ظهور اللغات الحديثة
المؤلف:
أ. د. عبد العظيم رمضان
المصدر:
تاريخ أوربا والعالم الحديث من ظهور البرجوازية الأوربية الى الحرب الباردة
الجزء والصفحة:
ج1 ص66 ــ 72
2025-12-09
26
يعتبر نمو اللغات الوطنية واعتداؤها التدريجي على اللغة اللاتينية التي كانت لغة الأدب والعلم. حلقة الاتصال بين عصر النهضة والعصور الحديثة، وهو بالتالي يعد المظهر الثالث من مظاهر النهضة.
فقد عمد بعض الكتاب والأدباء المتحررين من قيود العصور الوسطى إلى الكتابة بلغة شعوبهم، فنشأت في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا لهجات مستقلة تعتمد على الاصل اللاتيني، وظهرت في
شمال أوروبا لهجات أخرى ترجع إلى أصل تيوتوني. وعمد علماء كل لغة إلى نحت كلمات وعبارات جديدة والارتقاء بمستواها، حتى أصبحت هذه اللغات صالحة لتدوين العلوم والآداب بها، وعاملا مهماً طرأ على نشر الأفكار الجديدة التي اتسمت بها النهضة. كما أوجد نمو هذه اللغات الوطنية طائفة من القراء والأدباء في إيطاليا وفي فرنسا، وغيرها، فأضحى الأدب ملكا للشعب.
وإذا اتخذنا إيطاليا مثلا، فإن لهجة توسكانيا هي التي أصبحت أساس اللغة الايطالية. ويرجع تفوق لهجة توسكانيا إلى أنها كانت بعيدة عن التأثر بلهجات الغزاة البرابرة بحكم موقع توسكانيا في إيطاليا، وظهور شعراء ممتازين توسكانيين قرضوا الشعر باللهجة العامية.
وقد كان أول كاتب في إيطاليا يستخدم اللغة الإيطالية الحديثة في التعبير هو أليجييري دانتي (1265 - 1321م) ,Dante Alighieri، الذي كتب كتابه المشهور «الكوميديا الالهية» Devina Commedia باللغة الإيطالية، وهو عبارة عن رحلة خيالية إلى العالم الآخر، يؤكد بعض الباحثين أن دانتي تأثر فى كتابتها بـ «رسالة الغفران» لأبى العلاء المعرى من ناحية الفكرة، وإن اختلفت من حيث البناء والتفصيلات والمضمون والأهداف.
وتنقسم الكوميديا إلى ثلاثة أقسام متساوية تقريبا، وهي: الجحيم Infero والمطهر Purgatorio والفردوس Paradiso وكل قسم ينقسم بدوره إلى مجموعة من الأناشيد متقاربة الطول.
ويصور دانتي في الجحيم عالم الخطيئة والإثم والعذاب، وهو يقسم تسع درجات، ويتصور أنه شاهد في كل درجة عددا من أعاظم رجال الشعر والحرب والفلسفة والسياسة.
أما المطهر، فهو يمثل النصح والتوبة والتطهر والأمل. وهناك فرق بين الجحيم والمطهر، ففي الجحيم يبقى الآثمون فيه أبدا، أما في المطهر فيوجد فيه الآثمون بصفة مؤقتة لأنهم تابوا وكفروا عن ذنوبهم قبل موتهم.
أما الفردوس فيمثل عند دانتي الطهارة والصفاء والحرية والنور الإلهي، ويضم أرواح الصالحين الأتقياء، ويصوره دانتي على شكل سماوات عشر ترتقي حتى تصل إلى الذات الإلهية. وقد اتخذ دانتي من الشاعر فرجيليوس Virgilius (70 - 19 ق.م) الشاعر اللاتيني القديم صاحب الإنيادة Aeneid، والذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد، مرشده في الجحيم والمطهر. أما في الفردوس فاتخذ من بياتريشي Beatrice التي كان يحبها وماتت في الخامسة والعشرين من عمرها وحزن عليها دانتي حزنا شديدا دليلا ومرشدا.
هذا في إيطاليا، أما فى فرنسا فقد كتب مونتانی de Mon taigne (1533 - 1592م) باللغة الفرنسية رسائل رائعة في الأخلاق عرفت باسم Essais. وكتب فرانسوا رابليه Rabelais قصته عن مخاطرات بنتجرول و جارجانتوا Pentegruel et Gargantua، ولما كان النثر الفرنسي حين بدأ رابليه كتابته لايزال وليدا، فقد استطاع أن يلعب بالألفاظ ويؤلف منها تراكيب غريبة.
وفي أسبانيا ألف سرفانتيز Cervantes (1547 - 1616م) باللغة الإسبانية قصته المشهورة دون كويكزوت Don Quixote أو دون كيشوت Don Quichotte سنة 1605م ، وقد قصد بها السخرية بروايات الفروسية التي كتب معظمها قبل ذلك العهد بجيلين أو أكثر، ونقد مساوئ المجتمع في عصره.
وفي إنجلترا كتب تشوسر Chaucer (1340 - 1400) قصص كانتربري Canterbury باللغة الإنجليزية. وقد تأثر تشوسر في شعره ببوكاشيو أبو النثر الإيطالي. كما ظهر سبنسر Spenser (1522 - 1599) ثاني الشعراء الإنجليز العظام. وقد ظل موضع فخار إنجلترا الأدبي حتى ظهور شكسبير في أخريات عهد النهضة.
كل هؤلاء إلى جانب عدد كبير آخر ممن ظهروا في مختلف البلاد الأوروبية، وكتب كل منهم بلغة وطنه. وبفضل التطوير والتحديث الذي طرأ على هذه اللغات الحديثة، أصبحت أداة لها شأن في نشر العلم وإعداد أفراد المجتمع لتقبل الآراء الجديدة والمفاهيم الجديدة.
الاكثر قراءة في التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة