1

بمختلف الألوان
رِسالةٌ إلى قَلبِكَ (الرَّحمَةُ) عِندَما تَضِيقُ بِكَ الدُّنيا، وَعِندَما تَتَسَاءَلُ: أينَ الفَرجُ مَتَى تَنكَشِفُ الغُمَّةُ تَذَكَّرْ هذهِ الآيَةَ العَظيمَةَ: {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اسلامية
الآثار الوضعية للذنوب... ترك الصلاة وأثرها في الضياع والحرمان (34)
عدد المقالات : 328
حسن الهاشمي
الفاصل بين المؤمن المقيّد بالأحكام الشرعية وبين الانسان المتهتّك لحرمات الله تعالى، العامل بالمنكر والخائض بالفواحش والسيئات، هو ان الأول يتسامى روحيا واجتماعيا والثاني يتسافد في كل الأصعدة، والنقطة الفاصلة بين التسامي والتسافد هي ذكر الله في كل صغيرة وكبيرة وفي كل شاردة وواردة، ومن الواضح ان ذكر الله أساس السعادة والخير والرفاه للفرد والمجتمع على حد سواء، وبما ان الصلاة التي يؤدّيها المؤمن خمس مرات في اليوم هي ذكر وعبادة واستقامة، فإنها تعدّ الباب الرئيسي للدلوف الى أبواب الرحمة الإلهية، والابتعاد عن كل ما يعرقل تلك المسيرة الربانية الخالدة من شين وفاحشة وإفك وطغيان، يقول تعالى في هذا الصدد: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) العنكبوت:٤٥.
في الصلاة محاولة صادقة للهجر والخلاص من الذنوب، وفي الصلاة سعي للعودة بطهارة النفس وسلامتها إلى لحظة ميلادها الفطري بنقائه وطهارته؛ لأن في الصلاة عزيمة جادّة لهجر الموبقات، ومحاولة مخلصة للانفلات من قيود المادة والشهوات، فالعبد عندما يتخلص من قيود الفحشاء والمنكر، فإنه يتسامى في أجواء الطهر والفضيلة ولا يتحقق ذلك إلا بالصلاة والدعاء والارتباط الروحي بالخالق المتعال، وحينما تكون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر، فإن ترك الصلاة جالبة لهما، وهذه الآية تحثّ على الصلاة، ومفهومها يحذر من مغبة تركها لئلا يقع المكلف في محذور المنكر والمعاصي والذنوب التي لها عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع.
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل: (في الآية الآنفة الذكر يمكن التفريق بين الفحشاء والمنكر بأن الفحشاء هي إشارة للذنوب الكبيرة الخفية، وأما المنكر فهو الذنوب الكبيرة الظاهرة، أو أن الفحشاء هي الذنوب التي تنتج بغلبة القوى الشهوانية، والمنكر من أثر القوى الغضبية.
طبيعة الصلاة - حيث أنها تذكر بأقوى رادع للنفس، وهو الاعتقاد بالمبدأ والمعاد - فإنها تردع عن الفحشاء والمنكر، فالإنسان الذي يقف للصلاة، ويكبر، يرى الله أعلى من كل شئ وأسمى من كل شئ، ويتذكر نعمه فيحمده ويشكره، ويثني عليه وينعته بأنه رحمان رحيم، ويذكر يوم الجزاء " يوم الدين " ويعترف بالعبودية له، ويطلب منه العون، ويستهديه الصراط المستقيم، ويتعوذ به من طريق المغضوب عليهم، ويلتجئ إليه (مضمون سورة الحمد).
فلا شك أن قلب مثل هذا الإنسان وروحه سوف تدبّ فيها حركة نحو الحق، واندفاع نحو الطهارة، ونهوض نحو التقوى. يركع لله.. ويضع جبهته على الأرض ساجدا لحضرته، ويغرق في عظمته، وينسى أنانيته وذاتياته جميعا، ويشهد بوحدانيته وبرسالة النبي (صلى الله عليه وآله)، ويصلي ويسلم على نبيه، ويرفع يديه متضرعا بالدعاء ليجعله في زمرة عباده الصالحين، جميع هذه الأمور تمنح وجوده موجا من المعنوية، وتكون سدا منيعا بوجه الذنوب، ويتكرر هذا العمل عدة مرات ليل نهار.
