أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
![]()
التاريخ: 1-07-2015
![]()
التاريخ: 5-12-2018
![]()
التاريخ: 1-07-2015
![]() |
وبيّن ذلك
بعضهم (2) بما محصّله : أنّ العلم بمعنى ما به الانكشاف لا يجب أن يكون حقيقة
المعلوم مساوية له في الماهيّة ، بل قد يكون كما في علم الشيء بالكنه ، وقد لا يكون
كما في علم الشيء بالوجه.
وما يقال
ـ أنّ حضور غير حقيقة الشيء أو حصوله لا يفيد العلم به ، والمعلوم في الحقيقة في
المعلوم بالوجه إنّما هو كنه الوجه لا ذي الوجه ـ فإن أريد أنّ ذا الوجه ليس
معلوما أصلا ، فممنوع ، والسند ظاهر. وإن أريد أنّه ليس معلوما بالكنه فممنوع ولا
يضرّنا ، ولا يلزم في صورة العلم بالمعدوم تعلّق العلم بالمعدوم الصرف ؛ فإنّ
المعدوم الصرف هو الذي لا يكون بحقيقته ولا بما ينكشف به حاصلا للعالم.
ثمّ إنّ
العلم الفعليّ ما يكون سببا لوجود المعلوم ومقدّما عليه بالذات أو بالطبع سواء كان
علما بوجهه أو بكنهه ؛ فإنّ كون العلم مقدّما على المعلوم وسببا لوجوده لا يقتضي
أن يكون علما بكنه حقيقته ، فالعلم بمعنى ما به الانكشاف عبارة عن أمر حاصل عند
العالم ، له مناسبة مخصوصة إلى المعلوم ، بسببها يتميّز وينكشف ذلك المعلوم عند من
حصل له ذلك الأمر سواء كان مساويا له في الماهيّة ، أو لا.
ولا ريب
أنّ للعلّة مناسبة مخصوصة مع المعلول ، بها يصدر عنها ذلك المعلول المعيّن دون
غيره ، فيجوز أن تكون نفس ذات العلّة علما بالمعلول ، فلا يبعد أن يكون علمه تعالى
بذاته علما تفصيليّا بمعلوله الأوّل ، وإجماليّا بسائر معلولاته البعيدة بأن يعلم
معلوله الأوّل قبل إيجاده علما تفصيليّا بنفس ذاته المقدّسة ، ويعلم المعلول
الثاني كذلك بنفس ذات المعلول الأوّل وهكذا ، ولا يجب أن يكون علمه الفعلي
التفصيليّ بجميع الموجودات في مرتبة واحدة ، بل ذلك ممتنع ؛ لامتناع أن يعلم بأمر
واحد بسيط معلومات متكثّرة بخصوصيّاتها ، ممتازا بعضها عن بعض.
وعلى هذا
وإن لزم احتياج الواجب في العلم التفصيليّ بأكثر الموجودات إلى معلولاتها المغايرة
لذاته ، وكونه في مرتبة الذات غير عالم بحقائق الممكنات بالذات ، بل يتجدّد علمه
بها بعد مرتبة الذات ، لكن احتياجه في علمه التفصيليّ إلى غيره غير ممتنع ؛ فإنّ
كماله الذاتيّ إنّما هو في العلم الإجماليّ الذي هو عين ذاته ، والتغيّر في علمه
إذا لم يكن بحسب الزمان بل بحسب الذات فلا دليل على امتناعه ، بل قد صرّحوا بأنّ
علمه بذاته علّة لعلمه بمعلولاته ، وهذا تغيّر وتجدّد بحسب الذات. انتهى.
ولا يخفى
ما فيه ؛ لأنّ الوجه يجب كونه محمولا على ذي الوجه ، متّحدا معه بوجه ما ؛ فإنّ
وجه الإنسان هو الضاحك ـ مثلا ـ لا الضحك ، وليس العلّة مع معلولها الخارج عنها ،
المباين لها كذلك. إلى غير ذلك على ما يظهر بالتأمّل.
