أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-4-2016
4303
التاريخ: 14-4-2016
3028
التاريخ: 13-3-2019
2024
التاريخ: 20-4-2016
3233
|
للامام أمير المؤمنين وصايا تربوية لولده الحسن حافلة بالقيم العليا والمثل الانسانية الكريمة وأهمها وصيته الخالدة التي كتبها بحاضرين حال انصرافه من صفين وقد حفلت بالدروس القيمة والآداب الاجتماعية وحقا أن ترسم على صفحات القلوب وأن يجعلها المسلمون دستورا لهم في سلوكهم الفردي والاجتماعي ونسوق الى القراء بعضا من فصولها : من الوالد الفان المقر للزمان المدبر العمر المستسلم للدهر الذام للدنيا الساكن مساكن الموتى والظاعن عنها غدا إلى المولود المؤمل ما لا يدرك السالك سبيل من قد هلك غرض الاسقام ورهينة الايام ورمية المصائب وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا وأسير الموت وحليف الهموم وقرين الأحزان ونصب الآفات وصريع الشهوات وخليفة الاموات ؛ لقد اعرب (عليه السلام) بهذه الكلمات الذهبية عن استسلامه للدهر وإدباره عن الدنيا فقد كان عمره الشريف حين كتابته لهذه الوصية ينيف على ستين عاما وهو سن من يفارق الحياة ويقبل على الآخرة وقد وصف كل من يولد في الدنيا بأنه يؤمل ما لا يدركه في الوقت الذي يسلك فيه سبيل الهالكين وانه غرض للأسقام وحليف للهموم والاحزان وقد ذكر (عليه السلام) بعد هذا الاسباب الوثيقة التي دعته لرسم هذه الوصية فيقول : أما بعد فان فيما تبينت من إدبار الدنيا عنى وجموح الدهر علىّ وإقبال الآخرة إلىّ ما يرغبني عن ذكر من سواى والاهتمام بما ورائى غير أنى حيث تفرد بي هم نفسى فصدقني رأيي وصرفني عن هوائي وصرح لى محض أمرى فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب وصدق لا يشوبه كذب ووجدتك بعضي بل وجدتك كلى حتى كأن شيئا لو أصابك اصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني فعناني من أمرك ما يعنيني من امر نفسى فكتب إليك كتابي مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت .
وبعد ما ذكر العوامل التي دعته لأن يرسم هذه الوصية شرع في بيان المثل الكاملة التي ينبغي لولده أن يتمسك بها ويسير عليها فقال :
« .. فانى أوصيك بتقوى الله ولزوم أمره وعمارة قلبك بذكره والاعتصام بحبله وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله إن أنت أخذت به؟
أحي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة وقوه باليقين ونوره بالحكمة وذلّله بذكر الموت وقرره بالفناء وبصره فجائع الدنيا وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الليالى والأيام وأعرض عليه أخبار الماضين وذكره بما اصاب من كان قبلك من الأولين وسر في ديارهم وآثارهم فانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلوا ونزلوا فانك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة وحلوا ديار الغربة وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم فاصلح مثواك ولا تبع آخرتك بدنياك ودع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لم تكلف وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فان الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال وأمر بالمعروف تكن من أهله وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك وجاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم وخض الغمرات للحق حيث كان وتفقه في الدين وعود نفسك التصبر على المكروه ونعم الخلق التصبر فى الحق وألجئ نفسك فى الأمور كلها إلى إلهك فانك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز وأخلص في المسألة لربك فان بيده العطاء والحرمان واكثر الاستخارة وتفهم وصيتي ولا تذهبن عنها صفحا فان خير القول ما نفع وأعلم أنه لا خير في علم لا ينفع ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه .
إن هذه الحكم التي تضمنها كلامه الشريف هي برامج السعادة وخلاصة الحكمة والآداب والتهذيب ويعرب (عليه السلام) في كلماته الآتية عن بلوغه سن الشيخوخة وهو يخاف أن يهجم عليه الموت دون أن يدلى بهذه الحكم إلى ولده فيقول : أى بنى إني لما رأيتني قد بلغت سنا ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إليك وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلى دون أن أفضى إليك بما في نفسى وأن انقص في رأيي كما نقصت في جسمي أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى أو فتن الدنيا فتكون كالعصب النفور وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما القى فيها من شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك. لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته فتكون قد كفيت مؤونة الطلب وعوفيت من علاج التجربة فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه واستبان لك ما ربما اظلم علينا منه .
انه (عليه السلام) لما طعن في السن أراد أن يضع في نفس ولده ما استقر في نفسه الشريفة من الآداب والكمال ويغذيه بأطراف الحكم ويلمسه أهم العبر التي حدثت في عالم الوجود والتي أخذ خلاصتها الحكماء وأهل التجارب يضع كل ذلك أمام ولده ليستبين له كل شيء ويعرف خلاصة الأمور واهمها ثم يسترسل الامام الحكيم في وصيته فيقول : أى بنى إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم وفكرت في اخبارهم وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم بل كأني بما انتهى إلى من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم فعرفت صفو ذلك من كدره ونفعه من ضرره فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخيت لك جميله وصرفت عنك مجهوله ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر ذو نية سليمة ونفس صافية وأن ابتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله وشرائع الاسلام واحكامه وحلاله وحرامه و لا اجاوز لك إلى غيره ثم اشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من اهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلى من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة ورجوت أن يوفقك الله لرشدك وأن يهديك لقصدك فعهدت إليك بوصيتي هذه .