وبغض النظر عن كل ما تقدم فإن الإنسان حين يتهيأ لمقدمات الصلاة، يطهر بدنه ويبعد عنه مسائل الحرام والغصب، ويتجه إلى الحبيب، فكل هذه الأمور لها تأثير رادع لنوازع الفحشاء والمنكر، غاية ما في الأمر أن كل صلاة - بحسب شروط الكمال وروح العبادة لها - أثر رادع ناه عن الفحشاء والمنكر، فتارة تنهى نهيا كليا وأخرى جزئيا ومحدودا.
ولا يمكن لأحد أن يصلي ولا تدع الصلاة فيه أثرا حتى لو كانت الصلاة صورية، وحتى لو كان ملوثا بالذنب وبالطبع فإن مثل هذه الصلاة قليلة الفائدة ومثل هؤلاء الأفراد لو لم يصلوا صلاة كهذه لكانوا أسوأ مما هم عليه.
هذا الأثر للصلاة له أهمية قصوى إلى درجة أننا نجده في الروايات الإسلامية معيارا لقبول الصلاة وعدمها، إذ ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: " من أحب أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل، فلينظر هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قبلت منه ".
ويقول القرآن تعقيبا على ما ذكره ومن شأن الصلاة ولذكر الله أكبر، وظاهر الجملة هو بيان غاية وحكمة أخرى في الصلاة، أي أن أثرا آخر من آثار الصلاة وبركاتها أهم من كونها تنهى عن الفحشاء والمنكر هو تذكير الإنسان بربه، هذا الذكر هو أساس السعادة والخير، بل العامل الأصلي للنهي عن الفحشاء والمنكر أيضا هو ذكر الله، وكونه أكبر لأنه العلة والأساس للصلاة.
وأساسا... فإن ذكر الله فيه حياة القلوب ودعتها، ولا شئ يبلغ مبلغه ألا بذكر الله تطمئن القلوب، ولا ريب أن روح العبادة بجميع أقسامها - صلاة كانت أم غيرها - هو ذكر الله، فأذكار الصلاة، وأفعالها ومقدماتها، جميعها في الواقع تحيي ذكر الله في قلب الإنسان) بتصرف وتلخيص الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج 12 ص400 ـ 403.
فالصلاة سعي للهجرة إلى الله تعالى والتسامي نحوه، وهي محاولة للتعالي عن السفاسف والانتقال إليه في تلك الهجرة الناصعة، وهي عودة إلى الله بعد كل فترة زمنية يمارس فيها الإنسان حياته؛ فيتعامل مع نفسه أو مع الله والناس الذين يعيش معهم، فيتهاون بأداء حقوق الله عليه حيناً، أو يسيء إلى الناس فيسلك سلوكاً شاذاً ومنحرفاً حيناً آخر، فيكون بحاجة إلى التخلّص من هذه الآثار السلوكية السلبية، والتوجهات النفسية المنحرفة، فيجد في الصلاة محطة لتطهير النفس، والتأمل في خيرها وصلاحها، ومنطلقاً لتغيير مساره وتوجهه في الحياة.
فهو في وقفته الصادقة بين يدي الله تعالى، يستغفره ويتضرّع إليه، ويعلن براءته وندمه عما اقترفه من ذنوب ومعاصي، ورغبته في الاستقامة والطهارة، فيجدّد بذلك عهده مع الله، ويستشرف آفاق مسيرته الحياتية من أوضح مداخلها، وأصفى أجوائها، فتنمو بكثرة الممارسة والإقبال على الصلاة ملكات الخير، وتتصاغر نوازع الشر، وتتوارى عن الظهور مناشئ الإجرام، فتقوى بذلك العزيمة، وتشتّد الإرادة على الإصلاح وارتياد سبل الخير، وتنمو الرغبة في الطرح والخلاص من كل سيئ في الحياة، بممارسة انسحاب النفس الدائم، وإخلاء آفاقها من عتمة الجرائم والآثام.
