أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-07-2015
616
التاريخ: 25-10-2014
742
التاريخ: 5-08-2015
864
التاريخ: 25-10-2014
642
|
لا خلاف في أنّه تعالى مريد، و قد ورد السمع به في قوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة: 185] وقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] و قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] ، والمشيّة هي الإرادة. إلى غيرها من الآيات المتضمّنة لذكر الإرادة و المشيّة.
ولكنّ العلماء اختلفوا في معنى كونه مريدا،
فذهب أبو عليّ و أبو هاشم و أصحابهما إلى أنّ معنى كونه تبارك و تعالى مريدا أنّه
حاصل على وصف زائد على داعيه، لمكانه يختصّ بعض مقدوراته بالوقوع دون بعض، و
لمكانه يختصّ به بعض أفعاله ببعض الوجوه الجائزة عليه وكذا قالوا في الشاهد: إنّ
كون أحدنا مريدا زائد على داعيه، و وصفوا كون الواحد منّا مريدا بأنّه ميل القلب
إلى الشيء المراد، و لم يصفوا إرادته تعالى بذلك. و إلى هذا المذهب يذهب
الكلابيّة و الأشعرية و النجاريّة.
وذهب الشيوخ المتقدّمون عليها، كأبي الهذيل
و النظّام و الجاحظ إلى أنّ معنى كونه تعالى مريدا لأفعال نفسه هو أنّه يفعلها و
هو غير ساه عنها و لا مكره عليها، و معنى كونه مريدا لأفعال العباد أنّه أمر بها،
و إلى هذا ذهب الكعبيّ.
وحكى أبو الحسين البصريّ- في تصفحه عن بعض
الشيوخ و لم يسمّه- أنّه يذهب إلى [أن] كون الفاعل مريدا إنّما هو داعيه إلى
الفعل.
فالواجب أن نبيّن أنّ أحدنا مريد و نبحث عن
حقيقته و نورد ما يقوله كلّ واحد من الفريقين، ليتميّز بذلك الصحيح من الفاسد،
فنقول: لا شكّ في أنّ للفاعل وصفا شأنه تخصيص بعض مقدوراته بالوقوع، و تخصيص فعله
ببعض الوجوه الجائزة عليه، و تخصيصه أيضا ببعض الأوقات الجائز وقوعه فيها. و ذلك
لأنّ أحدنا إذا فعل شيئا من مقدوراته مع ذكره فإنه يجد من نفسه أمرا متعلّقا بما
فعله و كذلك إذا فعل فعلا مختصا بوجه دون وجه آخر ممّا يجوز عليه فإنّه يجد من
نفسه مزية متعلّقة بذلك الوجه.
فالبصريّون يقولون إنّ هذا الأمر زائد على
الدّاعي، ويبيّنونه بأنّ أحدنا قد يدعوه الداعي إلى امور متساوية، بالنسبة إلى
داعيه، كأرغفة متساوية في جميع الصفات، فإنّ داعيه يدعوه إلى تناول كلّ واحد منها،
ثمّ إذا تناول بعضها دون بعض، يجد من نفسه مزيّة متعلّقة بما فعله.
ويمكن أن يقال على ذلك عندكم: إنّ الداعي
الذي يدعوه إلى الفعل المراد يدعوه إلى إرادته، فما يدعوه إلى تناول هذا الرغيف
يدعوه إلى إرادة تناوله، و ما يدعوه إلى تناول رغيف آخر يدعوه إلى إرادته أيضا، و
كذا القول في الجميع.
فكما تساوت هذه المرادات عنده و بالنسبة إلى
دواعيه، فكذلك قد تساوت إرادتها عنده و بالنسبة إلى دواعيه.
فيمكن أن يقال: لما ذا ميّز بعض تلك
الإرادات عن البعض؟ إن قالوا لإرادة أخرى، يلزمهم التسلسل وإن قالوا: إنّما ميّزها
لداع زائد، قلنا: فقولوا مثله في تمييزه بعض المرادات عن البعض.
