، لو كان المراد من أهل البيت نساء النبيّ، لكان ذلك شرفاً لهنّ يتباهين ويفخرن به في الميادين الحسّاسة. بَيدَ أنَّه لم يشاهَد أنَّ إحدى نساء النبيّ قد ادّعت ذلك وأضفت على نفسها هذا اللقب حتى يستغلّ الآخرين من أقربائهنّ هذا الشرف فينسبوا عنوان أهل البيت اليهنّ. وحتى معاوية الذي استغلّ لقب امّ المؤمنين الموسومة به اخته امّ حبيبة بنت أبي سفيان فصعد المنبر وأطلق على نفسه لقب: خَالُ المؤمنين، فلو كان عنوان أهل البيت صادقاً على اخته، لطبّل وزمرّ قائلًا: أنَا أخُو أهلِ الْبَيتِ، ولطبّل وزمرّ من قبله أبو بكر، وعمر قائلًا كلّ منهما: أنَا أبُو أهلِ البَيتِ. بَيدَ أنَّ الجميع يقرّون ويعترفون أنَّ هذه الآية نزلت في النبيّ، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام.
مضافاً إلى ذلك فإنَّ الخطاب في هذه الآية المباركة جاء بلفظ جمع المذكّر: {لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ ويُطَهِّرَكُمْ}. في حين لو كانت الآية في نساء النبيّ لجاء بلفظ جمع المؤنّث وقال: لِيُذْهِبَ عَنكُنَّ، ويُطَهِّرَكُنَّ وهذا أمر بديهيّ[4].
وأمّا الجواب على أنَّ آية التطهير جاءت في سياق الآيات الخاصّة بنساء النبيّ، وتقتضي وحدة السياق أنَّ موضوعها ايضاً يخصّ نساء النبيّ فهو على الوجوه التالية:
الأوّل: أنَّ وحدة السياق ليست أكثر من شيء ظاهر، ولا يمكن الركون إليها في مقابل النصّ الصريح؛ فالتمسّك بالسياق في مقابل النصّ الصريح هو اجتهاد في مقابل النصّ. وقد صرّحت جميع النصوص القطعيّة عن الشيعة والسنّة المأثورة عما يقارب أربعين طريقاً متنوّعاً وأكثر من سبعين سنداً، أنَّ الآية نزلت في الخمسة فقط. فما هو شأن وحدة السياق وظهورها في مقابل النصوص المتواترة الصحيحة؟
الثاني: أنَّها لو كانت خاصّة في النساء، لكان الخطاب في الآية بما يصلح للإناث لا للذكور. وهذا دليل قاطع وبرهان ساطع على أنَّها لا تخصّ نساء النبيّ.
الثالث: أنَّ الكلام البليغ يدخله الاستطراد. إذ جاء في كلام البلغاء والفصحاء أنَّهم في الوقت الذي يوجّهون خطابهم إلى شخص أو جماعة فإنَّهم يحوّلون الخطاب إلى غيرهم فجأة فيستعملون جملة اخرى لإفادة قصد آخر، ثمّ يعودون مرّة اخرى إلى موضوعهم السابق فيواصلون حديثهم مع ذلك الشخص أو تلك الجماعة. وهكذا مثلهم بذلك مثل الخطيب الذي يلقي خطابه أمام جماعة. فإذا هو يلتفت إلى الخادم فيقول له: قرّب المصباح، أو شغّل المكبّرة، وقد جاء في القرآن الكريم كثير من الجمل الاستطراديّة، كقوله تعالى في حكاية خطاب العزيز لزوجته، إذ يقول لها: {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} فقوله: يُوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا مستطرد بين خِطابَيهِ معها.
ومثله قوله تعالى في بلقيس ملكة سبأ إذ قالت لأعوانها: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وكَذلِكَ يَفْعَلُونَ، وإِنِّي مُرْسِلَةٌ اليهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}[5].
قالت ذلك بلقيس عند ما أرسل إليها سليمان يدعوها إلى الإسلام أو يحذّرها من العذاب. فقوله: وكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس.
ونحوه قوله عزّ من قائل في سورة الواقعة {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} فقوله: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} واقع بين القسم وجوابه.
وآية التطهير من هذا القبيل جاءت مستطردة بين الآيات الخاصّة بنساء رسول الله إذ يوجد في تلك الآيات الخاصّة بالنساء أمرٌ ونهى ووعد ووعيد وتشديد ونصيحة وأدب ولأنَّه يمكن أحياناً أن يظنّ البعضُ أهل البيت مثل نساء النبيّ أو توجيه التوبيخ واللوم اللذينِ يشاهدان في النساء إلى أهل البيت نتيجة للقرابة السببيّة. أو تتوجّه إلى أهل البيت الهناة والشين جرّاء قرابتهم السببيّة لنساء النبيّ عند ما شاهد الناس فيهم المنقصة والعيب.
فجاء الاستطراد بين تلك الآيات، وتغيّر عنوان الخطاب فجأة باستعمال ضمير المذكّر، وأراد الله من ذلك أن يبيّن بُعدَ أهل بيت العصمة عن تلك الغلظة والتوعيد بالعذاب وأنَّ الله عصمهم وطهّرهم. ولو لا هذا الاستطراد، ما حصلت هذه النكتة. هذا مع أنَّ الله قد بيّن عصمة أهل البيت في موضع آخر.
الرابع: أنَّ القرآن لم يترتّب في الجمع على حسب ترتيبه في النزول بإجماع المسلمين كافّة، إذ إنَّ أغلب السور الأخيرة في القرآن مكيّة والسور الاولى مدنيّة، فلو كان ترتيب القرآن في الجمع على حسب ترتيبه في النزول، لكانت السور القصيرة في أوّل القرآن، والطويلة في آخره. وكانت سورة العلق المستهلّة بقول: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. وهي أوّل سورة نزلت على الرسول الأكرم، في أوّل القرآن، في حين هي ليست كذلك. وجاء في كثير من السور المدنيّة آيات مكيّة أو جاء في بعض السور المكيّة آية أو آيتان مدنيّتان.
في ضوء ذلك، ما هو البعد أن تكون آية التطهير قد نزلت مستقلّة في البداية، ثمّ وضعت بين الآيات الخاصّة بنساء النبيّ عند جمع القرآن. ولم يدّع أحد من الصحابة أو نساء النبيّ، أو العلماء، والمفسّرين، والمحدّثين، والمؤرّخين، سواء من أتباع أهل البيت أو من المناهضين لهم، أنَّ آية التطهير قد نزلت مع الآيات الخاصّة بنساء النبيّ. ولم يرد هذا المعنى أيضاً في خبر أو رواية، حتى في رواية ضعيفة السند. ومع أنَّنا نعلم أنَّ ترتيب النزول هو غير ترتيب التدوين، فبأيّ حجّة قاطعة يمكن الحكم بحجّيّة وحدة السياق والركون إليها؟ وعلماء الشيعة والسنّة كافّة متّفقون على أنَّه عند ما تقوم قرينة قطعيّة خلاف السياق، فلا يكون الظهور السياقيّ حجّةً. وأجمع الرواة والمحدّثون على أنَّ آية التطهير مستقلّة عن بقيّة الآيات نزولًا وقالوا: أنَّها نزلت على رسول الله في بيت امّ سلمة، حيث كان أصحاب الكساء جميعهم مجتمعين تحت الكساء.
والمحصّل ممّا ذكرنا: أنَّ الزعم بنزول آية التطهير في نساء النبيّ كذب وافتراء محض، وقد وضع ذلك صنائع الأمويّين وغُلاة الخوارج وأتباعهم من أعداء أهل البيت عليهم السلام. ونِعمَ ما نقله المرحوم السيّد شرف الدين عن الإمام أبي بكر بن شهاب الدين في كتاب «رشفة الصادي» قوله:
دَعُوا كُلَّ قَولٍ غَيْرَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ *** فَعِنْدَ بُزُوغِ الشَّمْسِ يَنْطَمِسُ النَّجْمُ[6]
[1] «صحيح مسلم» باب فضائل عليّ عليه السلام.
[2] حسيني طهراني، سيد محمد حسين، معرفة الإمام، 18جلد، دار المحجة البيضاء بيروت لبنان، چاپ: 1، 1416 ه.ق.
[3] «الدرّ المنثور» ج 5، ص 198.
[4] جاء في «غاية المرام» ص 289، الحديث الحادي والثلاثون، عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره، عن أبي الجارود، عن الإمام الباقر عليه السلام في آية التطهير أنَّه ذكر اجتماع أهل البيت تحت الكساء. وقال بعد ذلك: قال أبو الجارود: وقال زيد بن عليّ بن الحسين: إنَّ ذلك جهل من الناس الذين يزعمون إنَّما أراد بهذه الآية أزواج النبيّ وقد كذبوا وأثموا وأيم الله لو عنى بها أزواج النبيّ لقال: ليذهب عنكنّ الرجس ويطهّركنّ تطهيراً، ولكان الكلام مؤنّثاً كما قال: واذكرن ما يتلى في بيوتكن، ولستنّ كأحدٍ مِنَ النساء.
[5] الآيتان 34 و35، من السورة 27: النمل.
[6] «الكلمة الغرّاء» ص 217.
الاكثر قراءة في سؤال وجواب
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة