أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2015
![]()
التاريخ: 8-7-2018
![]()
التاريخ: 6-8-2020
![]()
التاريخ: 22-9-2018
![]() |
في كثير من الدول ينظر إلى المناطق المستنقعية والأحراش الساحلية والخلجان على أنها أراض مهملة لا فائدة منها يستوجب تجفيفها وتحويلها إلى مساحات زراعية أو مدنية. إن تجفيف المستنقعات نجح في كثير من المناطق في إيجاد أراض جديدة من الدرجة الأولى في الخصوبة والإنتاج كما حصل في هولندا بلد الأراضي الواطئة وجزء من بلجيكا على سبيل المثال، كما نجح في القضاء على أمراض الملاريا من ساحل نابولي في إيطاليا في أوائل القرن العشرين. ولكن بالرغم من هذه النجاحات إلا أن الإنسان تجاهل إلى حد بعيد الدور الطبيعي الهام الذي تقوم به هذه المناطق والمتمثل في الآتي:
1- تنظيم جريان الأنهار فهي تقوم بتخزين مياه الفيضانات النهرية وتصريفها ببطء في الأنهار من جديد خلال أوقات الجفاف الموسمي.
2- تغذية خزانات الموائد الجوفية بالمياه.
3 - موئل مناسب للكثير من الحيوانات البرمائية والطيور المحلية والمهاجرة.
4 - للمستنقعات الساحلية دور كبير في تنمية سلسلة الغذاء المائي، فالكثير من الأسماك والمحار تقوم برحلة موسمية إلى هذه الأماكن لوضع البيض حيث يتوفر البيئة المناسبة لتفقسه من حرارة ومياه راكدة وتوفر الغذاء اللازم للأفراخ عند التفقيس، كما تتوفر لها النتؤات الصخرية والكهوف والحفر والغابات التي تمكنها من الاختفاء من أعدائها. وبعد بلوغ هذه الأسماك مرحلة معينة من عمرها تترك المستنقعات الشاطئية وترحل إلى المياه العميقة لكي تصبح غذاء لغيرها من الأسماك الأعلى مرتبة في السلم الغذائي وكذلك الإنسان.
إلا أن تصريف هذه المستنقعات وتجفيفها حرم البيئة من تلك الأدوار الحيوية التي كانت تقوم بها، وأدى إلى دمار الحياة البرية وساهم في زيادة تكرار الفيضانات وفداحة نتائجها، وخفض من مناسيب المياه الجوفية.
في الماضي سكن الإنسان السهول الفيضية حيث الأراضي الخصبة المناسبة للإنتاج الزراعي والمياه الوفيرة ورضي بمخاطر الفيضانات المتكررة والتي عند حدوثها يرغم على مغادرة تلك السهول ثم الرجوع إليها حين تعود المياه إلى مجاريها المعتادة. أما الآن استقر الإنسان بالسهول الفيضية وبنا المدن وصمم على أن مياه الفيضانات لن تصله بل تصرف إلى أماكن أخرى بعيدة. أحد الطرق المستعملة في التحكم في الفيضانات يتم بتشييد السواتر الترابية على ضفتي النهر حيث يرغم الماء على الجريان بينهما ولا يغادرهما. ومن الطبيعي حين يزداد تدفق الماء إلى النهر أن يرتفع المنسوب فوق السواتر ويفيض على السهول حيث يترسب الطمي. وجزء كبير من الطمي المحمول يترسب بالمحرى مؤديا إلى ارتفاع منسوب القاع وسنة وراء سنة يرتفع منسوب القاع تدريجيا متسببا في ارتفاع منسوب الماء أيضا. ولمواجهة مشكلة ارتفاع منسوبي القاع والماء يقوم الإنسان بتعلية السواتر الترابية. وهكذا دواليك، فالقاع يرتفع بالطمي ومنسوب الماء يرتفع بارتفاع منسوب القاع، والإنسان يبني السواتر ويعليها لمنع انهيار السواتر وحدوث الفيضان المحتوم حتى أصبحت بعض الأنهار بالصين تجري فوق منسوب أسقف المنازل. إن هذا الوضع جد خطير، فإن عاجلا أو آجلا الكارثة ستحدث وبمضاعفات مركبة تفوق التصور حيث ستغرق الأراضي الواقعة أسفل النهر. وحدث هذا سنة 1852 حيث انهارت سواتر النهر الأصفر بالصين فقتل الملايين. وتكررت نفس المأساة بالصين في سنة 1998 عندما اضطرت السلطات إلى تدمير عشرات السدود لأجل تغيير اتجاه الفيضان من مناطق إنتاج النفط إلى مناطق أخرى أقل أهمية اقتصادية .[1] وفي صيف 2005 انهارت سواتر مدينة نيو أورلينز تحت وطأة فيضان إعصار كاترينا وأغرقت المدينة وهجر ساكنيها.
