أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-7-2016
2365
التاريخ: 1-12-2014
1492
التاريخ: 8-10-2014
1759
التاريخ: 8-10-2014
3010
|
يعتبر العصر العباسي من فترات التّاريخ الإسلامي المظلمة ، واحد الشّواهد الحيّة على ذلك هو ازدياد عدد السّجون والضّغط الشدّيد على السّجناء ، واعتقال الأبرياء بتهم واهية ، وتعذيب القرون الوسطى.
لقد تسربت أخبار هذه السّجون الرهيبة إلى الخارج على الرّغم من التعتيم الشّديد من الحاكم في ذلك العصر ، حتى تعالت صرخات النّاس من هنا وهناك ، وطالبت العلماء في ذلك الوقت للتدّخل في الأمر لوضع حد لهذا الإرهاب والظّلم.
ومن جملة الأمور الايجابية التي تحققت في هذا المجال ، الطرح الذي قدمّهُ أبو يوسف الفقيه السّني المعروف وتلميذ أبي حنيفة ، حيث إنّ هارون الرّشيد ومن أجل أنْ يكمَّ أفواه المعارضين طلب من أبي يوسف أنْ يكتب طرحاً في كيفية التعامل مع السّجناء من وجهة النّظر الإسلاميّة والفقه الإسلامي ، وقد أكدَّ هارون الرّشيد على كيفية التعامل مع السّارقين والأشرار والمخالفين عندما يلقي عليهم القبض ، وإنّه هل يجب تهيئة الطّعام لهم؟ وإن كان واجباً فهل يجب أخذه من مورد الزكاة أم من محل آخر؟ وكيف يتعامل معهم بنحو كلي؟
ومن الواضح أنّ هارون الرشيد لم يكن يهمه أمر السّجناء وإنّما اضطره الضّغط الجماهيري لذلك.
فكتب أبو يوسف طرحاً مفصلًا وموسعاً في هذا المجال وأرسله إلى هارون الرّشيد وكان طرحه متسماً بالصّراحة والشّجاعة في عدّة موارد من فقراته ، وقرن ذلك بالإنتقاد الشّديد للوضع الرّاهن حينذاك من دون أن يحدد الإجابة بالموارد التي أرادها لهارون الرّشيد ، لإنّه كان يعلم جيداً بأنّ أكثر سجناء الحكم العباسي هم من السّياسيين!
وتتلخص هذه الرّسالة التّاريخية بإثنتي عشرة فقرة نذكرها هنا :
1- إذا لم يكن للسجناء شيء ممّا يأكلون منه ، فيجب أن يُصرف عليهم من الزكاة أو «حق الفقراء» أو من بيت المال أو من «الأموال العامة».
2- يجب أن يصرف على أي من السجناء مبلغ من بيت المال وذلك لتأمين قوتهم ، ويحرم عدا ذلك.
3- واعلم أنّ الأسير من أسرى المشركين لابدّ وأن يُطعم ويُحسن إليه حتى يحكم فيه ، فكيف برجل مسلم قد أخطأ أو أذنب أيترك ليموت جوعاً ؟
4- ولم تزل الخلفاء ، يا أيّها الخليفة تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم وكسوتهم في الشتاء والصيف ، وأول من فعل ذلك الإمام على بن ابي طالب عليه السلام وحذا من جاء بعده حذوه.
وحدثنى بعض الرواة ، حيث قالوا : إنّ عمر بن عبدالعزيز كتب إلينا ما نصه : لا تدعن في سجونكم أحداً من المسلمين في وثاق لا يستطيع أن يصلي قائماً ، ولا يبيتن في قيد إلّا رجلًا مطلوباً بدم.
5- أوصي بأنّ تدفعوا للسجناء دراهم في كل شهر ، فإنّك إن أعطيتهم الخبز ذهب به ولاة السجن والقوام والجلاوزة فلا يصل إليهم شيء.
«وهنا كشف أبو يوسف اللثام عن فساد ولاة السجون في زمان خلافة بني العباس واوضح ذلك بكل جلاء».
6- ووَلَّ رجلًا من أهل الخير والصلاح يثبت أسماء مَن في السجن فتجري عليهم الصدقة وتكون الأسماء عنده ويدفع ذلك إليهم شهراً بشهر ، يقعد ويدعو باسم رجل رجل ويدفع ذلك إليه في يده ويكون للأجراء عشرة دراهم في الشهر لكل واحد.
7- سمعت أنّ بعض السجناء يغلون بالسلاسل كي يتصدق عليهم الناس ، فإنّ هذا عظيم أن يكون قوم من المسلمين قد أذنبوا واخطأوا وقضى اللَّه عليهم ما هم فيه فحبسوا يخرجون في السلاسل يتصدقون ، وما أظن أهل الشرك يفعلون هذا بأسارى المسلمين الذين في أيديهم فكيف ينبغي أن يفعل هذا بأهل الإسلام ؟
وإنّما صاروا إلى الخروج في السلاسل يتصدقون لما هم فيه من جهد الجوع فربّما أصابوا ما يأكلون وربّما لم يصيبوا «وهذه من المصائب الكبرى».
8- ومن مات منهم ولم يكن له ولي ولا قرابة يغسل ويكفن من بيت المال ويصلى عليه ويدفن.
وقد بلغني وأخبرني به الثقات أنّه ربّما مات منهم الميت الغريب فيمكث في السجن اليوم واليومين حتى يستأمر الوالي في دفنه وحتى يجمع أهل السجن من عندهم وما يتصدقون ويكنزون لمن يحمله إلى المقابر فيدفن بلا غسل ولا كفن ولا صلاة عليه ، فما أعظم هذا في الإسلام وأهله.
9- ولو أمرت بإقامة الحدود لقل أهل الحبس ولخاف الفساق وأهل الدعارة ولتناهوا عمّا هم عليه ، وإنّما يكثر أهل الحبس لقلة النظر في أمرهم ، فأمُر ولاتك جميعاً بالنظر في أمر المساجين ، فمن كان عليه أدب أُدب وأُطلق ، ومن لم يكن له قضية خلي عنه.
10- وعليهم أن لا يسرفوا في الأدب ولا يتجاوزوا بذلك إلى ما لا يحل ولا يسع ، فإنّه بلغني أنّهم يضربون الرجل في التهمة وفي الجناية الثلاثمائة والمائتين ضربة وأكثر أو أقل ، وهذا ممّا لا يجوز ولا يحل في الإسلام ، فظهر المؤمن حمىً ولا يجوز أذيته.
11- كل من أتى بما يجب عليه الحد أو القصاص وقامت عليه البيّنة بذلك ، يجب أن تقام عليه الحدود الإسلامية ، فمن جُرح منهم جراحة في مثلها قصاص ، وقامت عليه البينة بذلك ، قِيسَ جرحُه واقتُصَّ منه إلّا أن يعفو المجني عليه ، فإن اقتُصَّ منه أو عَفا عنه صاحب الدم ، فيطلق سراحه ولا يبقى في السجن.
12- إذا لم يستطع الجاني تحمل القصاص حكم عليه بالأرش واطيل حبسه حتى يحدث توبه ثم يخلى سبيله (1).
فهذه الرسالة التاريخية تحكي عن رؤية فقيه عاصر العباسيين عن أحكام الإسلام في السجناء ، ويمكن أن تكون نموذجاً صغيراً من مجموعة كبيرة من الشواهد والأدلة على التعليمات الإسلامية في هذا المجال.
______________________
(1) كتاب الخراج للقاضي أبي يوسف ، ص 149- بتصرُّف.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|