واكتفى بعضهم (3) بكونه إجماليّا فقط من قبيل
الحالة الثالثة من الحالات الثلاث المذكورة في كتاب النفس قال :
فأمّا أن
يكون من قبيل الحالة الأولى ، فهو محال ؛ لأنّ العلم المفصّل هو العلم الإنسانيّ
الذي لا يجتمع اثنان منه في النفس في حالة واحدة ، بل يضادّ واحدا واحدا ؛ فإنّ
العلم نقش في النفس ، فكما لا يتصوّر أن يكون في شمعة نقشان وشكلان في حالة واحدة
، لا يتصوّر أن يكون في النفس علمان مفصّلان حاضران في حالة واحدة ، بل يتعاقب (4)
على القرب بحيث لا يدرك تعاقبهما للطف الزمان ، أو يصير المعلومات الكثيرة بجملة
كالشيء الواحد ، فيكون للنفس منها حالة واحدة نسبتها إلى كلّ الصور واحدة ، ويكون
ذلك كالنقش الواحد.
وهذا
التفصيل والانتقال لا يكون إلاّ للإنسان ، فإن فرض وجودها مفصّلا في حقّه تعالى
كانت علوما متعدّدة بلا نهاية واقتضى كثرة ، ثمّ كانت متناقضات ؛ لأنّ الاشتغال
بواحد يمنع من الآخر.
فإذن معنى
كون الأوّل عالما أنّه على حالة بسيطة نسبتها إلى سائر المعلومات واحدة ، فمعنى
عالميّته مبدئيّته لفيضان التفاصيل منه في غيره ، فعلمه هو المبدأ الخلاّق لتفاصيل
العلوم في ذوات الملائكة والإنس ، فهو عالم بهذا الاعتبار ، وهذا أشرف من التفصيل
؛ لأنّ المفصّل لا يزيد على واحد ولا بدّ أن يتناهى ، وهذا نسبته إلى ما يتناهى
وما لا يتناهى واحدة.
ومثاله أن
نفرض ملكا معه مفاتح خزائن الأرض وهو يستغني عنها ، فلا ينتفع بذهب ولا فضّة ولا
يأخذه ولكن يفيضه على الخلق ، فكلّ من له ذهب يكون منه أخذه ، وبوساطة مفتاحه وصل
إليه ، فكذلك الأوّل تعالى عنده مفاتح علم الغيب يفيض العلم بالغيب والشهادة على
الكلّ ، وكما يستحيل أن لا يسمّى الملك الذي بيده المفاتيح غنيّا ، يستحيل أن لا
يسمّى الذي عنده مفاتح العلم عالما ، فالفقير الذي يأخذ منه دنانير معدودة يسمّى
غنيّا باعتبار أنّ الدنانير في يده ؛ والملك باعتبار أنّ الدنانير من يده وبإفاضته
ويفيض منه الغنى على الكلّ كيف لا يسمّى غنيّا؟! فكذلك حال العلم (5). انتهى.
واعترض
عليه بأنّه لو انحصر علمه في الإجماليّ ، لزم أن لا يعلم إلاّ ذاته بخصوصها ، ولا
يعلم سائر الموجودات بخصوصيّاتها ، ولا يمتاز في نظره بعضها عن بعض.
وفساده
أظهر من أن يذكر.
ولزم أيضا
أن لا يصدر عنه موجود بالعلم ؛ إذ العلم الإجماليّ ـ كما صرّح به ـ نسبته إلى جميع
الموجودات على السويّة ، فلا يصدر عنه معلول دون آخر ، وإلاّ لزم الترجيح بلا
مرجّح ، وعدم صدور الموجودات عنه بالعلم مناف لكون علمه تعالى فعليّا.
وبأنّه
يجوز أن يعلم الواجب جميع الموجودات بعلوم كثيرة لكن بالتفات واحد ، فلا يشغله شأن
عن شأن (6).
ومنهم من
قال : إنّ ذاته علم إجماليّ بجميع الموجودات ، بمعنى أنّه علم بالفعل بخصوصيّات
جميع الموجودات على وجه يتميّز بعضها عن بعض في علمه تعالى (7).
