أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-8-2016
1047
التاريخ: 3-8-2016
689
التاريخ: 25-8-2016
676
التاريخ: 16-10-2016
1349
|
التحقيق في المسألة يستدعي تقديم اُمور قبل الورود في أصل البحث:
الأمر الأوّل: في عنوان المسألة
قال بعضهم: «إنّ الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه، أو لا؟» بل هو ظاهر أكثرهم، والمعنون في كلماتهم، وقال بعض آخر: «إنّ الملازمة ثابتة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه أو لا؟» وهو مختار من جعل المسألة اُصوليّة، ولكن حيث إنّ المعنون في كلمات القوم غالباً هو الأوّل بل هو ظاهر أكثر أدلّتهم فيكون هو المختار لنا في المسألة، والعجب من المحاضرات حيث إنّه مع اعترافه بأنّ النزاع في ثبوت الملازمة وعدمه مع ذلك جعل العنوان أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه أم لا؟
الأمر الثاني: في أنّ المسألة عقليّة:
أنّ المعروف بين الاُصوليين كون المسألة عقليّة لعدم إرتباطها بباب الألفاظ وإن عنونوها في مباحث الألفاظ، ولذلك يجري النزاع فيها وإن ثبت الأمر من غير طريق الألفاظ.
لكن الأولى أن يقال: إنّ المسألة عقليّة ولفظيّة معاً، لأنّ من المسائل التي يتكلّم عنها في مقام الاستدلال وبيان الأدلّة هو الدلالات الثلاث، وهي من أقسام الدلالة اللّفظيّة، ولعلّ المدّعي للملازمة يدّعي اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ فتدخل في الدلالة اللّفظيّة أيضاً.
الأمر الثالث: في أنّ المسألة اُصوليّة أو فقهيّة؟
وهذه المسألة اُصوليّة عند من جعل العنوان ثبوت الملازمة وعدمه، ومن جعله «أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه أو لا» مال إلى كونها فقهيّة، لأنّ الكلام حينئذ في حرمة الضدّ وعدمها وهي مسألة فقهيّة.
والصحيح أنّها من القواعد الفقهيّة لأنّ تعريف القاعدة الفقهيّة وهو «ما يشتمل على حكم كلّي لا يختصّ بباب دون باب أو بكتاب دون كتاب» صادق على حرمة الضدّ، وهو واضح بعد أن كان المختار في عنوان المسألة أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه أو لا؟ ولذلك لا يمكن إيكال تطبيق هذه المسألة على مصاديقها إلى المقلّد بل هو من وظيفة المجتهد كما في سائر القواعد الفقهيّة.
ولا نأبى مع ذلك عن ذكرها في الاُصول وما أكثر نظائرها المذكورة في الاصول أيضاً.
الأمر الرابع: في المراد من كلمة الاقتضاء في عنوان المسألة:
ذهب المشهور إلى أنّه أعمّ من أن يكون بنحو المطابقة والعينية أو التضمّن أو الالتزام، ويشهد له ما سيأتي في مبحث الضدّ العامّ من أنّ بعضهم ذهب إلى أنّ الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه العامّ، وبعض آخر إلى أنّ النهي عن ضدّ شيء جزء للأمر به، وذهب ثالث إلى أنّه من لوازمه، ولا إشكال في أنّ لازم هذا عموم معنى الاقتضاء في عنوان المسألة.
ويمكن أن يكون الاقتضاء هو التلازم غير البيّن الذي لا يكون من الدلالات اللّفظيّة بل اقتضاء عقلي.
الأمر الخامس: في المراد من كلمة الضدّ:
فهل المراد منه معناه الفلسفي وهو «أنّ الضدّين أمران وجوديان بينهما غاية التباعد» أو المراد منه معناه اللغوي فيعمّ النقيض الفلسفي أيضاً؟
الصحيح هو الثاني لأنّ من فروعات المسألة هو البحث عن الضدّ العامّ وهو أمر عدمي ويكون نقيضاً للفعل المأمور به بمعناه الفلسفي.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الكلام في ما نحن فيه يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في الضدّ العام وهو ترك المأمور به.
المقام الثاني: في الضدّ الخاصّ (والمراد منه أمر وجودي يزاحم الفعل المأمور به).