ولا يمكن أن يقال: هذه الإرادات لا تنفصل له
قبل وجودها، كما يقال في الإرادات المتماثلة. وذلك لأنّ هذه الإرادات مختلفة
لتغاير متعلّقاتها عندهم فتنفصل له.
قالوا: أحدنا قد يدعوه الداعي إلى فعل في
أوقات كثيرة، ثمّ لا يفعل في جميع تلك الأوقات و إنّما يفعل في بعضها، كمن يعلم
حسن التصدّق بما يملكه من الدرهم في أيّام، ثمّ يتصدّق به في بعض تلك الأيّام، وأنّه
يجد في الوقت الذي يفعل ذلك الفعل من نفسه مزيّة متعلّقة بالفعل، وهي الإرادة التي
نثبتها.
والاعتراض عليه ما سبق بأن يقال: الداعي
المستمرّ الذي دعاه إلى الفعل في هذه الأوقات دعا أيضا إلى إرادة الفعل في هذه
الأوقات، لما يذهبون إليه من أنّ الداعي إلى الفعل المراد هو الداعي إلى إرادته.
فلما ذا فعل الإرادة في بعض هذه الأوقات دون بعض؟ إن قالوا: لإرادة اخرى، اتّجه
عليه التّسلسل و إن قالوا: لمزيد داع أو لخلوص الداعي في ذلك الوقت الذي لم يكن من
قبل.
قلنا: فارضوا بمثله في الفعل المراد.
قالوا: أيضا صيغة الخبر يجوز أن تقع غير
خبر، و كذا صيغة الأمر يجوز أن تقع غير أمر بأن يكون إباحة أو تهديدا أو تحدّيا.
فإذا وقع صيغة الخبر خبرا و صيغة الأمر
أمرا، وجب أن يكون ذلك الأمر هو كون فاعله مريدا. أمّا في الخبر فلكونه خبرا، و
أمّا في الأمر فلحدوث المأمور به على ما هو مذكور في الكتب.
والكلام على هذا أن يقال: الدّاعي هاهنا
يكفي أيضا بأن يقال: إنّما صار صيغة الخبر خبرا، لأنّ المخبر علم أو اعتقد أنّه أو
مخاطبه ينتفع بأن يعلمه حال المخبر عنه أو يجعله ظانا له. فإذا دعاه هذا العلم أو
الاعتقاد لذلك إلى إيجاد صيغة الأمر، تخصّصت الصيغة بكونه أمرا واجبا. وبيان ذلك
أنّه لا يتصوّر إيجاد الصيغتين للداعيين المذكورين من دون أن يكونا خبرا أو أمرا،
وإن فقد ما فقد.
قالوا: العالم منّا بما يفعله إذا فعله لغرض
يخصّه و لم يكن ممنوعا من الإرادة وجب أن يكون مريدا له و يجد من نفسه ذلك.
فالجواب عن ذلك أن نقول: لا شكّ في أنّ من
وصفتموه يكون مريدا، و إنّما النزاع في معنى كونه مريدا، و كونه مريدا إنّما هو
داعيه الذي خلص إلى الفعل أو الذي غلب على ما يعارضه من الصوارف.
ثم استدلّوا بنظائر هذه الطرق على أنّ اللّه
تعالى مريد. قالوا: فعل تعالى في بعض الأوقات، مقدّرا أو محقّقا، ما فعل مع جواز
أن يفعله متقدّما عليه أو متأخرا عنه، فلا يتخصّص فعله بالوقت الّذي وقع فيه أو
تقديره إلّا لمخصّص هو كونه مريدا، و كذا فعل أفعالا على وجوه كان من الجائز
وقوعها على غير تلك الوجوه، فلا بدّ من مخصص، و هو كونه مريدا، و ذكروا: أنّ هذا
كما له شروط التّكليف في الواحد منّا، فإنّه يتصوّر أن لا يكون فيه غرض فيكون
عبثا، أو يكون الغرض فيه الإغراء على القبيح، أو يكون الغرض فيه التعريض للثواب، و
هو المقصود، فلا يتخصّص بهذا الوجه دون غيره الّا المخصّص، و هو كونه مريدا. أو
كذلك وقع منه الأمر والخبر، و صيغة الأمر و الخبر لا يصيران كذلك إلا لمخصّص، و هو
كونه مريدا.
