اللّهمَّ إِنِّي أَسأَلكَ مِنْ رَحمَتِكَ بأَوْسَعِها ، وَكُلُّ رَحْمَتكَ واسِعةٌ ، اللّهمّ إِنِّي أَسأَلكَ بِرحْمَتِكَ كلِّهَا |
![]() ![]() |
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-03
![]()
التاريخ: 2024-09-14
![]()
التاريخ: 2023-06-20
![]()
التاريخ: 2023-06-12
![]() |
الرحمة الرحمانية مقام بسط الوجود ، والرحمة الرحيمية مقام بسط كمال الوجود . وبالرحمة الرحيمية يصل كلّ موجود إلى كماله المعنوي وهدايته الباطنية ، ولهذا ورد: « يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة » ([1]) و « الرحمن بجميع خلقه والرحيم بالمؤمنين خاصّة » ([2]) . فبحقيقة الرحمانية أفاض الوجود على الماهية المعدومة والهياكل الهالكة ؛ وبحقيقة الرحيمية هدى كلّاً صراطه المستقيم ، وكان بروز سلطنة الرحيمية وطلوع دولتها في النشأة الآخرة أكثر .
وفي بعض الآثار : « يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما » ([3]) . وذلك باعتبار إيجاد العشق الطبيعي في كلّ موجود وإيكاله عليه للسير إلى كماله في التدرّج إلى مقامه في النشأة الدنياوية وفي النشأة الآخرة وبروز يوم الحصاد ، وإيصال كلٍّ إلى فعليته وكماله : أمّا النفوس الطاهرة الزكيّة فإلى مقامات القرب والكرامات ، والجنّات التي عرضها كعرض السماوات ؛ وأمّا النفوس المنكوسة السبعيّة والبهيمية والشيطانية فإلى النيران ودركاتها وعقاربها وحيّاتها ، كلٌّ بحسب زرعه ؛ فإنّ الوصول إلى هذه المراتب كمال بالنسبة إلى النفوس المنكوسة الشيطانية وغيرها ، وإن كان نقصاً بالنسبة إلى النفوس الزكيّة المستقيمة الإنسانية .
هذا ، وعلى طريقة الشيخ محيي الدين الأعرابي فالأمر في رحيميته في الدارين واضح ؛ فإنّ أرحم الراحمين يشفع عند المنتقم ، ويصير الدولة دولته والمنتقم تحت سلطنته وحكمه ([4]) .
في وجه تكرار الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب
والرحمانية والرحيمية إمّا ذاتية أو فعلية :
فهو تعالى ذو الرحمة الرحمانية والرحيمية الذاتيتين ؛ وهي تجلّي الذات على ذاته وظهور صفاته وأسمائه ولوازمهما من الأعيان الثابتة ، بالظهور العلمي والكشف التفصيلي في عين العلم الإجمالي في الحضرة الواحدية .
كما أنّه تعالى ، ذو الرحمة الرحمانية والرحيمية الفعليتين ؛ وهي تجلّي الذات في ملابس الأفعال ببسط الفيض وكماله على الأعيان ، وإظهارها عيناً طبقاً للعناية الكاملة والنظام الأتمّ . وهذا أحد الوجوه في تكرار الرَّحْمنِ و الرَّحِيمِ في فاتحة الكتاب التدويني ؛ للتطابق بينه وبين الكتاب التكويني ؛ فإنّ الظاهر عنوان الباطن ، واللفظ والعبارة عبارة عن تجلّي المعنى والحقيقة في ملابس الأشكال والأصوات ، واكتسائه كسوة القشور والهيئات .
فإن جعل الرَّحْمنِ و الرَّحِيمِ في بِسْمِ اللَّهِ صفة للفظ الجلالة كانا إشارة إلى الرحمانية والرحيمية الذاتيتين ؛ وكان اللذان بعدهما إشارة إلى الفعلي منهما .
و « اللَّه » في الْحَمْدُ لِلَّهِ هو الألوهية الفعلية وجمع تفصيل الرحمن والرحيم الفعليين ، و « الحمد » عوالم المجرّدات والنفوس الإسفهبدية التي لم تكن لها حيثية إلّا الحمد وإظهار كمال المنعم ، ولم يكن في سلسلة الوجود ما كان حمداً بتمامه بلا حيثية كفران إلّاتلك العوالم النورانية ؛ فإنّها إنّيّات صرفة لا ماهية لها عند أهل الذوق والعرفان ، و « العالمون » هي ما دون تلك العوالم .