وقد وقع البحث عن الضدّ الخاصّ مقدّماً على البحث عن الضدّ العامّ في كلمات القوم لكن الأولى تأخيره لسهولة البحث فيه واختصاره فنقول:
أمّا المقام الأوّل: فالأقوال فيه أربعة:
أحدها: الاقتضاء بنحو العينية والمطابقة.
ثانيها: الاقتضاء بنحو التضمّن والجزئيّة.
ثالثها: الاقتضاء بنحو الالتزام إجمالا أعمّ من أن يكون اللزوم لفظيّاً على نحو يكون النهي عن الضدّ من اللوازم البيّنة بالمعنى الأخصّ للأمر بالشيء أو عقليّاً على نحو يكون من اللوازم البيّنة بالمعنى الأعمّ.
رابعها: عدم الاقتضاء مطلقاً.
أمّا القول الأوّل: فلا إشكال في فساده ثبوتاً وإثباتاً، أمّا مقام الإثبات فواضح، لأنّ المفروض أنّ الصّلاة مثلا وتركها اثنان، وإنّ الأمر دعوة إلى الشيء والنهي زجر عن الشيء، ولا معنى حينئذ للعينية.
وبعبارة اُخرى: إنّ اللزوم ملاك الاثنينية لا الاتّحاد والعينية، والبعث والزجر أمران مختلفان، وأمّا مقام الثبوت فلأنّ ملاك الحرمة هو وجود مفسدة في متعلّقها، كما أنّ ملاك الوجوب وجود مصلحة في متعلّقه، فما لا مفسدة فيه لا حرمة له، وما لا مصلحة فيه لا وجوب له، ولا شكّ في أنّه ليس كلّ ما كان ذا مصلحة في فعله كان في تركه مفسدة، بل كثيراً ما يساوق تركه فقدان المصلحة فقط، وهذا واضح جدّاً.
وأمّا القول الثاني: فإنّه متفرّع على قبول تركّب الوجوب من طلب الفعل والمنع من الترك وهو ممنوع جدّاً، لأنّ الوجوب معنى بسيط، وهو البعث الشديد نحو الفعل، في مقابل الحرمة التي هي الزجر الشديد عن الفعل.
وأمّا القول الثالث: فهو أيضاً غير تامّ لنفس ما مرّ في الجواب عن القول الأوّل، لأنّ وجود الملازمة بين وجب شيء وحرمة ضدّه العامّ يستلزم وجود الملازمة بين وجود المصلحة في فعل ووجود المفسدة في تركه مطلقاً، فيكون في ترك كلّ ذي مصلحة مفسدة، وهو ممنوع كما مرّ.
فظهر أنّ المتعيّن هو القول الرابع، وهو عدم الاقتضاء مطلقاً، نعم قد يعبّر بالاقتضاء مسامحة كما أنّه قد يكون من باب التلازم الاتّفاقي بأن تكون المصلحة في الفعل مقارنة للمفسدة في الترك، كما هو كذلك في مثل الصّلاة والزّكاة وبعض الواجبات الاُخر.
هذا تمام الكلام في المقام الأوّل.
أمّا المقام الثاني: وهو البحث عن الضدّ الخاصّ كالصّلاة بالنسبة إلى إزالة النجاسة عن المسجد أو أداء الدَين ففيه قولان:
أحدهما: ما ذهب إليه بعضهم من أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ.
ثانيهما: ما عليه كثير من المحقّقين المتأخّرين وهو عدم الاقتضاء.
واستدلّ للقول الأوّل بوجهين:
الوجه الأوّل: ـ وهو العمدة ـ ما هو مبني على مقدّميّة ترك الضدّ للفعل المأمور به، فيقال:
1 ـ إنّ ترك الضدّ مقدّمة للفعل المأمور به.
2 ـ إنّ مقدّمة الواجب واجبة.
3 ـ والأمر بالشيء يقتضي النهي عن تركه الذي هو الضدّ العامّ، فلازم المقدّمة الاُولى والثانيّة وجوب ترك الصّلاة لإزالة النجاسة عن المسجد في المثال المعروف، ولازم المقدّمة الثالثة حرمة فعل الصّلاة ونتيجتها بطلانها.