سيدي أيها الخبير بأحوال الناس العارف بصفو الأمور وكدرها المحيط بجوهر الاشياء حدثنا عن أحب الامور إليك وأهمها عندك فيقول : واعلم يا بنى أن أحب ما أنت آخذ به إلىّ من وصيتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك والصالحون من أهل بيتك فانهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر , وفكروا كما أنت مفكر ثم ردهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والامساك عما لم يكلفوا فان أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم لا بتورط الشبهات وعلو الخصوصيات وأبدأ بالاستعانة بالهك والرغبة إليه في توفيقك وترك كل شائبة أولجتك في شبهة أو اسلمتك إلى ضلالة فاذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع وتم رأيك فاجتمع وكان همك فى ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك وفراغ نظرك وفكرك فاعلم أنك إنما تخبط العشواء وتتورط الظلماء وليس طالب الدين من خبط أو خلط! والامساك عن ذلك امثل , فتفهم يا بني وصيتي واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة وأن الخالق هو المميت وأن المفني هو المعيد وأن المبتلى هو المعافي وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء والابتلاء والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم فان أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك به فانك أول ما خلقت جاهلا ثم علمت وما اكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك ثم تبصره بعد ذلك فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك وليكن له تعبدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك , وبعد هذا شرع (عليها السلام) في توحيد الله وإقامة الادلة عليه وبعد فراغه من ذلك أخذ في بيان الآداب الاجتماعية فقال : يا بنى اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم واحسن كما تحب أن يحسن إليك واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك ؛ واعلم أن الاعجاب ضد الصواب وآفة الألباب فاسع في كدحك ولا تكن خازنا لغيرك وإذا كنت هديت لقصدك فكن اخشع ما تكون لربك.
إن هذه الحكم القيمة لو سار عليها الانسان لكان اسمى مثل للتهذيب والسمو والكمال فقد احتوت على اصول العدل واسس الفضيلة والكمال ومن جملة هذه الحكم الخالدة قوله : وأعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك ولن تعدو أجلك وأنك في سبيل من كان قبلك فخفض في الطلب وأجمل في المكتسب فإنه رب طلب قد جر إلى حرب فليس كل طالب بمرزوق ولا كل مجمل بمحروم وأكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب فانك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا وما خير خير لا ينال إلا بشر ويسر لا ينال إلا بعسر؟! وإياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل فانك مدرك قسمك وآخذ سهمك! وإن اليسير من الله سبحانه اعظم وأكرم من الكثير من خلقه وإن كان كل منه , وتلا فيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء وحفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في يد غيرك ومرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس والحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور والمرء احفظ لسره ورب ساع فيما يضره من اكثر أهجر ومن تفكر أبصر! قارن أهل الخير تكن منهم وباين أهل الشر تبن عنهم! بئس الطعام الحرام وظلم الضعيف افحش الظلم , إذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا ربما كان الدواء داء والداء دواء وربما نصح غير الناصح وغش المستنصح وإياك واتكالك على المنى فانها بضائع الموتى والعقل حفظ التجارب , وخير ما جربت ما وعظك , بادر الفرصة قبل أن تكون غصة. ليس كل طالب يصيب ولا كل غالب يؤوب ومن الفساد اضاعة الزاد ومفسدة المعاد ولكل أمر عاقبة سوف يأتيك ما قدر لك التاجر مخاطر!! ورب يسير أنمى من كثير ولا خير في معين مهين ولا في صديق ظنين ساهل الدهر ما ذلّ لك قعوده ولا تخاطر بشيء رجأ اكثر منه وإياك أن تجمح بك مطية اللجاج!! احل نفسك من أخيك عند صرمه على الصلة وعند صدوده على اللطف والمقاربة وعند جموده على البذل وعند تباعده على الدنو وعند شدته على اللين وعند جرمه على العذر حتى كأنك له عبد وكأنه ذو نعمة عليك وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه أو أن تفعله بغير أهله لا تتخذن عدو صديقك عدوا فتعادي صديقك وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة وتجرع الغيظ فاني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ مغبة ولن لمن غالظك فانه يوشك أن يلين لك وخذ على عدوك بالفضل فانه أحلى الظفرين وان أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه فانه ليس لك بأخ من أضعت حقه ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك ولا ترغبن فيمن زهد عنك ولا يكونن أخوك على مقاطعتك أقوى منك على صلته ولا يكونن على الاساءة أقوى منك على الاحسان ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فانه يسعى في مضرته ونفعك وليس جزاء من سرك أن تسوءه .
وهكذا يسترسل الامام (عليه السلام) فى كلامه فيضع جواهر الحكم القيمة واسمى الدروس النافعة واثمن الآراء الصائبة في وصيته .
|
|
لصحة القلب والأمعاء.. 8 أطعمة لا غنى عنها
|
|
|
|
|
حل سحري لخلايا البيروفسكايت الشمسية.. يرفع كفاءتها إلى 26%
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|