أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-4-2017
![]()
التاريخ: 16-1-2023
![]()
التاريخ: 2024-01-24
![]()
التاريخ: 29-4-2022
![]() |
الاقتناع مصطلح يكتنفه الكثير من الغموض باعتباره شيئاً داخلياً متعلقاً بشخص القاضي لا يمكن التعرف إليه إلا من خلال ما يظهر للعلن من علامات تدل عليه، ولغرض توضيح ذلك سنعرف الاقتناع لغوياً واصطلاحاً.
اولاً : المعنى اللغوي
تشتق لفظة الاقتناع من (الفعل الثلاثي قنع ، والجمع اقتناع) (1) ، (وقنع - قنعاً - وقناعة - أي رضي بما أعطي له فهو قانع، يقال اقتنع بالأمر، والمقتنع : ما يرضى من الآراء (2) (والاقتناع لفظ من اللاتينية بمعنى برهان مقتنع الاقتناع الداخلي، أي الرأي العميق الذي يكونه القاضي في نفسه وضميره، ويشكل في نظام البيانات القضائية المعيار الاساس لسلطة التقدير المعترف بها للقاضي)(3).
ثانياً: المعنى الاصطلاحي
من أجل الوقوف والتعرف على معنى الاقتناع اصطلاحاً نبين ذلك تباعاً في معنى الاقتناع قانوناً إن ورد وكذلك تعريفه من الناحية الفقهية، والفلسفية.
فيما يخص تعريف الاقتناع الذاتي للقاضي الإداري من الناحية القانونية، فعند الاطلاع على تشريعات الدول محل المقارنة لم نجد تعريفاً لهذا المصطلح، وهذا مسلك محمود يحسب للمشرع لأنه ليس من مهمة المشرع وضع التعريفات، وبذلك يعطي مساحة أكبر للفقه والقضاء من أجل وضع التعريف المناسب.
اورد الفقهاء الكثير من التعريفات لمبدأ الاقتناع الذاتي، فقد عرفه أحدهم بانه تقدير ذهني أو نفسي، أو إنه مظهر يوضح وصول القاضي إلى درجة اليقين لواقعة لم تحدث تحت رؤيته (4)، في حين عرفه فقيه آخر بأن قناعة القاضي لا يكون لها معنى الا باعتبارها سلطة وواجباً مفروضاً عليه يستمده من أي مصدر اثبات وله الحرية المطلقة في التقدير ولا يحده أي حد (5)، كذلك غرف الاقتناع الذاتي من قبل فقيه آخر بأنه الحالة الذهنية والوجدانية، وهي تحصيل عملية علمية منطقيه تتكون في نفس القاضي، فتعمل ذاكرته باستدعاء القواعد القانونية التي تعلمها ليطبقها على الواقعة المعروضة عليه، وعند ذلك تظهر النتيجة وتتكون الحقيقة التي يرتاح لها ضمير القاضي لتمكنه من اصدار حكمه (6)، أيضاً عرف الاقتناع بأنه عبارة عن الاستنتاج الذهني والذاتي من الأدلة المعروضة على بساط البحث، وهي احتمالات ذات درجة عالية من التأكيد والتحقيق والتمحيص، التي يستبعد معها الشك، وهي تتأثر بقابلية القاضي لتقدير الأدلة والى ضميره (7) ، وتعرف الفقيهة Clara Tournier الاقتناع بأنه الطريقة الممكنة لمعرفة الحقيقة وذلك من خلال الانتقال من اخلاقيات الاقتناع إلى اخلاقيات المسؤولية الخاصة بالقاضي، والقناعة تحدد نمطاً من المعرفة والتي يمكن من خلالها التغلب على عدم كفاية البراهين مع الابقاء على نفس جوهر الأدلة (8).
كما عبر الفقيه Gaudeme بأن الاقتناع المتكون لدى القاضي الإداري يكون مصدره ما يتم تقديمه من قبل الخصوم في الدعوى الإدارية من وسائل وأدلة الاثبات (9) ، كما أشار الفقيه Desnos بأن قناعة القاضي عبارة عن رأي القاضي الناتج عن حريته في تقييم الادلة المختلفة المتاحة لة (10) ، في حين عرفة فقيه آخر بأنه الرأي المبني في ذهن القاضي الإداري من أدلة ووقائع الدعوى، تحده نصوص القانون، ولا تعني القناعة الرأي الشخصي المجرد من أدلة الاثبات وأحكام القانون (11).
يلاحظ مما سبق ذكره أن اغلب التعريفات اتفقت على أن الاقتناع أمر داخلي عقلي يتكون لدى القاضي الإداري من خلال ما يعرض عليه من أدلة في القضية المعروضة عليه، ابتداء من المرحلة الأولى للقضية وصولاً إلى إصدار الحكم فيها وهو يمارس دوره في الخصومة الإدارية المتميزة عن باقي الخصومات سواء أكانت المدنية، أم الجنائية، إذ يحكم العقل والمنطق في هذه العملية لينتهي إلى إصدار حكمه فيها.