ولا يخفى أنّ النكتة الأصلية في هذا البرهان إنّما هي المقدّمة الاُولى ولذلك تدور كلمات الأعاظم كالمحقّق الخراساني والميرزا النائيني والمحقّق العراقي (رحمهم الله)مدارها، وقد ذكر لإثباتها وجهان:
الوجه الأوّل: أنّه قد قرّر في محلّه أنّ عدم المانع من أجزاء العلّة التامّة، وحيث إنّ العلّة مقدّمة على معلولها فيكون عدم المانع أيضاً مقدّماً على وجود المعلول، والمعلول في ما نحن فيه فعل الواجب المأمور به كالإزالة في المثال، والمانع هو الصّلاة، فيصير ترك الصّلاة مقدّمة لفعل الإزالة، وهو المطلوب في المقدّمة الاُولى من البرهان.
ويجاب عن هذا بعدّة أجوبة:
الجواب الأوّل: أنّ التمانع إنّما هو بمعنى عدم الاجتماع في الوجود، وهو لا يلازم مقدّميّة أحد المتمانعين للآخر وتقدّمه عليه رتبة، بل غاية ما يقتضيه إنّما هو كون وجود أحدهما مع عدم الآخر في رتبة واحدة.
هذا حاصل ما أفاده المحقّق الخراساني (رحمه الله) في الكفاية، وقد قرّره المحقّق النائيني (رحمه الله)ببيان أوفى وهو «إنّ مرتبة مانعية المانع متأخّرة عن وجود المقتضي وعن وجود جميع الشرائط، بمعنى أنّ الرطوبة مثلا لا يمكن أن يقال: أنّها مانعة عن احتراق الجسم إلاّ بعد وجود النار ومماسّتها مع الجسم القابل للاحتراق، نعم يمكن أن يكون وجود الرطوبة في الجسم القابل للاحتراق قبل وجود النار وقبل مماسّتها لذلك الجسم ولكن اتّصافها بصفة المانعية وفعلية هذه الصفة فيها لا يمكن إلاّ بعد وجود المقتضي للإحراق وجميع شرائطه، وعلى هذا الأساس ينكر إمكان كون شيء شرطاً لشيء، ضدّه مانعاً عنه لأنّ مانعية الضدّ لا تتحقّق إلاّ بعد وجود الشرط الذي هو عبارة عن الضدّ الآخر، وبعد وجود ذلك الضدّ الذي هو شرط يمتنع وجود هذا الآخر الذي يدّعي أنّه مانع، وإلاّ يلزم اجتماع الضدّين، ومع امتناع وجوده كيف يمكن أن يكون مانعاً؟ ... (إلى أن قال): إذا تقرّر ذلك.
فنقول: توقّف وجود الإزالة على عدم الصّلاة ـ مثلا ـ لا بدّ وأن يكون من جهة عدم المانع، أي حيث إنّ وجود الصّلاة مانع عن وجود الإزالة، وعدم المانع من أجزاء علّة الشيء، والعلّة لا بدّ وأن توجد بجميع أجزائها وخصوصّياتها حتّى يوجد المعلول ومن جملتها عدم المانع، وقد تبيّن أنّ كون الصّلاة مانعة عن وجود الإزالة لا يمكن إلاّ بعد وجود المقتضي للإزالة ووجود جميع شرائطها، وقد عرفت ممّا تقدّم أنّه إذا وجد المقتضي للإزالة لا يمكن أن يوجد المقتضي للصّلاة أصلا لما ذكرنا من عدم إمكان اجتماع المقتضين للضدّين في عالم الوجود، ففي هذا الفرض (أي فرض وجود المقتضي للإزالة) لا بدّ وأن تكون الصّلاة معدومة لعدم وجود المقتضي لها ومع انعدامها كيف تكون مانعة عن وجود الإزالة؟»(1).
هذا هو الجواب الأوّل عن الوجه الأوّل وهو تامّ في محلّه.
الجواب الثاني: أنّ مقدّميّة عدم أحد الضدّين يستلزم الدور، لأنّه بناءً على المقدّميّة يكون عدم أحد الضدّين مقدّمة لوجود الضدّ الآخر، ومن جانب آخر وجود أحد الضدّين مقدّمة لعدم الآخر، فعدم القيام مثلا مقدّمة لفعل الجلوس، وفعل الجلوس أيضاً مقدّمة لعدم القيام، وفي المثال المعنون في المقام يكون عدم الصّلاة مقدّمة لفعل الإزالة وفعل الإزالة أيضاً سبب لترك الصّلاة، وهذا دور محال.
