أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-6-2017
1984
التاريخ: 11-2-2018
1817
التاريخ: 2023-10-18
688
التاريخ: 24-12-2015
1809
|
النصوص التأريخية، لا تحدد مقدار إقامته فيها إلا ما ورد عن كميل بن زياد رحمه الله، قال: "كنت بالمدينة حين أمر عثمان أبا ذر باللحاق بالشام، وكنت بها في العام المقبل حين سيَّره الى الربذة" (1).
هذه الرواية فقط ـ إذا صحّت ـ تشير الى انّ اقامته فيها استغرقت سنة أما ما عداها فلا يستند إلا الى التخمين والاستنتاجات الخاصة ومع ذلك، فانّ رواية كميل هذه لا يستفاد منها مجموع إقامته في الشام، بل يستفاد منها: أنّ المدة ما بين أمر عثمان أبا ذر باللحاق بالشام، وبين نفيه الى الربذة، استغرقت سنة.
وعلى هذا، فلا تنافي بين رواية (الاستيعاب) المتقدّمة وهذه الرواية.
وبوسعنا القول الآن: أنّ اقامة ابي ذر في بلاد الشام، في مدنها وقراها، كانت طويلة جدا، ربّما استغرقت أربعة عشر سنة. وأهم الشواهد على ذلك، ما يلي:
اولا: رواية الاستيعاب المتقدمة (ص 65) وهي صريحة فيما نرمي اليه، حيث يقول فيها: "ثم خرج بعد وفاة ابي بكر الى الشام، فلم يزل بها حتى ولي عثمان، ثم استقدمه عثمان لشكوى معاوية..".
والمعروف أنّ وفاة أبي بكر كانت في سنة 13 هـ. وفي هذه السنة ولّي عمر بن الخطاب، حتى توفّي سنة 23 هـ، وفيها بويع عثمان بن عفان (2)، الى سنة 35 هـ (على التقريب) وقد نفى عثمان أبا ذر من الشام الى المدينة، فالربذة، في سنة 30 ـ على ما ذكره ابن الأثير ـ (3).
فعلى هذا تكون الفترة ما بين خروج أبي ذر الى الشام ونفيه الى المدينة سبعة عشر سنة على رواية الاستيعاب!
ثانيا: النصوص التي تتحدّث عمّا أوجده أبو ذر، ـ في اقامته تلك ـ من تغيير في ذهنية المجتمع الشامي، وصرفه الناس اليه، وأخذهم منه الحكم والفتيا واجتماعهم من حوله، من جهة، وميل المعسكر الذي كان فيه، اليه من جهة أخرى الى حدّ حرك في نفس معاوية الخوف من عواقب ذلك فكتب الى عثمان يحمله اليه.
واليك بعض هذه النصوص:
ا ـ قول حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: "إنّ أبا ذر لمفسد عليكم الشام، فتدارك أهله، إن كان لك فيه حاجة.." (4).
ب ـ كتب معاوية الى عثمان: "إنّ أبا ذر تجتمع اليه الجموع، ولا آمن أن يفسدهم عليك، فان كانت لك في القوم حاجة، فاحمله اليك.." (5).
ج ـ وكتب اليه: "إنّ أبا ذر قد حرف قلوب أهل الشام، وبغّضك إليهم فلا يستفتون غيره! ولا يقضي بينهم إلا هو!" (6).
د ـ "قول عثمان لأبي ذر حين طلب الرجوع الى الشام: «انّما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها! أفأردّك اليها!؟" (7).
ويؤيد ذلك، كلام ابن بطال المتقدم: «كان في جيش معاوية ميل الى أبي ذر، فأقدمه عثمان خشية الفتنة".
إنّ هذه النصوص، تزودنا بالكثير حول (اقامته الطويلة في بلاد الشام) فقد كانت اقامته هذه تقضّ مضاجع الحّكام آنذاك، فقد استطاع هذا الصحابيّ الجليل، أن يستقطب الاكثريّة من الناس، يعضهم ويرشدهم، ويذكرهم بأيام الله وينوّه بمقام أهل البيت عليهم السلام، ومكانتهم وفضلهم، وما ورد فيهم على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى غير ذلك ممّا جلب على معاوية المتاعب، فكتب فيه الى عثمان.
