أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-04-2015
2127
التاريخ: 25-04-2015
7245
التاريخ: 2024-09-03
522
التاريخ: 13-10-2014
1808
|
التفسير بوصفه علماً تتوقّف ممارسته على شروطٍ كثيرةٍ لا يمكن بدونها أن ينجح البحث في القرآن ويُوفّق المفسِّر في مهمّته ، ويمكن أن نلخِّص تلك الشروط في الأُمور الأربعة التالية :
1 ـ يجب على المفسِّر أن يدرس القرآن ويفسّره بذهنيّةٍ (إسلامية) أي : ضمن الإطار الإسلامي للتفكير ، فيقيم بحوثه دائماً على أساس أنّ القرآن كتابٌ إلهي ، أُنزل للهداية وبناء الإنسانية بأفضل طريقةٍ ممكنة ، ولا يخضع للعوامل والظروف والمؤثّرات التي يخضع لها النتاج البشري في مختلف حقول المعرفة الإنسانية ، فإن هذا الأساس هو الأساس الوحيد لإمكان فهم القرآن وتفسير ظواهره بطريقةٍ صحيحة.
وأمّا حين يستعمل المفسِّر في دراسة القرآن نفس المقاييس التي يدرس في ضوئها أيّ كتاب دعوة أُخرى أو أيّ نتاجٍ بشري ، فهو يقع نتيجةً لذلك في أخطاء كبيرة واستنتاجات خاطئة ، كما يتّفق ذلك لبحوث المستشرقين الذين يدرسون القرآن في ضوء نفس المقاييس التي يدرسون بها أيّ ظاهرةٍ من ظواهر المجتمع التي تنشأ فيه ، وترتبط بمؤثّراته وعوامله وتتكيّف بموجبها.
وهذا الشرط تفرضه طبيعة الموقف العلمي؛ لأنّ المفهوم الذي يكوّنه المفسِّر عن القرآن ككل يشكّل القاعدة الأساسية لفهم تفصيلاته ، ودرس مختلف جوانبه ، فلا بُدّ أن يُبنى التفسير على قاعدةٍ سليمةٍ ومفهومٍ صحيحٍ عن القرآن ، يتّفق مع الإطار الإسلامي للتفكير ، لكي يتّجه اتجاهاً صحيحاً في الشرح والتحليل؛ وأمّا إذا أُقيم التفسير على أساس تقييمٍ خاطئٍ للقرآن ومفهومٍ غير صحيحٍ عنه ، فسوف ينعكس انحراف القاعدة على التفصيلات ، ويفرض على اتجاه البحث انحرافاً في التحليل والاستنتاج.
وفيما يلي نذكر بعض الأمثلة التي يتجلّى فيها مدى الفرق في الاتجاه بين دراسة القرآن بوصفه كتاباً إلهيّاً للهداية ، ودراسته بوصفه ظاهرة في مجتمعٍ تتأثّر به وتتفاعل مع عوامله ومؤثّراته ، وكيف تنعكس القاعدة التي يُقام على أساسها التفسير في التفصيلات وطريقة التحليل والاستنتاج؟
أ ـ ففي إقرار القرآن لعددٍ من الأعراف وألوانٍ من السلوك التي كانت سائدةً بين العرب قبل بزوغ نور الرسالة الجديدة ، قد يُخيّل لمن ينطلق من قاعدةٍ خاطئةٍ ويحاول أنْ يُفسِّر القرآن بمقاييس غيره من منتجات الأرض أنّ ذلك الإقرار يعبّر عن تأثّر القرآن بالمجتمع الذي وُجد فيه ، ولكنّ هذا التفسير لا معنى له حين ننطلق من القاعدة الصحيحة ، ونفهم القرآن الكريم بوصفه كتاباً إلهيّاً للهداية وبناء الإنسانية ، بالصورة التي تعيد إليها فطرتها النقيّة ، وتوجّهها نحو أهدافها الحقيقية الكبرى.
بل نستطيع على أساس هذه القاعدة الصحيحة أن نفهم ذلك الإقرار من القرآن فهماً صحيحاً ، إذ ليس من الضروري لكتاب هداية من هذا القبيل أن يشجب كلّ الوضع الذي كانت الإنسانية عليه قبله؛ لأنّ الإنسانية مهما تفسد وتنحرف عن طريق الفطرة والأهداف الحقيقية الكبرى فهي لا تفسد كلّها ، بل تبقى في العادة جوانب صالحة في حياة الإنسانية تمثّل فطرة الإنسان أو تجاربه الخيّرة ، فمن الطبيعي للقرآن أن يقر بعض الجوانب ويشجب أكثر الجوانب في عملية التغيير العظيم التي مارسها؛ وحتّى هذا الذي أقرّه وضعه في إطاره الخاص وربطه بأُصوله وقطع صلته بالجاهلية وجذورها.
