أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2014
1710
التاريخ: 13-02-2015
1329
التاريخ: 13-02-2015
2778
التاريخ: 27-08-2015
20150
|
قال تعالى : {وَلَا
تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا
مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا
وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}
[العنكبوت: 46].
[هذه
الآية] تتناول كيفية مجادلة المسلمين لأهل الكتاب ، فهي توصيهم بانتخاب أفضل أسلوب
للنّقاش والبحث [ف] تقول :
{وَلَا تُجَادِلُوا اهْلَ
الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ احْسَنُ}.
وهذا
مفهوم عام وجامع وأساسي.
و«الجدال» : في اللغة هو إبرام الحبل وإحكامه ، فإذا
تباحث اثنان في أمرٍ وأراد كلٌ منهما حرف صاحبه عن رأيه يقال «جادله» والمراد منه
هنا النّقاش والبحث المنطقي.
أمّا
فيما يرتبط بالمراد من جملة
{بِالَّتِى هِىَ احْسَنُ} ، فإن بعض المفسرين قالوا إنّ المراد منها
هو التعامل معهم بلين ولطف ومحبة ، ففي قبال الخشونة اللين ، وفي قبال الغضب ، الصّبر
، وفي قبال الشرّ ، حب الخير ، وفي قبال التسرُّع ، التأني.
وعلى
أيّة حال ، فإنّ تعبير بجملة (بالتي هي أحسن) جامع جدّاً يشمل كلّ الأساليب
الصّحيحة والمناسبة للبحث والنّقاش ، سواءً كان ذلك بالألفاظ أو في محتوى الكلام ،
أو في لحن القول أو في الحركات والسلوك العملي ، وعليه يكون مفهوم الجملة هو أنّ
الحديث معهم لابدّ أنْ يكون مؤدباً ، وأنْ لحن القول لابدّ أنْ يكون حبيباً وأنْ
محتوى الكلام لابدّ أن يكون منطقيّاً وبرهانيّاً ، فينبغي أنْ يكون الصّوت خالياً
عن العربدة والغوغاء والضجيج ، وأن تكون حركات اليد والعين والحاجبين المكملّة
للبيان على هذا المنوال.
وكلّ
ذلك من أجل أنّ الهدف من النّقاش والمجادلة ليس حب السّيطرة والإستعلاء ، وإنّما
هو إقناع الطرّف المقابل ونفوذ الحقّ إلى أعماق روحه ، وأنْ يتخذ الموقف الصّحيح
في قبال الإسلام ، فهؤلاء
المعاهدون لابدّ أنْ يعرفوا أنّ روح الإسلام روح السّلام والصّفاء ، والآية توصي
المسلمين بأن يتعاملوا مع غير المسلمين معاملة سلمية.
وبطبيعة
الحال ، فإنّ هذه الأمور يجب أنْ لا تكون بنحو يتصور المقابل أنّ المسلمين ضعفاء
عاجزين فيسيء استغلال عطفهم ولينهم. ثُمّ تستثني الآية مجموعة من هؤلاء وتقول : {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} وهي إشارة إلى الذين رفضوا العيش بسلام إلى
جنب المسلمين ، وأساءوا استغلال محبّة المسلمين لهم ومداراتهم ولينهم ، حيث عادوا
الحق وعاندوه مع أنّهم كانوا قد قرأوا علامات نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله في
كتبهم ، وكانوا يحاولون إخفائها وكتمانها ، وكانت ميولهم ميول عدوانية وغير مسالمة
، بعيده عن الاحترام والمحبّة ، فمثل هؤلاء لا شكّ في ضرورة استثنائهم من تلك
الأحكام الرّؤوفة.
وجاء
في تتمّة الآية عدّة جمل لطيفة اخرى في هذا المجال حيثُ يقول تعالى : {وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِى انْزِلَ
إلَيْنَا وَ انْزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهُنَا وَ إلهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ
مُسْلِمُونَ}.
وهذا
في الحقيقة نموذج واضح ورائع للمجادلة بالّتي هي أحسن ، أي أنّ القرآن الكريم لم
يكتفِ بذكر الكليّات في هذا المجال ، بل عرض مصاديق واضحة في الأثناء.
وهذه
العبارة تدل بوضوح على ضرورة الإعتماد على النّقاط المشتركة لتحكيم اسس العيش
السّليم المشترك ، وهي الإيمان باللَّه الواحد والإيمان بكل الكتب السّماوية
وأمثال ذلك.
ولكنّ
التّأكيد والإصرار على الجهات المشتركة لا يعني قبول المسلمين لبدع هؤلاء
وانحرافاتهم وتراجعهم عن معقتداتهم ، وقد تكون جملة {وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ، إشارة لطيفة لهذا المعنى.
ونقرأ
في حديث مفصل عن الإمام الصّادق عليه السلام الذي يرشدنا فيه إلى نموذج «للمجادلة
بالتي هي أحسن» ويأمرن ا بالتّأمل في آخر سورة «ليس» ، وملاحظة كيفيّة مجادلة منكري المعاد بطرق
مختلفة وبمنطق لطيف وبرهاني قوي في نفس الوقت «1».
هذا
وقد جاء مضمون الآية بشكل آخر في سورة النّحل ، حيث يقول تعالى : {ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ}.
(النّحل/ 125)
والملفت
للنّظر هو أنّ هذه الآية هي أول الإرشادات الأخلاقيّة العشرة التي وردت في تلك
السّورة في مورد التّعامل الصّحيح مع المخالفين.
وفي
الواقع فإن الجملة الأولى أي :
{أدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالحِكمَةِ} ناظرة إلى الاستدلالات العقليّة في قبال
أرباب الاستدلال والفكر.
وعبارة {والمُوعَظِةِ الحَسَنَةِ} إشارة إلى الأسلوب العاطفي في المجادلة مع
غير أرباب الإستدلال العقلي ، أي أولئك الذين يدورون مدار المسائل العاطفيّة ، وخصوصاً
وأنّ وصف «الموعظة» بالحسنة ، إشارة إلى ضرورة خلوها من الخشونة والإستعلاء وتحقير
الطرف المقابل وإثارة إحاسيسه وأمثال ذلك ، ولا شك في أنّ مثل هذه الموعظة تكون
مؤثرة.
و{وجَادِلْهُمْ بِالَّتِى هي أَحسَنُ} إنّما هي مع أولئك الذين مُلِئَت أذهانهم
بالشّبهات والشكوك ، فينبغي مجادلتهم عن طريق المناظرات الصّحيحة وإخلاء أذهانهم
من تلك الشّبهات تمهيداً لقبول الحق.
________________________
(1) إقتباس من تفسير نور
الثّقلين ، ج 4 ، ص 163 ، ذيل الآية مورد البحث.