أما معنى الاقتناع فلسفياً فيقصد به مصطلح حقوقي يعني به الزام شخص ما من خلال البراهين أو الشواهد على التيقن من صحة شيء ما، أو هو اليقين التام للفعل ولكنه غير جازم تماماً، أو هو اليقين المنطقي وهذا ما أورده الفيلسوف المعروف كانت بقوله ( عندما يكون الانتماء سارياً لكل كائن، بشرط واحد هو أن يكون ذا عقل، فان أساس هذا الانتماء يكون كافياً موضوعياً ويسمى اقتناعاً )، أو يمكن أن يكون رأي احتمالي (12).
ومن كل ما تقدم نسوق التعريف الاتي لمبدأ الاقتناع الذاتي للقاضي الإداري، حيث نعرف الاقتناع بانه نتيجة عقلية عملية حازمة متولدة لدى القاضي الإداري من أدلة الاثبات المتحصلة في الدعوى الإدارية متأثرة بضميره ودرجة تفكيره، وما تلقاه من العلم والثقافة القانونية محددة بضوابط معينة، تتكون بعد تمحيص وتدقيق، وهي مرحله تسبق إصدار الحكم القضائي الإداري.
و بالرغم من أن تسمية الاقتناع الذاتي للقاضي الإداري قد تتسم بنوع من الوضوح إلا إن بعضهم قد يشكل أو يقع في التباس مع تسميات أخرى قد تكون للوهلة الأولى متشابهة مع تسمية الاقتناع، ومن هذه التسميات (القناعة الوجدانية) والتي تستند بكاملها على ضمير القاضي، في حين أن الضمير وحده لا يكون حجر الاساس في الاقتناع إلا أنة ركن مهم عندما يتحد مع الأدلة التي من خلالها يستخلص القاضي حقيقة الواقعة المعروضة عليه (13).
كذلك قد يثير اللبس والتشابه بين الاقتناع الذاتي والاجتهاد (14) القضائي، حيث أن اجتهاد القاضي الإداري يتمثل بأن هنالك نزاعاً مطروحاً أمام القاضي ملزم بالفصل فيه، وحتى يصدر حكمه لابد أن يوجد نص تشريعي، فان لم يجد انتقل إلى المصادر الأخرى للقاعدة القانونية وحسب ما هي مرتبة وبالشكل الذي رسمة المشرع ، فإذا لم يجد أياً من هذه المصادر التي تحكم القضية محل النظر، أو كان النص غامضاً فهنا ليس له ان يمتنع عن اصدار الحكم بحجة عدم وجود قاعده قانونيه، وإنما يجب على القاضي أن يصدر حكمه باجتهاده أي بخلقه للقاعدة القانونية واستيضاح الغامض منها وألا عد منكراً للعدالة (15)، في حين أن الاقتناع الذاتي أمر يستند إلى أدلة الاثبات المعروضة في القضية من قبل أطراف الدعوى الإدارية، أو أن القاضي الإداري يتدخل بنفسه لاجبار الإدارة لعرض الأدلة الموجودة لديها، أي أن الدليل موجود وهو يستقي قناعتة منه وهذا هو الفرق بين الاقتناع والاجتهاد،
وان كان الاجتهاد والاقتناع يتشابهان في كونهما عملية ذهنية عقلية متكونة لدى القاضي الإداري. والاقتناع الذاتي يتكون من عناصر عدة منها ما هو شخصي، ومنها ما هو موضوعي، فأما العنصر الشخصي فيقصد به أن يكون اقتناع القاضي مبنياً على أدله مقبولة عقلاً، إذ أن القاضي حر في تكوين اقتناعه وحرّ في اختيار الأدلة التي يطمئن اليها (16) ، إلا أن هذا الأمر مشروط بأن يستند إلى مقتضيات أسس العقل والمنطق (17) ، فالقاضي الإداري لابد له أن يطلع على النظريات المنطقية التي تساعده في الوصول إلى الحقيقة من خلال أدلة الاثبات المقبولة في الدعوى (18)، اذن الاقتناع أمر نفسي وهو يرجع إلى حرية القاضي في تقدير الدليل وبما يرتاح إليه ضميره ويستقر في ذهنه، وإن كانت الأمور النفسية بطبيعتها يتنازعها التفاوت والتقدير.
وفيما يخص العنصر الموضوعي للاقتناع والذي يتمثل في أن يستند القاضي في حكمه على دليل يجب أن يكون أقوى الأدلة في العملية الاثباتية، حيث يحمل الدليل في ذاته معالم قوته في الاقتناع، إذ يجب على القاضي أن يبين أدلة الاثبات التي يستند اليها في حكمه (19).
