أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-4-2016
3584
التاريخ: 14-10-2015
3858
التاريخ: 27-4-2022
2020
التاريخ: 10-4-2016
3506
|
إنّ الأحداث المتسارعة والمواقف المنحرفة وظهور أطراف عديدة تعدّ للإسلام المكائد وتطرق أبواب الفتن وغياب الوعي الرسالي والحرص على سلامة العقيدة أملت على الإمام عليّ ( عليه السّلام ) أن يقف عند مفترق طرق ثلاثة ، كلّ منها حرج :
الأولّ : أن يبايع أبا بكر دون ممانعة ، ويكون حاله مثل بقية المسلمين ، بل يحظى بمكانة مرموقة لدى السلطة الجديدة ويحافظ على وجوده وكيانه ومنافعه من دون اهتمام بمسيرة الدعوة الإسلامية ، وهذا غير ممكن ، لأنّه يعني إمضاءه لبيعة مخالفة لأوامر رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) .
الثاني : أن يسكت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ، ويحاول أن يجد مسلكا معتدلا وسط التناقضات التي ستحصل من جراء حكومة غير مؤهلة ، ليحافظ على كيان الإسلام ويصون العقيدة الإسلامية من الانهيار التام .
الثالث : أن يعبّئ الجماهير ويعدّهم لإعلان الثورة المسلحة على خلافة أبي بكر .
قرار المواجهة السلمية ودور الزهراء ( عليها السّلام ) :
انتهى الإمام إلى قرار حاسم وهو ترك الثورة وعدم التسلّح بالنصوص في وجه الحاكمين جهارا وعلانية إلّا إذا اطمأن إلى قدرته على تجنيد الرأي العام ضدّ أبي بكر وصاحبيه ، وهذا ما أخذ يحاوله عليّ في محنته آنذاك ، فبدأ يطوف[1] سرّا على زعماء المسلمين ورجالات المدينة ، يعظهم ويذكّرهم ببراهين الحقّ وآياته ، وإلى جانبه قرينته تعزّز موقفه وتشاركه في جهاده السرّي ، ولم يكن يقصد بذلك التطواف إنشاء حزب يتهيّأ له القتال به ، لأنّنا نعرف أنّ عليّا كان له حزب من الأنصار هتف باسمه ، وحاول الالتفاف حوله ، وإنّما أراد أن يمهّد بتلك المقابلات لإجماع الناس عليه .
وهنا تجيء مسألة فدك لتحتلّ الصدارة في السياسة العلوية الجديدة ، فإنّ الدور الفاطمي الذي رسم هارون النبوّة خطوطه بإتقان كان متّفقا مع ذلك التطواف الليلي في فلسفته وجديرا بأن يقلب الموقف على الخليفة وينهي خلافة الصدّيق كما تنهى القصة التمثيلية ، لا كما يقوّض حكم مركّز على القوّة والعدّة .
وكان الدور الفاطمي يتلخّص في أن تطالب الصدّيقة الزهراء ( عليها السّلام ) أبا بكر بما انتزعه منها من أموال ، وتجعل هذه المطالبة وسيلة للمناقشة في المسألة الأساسية وهي مسألة الخلافة ، وإفهام الناس بأنّ اللحظة التي عدلوا فيها عن عليّ ( عليه السّلام ) إلى أبي بكر كانت لحظة هوس وشذوذ[2] ، وأنّهم بذلك أخطأوا وخالفوا كتاب ربّهم ووردوا غير شربهم[3].
ولمّا اختمرت الفكرة في ذهن فاطمة ، اندفعت لتصحّح أوضاع الساعة ، وتمسح عن الحكم الإسلامي - الذي وضعت قاعدته الأولى في السقيفة - الوحل الذي تلطّخ به ، عن طريق اتّهام الخليفة الحاكم بالخيانة السافرة والعبث بكرامة القانون ، واتّهام نتائج المعركة الانتخابية التي خرج منها أبو بكر خليفة بمخالفة الكتاب والصواب[4].
وقد توفّرت في المقابلة الفاطمية ناحيتان لا تتهيّئان للإمام فيما لو وقف موقف قرينته :
إحداهما : إنّ الزهراء أقدر منه بظروف فجيعتها الخاصّة ومكانتها من أبيها ، على استثارة العواطف ، وإيصال المسلمين بسلك من كهرباء الروح بأبيها العظيم صلوات اللّه عليه وأيّامه الغرّاء ، وتجنيد مشاعرهم لقضايا أهل البيت .