فيصير المعنى : بسم اللَّه الذي هو ذو الرحمة الرحمانية والرحيمية الذاتيتين ، انفتح عوالم الحمد كلّه ، التي هي تعيّن الإلهية المطلقة في مقام الفعل ، وهي ذات الربوبية والتربية لسائر مراتب الموجودات النازلة عن مقام المقدّسين من الملائكة الروحانيّين والصافّات صفّاً والمدبّرات أمراً ، وذات الرحمة الرحمانية والرحيمية الفعليتين - أي : مقام بسط الوجود وبسط كماله عيناً في الحضرة الشهادة - وذات المالكية والقابضية في يوم رجوع الكلّ إليها ، والرجوع إليها رجوع إلى اللَّه ؛ إذ ظهور الشيء ليس يباينه بل هو هو .
وإن جعل « الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » صفة بسم في التسمية يصير الأمر بالعكس ، وصار المعنى : بمشيئة اللَّه التي لها الرحمانية والرحيمية الفعليتان .
و « اللَّه » في الْحَمْدُ لِلَّهِ هو الألوهية الذاتية ، و الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من صفاته الذاتية وكذا الربّ والمالك .
وسيأتي ([5]) إشارة إلى تفسير الاسم حسب ما يستفاد من طريق أهل بيت العصمة والطهارة ومهابط الوحي والملائكة عند قوله : « اللهمّ إنّي أسألك من أسمائك . . . » إلى آخره .
تنبيه واعتراض : في نقل كلام القيصري ونقده
قال القيصري في مقدّمات « شرح الفصوص » : وإذا اخذت ( أي : حقيقة الوجود ) بشرط كلّيات الأشياء فقط ، فهي مرتبة الاسم « الرحمن » ربّ العقل الأوّل المسمّى ب « لوح القضاء » و « امّ الكتاب » و « القلم الأعلى » . وإذا اخذت بشرط أن يكون الكلّيات فيها جزئيات مفصّلة ثابتة من غير احتجابها عن كلّياتها ، فهي مرتبة الاسم « الرحيم » ربّ النفس الكلّية المسمّاة ب « لوح القدر » وهو « اللوح المحفوظ » و « الكتاب المبين » ([6]) . انتهى بعين ألفاظه .
أقول : هذا وإن كان صحيحاً بوجه إلّا أنّ الأنسب جعل مرتبة الاسم « الرحمن » مرتبة بسط الوجود على جميع العوالم ، كلّياتها وجزئياتها ، ومرتبة الاسم « الرحيم » [ مرتبة ] بسط كماله كذلك ؛ فإنّ الرحمة الرحمانية والرحيمية وسعت كلّ شيء وأحاطت بكلّ العوالم ؛ فهما تعيّن المشيئة ، والعقل والنفس تعيّن في تعيّن ، فالأولى أن يقال : وإذا اخذت بشرط بسط أصل الوجود فهي مرتبة الاسم « الرحمن » ، وإذا اخذت بشرط بسط كمال الوجود فهي مرتبة الاسم « الرحيم » ولهذا ورد في الأدعية : « اللهمّ إنّي أسألك برحمتك التي وسعت كلّ شيء » ([7]) . وعن النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم : « إنّ للَّه تعالى مائة رحمة ، أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسّمها بين خلقه ، فبها يتعاطفون ويتراحمون ؛ وأخّر تسعاً وتسعين يرحم بها عباده يوم القيامة » ([8]) .
في ذكر كلام بعض المشايخ
قال بعض المشايخ من أصحاب السلوك والمعرفة - رضي اللَّه تعالى عنه - في « أسرار الصلاة » في تفسير سورة الفاتحة بعد ذكر هذا النبويّ المتقدّم ذكره بهذه العبارة : « فإطلاق « الرحمن » و « الرحيم » للَّه تعالى باعتبار خلقه الرحمة الرحمانية والرحيمية وباعتبار قيامها به قيام صدور لا قيام حلول . فرحمة الرحمانية إفاضة الوجود المنبسط في جميع المخلوقات ، فإيجاده رحمانيته ، والموجودون رحمته . ورحمته الرحيمية إفاضة الهداية والكمال لعباده المؤمنين في الدنيا ، ومنُّه بالجزاء والثواب في الآخرة . فإيجاده عامّ للبرّ والفاجر . إلى أن قال : فمن نظر إلى العالم من حيث قيامه بإيجاد الحقّ تعالى ، فكأنّه نظر إلى رحمانيته ، وكأنّه لم ير في الخارج إلّا الرحمن ورحمته ؛ ومن نظر إليه باعتبار إيجاده فكأنّه لم ينظر إلّاإلى الرحمن » ([9]) انتهى كلامه ، رفع في الخلد مقامه .