وهنا سؤال يفرض نفسه:
أترى كان باستطاعته أن يقوم بهذه الادوار الخطيرة، خلال أشهر أو سنة!؟ كما يدّعي أكثر الكتَّاب والمؤرخين. فهل انّ تغيير ذهنية مجتمع بكامله، كان يتعاطف مع الأمويّين، ولم يعرف غيرهم، وتزويده بذهنية جديدة ذات طابع معيَّن، من السهولة بمكان؟؟ كما ربما يتصور البعض. إنّ تصوّر هذا من البعد بمكان، فإنّ عملية إفساد المجتمع الشامي على يد معاوية ومن ولَّاه، لا بدّ وأنّها استغرقت سنين عديدة؛ لأنّ تغيير المرتكزات الذهنية السائدة لدى أي مجتمع كان، لا يمكن أن يتم في خلال أشهر معدودة. من هنا وممّا ذكرنا آنفا، يسهل علينا الوصول الى الحقيقة التاريخية الهامة التي أغفلها المؤرّخون القدماء، وتكتّم فيها كثيرون، أغفلها المؤرّخون إما استخفافاً بأهلها، أو فرقاً من الحكام الذين كانوا في زمانهم، وتكتّم فيها كثيرون، خوفاً على دمائهم وأموالهم.
هذه الحقيقة، هي صلة التشيّع في (جبل عامل) بأبي ذر (رض)، فإنّ ممّا توارثه أهل هذا الجبل عن الاباء والاجداد، أن تشيّعهم لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) كان على يد هذا الصحابي الجليل، عندما كان مقيماً في بلاد الشام.
وهنا يجدر بنا أن نستعرض كلمات بعض كبار الباحثين حول هذا الموضوع.
قال السيد الأمين في أعيان الشيعة: "ومن المشهور ان تشيع جبل عامل كان على يد أبي ذر، وأنّه لمّا نفي الى الشام، وكان يقول في دمشق ما يقول، أخرجه معاوية الى قرى الشام، فجعل ينشر فيها فضائل أهل البيت (عليهم السلام) فتشيّع أهل تلك الجبال على يده. فلمّا علم معاوية، أعاده الى دمشق، ثم نفي الى المدينة..".
ثم قال: "وهذا وان لم يرد به خبر مسند، لكنّه قريب غير مستبعد" (8).
وذكر الشيخ الوالد مد ظله في كتابه (جبل عامل في التأريخ)، كلمات لبعض كبار الباحثين حول هذا الموضوع، وبدوري أقتطف بعضا من كلماتهم.
قال الاستاذ الشيخ أحمد رضا: «إنّ التشيعّ في بلاد الشام هو أقدم منه في كل البلاد، غير الحجاز. وهذا من العجيب، أن يقوم أول ركن، وتنتشر أول دعوة للشيعة في بلاد محكومة لأعدى الناس لهم.
ثم استطرد في كلامه عن أبي ذر، ونشره مذهب التشيع في بلاد الشام فقال: ثم كان يخرج الى الساحل، فكان له مقام في قرية الصرفند القريبة من (صيدا)، ومقام آخر في قرية (ميس)، المشرفة على غور الاردن، وكلتاهما من قرى جبل عامل، والمقامان الى الآن معروفان، الى آخر ما قال.
ولقد عقبه الأمير شكيب أرسلان، فقال:
أمّا كون التشيّع في جبل عامل هو أقدم منه في العجم (إيران) بل في كل قطر حاشا الحجاز، فمن الحقائق التي لا خلاف فيها، ثم استطرد عارضا ظهور التشيّع في إيران، ثم ذكر انّه في العرب وبلاد الشام لم يكن ظاهرا، وأنّ الشيعة كانت تستمسك بحبال التقية خوفاً على أنفسهم، ولذا تجد المؤرخين يتجافون عن نسبة علماء الشيعة الى التشيّع.. ثم ذكر حادثة جرت بين الشيخ البهائي وبعض علماء السنة في الشام ـ راجع وقد ذكر الاستاذ الشيخ سليمان ظاهر ما يقرب من كلام صاحبيه، قائلا: إنّ قدم التشيّع في هذا القطر، (يعني جبل عامل) يمتد الى خلافة عثمان (رض) والى عهد نفي أبي ذر. ثم عقّب سماحة الشيخ مدله، فقال: هؤلاء أعلام ثلاثة من ثقات أهل الاستقراء والتدقيق، يشهدون شهادة جازمة بقدم التشيّع في بلاد عاملة، وأنّه من عهد نفي أبي ذر الغفاري، كما يشهدون بسبق تشيّع الحجاز. ثم ذكر كلمة الحر العاملي (قدس سره) وهو من أعظم الثقات ومن أجلاء أهل زمانه وهو أقدم من هؤلاء جميعا.