والأخرى : إنّها مهما تتّخذ لمنازعتها من أشكال فلن تكتسب لون الحرب المسلّحة التي تتطلّب زعيما يهيمن عليها ما دامت امرأة ، وما دام هارون النبوّة في بيته محتفظا بالهدنة التي أعلنها حتّى تجتمع الناس عليه ، ومراقبا للموقف ليتدخّل فيه متى شاء ، متزعّما للثورة إذا بلغت حدّها الأعلى أو مهدّئا للفتنة إذا لم يتهيّأ له الظرف الذي يريده ، فالحوراء فاطمة ( عليها السّلام ) بمقاومتها إمّا أن تحقّق انتقاضا إجماعيا على الخليفة ، وإمّا أن لا تخرج عن دائرة الجدال والنزاع ولا تجرّ إلى فتنة وانشقاق .
إذن فقد أراد الإمام صلوات اللّه عليه أن يسمع الناس يومئذ صوته من فم الزهراء ، ويبقى هو بعيدا عن ميدان المعركة ينتظر اللحظة المناسبة للاستفادة منها ، والفرصة التي تجعل منه رجل الموقف ، وأراد أيضا أن يقدّم لامّة القرآن كلّها في المقابلة الفاطمية برهانا على بطلان الخلافة القائمة ، وقد تمّ للإمام ما أراد حيث عبّرت الزهراء صلوات اللّه عليها عن الحقّ العلويّ تعبيرا واضحا فيه ألوان من الجمال والنضال .
وتتلخّص المعارضة الفاطمية في عدّة مظاهر :
الأوّل : إرسالها من ينازع أبا بكر في مسائل الميراث ويطالب بحقوقها[5] وهذه هي الخطوة الأولى التي انتهجتها الزهراء صلوات اللّه عليها تمهيدا لمباشرتها للعمل بنفسها .
الثاني : مواجهتها بنفسها له في اجتماع خاصّ[6] وقد أرادت بتلك المقابلة أن تشتدّ في طلب حقوقها من الخمس وفدك وغيرهما ، لتعرف مدى استعداد الخليفة للمقاومة .
الثالث : خطبتها في المسجد بعد عشرة أيام من وفاة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) كما في شرح النهج[7].
الرابع : حديثها مع أبي بكر وعمر حينما زاراها بقصد الاعتذار منها ، وإعلانها غضبها عليهما ، وأنّهما أغضبا اللّه ورسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) بذلك[8].
الخامس : خطابها الذي ألقته على نساء المهاجرين والأنصار حين اجتماعهنّ عندها[9].
السادس : وصيّتها بأن لا يحضر تجهيزها ودفنها أحد من خصومها[10] وكانت هذه الوصية الإعلان الأخير من الزهراء عن نقمتها على الخلافة القائمة .
وقد انحسرت الحركة الفاطمية بمعنى ونجحت بمعنى آخر ، انحسرت لأنّها لم تطح بحكومة الخليفة في زحفها الأخير الخطير الذي قامت به في اليوم العاشر من وفاة النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) .
ولا نستطيع أن نتبيّن الأمور التي جعلت الزهراء تخسر المعركة ، غير أنّ الأمر الذي لا ريب فيه أنّ شخصيّة الخليفة من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى فشلها ، لأنّه من أصحاب المواهب السياسية ، وقد عالج الموقف بلباقة ملحوظة نجد لها مثالا ، فيما أجاب به الزهراء من كلام وجّهه إلى الأنصار في خطاب بعد انتهائها من خطبتها في المسجد .
فبينما هو يذوب رقّة في جوابه للزهراء وإذا به يطوي نفسه على نار متأجّجة تندلع بعد خروج فاطمة من المسجد ، في أكبر الظنّ ، فيقول : ما هذه الرّعة إلى كلّ قالة إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه[11] - وقد نقلنا الخطاب كاملا فيما سبق - فإنّ هذا الانقلاب من اللين والهدوء إلى الغضب الفائر يدلّنا على مقدار ما أوتي من سيطرة على مشاعره وقدرته على مسايرة الظرف وتمثيل الدور المناسب في كلّ حين .
ونجحت معارضة الزهراء لأنّها جهّزت الحقّ بقوّة قاهرة ، وأضافت إلى طاقته على الخلود في ميدان النضال المذهبي طاقة جديدة ، وقد سجّلت هذا النجاح في حركتها كلّها وفي محاورتها مع الصدّيق والفاروق عند زيارتهما لها بصورة خاصّة ، إذ قالت لهما : أرأيتكما إن حدّثتكما حديثا عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) تعرفانه وتفعلان به ؟ فقالا : نعم ، فقالت : « نشدتكما اللّه ، ألم تسمعا من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يقول : « رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة فقد أحبّني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني »[12] قالا : نعم سمعناه من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ، قالت : « فإنّي اشهد اللّه وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبيّ ( صلّى اللّه عليه واله ) لأشكونّكما عنده »[13].