ب ـ وفي تدرّج القرآن الكريم في التشريع ، قد يُخيّل لمن ينطلق من القاعدة الخاطئة التي تقول ببشريّة القرآن يرتبط بطبيعة عمليّة البناء التي يمارسها القرآن؛ لأنّ القرآن لم ينزل ليكون كتاباً علمياً يدرسه العلماء ، وإنّما نزل لتغيير الإنسانية وبنائها من جديد على أفضل الأُسس ، وعملية التغيير تتطلّب التدرّج.
ج ـ وفي القرآن الكريم نجد كثيراً من التشريعات والمفاهيم الحضارية التي كانت متبنّاة من قِبَل الشرائع السماوية الأُخرى : كاليهودية والنصرانية.
وقد يُخيّل لمن يدرس القرآن على أساس القاعدة الخاطئة بأنّ القرآن قد تأثّر وانفعل في ذلك بهذه الأديان ، فانعكس هذا الانفصال ومن ثمَّ على القرآن نفسه.
ولكنّ الواقع ـ وعلى أساس المفهوم الصحيح ـ أنّ القرآن يمثّل الإسلام الذي هو امتداد لرسالات السماء وخاتمها ، ومن الطبيعي أن تشتمل الرسالة الخاتمة على الكثير ممّا احتوته الرسالة السماوية السابقة ، وتنسخ الجوانب التي لا تتلائم مع التطوّرات النفسية والفكرية والاجتماعية للمرحلة التي وصل إليها الإنسان بشكلٍ عام؛ لأنّ مصدر الرسالات هذه كلّها واحد وهو الله سبحانه.
خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار إيمان الإسلام بهذه الوحدة في مصدر الرسالات وتأكيده إيّاها.
2 ـ وبعد سلامة القاعدة الأساسية في فهم القرآن وتقييمه يجب أن يتوفّر في المفسِّر مستوى رفيع من الاطّلاع على اللُّغة العربية ونظامها؛ لأنّ القرآن جاء وفق هذا النظام ، فإذا لم تكن لدينا صورة عن النظام العام للُّغة العربية لا نستطيع أن نستوعب معاني القرآن؛ فيحتاج المفسِّر إلى الاطّلاع على علم النحو ، والصرف ، والمعاني ، والبيان ، وغيرها من العلوم العربية؛ والقدر اللاّزم توفّره من هذا الشرط يختلف باختلاف الجوانب التي يريد المفسِّر معالجتها من القرآن الكريم ، فحين يريد أن يدرس فقه القرآن مثلاً ، لا يحتاج التعمّق في أسرار اللُّغة العربية بالدرجة التي يحتاجها المفسّر إذا أراد أن يدرس الفن القصصي في القرآن ، أو المجاز في القرآن مثلاً.
3 ـ ولا بُدّ للمفسّر أن يحاول إلى أكبر درجةٍ ممكنة الاندماج كلّيّاً في القرآن عند تفسيره ، ونقصد بالاندماج في القرآن أن يُدرس النص القرآني ويُستوحي معناه دون تقييدٍ مسبقٍ باتجاهٍ معيّن غير مستوحىً من القرآن نفسه ، كما يصنع كثيرٌ من أصحاب المذاهب الذين يحاولون في تفسيرهم إخضاع النص القرآني لعقائدهم ، فلا يدرسون النص ليكتشفوا اتجاهه بل يفرضون عليه اتجاههم المذهبي ، ويحاولون فهمه دائماً ضمن إطارهم العقائدي الخاص ، وهذا ليس تفسيراً وإنّما هو محاولة توجيهٍ للمذهب وتوفيقٍ بينه وبين النص القرآني ، ولهذا كان من أهم الشروط في المفسّر أن يكون على درجةٍ من التحرّر الفكري تتيح له الاندماج بالقرآن ، وجعله قاعدةً لتكوين أيّ إطارٍ مذهبيٍّ بدلاً من جعل الاتجاه المذهبي المحدّد قاعدةً لفهم القرآن.
4 ـ وأخيراً لا بُدّ للمفسِّر من منهجٍ عامٍّ للتفسير ، يحدّد فيه عن اجتهاد علمي طريقته في التفسير ، ووسائل الإثبات التي يستعملها ، ومدى اعتماده على ظهور اللّفظ وعلى نصوص السنّة ، وعلى أخبار الآحاد ، وعلى القرائن العقلية في تفسير النص القرآني ؛ لأنّ في كلِّ واحدٍ من هذه الأُمور خلافاً علميّاً ، ووجهات نظرٍ عديدة ، فلا يمكن ممارسة التفسير دون أن تُدرس تلك الخلافات درساً دقيقاً ، والخروج من هذه الدراسة بوجهات نظرٍ معيّنةٍ تؤلّف المنهج العام للمفسّر ، الذي يسير عليه تفسيره.
ولمّا كانت تلك الخلافات تتّصل بجوانب من الأُصول والكلام والرجال وغيرها كان لزاماً على المفسّر لدى وضعه للمنهج ودراسته لتلك الخلافات أن يكون ملمّاً إلماماً كافياً بتلك العلوم.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|