أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2018
6698
التاريخ: 20-7-2018
7372
التاريخ: 25-10-2016
1476
التاريخ: 2023-07-25
1194
|
أســرحدون:
تروي التوراة (سفر الملك الثاني 37 – 36:19) أن سنحاريب اغتاله احد أبنائه. والمرجح أن نزاعاً أو حرباً أهلية نشبت على أثر ذلك، إلى ان استطاع ولي العهد "أسرحدون" وهو أصغر أبناء سنحاريب، إخمادها. ولعل مما يؤيد ذلك ما جاء في فاتحة حوليات أسرحدون نفسه (1) إذ يقول إن اتهامات إخوته ووشايتهم به أوغرت صدر أبيه عليه، بحيث إنه اضطر إلى الهرب والاختفاء. ومع أنه لم يذكر حادثة قتل أبيه إلا أن المحتمل، كما جاء في التوراة، أن أحد إخوته اغتاله، ويروي أسرحدون بهذا الصدد عنهم أنهم صاروا من بعد ذلك "يناطح احدهم الآخر كالتيوس لأخذ الملوكية". ومهما كان الامر فإنه تغلب عليهم، واعتلى العرش الآشوري في عام 681 ق.م. وبعد أن استقامت له الأمور واستتبت احوال المملكة كانت فاتحة أعماله إعادة بناء مدينة بابل من بعد تدمير أبيه لها كما مر بنا ولعله كان مدفوعاً باعتقاده أن ما أصاب أباه كان بسبب غضب آلهة بلاد بابل لانتهاك حرماتها. وقد استخدم أسرحدون اهل بابل في تجديد أبنيتها. وقد عثر في المدينة على نصوص مدونة وبقايا بنائية من عهد أسرحدون. بيد أن أعمال التجديد الجسيمة استغرقت وقتاً طويلاً استمر إلى بداية حكم ابنه وخليفته آشور لحكمه، فاستقامت له الأمور في بلاد بابل وعمها الاستقرار باستثناء ثورة جهيضة قام بها في عام 680 ق.م ابن الثائر القديم "مردوخ بلادان" للاستيلاء على منطقة "أور".
ونشبت في الجبهة الغربية (بلاد الشام) ثورات لطرح النير الآشوري، ولكن أسرحدون استطاع ان يخمدها، نخص بالذكر منها الثورة التي قام بها ملك "صيدا" المسمى عبد ملكوتي في عام 677 ق.م فكان مصيره الأسر والقتل ودمرت مدينته و "ألقيت في البحر" على حد تعبير حوليات هذا الملك، واجلى سكانها إلى بلاد آشور؛ وأعطيت أراضيهم إلى أهل مدينة "صور" (2).
وبالنظر إلى هدوء الأحوال في بلاد بابل وفي بلاد الشام وجه "أسرحدون" نشاطه إلى الجبهتين الشمالية والشرقية. فإن الكميريين الذين رأيناهم يندفعون في عهد أبيه من جنوبي روسية ويعبرون القوقاز إلى آسية الصغرى وأرمينية وإيران قد التحقت بهم جماعات أخرى من أقربائهم جاءت من المهد نفسه في السنوات الاولى من حكم "أسرحدون"، وقد ذكر هؤلاء الأقوام الجدد في الأخبار الآشورية باسم أشكوزيين (Ishkuzai) وسكيثين (Scythians) في المصادر الكلاسيكية، وإن القاء هؤلاء الاشكوزيين مع الكميريين جعل منهم عظمى أخذت تهدد الولايات الآشورية وحامياتها في إقليم كيليكية وغيره (آسية الصغرى) في عام 679 ق.م، وقد سبق لسرجون أن طرد الكميريين إلى ما وراء نهر "قزل ارمق" بيد أن أولئك الأقوام انقضوا على إقليم "فريجية" وقضوا على المملكة الحاكمة فيه بمساعدة الدولة الأرمينية. اما أسرحدون فقد اتبع سياسة المصالحة والتحالف مع تلك الأقوام، وقد أبرم معهده معاهدة سلم تزوج بموجبها أحد زعمائهم المسمى "بارتاتوا" من أميرة آشورية.
واستطاعت القبائل المادية المتمركزة في الهضبة الإيرانية، جنوب شرقي بحيرة أورمية، ان تستقل في عهد أسرحدون بزعامة أحد قوادها المسمى فرهارطس (Phraortes) في عام 680 ق.م، وكانت سابقاً تابعة إلى الأمبراطورية الآشورية، فوجه أسرحدون عدة حملات حربية ولكنها لم تحرز النجاح التام.