ويصوّر لنا هذا الحديث مدى اهتمامها بتركيز الاعتراض على خصميها ومجاهرتهما بغضبها ونقمتها ، لتخرج من المنازعة بنتيجة هي الفوز المؤكّد في حساب العقيدة والدين ، وأعني بها أنّ الصدّيق قد استحقّ غضب اللّه ورسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) بإغضابها ، وآذاهما بأذاها لأنّهما يغضبان لغضبها ويسخطان لسخطها بنصّ الحديث النبويّ الصحيح ، فلا يجوز أن يكون خليفة للّه ورسوله[14]، وقد قال اللّه تبارك وتعالى :{ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].
{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57] .
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ} [الممتحنة: 13]
{وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81].
[1] راجع شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 6 / 13 ، الطبعة المحقّقة ، أخرج عن أبي جعفر محمّد بن عليّ ( عليهما السّلام ) أنّ عليّا حمل فاطمة على حمار وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار ، يسألهم النصرة ، وتسألهم فاطمة الانتصار له.
[2] راجع بلاغات النساء : 23 ، قالت في هذا المعنى من خطبة لها ( عليها السّلام ) : « وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه ، فوجدكم لدعائه مستجيبين ، وللغرة فيه ملاحظين ، فاستنهضكم فوجدكم خفافا . . . فوسمتم غير إبلكم » .
[3] جاء في شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 6 / 12 : قال علي ( عليه السّلام ) في محاورة مع القوم : « يا معشر المهاجرين اللّه اللّه ، لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فو اللّه يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم . . » .
[4] راجع الصواعق المحرقة : 36 ، طبعة مكتبة القاهرة ، قال الخليفة الثاني : « كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اللّه شرّها فمن عاد لمثلها فاقتلوه . . . » . وراجع أيضا تاريخ الخلفاء : 67 .
[5] شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 16 / 218 - 219 عن أبي الطفيل قال : « أرسلت فاطمة إلى أبي بكر :
أنت ورثت رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) أم أهله ؟ قال : بل أهله . . . » .
[6] المصدر نفسه : 16 / 230 .
[7] المصدر نفسه : 16 / 211 أخرج عن جماعة قال : « قالوا : لمّا بلغ فاطمة ( عليها السّلام ) إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها . . . حتّى دخلت على أبي بكر وقد حشد الناس من المهاجرين والأنصار . . . » .
[8] راجع : الإمامة والسياسة / ابن قتيبة : 31 وشرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 16 / 281 ، 264 . وقد قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني » ، أعلام النساء : 4 / 123 وكنز العمّال : 12 / الحديث 34222 .
[9] شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد : 16 / 233 .
[10] المصدر نفسه : 6 / 281 .
[11] راجع الخطبة في شرح نهج البلاغة : 16 / 214 - 215 .
[12] صحّت عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله وسلم ) عبائر متعدّدة بهذا المعنى فقد جاء عنه في الصحيح أنّه قال لفاطمة ( رضي اللّه عنها ) : « إنّ اللّه يغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك . . . » وقال : « فاطمة بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها » .
راجع : صحيح مسلم : 4 / 1902 حديث رقم : 93 / 2449 طبعة دار إحياء التراث ، مستدرك الحاكم :
3 / 158 ، ذخائر العقبى : 47 ، مسند الإمام أحمد بن حنبل : 4 / 323 و 332 ، جامع الترمذي : 5 / 699 ، دار إحياء التراث العربي - بيروت ، الصواعق المحرقة / ابن حجر : 190 - طبعة القاهرة ، كفاية الطالب : 365 ، دار احياء تراث أهل البيت - طهران .
[13] تجد غضب فاطمة ( عليها السّلام ) على أبي بكر في صحيح البخاري : 5 / 5 وصحيح مسلم : 2 / 72 ومسند الإمام أحمد : 1 / 6 ، تاريخ الطبري : 4 / 27 ، كفاية الطالب : 266 ، سنن البيهقي : 6 / 300 .
[14] راجع فدك في التاريخ : 112 - 119 .
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تحتفي بذكرى ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) في مشاتل الكفيل
|
|
|