وبما ان للإيمان درجات فان للشقاء درجات أيضا، وكلما ذاب الانسان في حبه لله تعالى وتفانى من أجل القيم والمقدسات كلما ابتعد عن المنكر والفواحش والسيئات، وقبول الصلاة من عدمها يرتكز على قاعدة "ثواب الأعمال وعقابها" اتساعا وضيقا، فذروة الثواب هي التعلق بالحب الإلهي واقصاء كل ما يحول دونه، وذروة العقاب هي التعلق بالحب الشهوي واقصاء كل ما يحول دونه، وما بينهما درجات في الايمان ودرجات في الطغيان، والسعيد من يرجح كفة الايمان على من سواها فهي الجالبة للخير والرفاه والسعادة وما دونها خرط للقتاد.
لذا كانت الصلاة نظاماً تعبدياً لوقاية النفس من شذوذها، وعلاجاً جذرياً يداوي أمراضها، بتعهّد قواها وملكاتها ونوازعها بالتنشئة الصحيحة والتربية المستقيمة، ولعل الله تعالى حذّرنا من مغبّة ترك الصلاة لئلا نقع في مستنفع الفساد والرذيلة التي لها آثار وضعية يكتوي بها كلّ من تسوّل له نفسه بترك شكر المنعم، ويا لها من آثار وخيمة تسلب البركة والبهاء والتوفيق من العبد، ولا خير بحياة ليس لها حصانة توقيه الشرور والمخاطر، والصلاة هي خير حصن للمؤمن وإنها قربان كل تقي، وتاركها لا يزال يتخبطه الشيطان حتى يرد المهالك غير مأسوف عليه.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/06/15م
إنّ الساحة الإسلامية والعربية تعاني من شحة الأعمال الفنية  التي تخاطب الآخر وتؤثر فيه، الأعمال التي تخاطب شعوب  العالم وتعرّفهم برموزنا الإسلامية والإنسانية،ومع هذه الشحة وعدم الاهتمام بالإنتاج الفني نجد عملا فنياضخما ورائعا وهو وأنشودة "علي إمام العالمين" فالذي يميز هذا العمل هو فكرته الفريدة ،إذ... المزيد
عدد المقالات : 45
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/06/15م
فى 4 سبتمبر من عام 476 ميلادية تم عزل رومولوس أوغسطس آخر إمبراطور لـ الإمبراطورية الرومانية الغربية على يد أوداكر وهو قائد بربري ألمانى أعلن نفسه ملكًا لإيطاليا. كان أودواكر قائدًا مرتزقًا في الجيش الإمبراطوري الروماني عندما شن تمرده ضد الإمبراطور الشاب، وفي بياتشينزا الإيطالية، هزم الجنرال الروماني... المزيد
عدد المقالات : 47
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/06/15م
حسن الهاشمي العلاقة بين العتبة العباسية المقدسة وبين حوزة النجف الاشرف علاقة تكاملية ولا سيما بعد سقوط الصنم عام 2003م، وتطوّرت هذه العلاقة بشكل واضح، وانتقلت من علاقة رمزية إلى علاقة تفاعلية وداعمة ومؤسسية، اذ قامت العتبة بإنشاء مدارس دينية تحت إشراف علماء مرتبطين بالحوزة، وان لدور المرجعية في... المزيد
عدد المقالات : 328
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 1 اسبوع
2025/06/12م
لوحة من الألوان الساحرة ومياه براقة في مشهد ساحر أقرب لأفلام الخيال العلمي تقع البحيرة المرقطة على بعد 8.8 كيلومتر من غرب أوسيوس في مقاطعة كولومبيا البريطانية الكندية ، وتغطي مساحة 152 كيلو متر مربع ، بشكلها الفريد النادر الذي يشبه جلد النمر حيث تتبخر معظم مياهها في فصل الصيف وتتحول المركبات المعدنية... المزيد
عدد المقالات : 47
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/06/18م