وللسيطرة الكاملة على الفيضانات اتجه الإنسان إلى بناء السدود الضخمة في الأماكن الطبوغرافية المناسبة. وبالرغم مما لهذه السدود من منافع أخرى واجهت اعتراضات من قبل أنصار البيئة تتمثل في النقاط التالية:
1- التكلفة العالية لبناء السدود التي ستأتي على حساب مشاريع التنمية الأخرى.
2 - غرق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية والسكنية والغابية.
3- إعاقة حركة الأسماك من وإلى أعالي النهر.
4- القضاء على البيئة البرية .
5- ارتفاع منسوب الماء الجوفي وتغدق التربة في محيط بحيرة السد.
7- إطماء السدود بحمولات الطمي التي كان من المفترض أن يلقي بها في السهل الفيضي وفي الدلتا.
8- خروج المياه صافية من بحيرة السد يزيد من قدرتها على نحث جانبي المجرى والقاع ويهدد المنشآت المقامة بالانهيار.
9- إرساب الطمي في بحيرة السد يقصر عمرها ويقلقل من قدرتها على تخزين المياه.
10- حزن المياه في بحيرة السد على مدار السنة يتسبب في انخفاض منسوب جريان الماء في النهر مما يساعد على اجتياح مياه البحر المالحة لمناطق الدلتا والتسبب في تملح الأراضي الزراعية والمياه الجوفية بها.
وعلى الرغم من الاعتراضات السابقة إلا أن السدود الضخمة متعددة الأهداف تعتبر من أرخص وأنجع الأساليب في حماية المدن والقرى الواقعة بأدنى المجرى من الفيضانات. إن معظم المدن والقرى والمجمعات الصناعية والزراعة توجد بأقاليم أدنى المجرى وليس على المرتفعات. ومهما يكن من أمر، فإن الإدارة البيئية للموارد المائية لا يجب أن تقتصر على إقامة السدود فقط وإهمال مناطق تجميع مياه الأمطار. فبالإضافة إلى إقامة السدود، يجب الاهتمام بأقاليم المرتفعات وحمايتها من التعرية والانجراف من خلال المحافظة على الغابات والأحراش من القطع والحرائق والرعي الجائر. إذ يجب تنظيم حرفة الرعي من خلال الرعي الدوري، وإبقاء أعداد الحيوانات دون القدرة الاستيعابية للمرعى على مدار السنة، وبتدريج المنحدرات المستغلة في الزراعة.
إن الاستغلال غير العقلاني لمناطق تجميع مياه الأمطار زاد من كميات الجريان السطحي في كثير من الأماكن وزاد من معدل تكرار الفيضانات ومن خطورتها. أما المحافظة على الغطاء النباتي بأقاليم المصدر فهو على العكس يعني الإقلال من تكرار الفيضانات كنتيجة مباشرة لارتفاع معدلات التسرب والرشح إلى أسفل طبقات التربة والصخور، ولقلة معدلات التعرية والانجراف الأمر الذي يبقي على المجاري النهرية نظيفة بقدرات كبيرة على استيعاب مياه العواصف بدون الحاجة لأن يرتفع منسوبها فوق الضفاف كما أن قلة الحمولة من الطمي يساعد على إطالة أعمار السدود.
