أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-02
1426
التاريخ: 2023-05-05
1251
التاريخ: 2023-10-30
2281
التاريخ: 2023-05-04
2058
|
هل كان التكلّم بلسان قومٍ يستدعي الاعتراف بما تحمله لغتهم من ثقافات ؟ أم كان لا يعدو سِوى المجاراة معهم في الاستعمال ؟
الثاني هو الصحيح الواقع ؛ ذلك أنّ المحاورة لأجل التفاهم في أيّ لغةٍ لا يستدعي سِوى العلم بمعاني الكَلِم الإفراديّة والجُمليّة في الاستعمال الدارج فعليّاً لدى القوم ، فكان ينبغي المُماشاة معهم ومُجاراتهم في تبادل المفاهيم حسبما يتعاهدونه الآن ، من غير نظرٍ إلى أصل الوضع والدواعي التي دعت إلى وضع كلّ لفظةٍ لمعنىً خاصّ ، فإنّ هذه الدواعي كانت ملحوظةً لدى الوضع ولا تُلحظ حين الاستعمال ، وربّما كان مستعملو اللفظة في ذُهولٍ عن الأسباب الداعية للأوضاع الخاصّة الأَوّليّة .
خُذ مثلاً لفظة ( المجنون ) وُضِعت للمُصاب بداء توتّر الأعصاب ، وكان السبب الداعي لهذا الوضع في حينه اعتقاد أنّه أُصيب بِمَساسِ الجنّ ؛ ومِن ثَمّ كانوا في العهد القديم يعالجون المصابين بهذا الداء بالرُّقَى والتعاويذ لغرض إبعاد الجنّ عنهم فيما زعموا ، واليوم أصبحت هذه العقيدة خُرافة ، غير أنّ أبناء اللغة لا يزالون يتداولون اللفظة لغرض التفاهم مع بعضهم ، حيث اللفظة أصبحت مجرّد علامة للدلالة على هذا المعنى بمفهومه الجديد لا الخُرافة البائدة ، وإن كانت هي السبب للوضع في وقته ، غير أنّه غير ملحوظ بل مرفوض في الاستعمال حاليّاً .
والصحراء القاحلة سمّيت ( مَفازَة ) تفاؤلاً ، وتَتَداولُ التسمية من غير أنْ تُلحظ فيها ذاك التفاؤل الملحوظ عند الوضع ، أو مَن سَمّى ابنه جميلاً لِما يرى عليه مسحةَ جمالٍ ، وغيره ممّن يستعمل اللفظة إنّما يستعملها لأنّها عَلَمٌ عليه رُغم عدم لحاظ جمالٍ فيه ، أو كان يرى العكس ؛ ذلك لأنّ التسمية تحقّقت وأصبح الاسم عَلَماً له من غير أنْ يُحمل مفهومه المَلحوظ عند التسمية .
وعليه ، فالاستعمالات الدارجة تابعة لمداليلِ الألفاظ كعلائمٍ على المعاني محضاً ، ولا تُلحظ الدواعي والمناسبة الأَوّليّة التي لاحظها الواضع حين الوضع .
فلنفرض أنّ لفظة ( الخُلُق ) إنّما وُضِعت للصفات والمَلَكات النفسيّة ؛ لِما كانت جاهليّة العرب تعتقد أنّ للصفات النفسيّة مَنشَأً في الخَليقة الأُولى ، والإنسان مجبول عليها ومسيَّرٌ في حياته وِفق ما فُطِر عليه ، تلك عقيدة جاهليّة بادت ولكنّ التسمية دامت ، والمستعملون اليوم لا يريدون هذا المعنى قطعيّاً ، وهكذا فيما جاء استعماله في القرآن ، فإنّها مُجاراة في الاستعمال وليس اعترافاً بما تحمله اللفظة من مفهومها الأَوّلي البائد .
|
|
دراسة تحدد أفضل 4 وجبات صحية.. وأخطرها
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تحتفي بذكرى ولادة الإمام محمد الجواد (عليه السلام)
|
|
|