أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-2-2019
4935
التاريخ: 29-4-2018
9960
التاريخ: 26-4-2018
803
التاريخ: 16-3-2019
688
|
الدلالة:
يحلو لكثيرين من أساتذة اللغة العربية في أيامنا هذه أن يشيروا إلى ما يعتبرونه نقطة ضعف في النحو العربي, وهو ارتباطه الشديد بطابع الصناعة, حتى إنه يعرف أحيانًا باسم "صناعة النحو", ثم خلوّه من الارتباط بالمضمون مما جعله يبدو في نظرهم جسدًا بلا روح، والمضمون الذي يقصده هؤلاء هو موضوع علم المعاني, فهم يقولون: إن علمي النحو والمعاني لا يمكن الفصل بين أحدهما وبين الآخر إلّا مع التضحية بالمعنى على مستوى العلمين جميعًا, ويوغلون في المحاجَّة فيقولون: إن ما تركه لنا عبد القاهر الجرجاني من دراسات في دلائل الإعجاز وغيره يعتبر إشارات ذكية إلى الطريق الذي كان على النحاة أن يسلكوه بدراستهم للنحو, وبخاصة ما قام به عبد القاهر من دراسة "للنظم" في اللغة العربية. وأنا أوافق موافقة تامة على كل هذا الذي يدور في أذهان الأساتذة الكرام, وألاحظ أن هذه العبارات الصادقة كانت تدعو إلى الغوص في خِضَمّ هذه المشكلة بإيضاح الطريقة التي يمكن بواسطتها أن يصبح للنحو العربي "مضمون", والتي يمكن بها مزج معطيات علم النحو بمعطيات علم المعاني لنصل منهما معًا ممتزجين إلى تنظيم دراسة الفصحى على أساسٍ جديد لم يخطر ببال سيبويه ولا ببال عبد القاهر، ولكن لم يحاول واحد من الأساتذة أن يمزج أحد العلمين بالآخر ليخرج منهما دراسة نحوية تعنى بالتركيب كما تعنى بالتحليل, وتختص بمعاني الجمل كما تحتفي بمعاني الأبواب الفرعية التي في داخل الجمل.
ولكن إذا فهمنا من كلمة "صناعة" الدراسة الشكلية التي تعنى بأشكال المباني المختلفة للمعاني المختلفة, فلا بُدَّ من الاعتراف بأن علوم البلاغة العربية كلها -وليس علم المعاني فقط- دراسة شكلية, ومن ثَمَّ تكون البلاغة صناعة كما كان النحو صناعة. ولهذا السبب بالذات لم تقم علوم البلاغة في أية مرحلة من مراحل تاريخها الطويل بدور المنهج النقدي الأدبي المتكامل
ص336
لأنها لم تتخطّ النقد الشكلي إلى نقد المضمون إلّا مع الكثير من القصور, حتى على مستوى فهم القدماء أنفسهم لفكرة النقد.
ولكنَّ البلغاء في إطار شكلية البلاغة التي ذكرناها ربما فطنوا إلى أن اللغة ظاهرة اجتماعية وأنها شديدة الارتباط بثقافة الشعب الذي يتكلمها, وأن هذه الثقافة في جملتها يمكن تحليلها بواسطة حصر أنواع المواقف الاجتماعية المختلفة التي يسمون كلًّا منها "مقامًا", فمقام الفخر غير مقام المدح, وهما يختلفان عن مقام الدعاء أو الاستعطاف أو التمني أو الهجاء, وهلم جرا. وكان من رأي البلاغيين أن "لكل مقام مقالًا" لأن صورة "المقال" speech event تختلف في نظر البلاغيين بحسب المقام" context of sotuation, وما إذا كان يتطلب هذه الكلمة أو تلك, وهذا الأسلوب أو ذاك من أساليب الحقيقة أو المجاز, والإخبار أو الاستفهام, وهلم جرا. ومن عباراتهم الشهيرة في هذا الصدد قولهم: "لكل كلمة مع صاحبتها مقام", وبهذا المعنى يصبح للعلم الجديد الذي يأتي من امتزاج النحو والمعاني "مضون"؛ لأنه يصبح شديد الارتباط بمعاني الجمل ومواطن استعمالها وما يناط بكلِّ جملة منها من "معنًى". ولقد كان البلاغيون عند اعترافهم بفكرة "المقام" متقدمين ألف سنة تقريبًا على زمانهم؛ لأن الاعتراف بفكرتي "المقام" و"المقال" باعتبارهما أساسين متميزين من أسس تحليل المعنى يعتبر الآن في الغرب من الكشوف التي جاءت نتيجة لمغامرات العقل المعاصر في دراسة اللغة.
ص337
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|