إن قلت: إنّ المقدّميّة هنا أمر فعلي من أحد الطرفين وشأني من طرف آخر، بينما لا بدّ في تحقّق الدور من كون المتوقّف والمتوقّف عليه فعليين، وبيان ذلك أنّ ترك الصّلاة مثلا مقدّمة للازالة فعلا، ولكن الإزالة مقدّمة لترك الصّلاة فيما إذا لم يكن في البين صارف عن الصّلاة كعدم إرادتها لا مطلقاً، أي عدم الصّلاة في صورة عدم إرادتها يستند إلى عدم المقتضي ووجود الصارف، ولا يستند إلى الإزالة حتّى تكون الإزالة مقدّمة له.
قلنا: أنّه يكفي في تحقّق الدور مجرّد الشأنيّة للمقدّميّة، بل يتحقّق الدور حتّى فيما إذا كان الطرفان كلاهما شأنيين، فلا يمكن أن يكون كلّ من «الألف» و «الباء» مقدّمة للآخر حتّى شأناً.
الجواب الثالث: أنّ شأن وجود أحد الضدّين مع عدم الآخر شأن وجود أحد النقيضين مع ارتفاع الأخر، فكما لا ترتّب ولا توقّف وجداناً بين وجود الإنسان مثلا وارتفاع اللاإنسان بل إذا حصل سبب وجود الإنسان حصل الإنسان وارتفع اللاإنسان في رتبة واحدة من دون أن يرتفع اللاإنسان أوّلا ثمّ يحصل الإنسان في المرتبة المتأخّرة، كذلك إذا حصلت إرادة المأمور به حصل هناك أمران في عرض واحد بالوجدان فعل المأمور به وترك ضدّه، فيكونان إذاً معلولين لعلّة واحدة لا تقدّم لأحدهما على الآخر.
وإن شئت قلت: أنّه لا ريب في كون وجود أحد الضدّين في رتبة وجود الضدّ الآخر، ولا ريب أيضاً في كون وجود كلّ من الضدّين في رتبة عدم نفسه لأنّهما متناقضان، ولازمه أن يكون وجود كلّ واحد من الضدّين في رتبة عدم الضدّ الآخر، لأنّ مساوي المساوي مساو، فإذا كان وجود أحد الضدّين مساوياً لوجود الضدّ الآخر رتبة وكان وجود كلّ واحد منهما مساوياً لعدمه رتبة ـ كان وجود أحدهما مساوياً لعدم الآخر أيضاً رتبة، وحينئذ لا ترتّب ولا توقّف بينهما وهو المطلوب.
الجواب الرابع: ما أفاده في تهذيب الاُصول وحاصله: «أنّ العدم مفهوم اعتباري يصنعه الذهن إذا تصوّر شيئاً ولم يجده شيئاً إذا رجع إلى الخارج فهو مسلوب عنه أحكام الوجود والثبوت، إذ لا شيئية له، فلا تقدّم له ولا تأخّر ولا مقارنة، بل كلّ الحيثيات مسلوبة عنه سلباً تحصيليّاً لا بمعنى سلب شيء عن شيء بل السلب عنه من قبيل الإخبار عن المعدوم المطلق بأنّه لا يخبر عنه، فما يتكرّر بين كلمات المشاهير من أهل الفنّ من عدّ عدم المانع من أجزاء العلّة مرجعه إلى أنّ وجوده مانع عن تحقّق المعلول لا أنّ عدمه دخيل، إذ العدم مطلقه ومضافه أقصر شأناً من أن يحوم حوله التوقّف لأنّه البطلان واللاشيئية»(2).
أقول: وهذا الجواب أيضاً متين في محلّه.
إلى هنا تمّ الكلام عن الوجه الأوّل من الوجهين اللّذين استدلّ بهما للقول الأوّل في المقام.