في حين تعتبر من العناصر المميزة للاقتناع إلا وهو عنصر سلطة الاختيار وعدم التقيد بادلة معينه إذ يمتلك القاضي الإداري سلطة كبيرة تمكنه من التحرك بحريه واسعة لأعادة التوازن بين الخصوم، اذ انه لا يتقيد بدليل معين وله أن يطرح الدليل الذي لا يولد القناعة لديه(20).
ومن كل ما تقدم يتضح أن تعبير الاقتناع بمفهومه المتميز وبعناصره المكونة له يمثل عملية انتاج لما تم عرضه وبحثه في الدعوى الإدارية من ادلة الاثبات، لتكون مخرجات هذه العملية الحكم الصادر من القاضي الإداري .
___________
1- ابن منظور محمد بن مكرم لسان العرب، ج 11، ط3، دار احياء التراث العربي، لبنان، 1999، ص 325.
2- محمد بن ابي بكر بن عبد القادر الرازي مختار الصحاح، دار الرسالة، الكويت، 1983، ص 552-553.
3- كورنو جيرار، معجم المصطلحات القانونية، ط1، ترجمة القاضي منصور ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1998، ص2.
4- مفيدة سعد سويدان، نظرية الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي، اطروحة دكتوراه مقدمه الى كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1985، ص 175.
5- ليوني جيوفاني، مبدأ الاقتناع والمشاكل المرتبطة به، ترجمة رمسيس بهنام مجلة القانون والاقتصاد، مصر، العدد الأول، 1964، ص 923.
6- د. كمال عبد الواحد الجوهري، تأسيس الاقتناع القضائي والمحاكمة العادلة، دار محمود للنشر والتوزيع، بلا مكان نشر، 1999، ص 14.
7- مفيدة سعد سويدان، مصدر سابق، ص 176.
8- د. جوزف رزق الله النظرية العامة للأثبات أمام القضاء الاداري، ط1، مطبعة صادر، لبنان، 2001، ص31.
9- د جوزف رزق الله المصدر نفسه، ص 33.
10- Julie Richard, L'intime Conviction dujuge enmatiere criminelle, these du doctoral, Droit privé et sciences criminelles, UniversitédeMontpellier,France, 2017,p22
11- مقابلة شخصية اجريت من قبل الباحثة مع المستشار د. مازن ليلو ،راضي مجلس الدولة العراقي، 2021/11/10
12- اندريه لاند، موسوعة لاند الفلسفية ( معجم مصطلحات الفلسفة النقدية والتقنية ) ، المجلد الأول، ترجمه خليل احمد خليل عويدات للنشر والطباعة، بيروت، 2008، ص 229 - 230.
13- د. اشرف جمال قنديل حرية القاضي الجنائي في تكوين اقتناعه، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2012، ص 63.
14- يعرف الاجتهاد بانه استفراغ الوسع في تحصيل الحجه على الاحكام أو تعيين الوظيفة عند عدم الوصول اليها. اشار اليه عباس قاسم الداقوقي، الاجتهاد القضائي مفهومه وحالاته ،ونطاقة دار السنهوري، بيروت، 2018، ص18.
15- د. عبد الرؤوف هاشم بسيوني، المرافعات الادارية - اجراءات رفع الدعوى وتحضيرها، ط1، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2017، ص 94
16- د. رمزي رياض عوض، سلطة القاضي في تقدير الادلة، دار النهضة العربية، القاهرة ، 2004، ص 28.
17- المنطق الذي يطبقه القاضي في نطاق الدعوى المعروضة عليه يسمى بالمنطق القضائي والذي يعرف بانه وسيلة اقتناع أي شخص بأي وسيله تمييزاً له عن المنطق القانوني اذ ان المنطق القانوني يقصد به تطبيق مبادىء المنطق على المسائل القانونية، ويمكن القول أن المنطق القانوني هو الوسيلة التي يطبق بها المنهج القانوني على حالات محدده اشار اليه عباس قاسم الداقوقي ، مصدر سابق، ص 31 - 32.
18- خضر طه الشويكي، الدفوع الاجرائية بين النص المدني والانتفاء الاداري امام القضاء الاداري (دراسة اجتهاديه وقانونيه مقارنه )، ط1، المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان، 2017، ص 143.
19- د. رمزي رياض عوض، مصدر سابق، ص29.
20- مصطفى عبد العزيز الطراونة القرائن القضائية لأثبات عدم مشروعية القرار المطعون به، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2011، ص71.
|
|
حقن الذهب في العين.. تقنية جديدة للحفاظ على البصر ؟!
|
|
|
|
|
علي بابا تطلق نماذج "Qwen" الجديدة في أحدث اختراق صيني لمجال الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر
|
|
|
|
|
مشاتل الكفيل تنتج أنواعًا مختلفة من النباتات المحلية والمستوردة وتواصل دعمها للمجتمع
|
|
|