وعليه حمل
كلام بعض العارفين ؛ حيث قال : نحو العلم هنالك على عكس نحو العلم عندنا ؛ فإنّ
المعلوم هنالك يجري من العلم مجرى الظلّ من الأصل ، فما عند الله هو الحقائق
المتأصّلة التي تنزل الأشياء منها بمنزلة الصور والأشباح ، فما من الأشياء عند
الله أحقّ بها ممّا عند أنفسها ، فالعلم هنالك في شيئيّة المعلوم أقوى من المعلوم
في شيئيّة نفسه ؛ فإنّه مشيّئ الأشياء ومحقّق الحقيقة والشيء مع نفسه بالإمكان ؛
فإنّه بين أن يكون وأن لا يكون ، ومع مشيّئه بالوجوب ، ومشيّئ الشيء فوق الشيء ؛
فإنّه الشيء ويزيد ، وإن كان فهم هذا يحتاج إلى تلطّف شديد ، وإذا كان ثبوت نفس
الشيء عند العالم حضورا له ، فثبوت ما هو أولى به من نفسه أولى بذلك.
وكذا كلام
المحقّق الدواني من أنّ الذي يشبه أن يكون مذهب الحكماء هو أنّ ذاته تعالى عين
العلم القائم بذاته ، فهو علم بذاته وعلم بمعلولاته إجمالا.
كما قال بعضهم
: إنّ الصورة المحسوسة لو قامت بنفسها ، كانت حاسّة ومحسوسة ، فهذا العلم القائم
بذاته هو علم بذاته باعتبار ، وعلم إجماليّ بمعلولاته باعتبار آخر ، والحيثيّة
الأولى علّة للحيثيّة الثانية فالمعلولات كلّها حاضرة له تعالى من غير أن يكون
فيها كثرة بحسب ذلك الحضور ؛ فإنّ الصورة العقليّة في العلم الإجماليّ واحدة مع
كثرة المعلومات على ما تقرّر في موضعه (8). انتهى.
وأورد على
هذا المذهب أنّه كيف يتميّز بصورة واحدة مباينة لحقائق مختلفة تلك الحقائق
المختلفة في نظر العالم؟! وهل هذا إلاّ تمايز المعدومات الصرفة (9)؟
ومنهم من
قال : إنّ ذاته تعالى علم إجماليّ بالموجودات كلّها بخصوصيّاتها لكن لا على أن
يتميّز بعضها عن بعض ؛ فإنّ العلم شيء ، والتميّز شيء آخر ، والأوّل لا يوجب
الثاني على ما حقّق في موضعه (10).
وهذا أيضا
بعد التسليم كالأوّل في أنّه كيف يمكن أن يعلم معلومات مختلفة بحقيقة واحدة مباينة
لجميعها وإن لم يتميّز بعضها عن بعض؟! ويشتركان مع سابقهما في أنّ نسبة العلم
الإجماليّ إلى جميع الموجودات على السواء ، فلا يترجّح صدور واحد دون آخر ، فلا
يكون الصدور عن علم كما مرّ.
هذا آخر
ما أردناه من إيراد المباحث المتعلّقة بهذا المقام ، وتلك عشرة كاملة في ذاتها ،
مكمّلة للمرام ، وهو تعالى وليّ الفضل والإنعام.
__________________
(1) « الأسفار الأربعة
» 6 : 181 ؛ شرح المنظومة ، قسم الفلسفة : 165.
(2) هو الأمير نظام الدين أحمد. منه ;.
(3) نسب
إلى أكثر المتأخّرين. راجع « الأسفار الأربعة » 6 : 181 ؛ « المبدأ والمعاد » :
117 ـ 118 ؛ « شرح المنظومة » قسم الفلسفة : 167.
(4) كذا ، والصحيح
: « يتعاقبان ».
(5) نحوه
في « الأسفار الأربعة » 6 : 242 ؛ « شرح المنظومة » قسم الفلسفة : 167 ـ 168.
(6) « الأسفار الأربعة
» 6 : 243 ـ 245.
(7) قاله بعض المتأخّرين
في الجواب عن القول السابق ، راجع « الأسفار الأربعة » 6 : 243؛ « المبدأ والمعاد
» للصدر الشيرازيّ : 119.
(8) انظر
« الأسفار الأربعة » 6 : 238 ـ 240 ؛ « المبدأ والمعاد » للصدر الشيرازيّ : 119.
(9) نفس المصدر.
(10) قاله بعض المتأخّرين
في الإيراد على القول السابق ، كما ذكر ذلك الصدر الشيرازيّ في « الأسفار الأربعة
» 6 : 241.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
مؤسسة السجناء السياسيين: سجلنا 120 ألفًا من ضحايا السجون والاعتقالات في عهد النظام السابق
|
|
|