فتح مصر:
نجح أسرحدون مرة بالحرب ومرة بالدبلوماسية أن يوطد الأمور في أرجاء امبراطوريته الواسعة ــ في بلاد بابل وبلاد الشام، وفينيقية، وفي تخومها الشمالية والشمالية الشرقية المترامية، البالغة زهاء 1200 ميل. ولما استقامت له الأمور أخذ يعد العدة للبدء بمشروع حربي جسيم، سبق أن شرع فيه أبوه سنحاريب ولكنه لم يفلح، ونعني بذلك غزو مصر وضمها إلى الأمبراطورية الآشورية. ومهد لذلك بضمان ولاء القبائل العربية في بوادي الشام لسلامة مرور جيوشه الضخمة إلى سوريا ومنها إلى مصر، فعقد العهود من بعض أمراء بادية الشام ومشايخها، مثل "دومة الجندل" (أدمو أو أدمومتو في الأخبار الآشورية). وسار بجيوشه الجرارة في عام 679 ق.م واستولى على المدينة التي ورد ذكرها باسم ارزاني في وادي العريش، وبلغ رفح (Rapihu) جنوب غزة، عبر صحراء سيناء. ويخبرنا في حولياته انه لاقى الأهوال والعجائب في هذه الصحراء المخيفة، من أفاع "ذوات رأسين" وحوانات غريبة خضراء تفتك بضربات أجنحتها. وبعد مسيرة خمسة عشر يوماً بلغ حدود "مصر الخضراء"، وكان يحكمها تهارفاً أو "طهراقا" الحبشي (663 – 688 ق.م) الذي لم يستطع صد الغزو الآشوري فهرب إلى جنوبي البلاد. ولعله من الطريف ان نورد جزءاً من نص أسرحدون عن غزو مصر: "من مدينة اشحفري (Ishupri) إلى العاصمة منفس (Mempi) وهي مسافة 15 يوماً قاتلت قتالاً متواصلاً جيش "طرقو" ملك مصر والحبشة، الملعون من جميع الآلهة. لقد أصبته خمس مرات بسهامي محدثاً به جراحاً لم يشف منها، ثم حاصرت ممفي، عاصمته وفتحتها في نصف يوم. . وغنمت الملكة وحرم قصره، وولى عهده وأولاده الآخرين، وجميع امواله وخيوله وماشيته، وأخذت غنائم كثيرة إلى بلاد آشور، واجليت جميع الأحباش عن أرض مصر، وعينت ملوكاً على أقاليم مصر، وحكاماً وموظفين ومراقبين للموانئ . . وفرضت عليهم الجزية السنوية تدفع إلي بصفتي سيدهم" (3).
وعلى الرغم من تبجح أسرحدون لم يكن فتحه لمصر فتحاً دائماً، إذ عاد طهراقا من موضع اختبائه بعد عامين، واستعاد العاصمة "منفس" وشن الحرب على الحاميات الآشورية في الدلتا فأسرع أسرحدون بعد العدة للقضاء على طهراقاً وسار بنفسه على رأس الجيش عبر سورية، ولكن عاجلته المنية وهو في حران في عام 669 ق.م، فترك أمر مصر إلى خليفته في الحكم "آشور بانيبال"، الذي أعاد فتحها في 667 ق.م مما سنذكره في كلامنا على حكمه.
قضية ولاية العهد:
قبل أن يتوفى أسرحدون بثلاثة أعوام رتب أمر ولاية العهد بين أبنائه، ولا سيما بين ولديه "شمش ــ شم ــ أوكن"، وهو الابن الأكبر، وابنه الأصغر "أشور بانيبال" الذي اختاره لتولي العرش. وعين الأول ملكاً على عشر بلاد بابل. وقد تمت هذه التسوية في اجتماع رسمي حضره الأمراء وقواد الجيش والسفراء وممثلون عن الأقاليم التابعة للإمبراطورية، وأخذ البيعة منهم في ولائهم لولي العهد آشور بانيبال، وأبرمت بهذا الشأن مع رؤساء الأقاليم التابعة معاهدة وجدت نسخة منها في نمرود في أثناء الموسم السادس من تنقيبات البعثة البريطانية 1955(4). ويبدو أن ولي العهد المختار آشور بانيبال كان محبوباً مفضلاً من جانب جدته لأبيه الآرامية الأصل واسمها "نقية ــ زكوتو"، فحصلت من البابليين ومن حفيدها الثاني "شمش ــ شم ــ أوكن" على الولاء لآشور بانيبال.
ومع ان أسرحدون لم يقصد من وراء عمله ذلك تقسيم الامبراطورية الآشورية بين ولديه، إلا أنه ضمن ولاء البابليين بتنصيب مالك عليهم ومنحه الثاني ــ آشور بانيبال ــ بجعله ملكاً على بلاد آشور وسائر الأقاليم والولايات التابعة لها.
_____________
(1) عن النصوص الخاصة بحكم أسرحدون بالإضافة إلى المرجع الأساسي المرموز له ARAB, I انظر المراجع الآتية:
(1) C.Thompson, The Annals of Esarhaddon and Ashur – banipal (1931).
(2) A. Heidel, in SUMER, XII (1956), g ff.
(3) R. Borgar, Die Inschriften Asarhaddons (1956).
(4) S. Smith, Bab, Historical Texts, (1924).
(5) King. Bab. Chronical, IV, 34-37.
(2) حول المعاهدة التي أبرمت مع ملك صور المسمى "بعلو" انظر:
R. Borgar, Ibid., 107 ff.
(3) وجدت مديرية الآثار العراقية في نينوى عام 1955 في تل النبي يونس حيث بقايا قصر الملك أسرحدون، كسراً كثيرة من تمثال أو تماثيل الفرعون طهراقاً، كما تدل على ذلك الكتابة الهيروغليفية المنقوشة على بعض تلك الأجزاء، ووجدت كذلك كسراً من تمثال الآلهة المصرية أنوقت (Anuqpet). ومما لا شك فيه أن تكون هذه البقايا وغيرها من بين الغنائم الحربية التي جلبها أسرحدون من مصر (انظر مجلة سومر، المجلد 11، 1955 والمجلد 12 ؛ 1956 وعن النصوص المتعلقة بفتح مصر، ولا سيما نصوص مسلة زنجرلي، انظر:
(ANET, 293 ff.)
(4) راجع نص المعاهدة في:
Wiseman, in IRAQ, XX (1958), g ff
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|