أقول : إن أراد من الوجود المنبسط ما شاع بين أهل المعرفة ([10]) ، وهو مقام المشيئة والإلهية المطلقة ومقام الولاية المحمّدية ، إلى غير ذلك من الألقاب بحسب الأنظار والمقامات ، فهو غير مناسب لمقام الرحمانية المذكورة في بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ؛ فإنّهما تابعان للاسم اللَّه ومن تعيّناته ، والظلّ المنبسط ظلّ اللَّه لا ظلّ الرحمن ؛ فإنّ حقيقته حقيقة الإنسان الكامل ، وربّ الإنسان الكامل والكون الجامع هو الاسم الأعظم الإلهي وهو محيط بالرحمن الرحيم ؛ ولهذا جعلا في فاتحة الكتاب الإلهي أيضاً تابعين ، وإن أراد منه مقام بسط الوجود فهو مناسب للمقام وموافق للتدوين والتكوين ، ولكنّه مخالف لظاهر كلامه .
وما ذكره أيضاً صحيح باعتبار فناء المظهر في الظاهر ، فمقام الرحمانية هو مقام الإلهية بهذا النظر ، كما قال اللَّه تعالى : قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ([11]) ، وقال تعالى : الرَّحْمنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ ([12]) ، وقال تعالى : هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ . . . الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ([13]) .
تذكرة.. اعلم أنّ تجلّيه تعالى بالتجلّي الرحماني الذاتي في عالم الأسماء والصفات وإن كان أبهى وأجلى ، ورحمته في ذلك المقام الشامخ أوسع - فإنّ العالم الربوبي فسيح جدّاً – إلّا أنّ الظاهر من فقرة الدعاء هو الرحمة الفعلية والفيض الناشئ من مقام الرحمانية الذاتية على المرحومات ، والغيث النازل من سماء الإلهية على الأَراضي القاعة .
وليعلم أنّ كلّ مرتبة من التعيّنات وكلّ موجود من الموجودات له وجهة إلى عالم الغيب والنور ووجهة إلى عالم الظلمة والقصور من أنفسها المكدّرة وماهياتها المظلمة . فباعتبار الوجهة النورية إلى عالم الرحمة والمغفرة يكون مرتبة من مراتب الرحمة الإلهية ، وباعتبار الوجهة المنتكسة إلى نفسه يكون مرحوماً .
فكما أنّ للمرحومات تكثّراً عَرْضياً بالذات وطولياً بالعَرَض ، كذلك للرحمة تكثّر عَرْضي بالعَرَض وطولي بالذات ، بعضها وسيع وبعضها أوسع ، وبعضها محيط وبعضها محاط ، على ما تقرّر في « الحكمة المتعالية » ([14]) .
ومعلوم أنّ المناسب لحال الداعي أن يسأل اللَّه بالجهات المنتسبة إليه تعالى ، وهي جهات الرحمة والظلّ النوراني الباقي ؛ فالمرحوم الفقير يسأل الرحيم الغنيّ بالرحمة الواسعة الإلهية .
[1] مكارم الأخلاق 2 : 116 / 2322 ؛ بحار الأنوار 88 : 355 / 19 .
[2] الكافي 1 : 114 / 1 ؛ تفسير القمّي 1 : 28 .
[3] الكافي 2 : 557 / 6 ؛ الصحيفة السجّادية : 308 ، الدعاء 54 .
[4] الفتوحات المكّية 1 : 144 ؛ شرح فصوص الحكم ، القيصري : 468 - 469 .
[5] يأتي في الصفحة 80 وما بعدها .
[6] شرح فصوص الحكم ، القيصري : 23 .
[7] مصباح المتهجّد : 584 ؛ إقبال الأعمال : 220 .
[8] مجمع البيان في تفسير القرآن 1 : 94 ؛ تفسير الصافي 1 : 69 .
[9] أسرار الصلاة ، الملكي التبريزي : 288 والطبع الحجري منه : 95 .
[10] مفتاح غيب الجمع والوجود : 35 ؛ مصباح الانس : 92 و 330 ؛ شرح فصوص الحكم ، القيصري : 736 ؛ الحكمة المتعالية 2 : 328 ؛ شرح المنظومة 5 : 257 .
[11] الإسراء ( 17 ) : 110 .
[12] الرحمن ( 55 ) : 1 - 3 .
[13] الحشر ( 59 ) : 22 .
[14] راجع الحكمة المتعالية 2 : 62 - 81 ؛ المبدأ والمعاد : 188 - 192 ؛ شرح المنظومة 3 : 700 .
|
|
هل يمكن أن تكون الطماطم مفتاح الوقاية من السرطان؟
|
|
|
|
|
اكتشاف عرائس"غريبة" عمرها 2400 عام على قمة هرم بالسلفادور
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تقيم ندوة علمية عن الاعتماد الأكاديمي في جامعة جابر بن حيّان
|
|
|