أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-17
830
التاريخ: 2023-07-17
841
التاريخ: 2023-07-20
957
التاريخ: 2023-07-10
742
|
أفرد أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (توفي 256هـ / 869م) رسالة خاصة بعنوان «رسالة في العلة الفاعلة للمد والجزر»، 12 وهي من أوليات الرسائل المتخصصة في معالجة هذا الموضوع والقائمة على نظرية التمدد الحجمي للمواد.
وبحسب تقييم سزكين لهذه الرسالة، فإنه يرى أنها «بعرضها المسهب في إطار المصادر حول الموضوع نفسه، فإنها قائمة بذاتها دون نموذج سابق مباشر، فعبارته تُعد العبارة الوحيدة التي أُقيم فيها الظاهرة الكونية بلا ثغرة. والفرق بين عبارة الكندي والوصف الحديث يكمن – بشكل رئيسي – في أنه استبدل في الوقت الحاضر بالتفسير الحركي جذب القمر والشمس.» 13 وهو الرأي الذي يُخالفه فيه المستشرق الألماني إيلهارد فيدمان E. Wiedemann عندما درس هذه المقالة، وقرَّر فيدمان أن الكندي وضع هذه الرسالة وهو متأثر بأرسطو.14
لكننا في الحقيقة سبق وأن وجدنا كيف أن أرسطو كان متخبطًا في آرائه وتفسيره لهذه الظاهرة؛ فمرة كان ينسبها للرياح، ومرة للكتل الصخرية الساحلية دون أن يأتي على ذكر أي دور للقمر. باستثناء الرسالة المزيفة المنسوبة إليه، والتي لا يُمكننا اعتبارها تُجسّد أفكار أرسطو؛ لذلك فإننا نُرجح رأي سزكين حتى تظهر دلائل وقرائن مغايرة لذلك.
مما يلفت إليه الانتباه أن الكندي ربط من خلال رسالته بين حركة القمر وحركة المد والجزر واعتقد بوجود أثر 15 متبادل فيما بينهما. 16
قال الكندي «فإن القمر إذا صار في مشرق موضع كان أول وقوع ضوئه عليه، فابتدأ في الحمي وقبول الزيادة في الأجزاء. إلا أن [ذلك] أظهر ما يكون في الماء؛ فكلَّما علا، كان حمي ذلك الموضع له أشد، حتى يصير في وتد سمائه. فهو نهاية قبول ذلك [الموضع] للحرارة، لحركة القمر، ونهاية مده؛ لأن الأجرام كلما حميت احتاجت إلى مكان أوسع، كما قُلنا متقدمًا. فإذا انحدر عن ذلك الموضع الذي هو وسط السماء، نقص حر الموضع من الأرض المنفعل به.» 17
رأي الكندي هذا سيتبعه روبرت غروستيست (توفي 1253م) R. Grosseteste بشكل أو بآخر في رسالته عن المد والجزر، ولكن لم يستطع غروستيست أن يصل إلى مستواه، 18 مع أن بينهما أكثر من 400 سنة؛ حيث إن المطلع على رسالة غروستيست يجد أن العبارات الفيزيائية عنده لم تصل إلى غايتها كما هي عند الكندي، فهو يعتقد أن أشعة القمر تُسبب، عن طريق توليد الأبخرة والرياح في مياه البحر، الزيادة في الحجم. 19 لقد ذكر الكندي في رسالته «في العلة الفاعلة للمد والجزر» أسباب المد والجزر وأنواعه، فعرف نوعين من المد:
الأول: المد الطبيعي وعرفه بأنه: «استحالة الماء من صغر الجسم إلى عظمه.» 20 والثاني: المد العَرَضِي وعرَّفه بأنه: «زيادة الماء بانصباب مواد فيه»،21 كما في حالة الأنهار والأودية والفيوض التي أصلها من الأنهار، وأشار إلى أن مثل هذا المد لا تظهر فيه زيادة، وذلك لصغر كمية المياه المضافة إليه من الأنهار وغيرها، بالمقارنة مع مياه البحار، وكذلك بسبب البخر الواقع لها.