والجواب عن ذلك ما سبق: من أنّ الداعي يكفي
في تخصيص الفعل ببعض الجائزات عليه - على ما ذكرناه في الشاهد- بأن يقال: إنّما
فعل ما فعله في وقت معيّن مقدّرا أو محقّقا للداعي الذي دعاه إلى ذلك و كذلك إنّما
أوقع الفعل على الوجه الذي وقع عليه للداعي بأن يقال: علم أنّه إذا أكمل هذه
الشروط في المكلّف، صار المكلّف متمكنا عند ذلك من الوصول إلى الثواب واستحقاقه،
فأكمل شروط التكليف لهذا الداعي، فكان تعريضا للثواب، و كذلك صيغة الأمر والخبر
إنّما صارتا كذلك، لأنّه تعالى علم أنّ صلاح المكلّف في أنّ يعلم مخبر الخبر، و
أنّ صلاحه أيضا في امتثال الفعل المأمور به.
فدعاه هذا العلم إلى إيجاد الصيغتين، و كانت
إحداهما أمرا و الأخرى خبرا.
وقد اعترضوا استدلالهم بالأمر والخبر على
كونه تعالى مريدا، بأن قالوا ما يعلم كونه مريدا إلّا و يعلم كونه آمرا أو مخبرا،
فكيف يستدلّ بكونه آمرا أو مخبرا على كونه تعالى مريدا؟.
وقد أجاب- من ذهب إلى أنّ صيغة الأمر تختصّ
بالأمر الذي هو الطلب و ليست مشتركة بينه وبين الإباحة و التهديد، و كذا صيغة
الخبر مختصة غير مشتركة- عن هذا الاعتراض بأن قال: إذا وجدنا في خطابه تعالى صيغة
الأمر و الخبر، حملناهما على الحقيقة، و علمناه تعالى آمرا ومخبرا، ثمّ نستدلّ
بكونه آمرا أو مخبرا على كونه مريدا.
ومن ذهب إلى اشتراك الصيغتين، يجيب عن هذا
الاعتراض بأن يقول:
إذا تكلّم تعالى بالصيغتين، علمنا أنّه لا
بدّ من أن يقصد بهما إلى بعض المعاني التي يحتملانها، وإلّا صار الكلام لغوا عبثا.
ويمكن أن يقال لهما جميعا: و بم عرفتم صدر
الصيغتين منه تعالى قبل علمكم بأنّه تعالى مريد؟
إن قالوا بقول النبيّ صلى اللّه عليه و آله.
قلنا: أوّلا النبيّ لا يعلم صدقه إلّا
بالمعجزة، و المعجزة لا تدلّ على صدقه إلّا بأنّ يعلم أنّه تعالى قصد بإظهارها
تصديق النبيّ و في ذلك العلم بأنّه مريد.
وإن
قالوا بالإجماع نعلمه.
قلنا: و الإجماع إمّا أن يعلم صحّته بالسمع
و قد بيّنا أنّ صحّة السمع لا تعلم إلّا بعد العلم بكونه مريدا، أو بالعقل على
مذهبنا في اشتمال قول المجمعين على قول المعصوم و ذلك أيضا لا يعلم ما لم يعلم
أنّه تعالى مريد.
وبيانه أنّ الرئاسة إنّما يثبت وجوبها
لكونها لطفا لمن يجوز عليه الخطأ من المكلّفين فعند ذلك نقول: إذا كلّفهم تعالى لا
يجوز أنّ يخلّيهم من هذا اللطف، فعلى هذا لا يعلم وجود الرئيس فيما بين المجمعين
إلّا مع علمنا بأنّ اللّه تعالى كلّفهم. و ذلك هو علم بكونه تعالى مريدا، لأنّ
التكليف إنّما هو الإرادة مع الشروط المذكورة المعتبرة فيه، فصحّ أنّا لا نعلم صدر
صيغة الأمر أو الخبر منه تعالى ما لم نعلمه مريدا، فكيف يصحّ الاستدلال بالأمر و
الخبر على أنّه تعالى مريد!