كان يقول: إنّ تشيّعهم (يعني العامليّين) أقدم تشيّع. فقد روي انّه لمّا مات رسول الله (ص) لم يكن من شيعة علي (عليه السلام) إلا أربعة مخلصون: سلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمَّار. ثم تبعهم جماعة قليلون اثنا عشر، وكانوا يزيدون ويكثرون بالتدريج حتى بلغوا ألفا وأكثر. ثم في زمن عثمان، لمّا أخرج أبا ذر الى الشام، بقي أياما، فتشيّع جماعة كثيرة، ثم أخرجه معاوية الى القرى، فوقع في جبل عامل، فتشيّعوا من ذلك اليوم (9) الى آخر ما ذكره.
بعد هذا العرض، يتّضح لنا أنّ هذا المضمون، واحد متفق عليه، لا مكان للغموض فيه. ولكن يمكننا النقاش في عملية الطرح لهذا المضمون، فنقول:
ممّا لا شك فيه، أنّ أبا ذر (رض) هو أول من بذر هذه البذرة الطيّبة في جبل عامل (قرى الشام) بفضل إقامته فيها. ولكن إقامته الطويلة الأمد التي استغرقت من عمره سنوات، والتي كان مرتاحا فيها ـ على الأقل ـ بادیء الامر، كما قدّمنا، لا منفيا هذا أولا. وثانيا: انّه أقام أولا في قرى الشام خلال هذه المدة الطويلة بدليل قوله: «كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم..» راجع ص 68. والثغر لا يعني قلب العاصمة، بل على العكس، يعني حدود المنطقة التي يمكن للعدو أن ينفذ منها.
ثم بعد ذلك ـ يمكننا القول ـ بأنّ معاوية حين خشي منه أن يفسد الناس عليه، جلبه الى الشام ليكون تحت رقابته، ورقابة جلاوزته. فلمّا رأى انّه لا يكف عن ذلك، كتب فيه الى عثمان، امّا القول بأنّ معاوية، نفاه الى قرى الشام أولا، ثم جلبه اليه، فبعيد جدا، ولا يتلاءم مع دهاء معاوية وحذره. إذ كيف يعقل أن ينفيه معاوية من الشام بسبب اثارته الناس عليه، وهو فيها تحت قبضته وسلطانه، الى قرى الشام، النائية عن العاصمة، والتي يجد فيها أبو ذر حرية أكبر ـ بطبيعة الحال ـ ومجالا أوسع لنشر أفكاره، بعيدا عن الرقباء والجلاوزة؟؟
ومجمل القول: انّ نسبة التشيع في جبل عامل لأبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) ممّا توارثه أبناء هذه المنطقة، أباً عن جد، وحبهم لآل البيت (عليهم السلام)، واعتناقهم مذهبهم، هما الصفة المميزة لأهل هذا الجبل. وعلى مرّ العصور والاعوام، وجدنا جبل عامل، منبتاً لفحول علماء المسلمين من أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وستبقى هذه السلسلة الذهبية، مستمرة لامعة في دنيا الاسلام، مهما حاول المغرضون، بترها. وسيبقى طهر أبي ذر (رضي الله عنه) وشفافية نفسه الزكيّة، يطيفان على أهل هذا الجبل، بركة وخيرا، وايمانا مستمدا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الميامين (عليهم السلام).
رحم الله أبا ذر حامل مشعل الهداية والكرامة. رحم الله تلك الروح الزاكية التي تشبّعت بحب النبي وآل النبي، حتى فاضت، وفاضت، فشملت أهل هذا الجبل (جبل عامل) بالبركات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغدير 8 / 204.
(2) مروج الذهب 2 / 297 / 304.
(3) الكامل 3 / 113.
(4) شرح النهج 8 / 257.
(5) مروج الذهب 2 / 340.
(6) رجال بحر العلوم 2 / 152.
(7) شرح النهج 8 / 260.
(8) أعيان الشيعة 16 / 358.
(9) جبل عامل في التاريخ ج 1 / 49 الى 54.
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|