وقد قسم الكندي المد الطبيعي إلى ثلاثة أنواع:
الأول: المد السنوي وهو الزيادة في مياه البحار في وقتٍ مُحدَّد من السنة في موضع دون موضع، حسب حركة الأجرام السماوية. 22
والثاني: المد الشهري وهو يحدث حسب تغير أوضاع القمر في دورانه حول الأرض.23
والثالث: الثالث المد اليومي وهو واقع لتأثير ضوء القمر عليه، فيبتدئ مده مع طلوع القمر عليه، ويبتدئ جزره حين يبتدئ زوال القمر عن سمت رؤوس أهله. 24
يرى مؤرخ الجغرافيا العربية أغناطيوس كراتشكوفسكي I.Krackovski «مع أن نظرية الكندي في المد والجزر تستند على أفكار خاطئة إلا انه من الطريف ملاحظة أنه قد اعتمد على الملاحظة والتجربة العلمية ليثبت صحتها.» 25
___________________________________________________
هوامش
(12) حققنا الرسالة ووضعنا متنها في الباب الثاني اعتمادًا على نسخة موجودة ضمن مجموع آيا صوفيا رقم (AYASOFYA4832) (149ظ-157و).
(13) سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي «أحكام التنجيم والآثار العلوية»، ط1، المجلد 7، ص 369.
(14) تناول المستشرق الألماني إيلهارد فيدمان E. Wiedemann دراسة ما كتبه الكندي عن ظاهرة المد والجزر في بحثه الذي يحمل عنوان: Uber al-Kindi's Schrift uber Ebbe und Flut, Annalen der Physik, No. 67, 1921 p. 374 حيث يذكر فيدمان في هذه المقالة أن الكندي تأثر بأرسطو، ويذكر أنه تُوجد في المخطوطة نفسها التي كتب فيها الكندي فصلا حول «لون السماء»، والتي ترجم منها فيدمان سابقًا فصلا آخر يتحدث فيه الكندي عن المد والجزر. ويعرض لطريقة الكندي في البحث فيقول: إنه يأتي أولا بالملاحظات التجريبية للوقائع وما يتعلق بها وتُعرَض بطريقة منظمة ثم يشرح جوهرها ثم يبحث عن أسبابها. ولا شك بأن هذه المنهجية علمية بامتياز.
(15) نعلم أن للقمر أثرًا آخر غير المد والجزر، فهو يُقلل من دوران الأرض حول نفسها، وهو ما يجعل اليوم على كوكبنا يدوم 24 ساعة بعد مرور 4.6 مليار سنة، بينما كان اليوم 20 ساعة فقط قبل مليار سنة، ولو لم يُوجَد القمر نهائيًّا لكان اليوم على الأرض لا يزيد عن 8 ساعات، تسطع فيه الشمس من 3-5 ساعات فقط. عن: كومنس نيل كومنس، ماذا لو لم يُوجَد القمر؟ مجلة علوم وتكنولوجيا، تصدر عن معهد الكويت للأبحاث العلمية، العدد 39، الكويت، يناير 1997م، ص14.
(16) الكندي، رسالة في العلَّة الفاعلة للمد والجزر، ص 155ظ.
(17) المرجع السابق نفسه، ص 155ظ.
(18) سزكين فؤاد تاريخ التراث العربي (علم الفلك حتى نحو 430 هـ)، مجلد 6، ج1، ترجمة: عبد الله حجازي، جامعة الملك سعود، الرياض، 2008م، ص 54.
(19) سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي «أحكام التنجيم والآثار العلوية»، ط 1، المجلد 7، ص369-370.
(20) الكندي، رسالة في العلة الفاعلة للمد والجزر، ص 153و.
(21) المرجع السابق نفسه، ص 153و.
(22) المرجع السابق نفسه، ص 155و.
(23) المرجع السابق نفسه، ص 155و.
(24) المرجع السابق نفسه، ص 155و.
(25) كراتشكوفسكي، أغناطيوس، تاريخ الأدب الجغرافي العربي، ترجمة: صلاح الدين عثمان هاشم، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، ج،1 ص.105
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تحتفي بذكرى ولادة الإمام الجواد (عليه السلام) في مشاتل الكفيل
|
|
|