الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الغاية من الصورة الأدبية
المؤلف:
علي علي مصطفى صبح
المصدر:
الصورة الأدبية تأريخ ونقد
الجزء والصفحة:
ص:172-174
27-7-2017
2782
الصورة الأدبية أصدق تعبير عما يجول في النفس من خواطر وأحاسيس وأدق وسيلة تنقل ما فيها إلى الغير بأمانة وقوة، وأجود موصل إلى الآخرين في سرعة وإيجاز ووفرة، والصورة أجمل وأنضر طريقة في شد العقل إليها، وربط الإحساس بها، وتجاوب المشاعر لها، وإحياء العاطفة وسحر النفس، ويؤثر الأديب والشاعر والناقد الصورة الأدبية في الأدب والنقد لأهداف كثيرة أهمها:
أ- الصورة هي الوسيلة المرغوبة عند الشاعر، والمفضلة عند الأديب، ولكن غيرهما يكتفي بدونها في توصيل فكره التجريدي، ومعانيه الذهنية ونقله إلى الآخرين خبرًا وإعلامًا، يكتفي في ذلك بلفظ جامد لا حياة فيه، وتعبير مركز دقيق لا إيحاء فيه، ويكون اللفظ والتعبير على قدر المعنى والفكرة مجردين من كل منابع الصورة وعناصرها الحية.
ولكن الأديب والشاعر يفضلان في النقل إلى الآخرين الصورة الأدبية الفنية بطرق عديدة من التعبير عن المعنى بالمحسات، وإيثار الوحي والتخييل والتجسيم والتشخيص، ليصل إلى مضمون الصورة -لا بالعقل وحده كما في النمط التجريدي الأول بل عن طرق كثيرة ووسائل شتى:
أولًا: عن طريق الوجدان المنفعل بالوقف، وفي الانفعال حرارة ونشاط تستوعب الناس فيه كل ما يتلقفه العقل، أو يقع تحت الحس.
ثانيًا: عن طريق التخييل، وبه تجتمع الأضداد، وتتآخى المتقابلات وتتآلف المتنافرات، ويمتزج عالم الفكر بعالم الواقع، ونقف على أسرار الجهاد، ولغات الطبيعة، وتراسل المظاهر في الحياة.
ثالثًا: وعن طريق الحواس الخمس الظاهرة، فالعين ترى، والأذن تسمع وتطرب النغم، والآناف تشم، واللسان تطيب له اللذة، ويحلو المذاق، واللمس يهتز لموجات الصورة المختلفة من الصوت والدلالة، والبرق والوحي.
رابعًا: عن طريق العقل الواعي، والفكر المحدود، والذهن المجرد، وهذا قدر مشترك بين الصورة وغيرها من ألوان الفكر والعلم في مختلف النشاط الإنساني.
ب- الصورة هي أقدر الوسائل على نقل الأفكار العميقة والمشاعر الكثيفة في أوفر وقت، وأوجز عبارة، وأضيق حيز، فكلما أمعن الناظر فيها، استقطب أفكارًا جديدة، ومشاعر متجددة.
ومن هنا تتحول إلى رمز، وهو أبلغ تأثيرًا في النفس عن الحقيقة، وأكثر امتلاء من اتساع الواقع المكشوف، وتضحي النفس أسيرة إليه، مجذوبة بقوة خفية، فهي تنسى المعارف التي اكتسبتها من المكشوف الظاهر بعد قليل من الزمن، ولا تنسى من الخفي الرامز، الذي استقر فيها بعد لأي ومجاهدة، ويظل في النفس آمادًا وآبادًا، وهو سر الجمال في الصورة، وروعة الجلال في التصوير، وإن كانت تختلف فيه النسب حسب قدرات الآخرين، ودرجات الصبر والتأمل فيهم.
ج- والغاية من الصورة أن تعرض الحقائق المعروفة، والواقع المألوف، في صورة حية، ونمط روحي؛ لأنها نتجت من معامل التجربة الإنسانية في الشاعر فكانت مولوده الحي، الذي فيه بقاء شخصه، وفي ذاته استمرار حياته، فقد مرت من خلال وسط نابض بالحياة، يموج بالشعور والخواطر والأحاسيس والعواطف، فسرى في الصورة سحرها، وانتشرت الروح في أجزائها ومن هنا نرى أن صدق الصورة عند شاعر ما، يكون بمقدار قدرتها على تمثيل نفسه؛ لأن مواد الصورة حينئذ ليست من الواقع، بل أصبحت من نفس الشاعر ودمه وعقله وروحه، وإلا كان مقلدًا وتابعًا.
د- وبناء على ما سبق فالصورة تعمق المحسوسات، وتبعث الحياة في الجمادات، وتبث الروح في كل ما يتناوله الشاعر فيها، من مظاهر الحياة والواقع وجوامد ما يقع تحت الحس في الطبيعة، فتتعانق هذه الظواهر كلها، بعضها مع بعض، وتتآلف في تعاطف وتجاوب، فهي وسيلة التعرف على أسرار الحياة، والعلاقة التي تربط الإنسان بغيره من المخلوقات، فتراها في الصورة حية نابضة، استودعها الله روحًا مثل روح الإنسان. وإن كانت تختلف عنها في النوع، والمظهر ولكنها تلتقي معها في اللب والجوهر.
لذلك فالصورة تدفع إلى الإثارة والشعور باللذة فتحقق السعادة التي ينشدها الإنسان. وكم من شاعر أحس بفقدان السعادة بين البشر، ولم يجدها إلا في أحضان الطبيعة والواقع؟ التي همست بها إليه في صوره الرائعة. ولا يخلو منها أدبنا الحديث الذي قطع شوطًا فيها. كما لا يحرم أدبنا القديم منها. وبخاصة عند النوابغ من الشعراء.