ثُمَّ أوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اْصَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج4/ص3-4
2025-12-04
43
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: {وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}[1].
تخاطب الآية الاولى الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم مبيّنة أنّ الكتاب الذي اوحى إليه هو الحقّ، وهو القرآن المجيد المصدّق لجميع الكتب السماويّة النازلة من الله على من سبقه من الأنبياء. وتتحدّث الآية الثانية حول انتقال القرآن الكريم نفسه إلى المصطفين من عباد الله بعد النبيّ بوصفه إرثاً.
وعلى الرغم من أنّ بعض المفسّرين قد تردّدوا في تفسير معنى الكتاب وقالوا: لعلّ فيه إشارة إلى جنس الكتب السماويّة أو إلى خصوص التوراة والإنجيل، بَيدَ أنّ هذا التردّد لا قيمة له من وجهة النظرة الواقعيّة، لأنّ اللام في الكتاب ليست للجنس، كما أنّه لم يتقدّم على هاتين الآيتين ذكر التوراة والإنجيل في الآيات التي سبقتهما لتدلّ عليهما بصفتها لاماً للعهد، بيد أنّه لمّا كان الكتاب في الآية الاولى هو القرآن الكريم الموحى إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنّ هذ الكتاب قد ذكر مباشرة بعد تلك الآية بوصفه إرثاً لمن اصطفاهم الله من عباده، فلا بدّ أن تكون اللام في الكتاب هي لام العهد مشيرة إلى القرآن المجيد نفسه. ومفادها ومفهومها أنّ الله تعالى قد أورث القرآن مَن اجتباهم من عباده.
وسبب ورود التعبير القرآنيّ بصيغة الماضي الملحوظة في كلمة: أورثنا، هو لتحقّق وقوعه وتثبيته في القضاء الإلهيّ، كما لو أوصى أحد بإعطاء ماله أو كتابه لابنه، فقال: يا بُنيّ أوصيت بإعطائك المال الفلانيّ أو الكتاب الفلانيّ. ويقول أهل الفنّ أنّ الأعمال التي سيتحقّق وقوعها في المستقبل على نحو الحتم واليقين هي في حكم الأعمال المتحقّقة.
والمراد من إرث القرآن، انتقال القرآن إلى الوارث من جميع الجهات، لأنّ حقيقة معنى الإرث في كلّ شيء هو انتقال ذلك الشيء إلى آخر بحيث يقوم هذا به، ويأخذ على عاتقه الاضطلاع بشؤونه. وعلى سبيل المثال، فعند ما يموت شخص ويترك مالًا موروثاً، فأنّ الوارث يتصرّف فيه وكأنّه وارثه الحقيقيّ، وما عليه إلّا القيام بما فيه مصلحة المال من حيث حفظه والاهتمام به وصرفه في محلّه. وتتعلّق به ملكيّته أيضاً كما كانت لصاحبه من قبل.
وللإرث في الحكومة والسلطنة هذا المعنى ذاته، يقولون: فلان وارث أبيه في السلطنة، أو زيد أورث نجله حكومته، أو فلان وارث أبيه في العلم، أو فلان هو وارث أبيه الوحيد في العلوم والفنون من بين أبنائه الآخرين، أي أنّه أخذ عن أبيه تلك العلوم والفنون، وهو لها أهل.
[1] الآيتان 31 و32، من السورة 35: فاطر.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة