صفات أولياء الله ومقاماتهم
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص37-41
2025-12-17
35
إنّ أوليآء الله لمّا بلغوا البحر الواسع اللّامتناهيّ من الرحمة، والجود، والوجود؛ فلا يلحظ أثر من النقص عندهم؛ {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} فلا يخافون فوت شيء منهم على نحو اليقين أو الاحتمال في المستقبل؛ ولا يأسون على شيء فقدوه في الماضي. ولو كان لشخص إناء فيه ماء، فإنّه يخاف من احتمال إراقته كلّه أو بعضه في المستقبل؛ ويأسى على إراقته في الماضي؛ لأنّ الماء هو رأسمال وجوده، وبفقدانه، يرى أنه قد فقد حياته.
بَيدَ أنّ أوليآء الله يموجون في بحر الرحمة وهم عائمون في ذلك المحيط الخضمّ؛ متمكّنون في منهل الرحمة وفيض الوجود؛ مستقرّون في محلّ الأمن والأمان الأمين؛ فكيف يُتصوّر صدق الفقدان عليهم، سواء فيما فاتهم أو فيما سيأتيهم؟
وهل ينقص ماء البحر إذا اغترف منه أحد شيئاً؟ وهل يزيد إذا أضاف إليه ماءً؟ لا يكون ذلك أبداً. وهكذا حال أوليآء الله وصفتهم.
إنّ أوليآء الله هم وجه الله؛ فهم باقون ببقاء الله. قال عزّ اسمه: {ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ}.و قال تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}.[1]
أنّ وجه كلّ شيء هو عبارة عمّا يواجهه الإنسان بواسطته؛ ووجه الأشياء ليس بمنفصل عنها؛ ولذلك فإنّ أوليآء الله الذين يمثّلون وَجْهَ الله متمكّنون في سُبُحات وجه الله من خلال خطواتهم الصادقة، ومنصهرون في غمار أنواره؛ خارجون عن تبعة الأعمال، ولا يخصّون بزمان خاصّ أو مكان خاصّ.
{فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.[2]
{كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ، ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والْإِكْرامِ}.[3]
يتّفق قرّاء القرآن بأجمعهم على أنّ (ذُو الْجَلَالِ) مرفوعة نعتاً للوجه، لا للربّ. وليس أن يقال إنّها نعت مقطوع على تقدير هُوَ؛ لأنها في مقام نعت الوجه، لا نعت الربّ.
والشاهد على هذا المعنى ما جاء في قوله تعالى: {تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ}، وقوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} في مقام بيان جمال الاسم وتقديسه؛ لاجمال الذات وتقديسها.
ولمّا كان الإكرام بمعنى الجمال، فالجلال والإكرام في الآية الشريفة جامعان لصفات الجمال والجلال؛ ولذلك فلا صفة من صفات الله العليا ولا اسم من أسمائه الحسنى خارجاً عن هاتين الصفتين؛ وأولياء الله الذين يمثّلون وجه الله، ويتصّفون بصفة واسم الجمال والجلال والجميل والجليل، يتمتّعون بصفات الحقّ وأسمائه كلّها.
وقد تمكّنوا في هذه الصفات والأسماء حتى لم يبق لهم اسم ورسم، غير صفات الله وأسمائه. وقد كشف الغطاء؛ وليس معهم وفيهم سوى اسم وجه الله المتّصف بنعتي: الجلال والإكرام.
واثر عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام قوله: "لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَ خَلْقِهِ حِجَابٌ إلَّا خَلْقُهُ، فَقَدِ احْتَجَبَ بَغَيْرِ حِجَابٍ مَحجُوبٍ، واسْتَتَرَ بِغَيْرِ سَتْرٍ مَسْتُورٍ" (الحديث).[4]
فلا حجاب لأولياء الله إلّا وجودهم المرآتيّ والآيتيّ، فهم ينتمون إلى الممكن لا الواجب؛ وطبيعيّاً فنحن نعلم أنّ وجودهم ظلّيّ وتابع ومرآتيّ وشبيه بالمرآة، وله معنى حرفيّ.
ومن هذا المنطلق، ما جاءت به الرواية المأثورة عن مجيء الملائكة عند قبض روح وليّ الله، وإتيانهم برسالة من الله تبشّره بالجنّة، وقد كتب فيها: "مِنَ الْمَلِكِ الْحَيّ الْقَيُّوم إلى الْمَلِكِ الْحَيّ الْقَيُّومِ " (الحديث).[5]
وكما قيل، فإنّ أوليآء الله في مقام القرب، وفي الحجاب الأقرب؛ وقد سمّاهم الله: المقرّبين؛ لأنه ذكرهم ووصفهم باسم السابقين، وأثنى عليهم بصفة السابقين إلى الخيرات. قال تعالى: {وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}.[6] وقال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}.[7]
وقد نفي الله عنهم كلّ لون من ألوان الشرك العلميّ والعمليّ، ووصفهم بأنهم من الموقنين بآيات الله والمشفقين منه، وعدّهم من المسارعين في الخيرات.
{إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ، والَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ، والَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}. إلى أن قال: {أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وهُمْ لَها سابِقُونَ}.[8]
وقد وعد الله المقرّبين أن يرفع عن قلوبهم حجاب الجهل بالنسبة إلى عوالم الغيب؛ وأن يطلعهم على أسرار عالم علّيّين والمُلك والملكوت.
قال جلّ من قائل: {كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ، وما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ ، كِتابٌ مَرْقُومٌ ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}.[9]
وقد وعدهم الله أن يبدّل وجودهم بحياة خالصة؛ ويرحمهم بنور معنويّ يمشون به في الأرض. قال تعالى: {أوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها}.[10]
[1] الآية 96، من السورة 16: النحل.
[2] الآية 88، من السورة 28: القصص.
[3] الآية 115، من السورة 2: البقرة.
[4] نسخة مخطوطة من رسالة الولاية للُاستاذ الفقيد آية الله العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه وقد استنسختها بخطّي، ص 32.
[5] نسخة مخطوطة من رسالة الولاية للُاستاذ الفقيد آية الله العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه وقد استنسختها بخطّي، ص 42.
[6] الآيتان 10 و11، من السورة 56: الواقعة.
[7] الآية 32، من السورة 35: فاطر.
[8] الآيات 57- 61، من السورة 23: المؤمنون.
[9] الآيات 18- 21، من السورة 83: المطفّفين.
[10] الآية 122، من السورة 6: الأنعام.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة