
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
نقرأ في الأدعية قول المعصوم في الدعاء: يا مَن هو بالمنظر الأعلى، وبالأفق المبين.. فما معنى ذلك؟
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فقد سألتم عن المراد من الفقرة الواردة في الدعاء بعد زيارة عاشوراء ـ والتي تقول: يا من هو بالمنظر الأعلى، وبالأفق المبين..
ونقول في الجواب:
قال الله تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: 22، 23]
والظاهر أنّ المراد بالأفق المبين في الآية، هو نفس الأفق الأعلى، الوارد في سورة النجم: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى* وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} [النجم: 5 - 7]
غير أنّ الضمير في كلا الموردين يرجع إلى جبرئيل (عليه السلام).
وأمّا التعبير بالمنظر الأعلى في الدعاء، فلعلّه ناظر إلى ما ورد في سورة النجم، والتعبير بالأفق المبين ناظر إلى ما في سورة التكوير.
ولكن الخطاب في كليهما في الدعاء هو لله سبحانه.
وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: مَن قال في كلّ يوم من شعبان سبعين مرّة: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن الرحيم، الحي القيوم، وأتوب إليه. كُتب في الأفق المبين. قال: قلت: وما الأفق المبين؟ قال: قاع بين يدَي العرش، فيه أنهار تطَّرِد، وفيه من القدحان عدد النجوم (1).
والمراد هو مناجاته تبارك وتعالى باعتبار أنّه هو المالك والمتصرّف والمهيمن على كلّ شيء، تماماً على حدِّ قوله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف: 84].
فألوهيّته تعالى في السماء وفي الأرض لا على معنى كونه في مكان تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، بل بمعنى أنّه الخالق، الحيّ، القيوم، العالم، الخالق، البارئ، المصوّر، الخالق، المالك، المتصرّف بما يناسب مقام ألوهيّته تبارك وتعالى.
وهو بالأفق المبين، وبالمنظر الأعلى، ترى آياته، وتشاهد تجلّيات عظمته، وتظهر بدائع صنعه.
ويشير إلى ذلك تصريح الرواية الآنفة الذكر بأنّ الأفق المبين قاع بين يدي العرش، أي عرش القدرة، حيث تتجلّى العظمة الإلهيّة، في الآيات الكبرى التي رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين المعراج: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 18] و{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
وربّما يمكن تأييد ذلك بأنّ الوارد في الدعاء هو قوله: بالأفق وبالمنظر، حيث جاءت التعدية بواسطة الباء، لا بواسطة الفاء؛ لأنّ الفاء تفيد الحلول في مكان، من حيث إفادتها الظرفيّة، أمّا الباء فلعلّها باء الملابسة التي تعني أنّ ظهور آيات الألوهيّة قد جاء ملابساً للأفق المبين وله نوع ارتباط به.
والحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسوله محمّد وآله الطاهرين (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخصال: ج2، ص582؛ تفسير نور الثقلين: ج5، ص519.
(2) مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيّد جعفر مرتضى العامليّ، «المجموعة السادسة»، المركز الإسلاميّ للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003، السؤال (293).