و نقول لمن ذهب إلى اشتراك صيغة الأمر و
الخبر: إذا كنت تستدلّ بالصيغتين على أنّه تعالى لا بدّ من أن يكون قد عنى بعض
محتملات اللفظتين على الجملة، ما كان ذلك استدلالا بالخبر والأمر على كونه مريدا،
و إنّما كان استدلالا بوقوع فعله على بعض الوجوه، أيّ وجه كان، على ما في سائر
أفعاله.
والقول
في كونه كارها يجري مجرى القول في كونه مريدا :
فمن قال إنّ كونه مريدا وصف زائد على الداعي
قال في كونه كارها إنّه أيضا وصف زائد على الصارف. و يقول أحدنا: إذا صرفه الصارف عن
فعل يجد عن نفسه ذلك الوصف، وكذا إذا نهى غيره عن فعل يجد من نفسه ذلك الزائد
متعلّقا بفعل الغير، ولهذا الزائد كانت صيغة النهي نهيا، لأنّ من الجائز وقوع صيغة
النهي غير نهي بأن يكون تهديدا. فإذا صارت نهيا وجب أن يكون اختصاصها بكونها نهيا
لمزيّة، و هي التي أشرت إليها.
ومن يقول انّ كونه مريدا إنّما هو داعي
القادر إلى الفعل، يقول: إنّ كونه كارها إنّما هو صارفه عن الفعل، و لا يسلّم أنّا
نجد عند صارفنا أمرا زائدا على الصارف عن الفعل، و إنّما يصير نهيا عنده للداعي، و
هو الذي أثّر في كون الصيغة نهيا. ومعنى ذلك أنّ الناهي يعلم أو يعتقد أو يظنّ إن
كان أحدنا أنّ له أو لمخاطبه صلاحا في أن لا يفعل فعلا فيدعو هذا الداعي إلى أن
يقول له:
لا تفعل، أو يعلم قبح الفعل فيقول له: لا
تفعل لهذا الداعي، و إن كان الناهي هو القديم جلّ جلاله. فإذا قال للمكلّف: لا
تفعل من حيث علم قبح الفعل و أوجد صيغة النهي لهذا الداعي، كان نهيا. و كذا إذا
علم أنّ الأولى بالمكلّف أن لا يفعل فعلا فيقول له: لا تفعل لهذا الداعي، يكون هذه
الصيغة نهيا.
فعلى هذا القول، يمكن تقسيم نهيه تعالى إلى
ما يقتضي قبح المنهيّ عنه، ووجوب الانتهاء منه، وإلى ما لا يقتضي قبحه و إنّما
الأولى الامتناع منه، فيكون ذلك الترك أعني لا تفعل مندوبا إليه، كما انقسم أمره
تعالى بالفعل إلى ما كان متعلّقا بالواجب، و إلى ما كان متعلّقا بالمندوب إليه.
وعلى هذا القول يمكن أن يقال- في مثل قوله
تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ
الشَّجَرَةَ} [البقرة: 35] -:
إنّه نهي على الحقيقة، و لا يقتضي وقوع قبح من آدم عليه السّلام بتناوله من الشجرة
و لا يحتاج إلى التعسّف في أنّ هذه الصيغة إنّما هي أمر بضدّ التناول، و أنّ يؤوّل
قوله تعالى: { أَلَمْ أَنْهَكُمَا}
[الأعراف: 22] على أنّ المراد به: ألم آمركما
بضدّ التناول و اللّه الموفّق للصواب.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
استمرار توافد مختلف الشخصيات والوفود لتهنئة الأمين العام للعتبة العباسية بمناسبة إعادة تعيينه
|
|
|