في صحراء الشمس، وعلى صهوة البيان، وقف النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) والسماء تصغي والأرض تتهيّأ لموعدٍ خالد. فوق هامات الحجيج، ارتفع النداء: "من كنت مولاه، فهذا عليٌّ مولاه." لم تكن كلمات، بل كانت وصايا السماء، كانت يدًا مرفوعة من نور، تبايع العدل والوصاية والهدى. ومنذ ذلك اليوم، صار الغدير نبضَ... المزيد
عدد المقالات : 3
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ اسبوعين
2025/06/09م
ظمأ وعشق ( قصة مبعوث الحسين مسلم بن عقيل ) *( رسائل ومبعوث) لَحِقَ الأمَّةَ عارٌ بعد تسلّم يزيد الخلافة ممَّا دعا أهل الكوفة الى إرسال الرسائل المتكررة لابن بنت رسول الله في المدينة أرسلوا له الدعوة يحملونه المسؤولية أَمام الله والأمَّة إنْ تأخر عن إنقاذهم من ظلم الأمويِّين وعُنفهم. تمهل الإمامُ... المزيد
عدد المقالات : 380
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/06/02م
بقلم زيد علي كريم الكفلي جلست وحدي في غرفتي الصغيرة وجلس معي طيرا توقف عن الطيران... شاهدت بصيص شعاع نور أنار ظلامي أخذت أتأمله طويلا... سمعت صوته يحوم في أزقة أفكاري إلى متى وأنت تجلس في هذا الظلام بحثت عنه في كل الظلمات... في وراء النجمات... في أوراق الزمن الماضي... رأيت صورته المعلقة على جدران قلبي... المزيد
عدد المقالات : 78
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 3 اسابيع
2025/05/30م
أرض الأحلام قصيدة للشاعر/حمدي الروبي ................ يتجمدُ .. كلُّ الماءِ العذب تتناثرُ .. كلُّ حروفِ الحب تتدافعُ عبراتُ الأشواق طوفانًا يجتاحُ العشَّاق وأحملُ أوراقكِ ، أوراقي وأُخبئكمُ .. في أحداقي وأسعى .. في معراج الوجد إسراءً .. في أرض الأحلام أتطايرُ .. فوقَ الأوهام حيث .. لا ظلم ولا وهم حيث ..... المزيد
عدد المقالات : 31
علمية
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء الحادي عشر: هل نعرف حقًا أين هو رحلة في قلب مبدأ عدم اليقين الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 15/6/2025 في الوصف التقليدي للجسيمات، نفترض أنها تمتلك موقعًا محددًا في كل لحظة زمنية. هذا هو جوهر الفيزياء الكلاسيكية،... المزيد
سلسلة في مفاهيم الفيزياء الجزء العاشر: في ميكانيكا الكم التأملي وتجربة "الجسيمات التي تعرف نفسها" الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 15/6/2025 لنتأمل تجربة تستند إلى النظرية الكمية؛ إنها تجربة فكرية، أي تجربة نتخيلها في أذهاننا لشرح فكرة غريبة... المزيد
مزايا وعيوب التضخم يمكن تفسير التضخم على أنه شيء جيد أو سيئ، اعتمادًا على الجانب الذي يتخذه الشخص، ومدى سرعة حدوث التغيير. المزايا قد يرغب الأفراد الذين لديهم أصول ملموسة (مثل العقارات أو السلع المخزنة) مسعرة بعملتهم المحلية في رؤية بعض التضخم... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
عظمة أهل البيت (عليهم السلام) وحدود القياس...
السيد رياض الفاضلي
2025/02/20م     
النخب والمفاهيم النمطية الموروثة
عبد الخالق الفلاح
2024/11/16م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/05/04
أصدر قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كتابًا بعنوان "قلوب بلا مأوى". يضمّ الكتاب مجموعة قصصية إنسانية...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
2025/05/04
( صاحب النعمة يجب أن يوسع على عياله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com