الوجه الثاني: مسلك التلازم واتّحاد المتلازمين في الحكم، (وهو غير الوجه الأوّل الذي كان مبنياً على مقدّميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر) وهو أيضاً يتوقّف على ثلاث مقدّمات:
1 ـ إنّ وجود أحد الضدّين ملازم لعدم الآخر وإلاّ يستلزم ارتفاع النقيضين، لأنّ عدم الضدّ الآخر يكون نقيضاً لوجوده، فإذا لم يكن وجود الضدّ الأوّل ملازماً لا لوجوده ولا لعدمه يستلزم ارتفاع النقيضين، وهو واضح (بل هذا هو معنى التضادّ).
2 ـ إنّ المتلازمين متساويان في الحكم فتتساوى مثلا الإزالة وترك الصّلاة في الوجوب.
3 ـ أنّ وجوب ترك فعل يقتضي النهي عن ضدّه وهو وجوده بمقتضى ما سبق في الضدّ العامّ. فيستنتج من هذه الثلاثة أنّ الأمر بالإزالة يقتضي حرمة فعل الصّلاة من دون حاجة إلى إثبات مقدّميّة ترك الصّلاة لفعل الإزالة كما في الوجه الأوّل.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني(رحمه الله) بالنقاش في المقدّمة الثانيّة، وحاصل بيانه أنّ غاية عدم اختلاف المتلازمين عدم اختلافهما في الحكم بحيث يكون كلّ واحد منهما محكوماً بحكم فعلي مغاير لحكم الآخر لا أن يكونا متّحدين في الحكم بل يجوز أن يكون الملازم
محكوماً إنشاءاً بحكم مخالف لحكم ملازمه لكن قد سقط فعليّته بفعلية الأهمّ الملازم له، كما إذا وجب انقاذ الغريق وحرم إنشاءاً ترك الصّلاة الملازم له لكن قد سقطت حرمته الفعليّة لأهمّية الانقاذ.
لا يقال: إنّه إذا لم يجب أن يكون الملازم محكوماً بحكم ملازمه لزم خلوّه عن الحكم.
لأنّا نقول: أنّ عدم جواز خلوّ الواقعة عن الحكم إنّما هو بالنسبة إلى الحكم الواقعي ولو كان إنشائيّاً لا الحكم الفعلي، والملازم وإن لم يكن محكوماً فعلا بحكم ملازمه، ولكنّه محكوم واقعاً بحكم إنشائي ولو كان مخالفاً لحكم ملازمه.
أقول: ونضيف إلى ذلك: أنّه لا إشكال في جواز خلوّ الواقعة عن الحكم إنشاءً وفعلا إذا لم تكن الواقعة ذات شأن كاللعب بالسبحة مثلا، أو يكون جعل الحكم فيها لغواً أو شبه ذلك، بل لا بدّ للشارع جعل الحكم بالنسبة إلى الوقائع التي يبتلي به المكلّفون وتكون ذات شأن في الخارج، وإلاّ يستلزم نقصان الشريعة المقدّسة، وما نحن فيه من القسم الأوّل، لأنّ جعل الوجوب لترك الصّلاة الملازم لفعل الإزالة لغو لا حاجة إليه مع وجوب الإزالة لأنّه يحصل بفعل الإزالة قهراً سواء أراده المكلّف أو لم يرده وسواء كان واجباً أو مباحاً.
إن قلت: ظاهر بعض الرّوايات والآيات أنّه ما من واقعة إلاّ ولها حكم في الشرع.
قلنا: هذه الرّوايات أو الآيات ناظرة إلى القسم الثاني من الوقائع، أي الوقائع التي تكون ذات شأن في الواقع ويبتلى به المكلّف ممّا له فائدة.
ثمّ إنّه يمكن المناقشة في هذا الوجه بالنسبة إلى المقدّمة الثالثة أيضاً حيث إنّها مبنيّة على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه العامّ، لأنّ ترك الصّلاة ضدّ عام لفعل الصّلاة، وقد مرّ في المقام الأوّل عدم نهوض دليل على ذلك.