وفي العموم إن العناية بأقاليم تجميع المياه أسلوب يقلل من تكرار الفيضانات ومن شدتها إذا كانت كميات الأمطار معقولة، أما إذا كانت منهمرة بكميات كبيرة ولفترات طويلة كالحاصل عند تزامن الأمطار الموسمية مع اجتياح الأعاصير المحيطية، فإن هذا الأمر مؤديا إلى كارثة مهما كانت العناية بالغطاء النباتي. إن العناية بأقاليم المصدر إجراء ضروري ومكمل لإجراءات التحكم الهندسية، فهي تزيد من كفاءة عمل السدود وتطيل أعمارها بالإضافة إلى فوائد بيئية أخرى كثيرا ما تعرضنا إليها ضمن فقرات هذا الكتاب.
السدود الصغيرة المقامة على روافد الأنهار تعاني هي الأخرى من نفس المشاكل التي تعاني منها السدود الكبيرة المتعددة الأغراض، بالإضافة إلى كونها عاجزة عن تحمل كميات المياه التي تسببها الأمطار المطولة.
مما تقدم يتبين أن مشاكل الفيضانات يمكن أن تعالج بطريقتين، الأولى بحسن إدارة أقاليم المصدر من خلال العناية بالغابات والمراعي ومنع تدهورها وثانيا بإقامة السدود الكبيرة المتعددة الأغراض. فالأسلوبان مكملان لبعضهما البعض، إذ أن حسن إدارة أقاليم المصدر يطيل عمر السدود ويقلل من تكرار الفيضانات، أما السدود بحد ذاتها فهي تعمل كصمام أمان ضد الفيضانات الكبيرة.
يجب ألا يغيب عن الذاكرة أن الأراضي الفيضية هي ملك خاص للأنهار تفعل بها ما تشاء، وليس بمقدور الإنسان منعها من الفيضان عليها، لأن ذلك محكوم بكميات الأمطار وشدتها وطول مدة سقوطها فمادام الإنسان يسكن بجوار الأنهار ويقيم المدن والمصانع ويوسع نشاطه الزراعي، فإن خطر الفيضان قائم في كل مناسبة تسقط فيها الأمطار بكميات كبيرة. لذلك فبالإضافة إلى بناء السدود والعناية بأقاليم المصدر، يجب التخطيط السليم لاستعمالات أراضي السهول التي يحدث بها الفيضان وللأسف يسكنها الإنسان، وذلك بتقسيمها إلى مناطق حسب درجات خطورة الفيضان، فالمناطق المرتفعة بالتأكيد أقل عرضة من المنخفضة، لذلك يجب منع البناء في المناطق الخطرة أو بالبناء فيها على أعمدة ومنع النشاطات الأكثر تضررا من الفيضان والسماح للنشاطات الأقل تضررا.
[1] Howard,p,m.” Impressions of soil and water conservation in China. Jornal of soil and water conservation. May- June 1981 p.122. Also, Robinson A.R.: ‘ Erosion and sediment in China`s Yellow River Basin. Jornal of soil and water conservation May-June 1981. P 125. Also, Bantam/Britannic Books.; Disaster When Nature Strikes Back. U.S.A. 1978. P.107.
|
|
تحذير من "عادة" خلال تنظيف اللسان.. خطيرة على القلب
|
|
|
|
|
دراسة علمية تحذر من علاقات حب "اصطناعية" ؟!
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تحذّر من خطورة الحرب الثقافية والأخلاقية التي تستهدف المجتمع الإسلاميّ
|
|
|