فظهر أنّ السالم من الإشكال إنّما هو المقدّمة الاُولى، وهي وجود التلازم بين وجود أحد الضدّين وعدم الآخر، ومن العجب إشكال تهذيب الاُصول في هذه المقدّمة أيضاً حيث قال: «إنّ نقيض كلّ شيء رفعه لا إثبات هذا الرفع فنقيض قولنا «يصدق عليه السواد» هو «أنّه لا يصدق عليه السواد» لا أنّه يصدق عليه عدم السواد، وكم فرق بين السالبة المحصّلة وبين الموجبة المعدولة أو الموجبة السالبة المحمول، كما إذا قلت: «يصدق عليه أنّه ليس بسواد»(3).
وفيه: أنّ من المعلوم أنّ الضدّين لا يجتمعان في الوجود بلا إشكال، وإذا لم يجتمع وجود أحد الضدّين مع وجود الضدّ الآخر، يجتمع لا محالة مع عدمه لأنّ النقيضان لا يرتفعان، وليس في البين قضيّة حتّى يتكلّم عن أنّ نقيضها سالبة محصّلة أو موجبة معدولة.
وإن شئت قلت: وجود البياض ملازم لعدم السواد إلاّ أنّه يصدق عليه عدم السواد، وكم فرق بين الملازمة وبين صدقه عليه.
هذا، وقد ظهر إلى هنا أنّه لا يمكن إثبات أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاصّ لا من طريق مقدّميّة ترك أحد الضدّين للضدّ الآخر ولا من طريق وجود التلازم بينهما، ولكن لنا في المسألة بالنسبة إلى مسلك المقدّميّة تفصيل فنقول: ربّما يكون الضدّان فعلين قائمين بشخص واحد، فلا إشكال في أنّ ترك أحدهما ليس مقدّمة لوجود الآخر بل إرادة أحدهما يلازم ترك الآخر قهراً، فمثلا حصول الجلوس ليس متوقّفاً على ترك القيام بل يحصل الجلوس وينعدم القيام في عرض واحد وفي رتبة واحدة بإرادة الجلوس فقط، كما أنّ تحقّق النوم لا يكون متوقّفاً على اعدام اليقظة في الرتبة السابقة بل تنعدم اليقظة ويحصل النوم بإرادة النوم فقط.
وإن شئت قلت: إذا حصل الداعي لأحدهما يحصل الصارف عن غيره في رتبة واحدة.
وهذا بخلاف ما إذا كان الضدّان فعلين قائمين بشخصين كإشغال محلّ خاصّ من المسجد، فإنّه لا يمكن إشغال زيد له إلاّ بترك إشغال عمرو له، أو كانا فعلين قائمين بشخص واحد ولكن المحلّ واحد وموضوع خارجي فلا يمكن أن يملأ إناء الماء مثلا من اللبن بدون فراغه من الماء، وهكذا كتابة شيئين في لوح واحد فلا يمكن كتابة أحدهما إلاّ بعد محو الآخر، فهنا يكون عدم أحدهما مقدّمة للآخر.
إن قلت: لازم هذا ـ التفريق بين الضدّين اللّذين كان أحدهما موجوداً من قبل، وما ليس كذلك، فالمقدّميّة حاصلة في الأوّل دون الثاني، أي أنّها موجودة رفعاً لا دفعاً.
قلنا: عدم وجود أحد الضدّين من قبل في القسم الأخير لا يلازم عدم كونه مقدّمة، بل لازمه حصول المقدّمة من قبل، ففراغ الإناء من الماء لقبول اللبن ليس دليلا على أنّ عدم الماء فيه لا يكون مقدّمة للبن، بل معناه حصول المقدّمة من قبل، وهو واضح.
وإلى ما ذكرنا يشير ما هو المعروف في محلّه من «أنّ التخلية قبل التحلية»، نعم إنّ الأمثلة المتداولة في كلمات القوم في المقام كمثال الصّلاة والإزالة إنّما هي من القسم الأوّل، ولعلّ ملاحظة هذه الأمثلة أوجبت إنكار المحقّقين للمقدّميّة في مطلق الأضداد، فتدبّر جيّداً حتّى تعرف الفرق بين الموردين فإنّه دقيق.
__________________
1. راجع منتهى الاُصول: ج1، ص308، للمحقّق البجنوردي (رحمه الله).
2. راجع تهذيب الاُصول: ج1، ص232، طبع مهر.
3. تهذيب الاُصول: ج1، طبع مهر، ص234 ـ 235.
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|